شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
في ألمانيا... حتى التضامن مع الضحية صار تهمة

في ألمانيا... حتى التضامن مع الضحية صار تهمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والمهاجرون العرب

السبت 14 أكتوبر 202303:08 م
Read in English:

Silenced solidarity: The perils of supporting Palestinian justice in Germany


تقول إحدى صديقاتي الفلسطينيات في برلين: "ألمانيا هي أسوأ مكان يمكن أن نتواجد فيه اليوم بعد غزة".

لم أسمع هذا من شخص أو اثنين، بل أصبح قولاً متناقلاً ومتفقاً عليه، بين الفلسطينيات والفلسطينيين في ألمانيا، وأيضاً بين الجاليات العربية، وكل من يساند الشعب الفلسطيني اليوم.

في بلد يرفع راية الحريات بمختلف أطيافها وألوانها، ويمنح حق التظاهر السلمي لكل قضية، مهما صغرت أو كبرت. تبدو قضية الشعب الفلسطيني بالنسبة إليه، قضية إشكالية، يوافق فيها على قتل المدنيات والمدنيين بعين مفتوحة على فلسطين، ومغمّضة على إسرائيل والكيان الصهيوني، الذي يتحكم تحكماً تاماً بالسياسة الألمانية الداخلية والخارجية.

في بلد يرفع راية الحريات، ويمنح حق التظاهر السلمي لكل قضية. تبدو قضية الشعب الفلسطيني بالنسبة إليه، قضية إشكالية، يوافق فيها على قتل المدنيات والمدنيين بعين مغمضة على إسرائيل، مفتوحة على فلسطين 

لا تُحكم السلطات هنا العقل ولا الحنكة السياسية عند التعامل مع قضية فلسطين، فيصدر تعميم من وزارة الداخلية بمنع رفع علم فلسطين، أو ارتداء الكوفية أو الهتاف باسم فلسطين وحريتها، وتعتبر هذه التهم كافية لمواجهة الاعتقال التعسفي، والمحاكمة بتهمة معاداة السامية.

في مدينة برلين التي يشكل العرب فيها نسبة تقارب نصف عدد السكان الإجمالي، وفي شوارع ومناطق كاملة يسكنها مهاجرون ولاجئون من أصول عربية، يرفع أحد طلاب المرحلة الثانوية بعمر 14 عاماً، علم فلسطين في المدرسة فيقابله أستاذه بالضرب، جرى ذلك الأسبوع الماضي، في حي نويكولن الذي يسكنه العرب بنسبة غالبة.

شاركت بعد تلك الحادثة، المدارس باختلاف مناطقها بيانات تدين انتهاكات حماس البربرية والعنف الهمجي الذي تقوم به، وتطالب بوقفات حداد تضامنية ضمن المدارس تضامناً مع قتل الإسرائيليين، في تجاهل تام للهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، والموت الذي يطال المدنيات والمدنيين والأطفال والنساء والرجال والشيوخ والقطط والكلاب والهواء الذي يمكن أن يتنفسه الغزيون.

وضمن حالة الاختناق التام يزداد الضغط والحنق العربي في ألمانيا، وتحاول حركات جماعية صغيرة العدد التظاهر في برلين، وفرانكفورت وميونيخ ومدن أخرى، لتواجه شرطة مكافحة الشغب، والاعتقال، والمحاكمات.

ليس هذا جديداً على السياسة الألمانية، فالسلطات تقوم باستمرار بنزع جميع الملصقات والصور وأي إعلانات تضامنية مع فلسطين، وتقوم بالتضييق على الحراكات الفلسطينية في ألمانيا، وتمنع جميع التظاهرات في ذكرى النكبة أيضاً، وكأنها ستقوم بمحو التاريخ بهذه الطريقة وإدماج الناس ضمن رأي واحد وقرار سياسي واحد، مستخدمة فزاعة الترحيل والنفي، وسحب الجنسية والمحاكمات وغيرها من أساليب الدول الاستخباراتية.

تمنع السطات الألمانية التظاهرات في ذكرى النكبة أيضاً، وكأنها ستتمكن من محو التاريخ وإدماج الناس ضمن رأي واحد، مستخدمة فزاعة الترحيل،وسحب الجنسية والمحاكمات وغيرها من أساليب الدول الاستخباراتية.

نواجه كصحفيات وصحفيين أنواعاً مضاعفة من التضييق، فضمن صفحاتنا الشخصية والعامة نحن مطالبات ومطالبون بكم أفواهنا، وعدم مشاركة أي محتوى تضامني مع فلسطين.

لا يقتصر التضييق على الجاليات العربية ولكن أيضاً على الجاليات التركية والإيرانية، وغيرها ممن يساندون الفلسطينيات والفلسطينيين، وعلى الأوروبيين والأوروبيات أنفسهم، الذي يرفضون الخطاب الألماني، فتقول إحدى الصديقات الألمانيات، وهي ناشطة سياسية وعاملة في مؤسسة ألمانية تابعة لوزارة الخارجية، رفضت التصريح عن اسمها: "ليس هناك اعتدال أو رأي واع اليوم في ألمانيا، حتى أفراد حزب الخضر الذين عادة ما يتمسكون بحقوق الإنسان، ويتبعون تياراً معتدلاً منفتحاً، لا يمكن فتح أي نقاش معهم اليوم بشأن موقف الدولة الألمانية من فلسطين". تكمل حديثها: "المنطق مفقود تماماً، ولا أنصح أحداً بمحاولة مواجهة هذا التيار الجارف الداعم لإسرائيل".

يتحول المجتمع هنا إلى وعاء مضغوط ومختنق يريد أن ينفجر في أية لحظة، تعرف الدولة الألمانية تماماً أن ما تقوم به سوف يكون له تبعات لا تحمد عواقبها، وبأنها تدعم العنف الإسرائيلي، عندما تعلن وقف جميع المساعدات التي تقدمها للدولة الفلسطينية، وعندما تعلن دعم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وتقدم الأسلحة، وتتهم أي رأي مخالف لرأيها بمعاداة السامية.

غضب داخلي في المدارس

يرتاد ابن صديقتي السوري دروس الرياضة في مدرسة مخصصة لذلك في العاصمة برلين، يقوم مدرب ألماني من أصل تركي بتدريب الأولاد على الرياضة والرقص والحركة المرتبطة بالموسيقى، يقول ابن صديقتي البالغ من العمر 14 عاماً، توقفت الموسيقى للحظات خلال الدرس، نظر إلينا المدرب وسأل عمن يتحدثوت العربية هنا، فرفع بعض الأولاد أيديهم، فأردف المدرب: "أنا أعرف بعض الكلمات العربية أيضاً، لأن لي العديد من الأصدقاء الفلسطينيين". يعم الصمت في قاعة التدريب، يصرخ المدرب فجأة بملء حنجرته: "Free Palastine".

تهتز القاعة، ويذهل بعض الأولاد، يقوم ابن صديقتي بالتصفيق بحرارة، فيصفق الأولاد الآخرون.

تتحدث أيضاً طالبة فلسطينية في برلين بعمر 15 سنة، أنها وأصدقاؤها زرعن المدرسة أوراقاً صغيرة مكتوب عليها: "فلسطين حرة".

أصيبت المدرسة بالجنون لمعرفة الفاعلين، تصف الوضع بأنه يشبه التعرض للتحقيق ومواجهة الاستخبارات. وتسأل: "لماذا علينا أن نتغاضى عن الإبادة والقتل اللذين تقوم بهما إسرائيل اليوم؛ أنا لو أمي بتسمحلي كنت ما بسكت ولا دقيقة".

ردود الأفعال الرسمية

ردود الأفعال الألمانية الرسمية المحبطة، أعلن عنها المستشار الألماني أولاف شولتز منذ اللحظات الأولى فيما كتبه على منصة X: "الأخبار مرعبة، إن تنامي العنف قد هز كيان ألمانيا بشكل عميق، نحن نقف تماماً مع إسرائيل".

بينما أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر عن أنه سيتم رفع حالة الحماية والتأهب للمباني اليهودية في ألمانيا من أجل حمايتها من أي هجوم أو اعتداء محتملين.

كلما ازداد قمع السلطات الألمانية لمن يساندون الفلسطينيين والفلسطينيات، ازداد احتمال وقوع حوادث واصطدامات عنفية في الأماكن العامة، والحافلات والمدارس، وخاصة بين الفئات العمرية اليافعة

بينما يبدو صعباً ضبط ردات الفعل العربية في شارع العرب sonnenallee وفي مناطق أخرى من برلين، حيث أخذ الناس هناك يقومون بتوزيع البقلاوة في أول أيام التصعيد العسكري الذي شنته حماس على إسرائيل، وقد قامت جهات من التلفزيون الألماني بإجراء مقابلات مع بعض هؤلاء الاشخاص، لكنها حذفت هذه اللقاءات بعد دقائق قصيرة من بثها.

هناك حالة من الغليان والترقب التي تواجه ألمانيا اليوم، وبالأخص ضمن العاصمة برلين، فكلما ازداد قمع السلطات الألمانية لمن يساندون الفلسطينيين والفلسطينيات، ازداد احتمال وقوع حوادث واصطدامات عنفية في الأماكن العامة، والحافلات والمدارس، وخاصة بين الفئات العمرية اليافعة، التي يصعب السيطرة على ردات فعلها، وتعاطفها المفعم مع غزة. وبينما نواجه كصجافيات وصحفيين قمعاً مضاعفاً، ونتعامل مع زميلاتنا وزملائنا في غزة بتضامن لا محدود، نواجه خيارات صعبة بالاستمرار بالعمل دون أسماء معلنة، أو الصمت قهراً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard