شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من هجوم 7 أكتوبر إلى

من هجوم 7 أكتوبر إلى "غزة التحتا" وأنفاقها... الحرب والسياسة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الجمعة 3 نوفمبر 202303:10 م

غيّرت "حماس" معنى شعار حركات التحرّر من الاستعمار: "حرب الشعب"، وافتراضها هذه الحرب السباحة في حوضه على شاكلة "السمكة في الماء"، من التحلُّل والذوبان في "الجماهير"، والحؤول دون عزل حركة التحرُّر العسكرية والسياسية على حدة من لباسها "الليلي"، على قول فرانز فانون، المارتينيكي الفرنسي والجزائري، (غيرته) إلى تشكيلها كتلة متماسكة في وسعها الانسحاب إلى داخل حصين هو مدينة الأنفاق، أو "مترو حماس"، على ما يسمى في غزة القريبة من مصر وثقافتها ومصطلح التخاطب فيها. ويتمتّع "المترو"، أو "المفاعل النووي"، أو "غزة التحتا" أو "الإف-35"- وكلها من أسماء تمزج الإعجاب بالتودُّد والتعويل على الحصانة المرجوّة- بفضائل عسكرية تنزله منزلة الند الدفاعي والمنيع لآلة إسرائيل الساحقة (قبل تشييده).

وحرص الإعلام الحربي الحمساوي، قبل غارة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وبعدها، على بث صور سينمائية لأنفاق "غزة التحتا" التي بناها، ويحتمي داخل سراديبها الحلزونية. فيرى المُشاهد صنفين من الدهاليز: صنفاً أول مظلماً، رمادياً، يند من جدرانه العمياء واللولبية ضوء خافت، ويقصد وجهة لا قاع لها. وهذه الدهاليز أُعدّت لاستقبال "الصيد" الإسرائيلي، على قول مقاتلين ملثّمين يمشون مشية "السباع"، أو الوحوش المفترسة، على خلاف قول وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، في أعدائه. وتخرج من أحشائه مركبات وصواريخ يسير الموت في ركابها.

والصنف الثاني يشيع الضوء الأبيض في أرجائه، وتتسع ممراته وتنفرج، وتعرج على حجرات استقبال وجلوس وعمل مكتبي ومتاهة. ويشبه المكان الذي تنساب فيه عدسة التصوير منتجعاً سياحياً. وبينما يُشبِّه الصنف الأول معزلاً أو فخاً، أو الاثنين معاً، لا يطاق، على شاكلة ما تسميه السجون الأمريكية "ردهة الموت" وينتظر فيه المحكومون بالإعدام، إنفاذ الحكم بالموت سنوات طويلة وثقيلة، يوحي الآخر بحياة هانئة ومطمئنة، وإن خلت من المقيمين موقتاً. والمقيمون المفترضون هم المقاتلون الأشداء والملثّمون الذين يخرجون من أفواه الأنفاق حامِلين معهم الموت لأعدائهم.

قد لا يستقيم وجها الكناية العسكرية والسياسية عن جحيم الأعداء ونعيم الأهل في حرب غزة، ولا يتماسكان، فما مهنى قران الصور بوظيفة شبكة الأنفاق؟

وقد لا يستقيم وجها الكناية العسكرية والسياسية عن جحيم الأعداء ونعيم الأهل في حرب غزة، ولا يتماسكان، إلا أن قران الصور بوظيفة شبكة الأنفاق، على نحو ما ظهرت في الحرب التي اندلعت منذ صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لا لبس في معناه. فالشبكة- بسراديبها ومخازنها وثكناتها ومهاجعها، الخفية في جوف الأرض وتحت طبقاتها، وعلى أعماق تترجّح بين العشرين متراً وبين السبعين متراً، حيث لا يسع "قنابل تورا بورا" الوصول، وتستطيل أربعمئة كلم أو "آلاف" الكيلومترات- (هذه الشبكة) هي المعادل أو الكفء المادي والمعنوي الاستراتيجي لكل "تساهال"، أو جيش العدو الذي "يزعم"، على قول أحد ألسنة "حماس"، أنه "الجيش الرابع في العالم".

نسب الأنفاق

ويعزو بعض المراقبين القتل "المدني"، أو القتل "الفائض" عن إرداء الجنود والشرطة، وعن احتلال القواعد العسكرية وتدميرها، وهو ما صنعه المهاجمون من "حماس" وغيرها من المنظمات ومن المسلحين في وقت مستقطع وكلّفهم تكلفة باهظة- ورفع هذا القتلى من 400 تقريباً إلى 1400-، (يعزونه) إلى إرادة المنظمة استدراج الجيش الإسرائيلي إلى شبكتها الحصينة والمنيعة، وتعول عليها قاتلة ومدمرة. واحتسبت المنظمة الأمر أم لم تحتسبه، تردد عدوها نحو عشرين يوماً، إلى 27 أكتوبر/ تشرين الأول، على عتبة حملته البرية العامة قبل أن يرجع عنها، أو عن صيغتها "الشوارعية" التي كانت أغرقته في دمائه ودماء أهل غزة، مقاتلين ومدنيين، إلى "الرُّكب"، على قول القَصص الملحمي العربي (وهذا ما يوحي به اسم العملية، "الطوفان").

وتصدر صيغة الأنفاق وشبكتها عن سياسة، أو نهج سياسي وعسكري استخلص (من) الاختبارات والتجارب الفلسطينية المديدة- منذ عمليات "فتح" الأولى في 1965 على أقرب تقدير، و1987، تاريخ ولادة "حماس" والانتفاضة الأولى، من غير شك- دروساً قاطعة ومترابطة. فحركة الاحتجاج الجماهيرية الأولى، أو "الانتفاضة"، رعت أمرين: الإجماع الداخلي، على الضدّ من التشتُّت الفصائلي، والاقتصار على الوسائل السلمية والرد بالحجارة على الرصاص الإسرائيلي. فولدت الحركةُ "السلطةَ الفلسطينية"، المولودة بدورها من اتفاقات أوسلو (1993)، وعيوبها وخيباتها وانتهاكاتها وزيادتها التفتّت الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي.

واستدرجت الانتفاضة الثانية (2000- 2005) وعملياتها "الانغماسية"، و"حماس" قوة راجحة فيها شأنها في الأولى، قمعاً إسرائيلياً دامياً، وفصلاً حاداً بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين، وإضعافاً تاريخياً للفصائل الفلسطينية المتحدّرة من الشتات، وتزكية للعمل المسلح و"العسكرة" (محمود عباس)، وانسحاباً إسرائيلياً من غزة عُزِيَ إلى المنظمة الإسلامية الإخوانية وطوَّب غزة إقطاعاً موقوفاً عليها. ولم تلبث انتخابات 2006 العامة، بعد البلدية، أن رسّخت مكانتها ومشروعية تمثيلها، عشية استقلالها بغزة وحكمها على مثال قرَّبها من المثالات العسكرية المشرقية.

وفي سياق المحطات السياسية والعسكرية التالية- حروب 2009، و2012، و2014 و2021 (سيف الأقصى)، وفي أثنائها "مسيرات العودة" الغزّاوية في 2018 و2019، وقبلها مبادلة المجنّد شاليط بنحو 1100 أسير، والمفاوضات بين "حماس" وسلطة "فتح" في 2013 و2017 و2018 وتتويجها بانسحاب "حماس" من هيئات "السلطة" وتبعاتها كلها، والمشادّة مع "نظام" بشار الأسد والانحياز إلى الإسلاميين قبل الصلح بوساطة إيرانية حرسية وحزب اللهية...- في هذا السياق المتعرّج، وعلى رغم تجديدها "ميثاقها" في 2018 وكلامها على حدود 1967، أنجزت "حماس"، في قيادة يحيى السنوار على الخصوص، تخفّفها من أضعف شبهة انخراط أو تواطؤ مع منظمة التحرر، على ما لاحظ سلام فياض (رئيس الحكومة الفلسطينية الأسبق، في مقالة في الشرق الأوسط، 28/10/2023). ونظير التخفُّف هذا تعسكرت الحركة على كل الصعد، سعياً في توحيد الساحات الفلسطينية، غزة والضفة الغربية والقدس وبعض الشتات الحدودي تحت لواء مزيج من الفلسطنة الوطنية وإسلام "جهادي" ومقدسي متمذهب على جهتيه.

الحمى الحمساوي

وعلى هذا، تبعث غارة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، على النحو الذي نفّذت عليه وفي ضوء النتائج التي استدرجت إليها عمداً على الأرجح، عوامل تأسيسية في تاريخ المنظمة الإسلامية الإخوانية، وتبتكر عوامل جديدة اشتقتها من ظروف طرأت منذ 2011، وأسهم في صنعها حلفاء جدد ورعاة ومموّلون.

على رغم تجديدها "ميثاقها" في 2018 وكلامها على حدود 1967، أنجزت "حماس"، في قيادة يحيى السنوار على الخصوص، تخفّفها من أضعف شبهة انخراط أو تواطؤ مع منظمة التحرر

فالانسحاب، بعد إنزال الضربة القاسية بإسرائيل، إلى القلعة الحصينة التحتية، لا يحمي إلا المقاتلين والأنصار، ويعرّض الجمهور والقاعدة والأهالي، والبلد أو الوطن، لرد لا شك في أن المُغيرين والمقاتلين الفلسطينيين احتسبوه وتوقعوه مدمراً، على قدر الخسارة التي أوقعوها في عدوهم. فقدموا حصانتهم، وهي تعني دوامهم التنظيمي والمادي وسلامتهم الشخصية، على تحمّل الغزاويين الخسائر التي لا شك في إقدام الدولة العبرية على تكبيدهم إياها.

ويطعن في الاستنتاج الذي تقدّم للتو ثلاثة أمور أو احتمالات خطرت لقيادة "حماس" (أو لم تخطر). الاحتمال الأول هو تعويل "حماس" على إصابة الدولة وأجهزتها بالشلل، وربما انهيارها المعنوي تحت وطأة مصابها ومفاجأتها. ويصعب طبعاً تقدير قوة هذا الاحتمال في ميزان حسابات "حماس" وحلفائها ورعاتها. ولكن تاريخ الضربات "الإسلامية" القاصمة، أو المفترضة قاصمة، من احتجاز الأمريكيين في سفارة واشنطن بطهران (1979)، وتفجير مركزي "المارينز" والجنود الفرنسيين في بير حسن (1983)، إلى عملية 11/9/2001 بنيويورك وواشنطن، وتفجير مقر بعثة الأمم المتحدة في بغداد (2003)، وغيرها من حوادث ووقائع عسكرية وسياسية وازنة- يدل على نازع أصحاب هذه الضربات إلى تعظيم أثرها، وحملها على انعطافات وخواتيم مراحل وتواريخ. ولا يزال العسكريون والسياسيون الحمساويون، والإيرانيون، و"الشيعة- اللبنانيون"، و"الشيعة- العراقيون"، يصرّحون بالقول إن "الكيان" هُزم وسقط وانتهى، وهم الغالبون، بعد اليوم، مرة واحدة وإلى الأبد. فقدَّر علي باقري كني، نائب وزير الخارجية الإيراني أن توسيع جبهات الحرب لن يُبقي شيئاً من إسرائيل، غداة "زلزال" عملية "حماس"، ويصيب الولايات المتحدة بـ"ضربة مدمّرة"، و"يربط مصيرها بمصير الكيان الصهيوني" (صحف1/11).

والاحتمال الثاني يفترض حسبان "حماس"، وحلفائها ورعاتها، أن "طوفان الأقصى" ليس إلا إشارة بدء أو انطلاق، ولا يلبث أن تلحق بركبه جيوش "تخفق" شاراتها وألويتها السود (والخضر) من المشارق، ويعلو غُبار خيلها فيحجب الأفق، على ما تخبر روايات الظهور الإمامية، وبعض الروايات السنّية (وحين استولت "الدولة الإسلامية في الشام والعراق" على الموصل، أذاعت أحاديث تروي وقائع الظهور أو الخروج وقيام الساعة من بعده)، ولا يوارب المنسق العام في "الحرس الثوري"، محمد رضا نقدي، حين يقول: "ما يحصل في قطاع غزة يحمل رائحة ظهور المهدي المنتظر".

ولا شك في أن غازي حمد، المتكلّم باسم "حماس" في لبنان، مدح "حزب الله" على مرابطته على الحدود اللبنانية الجنوبية، وثمَّن مشاغلته بضع فرق من الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية وصرفها عن المشاركة في قصف غزّة، حيث يتولى الحرب 65 ألف جندي (من 220 ألف جندي محترف ونحو 500 ألف مجنّد). ولكنّه لم يكتم، بعد خالد مشعل وموسى أبو مرزوق، حاجة حركته إلى انخراط أوسع، رسمي وشعبي وحركي. وفي الأثناء، يناقش العراقيون حال السفارة والسفيرة الأمريكية في بغداد، ويقوِّمون تقويماً عالياً خطبة رئيس وزرائهم في مؤتمر السلام العالمي في القاهرة. وتقصف منظمات غير معروفة مواقع أمريكية في سوريا، ويقصر "أنصار الله" الحوثيون "خروجهم" على إطلاق صواريخ من ضفة البحر الأحمر الشرقية...

وهذا، في ضوء توقّع قيام الساعة أو ما يشبهها، قليل. أما الاحتمال الثالث فهو حؤول "الغضب" العربي والإسلامي والغربي، والخوف على إجراءات الاعتراف والتبادل الديبلوماسي والعلاقات الأمنية والاقتصادية، دون تمادي الجيش الإسرائيلي في الثأر والقصاص. ولم ينتفض الإسرائيليون أنفسهم على حكومتهم ولم يلزموها بتقديم تحرير الرهائن، وبعض الأسرى، على المصلحة العسكرية المباشرة.

المقاتلون والناس

وغداة نحو الشهر على عملية "حماس" لم يصدق احتمال واحد من هذه. وكلها تشكو عُواراً، على قول بعض خطباء المساجد، في الاحتساب والتوقُّع. ولم يتصدّع العدو "المزيّف"، على قول إيراني، ولم تنشب حرب أهلية، لا على المثال السوري ولا حتى على المثال الإيراني. ولم يلجم استرسال العدو مع العنف وإفراطه فيه، إلى اليوم، هولُ عدد القتلى المدنيين، أو مشاهدُ دمار المدن والمخيّمات المليئة بالبشر والمباني أو سدُّ السبل والمنافذ إلى الأمن والغذاء والدواء والكهرباء، أو تعليقُ اتصال الناس عموماً وأهل الخدمات خصوصاً بعضهم ببعض، وتركهم جميعاً يهيمون على وجوههم. وينهب بعضهم مخازن الطحين عنوة، قرينة على "انهيار النظام المدني"، على قول منسق مرافق "الأونرا"، وكأن النظام هذا لم يقتل مراتٍ من قبل، وفي صبيحة اليوم السابع من الشهر العاشر.

يقود استيلاد السياسة الوطنية- الشعبية، من الغلو الإيديولوجي، ومن محاكاة سياسة العدو المحتل وقلبها رأساً على عقب، إلى أقاصٍ تنتهك معايير كثيرة، وتصيب حركة التحرر من الاحتلال في مقاتل ترتد على مشروعيتها

فوظيفة الأنفاق، "المدينة التحتا" أو "المفاعل النووي"، حماية القيادة والمقاتلين والسلاح (والذخيرة) أولاً، وتمكين جسم المنظمة والحلفاء من البقاء والصمود والقتال "وسط (...) الدمار العظيم"، على قول توراتي، وبالغاً ما بلغ عنف رد العدو. ويشبه هذا حجرة القيادة النووية في الدول التي تملك سلاح الدمار الشامل، ولكنه يوسّع النطاق ليشمل، إلى القيادة، الجسم العسكري كله أو معظمه، ويقوم مقام الخطوط الخلفية وخنادقها الدفاعية في إقليم بالغ الضيق والاكتظاظ.

وبينما تولت "القواعد الثورية" المستقرة في الحروب غير النظامية، في العالم الثالث سابقاً، و"البؤر" المسلحة والمتحركة في حروب الطياحة (أو العصابات)، عزلَ المدنيين، وهم كانوا غالباً أهل المدن، عن الصراع، وعن تمثيل القوات الحكومية والنظامية فيهم وفي المقاتلين، تحرف الشبكة الحمساوية، تلقائياً، شفرتي القتل والدمار صوب المدنيين. فليس في وسع العدو (القوي) القبول بحِمى يتمتع فيه عدوه "الضعيف"، في ميزان قوة القتل، بحصانة تمنعه من إصابة تحمله على المفاوضة، وعلى حلول "متوسطة"، وعلى الخروج من الحرب إلى السياسة وأفقها الذي يكثر الكلام عليه في الظرف العصيب اليوم.

ولا شك في أن "حماس" (وحلفاءها ورعاتها) تعول، في ضبط جماح العدو وردّه، وتقليص إثخان الرد في العمران المدني والأهلي، على كوابح مثل التلويح بتوسيع الحرب إلى مسارح أخرى، قريبة أو بعيدة، عسكرية أو سياسية ومدنية إنسانية. فتحمل "الجبهات" المحتملة، أو الجائرة، العدو الجامح على تخفيف غلوائه، وتحجيم غاياته أو أهدافه العسكرية، والتخلي ربما عن وسائل وغايات تنتهك القوانين والأعراف والمعايير الدولية على نحو فاضح ومحرج. ولا شك في أن ذريعة الحرب، أو سببها المباشر، إلى صنف الحلفاء والانقسامات الدولية وأصداء المسألة التاريخية والإنسانية، يضطلع بدور قد يكون راجحاً في تشخيص مستويات العنف، ورسمها، والتزام موجباتها وحدودها. 

وهذه عوامل مستقلة غالباً عن المتحاربين.

ووجه آخر من الفروق بين مثال شبكة الأنفاق وبين مثالي القاعدة والبؤرة هو أن هذين كانا مختبر علاقات سياسية واجتماعية أراد أصحابه به الدلالة على برنامجهم على نحو ملموس وتعليمي. والنموذج الحمساوي الغزّاوي، و"مفاعل (الأنفاق) النووي" المَعْلَم عليه، لا يدعي دعوى سياسية أو اجتماعية من أي صنف كان.

وهو يتصور، ضمناً وأساساً، هذه العلاقات التي لا يميّزها من الموقع العسكري، على مثال أمري وأبوي أهلي صارم. ويجمع المراقبون على أن "عهد" يحيى السنوار، العسكري والمعتقل في السجون الإسرائيلية إلى 2011، وولايته على غزة، من طريق "حماس" و"كتائب عز الدين القسام" (وهو مؤسس منظمة "المجد"، سلف الكتائب)، أسكت المتحفّظين والمتردّدين والمخالفين.

ولم تدعُه فلسطنة حركته، وطموحها إلى جمع شمل جماعات الفلسطينيين وساحاتهم المختلفة، وإحلاله علم فلسطين محل علم "حماس" على موقعها الإلكتروني- إلى تليين قيادته الإسلامية والإخوانية الصارمة. وبعضهم يصفها بـ"الكورية الشمالية"، كناية عن مصدر شبكة الأنفاق الواسعة، والعائد إلى كوريا كيم إيل سونغ والرئيسين اللذين خلفاه. فالحرب الفلسطينية، على المعنى العسكري الضيّق، تحت لواء القائد الإخواني وفي إمرته، تعالج الاحتلال المتطاول والمزمن واستيطانه وابتلاعه الأرض والمرابطة الوطنية، بعسكرة منكفئة على سلك المقاتلين المحترفين و"المجاهدين"، وعلى فعل الحرب ومعنى القتل.

ويقود استيلاد السياسة الوطنية- الشعبية، على قول غرامشي الإيطالي، والحرب وجه بارز من وجوهها، من الغلو الإيديولوجي، ومن محاكاة سياسة العدو المحتل وقلبها رأساً على عقب، إلى أقاصٍ تنتهك معايير كثيرة، وتصيب حركة التحرر من الاحتلال في مقاتل ترتد على مشروعيتها، وعلى جدارتها بالاضطلاع بحكم الدولة المستقلة لاحقاً، وحكم شعبها ومجتمعها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image