شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الحريات العليا والحريات السفلى... هل يبقى الغرب أفضل؟

الحريات العليا والحريات السفلى... هل يبقى الغرب أفضل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والمهاجرون العرب

الأحد 5 نوفمبر 202304:05 م

في خضم ما يحدث حالياً عاودت مشاهدة عدد من الأفلام العربية التي تناولت الصراع العربي الإسرائيلي، وربما من أكثر الأفلام التي اقتربت من واقع هذا الصراع لا سيما في مرحلة ما بعد أوسلو، هو فيلم السفارة في العمارة لعادل إمام.
تناول الفيلم الهوة بين المواقف الحكومية والمواقف الشعبية تجاه إسرائيل، وطبيعة جنوح الأفراد للسلام أو اللامبالاة بجوهر القضايا في مراحل السلم، وهذا التبادل الدبلوماسي والعلاقة الانسانية "التوكسيك" بين العرب وأولاد عمهم. في أحد مشاهد الفيلم يدور هذا الحوار:
- يا شريف أنت عايز تكون ضد مصلحة الدولة العليا؟
- لا يا باشا بس الدولة ما تكنش ضد مصلحتي أنا السفلى.
هذا الحوار لا يتوقف فقط عند اختلاف وجهات النظر أو المصالح بين المواطن العربي وحكومة بلاده، بل في كل مكان في العالم لا بد أن يكون هناك اختلاف بين مصلحة الدولة العليا، ومصلحة المواطن السفلى.
المشهد الإعلامي الموجه الصارخ في العالم الغربي حالياً والذي يعكس مصالح الدولة العليا، هو في الغالب لا يعكس مصالح المواطن الغربي السفلى، ومثال أوكرانيا الذي لا يقف بعيداً في التاريخ يبقى شاهداً على هذا الاختلاف. فعند بدء الغزو الروسي لأوكرانيا اتخذ العالم الغربي إجراءات شديدة ضد روسيا في وقت كان هناك صوت عربي رسمي وشعبي لا بأس به يدعم بوتين في حربه.
اللافت أيضاً أن التيارات السياسية الأوروبية التي تدعم فلسطين اليوم هي في الغالب ضد التشدد في حرب روسيا، والأصوات العربية التي كانت تدعم أوكرانيا هي في الغالب نفس الأصوات التي تدين علناً أو ضمناً الهجوم الذي قامت به حماس دون أن تغفل أهمية الحفاظ على حياة المدنيين في غزة.
هنا رائحة الاتحاد السوفياتي تعود من بعيد، لنرى أن العالم رغم مرور أكثر من 30 عام على نهاية الحرب الباردة، لم تتغير فيه قواعد اللعبة. والحديث عن ولادة نظام عالمي جديد ليس بالجدية التي نتخيل، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى العلاقات الصينية الروسية والتعاطي الصيني والروسي مع الحرب الجديد المندلعة حالياً في الشرق الأوسط.

لهذه الحرب خسائر كبيرة، أكبرها خسائر في أرواح المدنيين، لكن من الخسائر الكبيرة أيضاً هي الخسائر الفكرية والإنسانية، عملية من الرقابة غير المسبوقة على الفكر والتعبير فيما يسمى العالم الحر، وخسائر لا حصر لها على مستوى الحريات
لهذه الحرب خسائر كبيرة، بلا شك، أكبرها خسائر في أرواح المدنيين، لكن من الخسائر الكبيرة أيضاً هي الخسائر الفكرية والإنسانية، عملية من الرقابة غير المسبوقة على الفكر والتعبير فيما يسمى العالم الحر، وخسائر لا حصر لها على مستوى الحريات. لقد وجه العالم الغربي ضربة موجعة للحرية والديمقراطية والعلمانية ولحرية الصحافة وللكثير من القيّم التي اعتبرت دائماً في العالم العربي منتجاً غربياً ولم يكن من السهل تسويقها في دول عانت بمعظمها من الحكم العسكري منذ استقلالها.
هل الحرية منتج غربي فعلاً؟ إذا أردنا الإجابة على هذا السؤال بصراحة وتجرد، نعم إلى حد ما الحرية هي منتج صنع بالغرب دون أن ننفي إسهامات الفلسفة العربية في هذا المنتج.
ولكن الحرية ليست فقط منتجاً وإنما هي منتج جديد لم يتبلور بهذا الشكل الذي نعرفه اليوم وندافع عنه إلا في الخمسين سنة الماضية والمشكلة الرئيسية في هذا المنتج وجميع المنتجات القيمية هي مثاليتها الزائدة عن اللازم على الورق، والاختلاف بين المنهج والتطبيق. سوف تسمع كثيراً عبارات من قبيل الحرية لا تتجرأ والأخلاق لا تتجزاً، ثم سوف تصاب بخيبة الأمل عند التطبيق، إذ تجد للأسف الحرية منتجاً يفصل على مقاس الفرد أو المجتمع أو الدولة.
في أوروبا مثلاً الحرية XL فيما الحريات في العالم العربي XS، لذا لا بد من القول إن الحرية تتجزأ، وتمشي في خط متوازٍ مع المصالح، ولذا يمكن أن نقسم الحريات إلى حريات عليا وحريات سفلى.
هل الحرية منتج غربي فعلاً؟ إذا أردنا الإجابة على هذا السؤال بصراحة وتجرد، نعم إلى حد ما الحرية هي منتج صنع بالغرب دون أن ننفي إسهامات الفلسفة العربية في هذا المنتج.

الحريات العليا

يمكن تعريف الحريات العليا على أنها الحريات السياسية والاقتصادية وهي الحريات التي تمشي بخط متوازٍ مع مصالح الدولة العليا، في هذه الحريات لا يوجد مساحة كبيرة للحركة، لأن الدولة دائماً تفرض على المواطن واجب الدفاع عنها، ولذا حريتك العليا عزيزي المواطن يجب أن لا تتعارض كثيراً مع مصلحة الدولة العليا.
ولكن في الغرب تبقى مساحة الحرية السياسية والاقتصادية أكبر بكثير من العالم العربي، وفي المثال الفلسطيني الحالي لم نجد أن مواطناً غربياً زج به في السجن لأنه يدعم فلسطين، أو تم حجب موقع إلكتروني أو إيقاف صحيفة.
أما في مصر على سبيل المثال لا الحصر، فقد أصدر المجلس الأعلى للإعلام قراراً بحجب موقع مدى مصر ستة أشهر بعد نشر تقرير عن سيناريوهات التهجير لأهالي غزة، واتهم الموقع الذي يعتبر من أهم وسائل الإعلام البديلة في مصر ويعرف بصرامة معاييره المهنية، بنشر أخبار كاذبة.
في الغرب مثلاً لم يهرب ملايين المواطنين من بطش دولتهم كما فعل السوريون، وربما تنخفض، لكن لن تحجب الأصوات المناهضة لموسكو إذا ما انتهت الحرب الأوكرانية في وقت تحول انتقاد إسرائيل إلى خط أحمر في الكثير من البلدان العربية في عصر الاتفاقيات الإبراهيمية.
وبرغم كل التضييق الحاصل في العالم الغربي حالياً، لا تزال تمتلئ الشوارع كل أسبوع بالمتظاهرين الداعمين لفلسطين والقضية الفلسطينية، في وقت تخوفت بعض الحكومات العربية من تحول المظاهرات هذه في بلدانها إلى احتجاجات مطلبية فضيقت عليها هي الأخرى قدر الإمكان.
في أوروبا مثلاً الحرية XL فيما الحريات في العالم العربي XS، لذا لا بد من القول إن الحرية تتجزأ، وتمشي في خط متوازٍ مع المصالح، ولذا يمكن أن نقسم الحريات إلى حريات عليا وحريات سفلى
في الولايات المتحدة قام شبان من اليهود المناهضين للعنصرية برفع أيديهم المصبوغة باللون الأحمر داخل واحدة من قاعات الكونغرس خلال شهادة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، ليقولوا للوزير والحكومة أن أيديهم ملطخة بالدماء، هل من يجرؤ على فعلها في العالم العربي؟
في العالم العربي يتظاهر الناس لوماً للغرب واحتجاجاً على ازدواجية المعايير الغربية، ولكن من توجه إلى حكومة بلاده؟ ومن بإمكانه الإجابة على سؤال كيف يعتبر العرب حكامهم عملاء للغرب، وكذلك يعتبرون الربيع العربي الذي هدف إلى تغيير أنظمة الحكم العسكرية في المنطقة مؤامرة غربية؟
وكما يفعل الغرب اليوم بإخضاع حياة المدنيين في غزة للتوازنات السياسية والمصالح العليا، وافق العرب مراراً على إخضاع حياة المدنيين حتى العرب منهم لنفس التوازنات، فلم يهرع العرب إلى الشوارع للاحتجاج على مقتل السوريين بالجملة خلال السنوات الماضية بل منهم من ساند بشار الأسد وروسيا وإيران في تلك المجزرة.
ولم يهرعوا سابقاً من أجل عرب الأحواز المضطهدين من قبل حكومة طهران، وكثر منهم ناصروا صدام حسين في غزو الكويت، ولم يحركوا ساكناً على الصعيد الشعبي خلال الحرب اللبنانية بل تركوا حكوماتهم تلعب باللبنانيين وبلدهم، فتحضر حتى الآن ذكرى مجزرتي صبرا وشاتيلا لأنهما ارتكبتا بأيدٍ اسرائيلية، وتغيب عن التاريخ ذكرى مجزرة الدامور التي تتهم بتنفيذها فصائل فلسطينية بتغطية من الجيش السوري.

الحريات السفلى

بالانتقال إلى الحريات السفلى فيمكن تعريفها بأنها الحريات الفردية والاجتماعية، وفي هذا المجال تتسع مساحة الحركة لأنها تتسق جداً مع مصالح الدولة من الاستقرار والحفاظ على السلم الأهلي وما إلى ذلك.
في هذا الجانب لا نحتاج أن نفصل كثيراً في المقارنة مع الغرب من حيث حرية الاعتقاد، حرية الملبس، حرية المرأة، مجتمع ميم عين... إلخ
فمثلاً تمتلئ جميع مدن الغرب بالمساجد، في حين لا تزال إمكانية تعرض الكنائس لهجمات إرهابية واردة جداً في العالم العربي، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الإسلام دخيل على الغرب بينما المسيحية أصيلة في الشرق. وهناك الكثير من المجموعات الدينية المضطهدة في المنطقة مثل البهائية وغيرها.
ويمكن للفرد في الغرب أن يحيا كما يريد، ويلبس ما يريد، ويحب ويتزوج من يريد، في وقت لا تزال المحاكم الشرعية في معظم الدول العربية هي من ينظم الزواج والأحوال المدنية.
كل ما ذكر أعلاه هو فقط على صعيد الحريات، ولم نفتح بعد دفاتر الحوكمة والقانون والحقوق، لكن هذا ليس بهدف التأكيد على أن الغرب أفضل، بل هو بهدف فتح السؤال حول واقع مجتمعات الشرق الأوسط، لماذا لا يوجد لدى العرب دول مثل الغرب؟
دول الغرب التي اهتمت بخروج مواطنيها المزدوجي الجنسية من غزة وعددهم 7000 شخص، في وقت تهافتت الدول العربية للتأكيد على رفضها القاطع لاستقبال سكان غزة، وذلك حماية للقضية الفلسطينية (مصالح الدولة العليا).
في الحروب والتوازنات السياسية لا تلعب الحرية دوراً كبيراً، ولا تشكل الأخلاق عاملاً أساسياً، وهنا من المهم التأكيد أن الغرب ليس جنة عدن، وليس مثالياً، ولا مطلق الحرية، لكن الحرية فيه كما ذكرت XL أمام حرية ربما لا تصل حتى إلى XS في العالم العربي
وكذلك لم تتجه أي حكومة لاتخاذ قرار سيادي بفتح معبر رفح الذي يسيطر عليه من الطرفين العرب أنفسهم.
في الحروب والتوازنات السياسية لا تلعب الحرية دوراً كبيراً، ولا تشكل الأخلاق عاملاً أساسياً، وهنا من المهم التأكيد أن الغرب ليس جنة عدن، وليس مثالياً، ولا مطلق الحرية، لكن الحرية فيه كما ذكرت XL أمام حرية ربما لا تصل حتى إلى XS في العالم العربي.
وبعد أن يجيب العرب على سؤال هل يبقى الغرب أفضل؟ عليهم الإجابة على سؤال أكبر هو لماذا أصبح الغرب أفضل؟
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard