شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
بين

بين "طوفان الأقصى" والعدوان على غزة… كيف تأثر الاقتصاد الإسرائيلي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الثلاثاء 24 أكتوبر 202303:51 م

في بداية الحرب التي أطلقتها إسرائيل على غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، رداً على عملية "طوفان الأقصى"، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش، بشكل حاسم، أن موارد "الدولة" كافة سوف تكرَّس للإنفاق على آلة الحرب حتى تحقيق الهدف المنشود والمتمثّل في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).

يبدو أن سموتريش، لم يكن يتوقع حرباً طويلة الأمد مع تبعات اقتصادية متعددة الأوجه. وهذا ما أدركه وحكومته الطارئة أخيراً، ودفعه/ ها، ليس فقط لتخصيص قدر لا بأس به للاستجابة الاقتصادية، ودعم القطاعات الاقتصادية المتضررة من تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في إسرائيل، وإنما أيضاً صرف "معونات عاجلة" لعشرات المواطنين الإسرائيليين الذين انتهى بهم الحال ليكونوا بلا عمل وبلا مصدر دخل.

ركود ونقص حاد

خلال 18 يوماً من الحرب المتواصلة على غزّة، لم تتمكن إسرائيل من حماية اقتصادها من الآثار السلبية لانعدام الأمن وضبابية مستقبل المنطقة عموماً. بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، "آثار الحرب والتوترات الإقليمية امتدت إلى الأسواق الإسرائيلية، حيث انخفض مؤشر الأسهم القيادية TA-35 بنسبة 9%، وانخفض سعر الشيكل إلى أقل من 4 مقابل الدولار (لأول مرة منذ سنوات). وارتفعت أسعار التأمين على ديون الحكومة الإسرائيلية إلى عنان السماء".

منذ بداية حربها على غزة، لم تتمكن إسرائيل من حماية اقتصادها من الآثار السلبية لانعدام الأمن وضبابية مستقبل المنطقة عموماً. لكن الأثر الاقتصادي الأوضح يتمثل في أمرين رئيسيين: أولاً النقص الحاد للعمالة، وتهديد الأمن الغذائي لإسرائيل

بدأت الخسائر الاقتصادية في إسرائيل مع "الصدمة الأولى" لهجوم حماس، وفق الصحيفة التي تضيف أن ذلك "أجبر الحانات والمطاعم الإسرائيلية على الإغلاق"، وأدى إلى "إلغاء مئات الرحلات الجوية" في حين "أدت التعبئة القياسية لجنود الاحتياط العسكريين (استدعاء نحو 360 ألف جندي)، إلى ترك الشركات التي لا تزال مفتوحةً تعاني من نقص الموظفين".

في الأثناء، تسببت صواريخ "المقاومة الفلسطينية" والتوتر على الحدود الشمالية مع حزب الله اللبناني، في إخلاء مساحات واسعة في جنوب إسرائيل وشمالها. يؤكد تقرير فايننشال تايمز: "في مناطق جنوب إسرائيل المحيطة بقطاع غزة، والتي تحملت العبء الأكبر من هجوم حماس، فإن علامات الألم الاقتصادي واضحة في كل مكان".

قطاع الخدمات والسياحة أسوأ حالاً. ذكر ممثلون لجمعية المرشدين السياحيين الإسرائيليين، في تصريحات صحافية، أن الجولات التي أُلغيت تمتد لنحو عامين من الآن، بسبب المخاوف من أن يؤدي الغزو الانتقامي لغزة إلى اندلاع حرب إقليمية واسعة. علماً أن قطاع السياحة في إسرائيل ما لبث أن تعافى من آثار جائحة فيروس كورونا.

لكن الأثر الاقتصادي الأوضح للحرب يتمثل في أمرين رئيسيين: أولاً النقص الحاد للعمالة نتيجة السفر أو الرغبة في السفر، لدى العمالة الأجنبية -بعد "طوفان الأقصى" ووقوع عدد من العمال التايلانديين بالفعل أسرى لدى مقاتلي حماس- في وقتٍ ترفض فيه إسرائيل السماح بعودة آلاف العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة إلى أشغالهم داخلها خوفاً من عمليات انتقامية.

يقول مسؤولون إسرائيليون إن النقص الحاد في العمالة قد يؤدي إلى خسائر كارثية، لا سيما في قطاع الزراعة حيث العديد من المحاصيل بحاجة إلى قطاف حالياً، أو عناية، وإلا فالتلف السريع سيكون المحصّلة. تشير التقديرات في إسرائيل إلى أن النقص في قطاع البناء وحده يزيد عن 80 ألف عامل، مقابل 15 ألفاً في قطاع الزراعة، وفي قطاع المطاعم نحو 24 ألفاً.

والأمر الثاني هو تهديد الأمن الغذائي لإسرائيل والنقص الملحوظ في المنتجات الغذائية في ظل اشتعال التوتر في ما يُعرف بـ"غلاف غزة"، حيث التربة الخصبة التي تعتمد عليها إسرائيل في إنتاج القدر الأكبر من احتياجاتها من الخضروات والفاكهة، وحتّى اللحوم من مزارع الدواجن.

بحسب تقرير حديث لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن "المجتمعات الزراعية حول غزّة التي كانت مزدهرةً سابقاً تعيش واقعاً مريراً الآن"، محذراً من أن "الأضرار التي لحقت بإحدى المناطق الزراعية الرئيسية في إسرائيل، تهدد بإلغاء عمل وتدمير سبل عيش مئات الأشخاص، فضلاً عن التسبب في نقص الغذاء في وقت تكثّف فيه حرباً لا تزال مدتها وشدّتها غير معروفتين".

يأتي 75% من إنتاج الخضروات المزروعة محلياً في إسرائيل من هذه المنطقة، بالإضافة إلى 20% من الفاكهة، و6% من الحليب، ومحصول البطاطس الذي يُصدّر إلى هولندا وبلجيكا، وفق الأمين العام لاتحاد المزارعين الإسرائيليين، أوري دورمان.

من الأسباب التي تهدد قطاع الزراعة في "غلاف غزة"، إخلاؤها من المستوطنين خشية صواريخ "المقاومة الفلسطينية"، ما يعني أنه ليس هناك من يقوم بريّ النباتات أو رشها بمبيدات مكافحة الآفات، وهو ما يتسبب في أن تذبل المحاصيل المهجورة يوماً بعد يوم. أصابت الصواريخ التي تطلَق من غزة أيضاً أنظمة الري الذكية، كما أن الدخان الأسود الكثيف يأتي من غزة التي خلق القصف الإسرائيلي المتواصل فوقها سحابةً سوداء دائمةً.

نتيجةً لكل ما سبق، تزايدت الطلبات على المساعدة الحكومية، وهي أيضاً عبء اقتصادي آخر للحرب ينبغي على حكومة بنيامين نتنياهو تحمّله، في وقت ترتفع فيه أسعار المنتجات والخدمات نتيجة الأثر المزدوج للتدهور الاقتصادي الحاصل.

ينقسم الخبراء والمسؤولون الإسرائيليون بين فريق متشائم بشأن التبعات الاقتصادية للحرب، وآخر متمسك بالأمل في القدرة على تجاوزها لاحقاً بعد انتهاء الحرب. لكن أياً منهم لا ينكر جسامة هذه التبعات الاقتصادية

الخبراء والمسؤولون منقسمون

ينقسم الخبراء والمسؤولون الإسرائيليون بين فريق متشائم بشأن التبعات الاقتصادية للحرب، وآخر متمسك بالأمل في القدرة على تجاوزها لاحقاً بعد انتهاء الحرب. لكن أياً منهم لا ينكر جسامة هذه التبعات الاقتصادية.

من الفريق الثاني، محافظ بنك إسرائيل أمير يارون، الذي قال الإثنين 23 تشرين الأول/ أكتوبر: "على الرغم من العواقب الاقتصادية المتعددة، أود أن أؤكد على أن الاقتصاد الإسرائيلي متين".

كما يدافع بعض الخبراء بأن إسرائيل منذ تأسيسها قبل نحو 75 عاماً كانت في حروب وصراعات مستمرة، ولم ينهَر اقتصادها بل كان يقوى بمرور الوقت.

في المقابل، عبّر خبراء اقتصاديون لـ"فايننشال تايمز"، عن مخاوفهم من حدوث انكماش حاد وعجز حكومي كبير مع تصاعد المخاوف من صراع ممتد، ومن بينهم جاي بيت-أور، كبير الاقتصاديين في "Psagot Investment House"، الذي تكهّن بأن تكون تداعيات الحرب الراهنة على الاقتصاد في إسرائيل أسوأ من نظيرتها بعد المواجهة التي استمرت شهراً بين إسرائيل وحزب الله عام 2006. ولم يستبعد أيضاً أن ينكمش الناتج الاقتصادي بنسبة تناهز 2 أو 3% بين الربعين الثالث والرابع.

وشرح قائلاً: "نحن أمام عملية طويلة ستؤدّي إلى خسائر فادحة في الاقتصاد الإسرائيلي. يقوم الناس بإلغاء العطلات والحفلات والمناسبات. الناس لا يغادرون منازلهم. الأطفال أيضاً في المنزل (تحولت غالبية المدارس إلى التعليم عن بعد)، لذلك لا يستطيع الكثير من الناس العمل".

وقالت وكالتا موديز وفيتش، مؤخراً، إن تصنيف الديون السيادية الإسرائيلية طويلة الأجل قيد المراجعة، وهو ما قد يُسفر عن خفض التصنيف.

وضع مأزوم أصلاً

تأتي هذه التطورات والاقتصاد الإسرائيلي ليس في أحسن حالاته. وفق تقرير صادر عن "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)"، في 22 أيار/ مايو 2023، "تتزايد في الأيام الأخيرة المعطيات السلبية للاقتصاد الإسرائيلي، التي باتت تتنبأ بحالة ركود اقتصادي قريبة، مع استمرار وتيرة التضخم المالي العالية، وارتفاع كلفة المعيشة، وتحذير الخبيرة الاقتصادية الرئيسية، في وزارة المالية الإسرائيلية، من عجز إضافي في الميزانية العامة، على ضوء الصرف الزائد للحكومة، الذي يتصدّره دفق الميزانيات الضخمة على مؤسسات المتدينين المتزمتين، الحريديم، وجمهورهم، زيادةً على الميزانيات الضخمة أصلاً التي يتلقّونها".

يأتي 75% من إنتاج الخضروات المزروعة محلياً في إسرائيل من "غلاف غزة"، بالإضافة إلى 20% من الفاكهة، و6% من الحليب، علاوة على محصول البطاطس الذي يُصدّر إلى هولندا وبلجيكا. إطالة أمد الحرب واستمرار إخلاء هذه المنطقة يتسببان في خسائر جسيمة للاقتصاد الإسرائيلي

نقل التقرير عن المحلل في الملحق الاقتصادي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، غاد ليئور، وصفه المشهد الاقتصادي في إسرائيل، بأن "غيوماً سوداء تتجمع فوق الاقتصاد الإسرائيلي، وهذه هي الأسباب: غلاء المعيشة يستفحل، التضخم لا يتوقف، سلسلة من البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال، وتقارير سيئة ووثائق تحذيرية من كبار المسؤولين في وزارة المالية، ويبدو أننا ندخل في حالة طوارئ اقتصادية، بينما وزير المالية ورئيس الحكومة ربما مشغولان بأمور أكثر أهميةً".

كما أشار إلى التقرير الدوري للخبيرة الاقتصادية الرئيسية في وزارة المالية الإسرائيلية، شيرا غرينبرغ، التي خفضت تقديرات النمو في إسرائيل إلى 2.7% فقط، بانخفاض 0.3% مقارنةً بالتوقعات السابقة، وإلى 3.1% في عام 2024.

وازدادت التحذيرات من تردّي الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل أكثر فأكثر بعد اشتعال الشارع احتجاجاً على خطة "الإصلاح القضائي" التي تبنّتها حكومة نتنياهو، خاصةً أن "الشرائح الوسطى العليا، المنتجة، أو بصيغة أخرى، عصب الإنتاج والاستهلاك في الاقتصاد الإسرائيلي"، تشكّل نسبةً كبيرةً من المحتجين. وقدّر المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر"، إيتان أفريئيل، أن الاقتصاد الإسرائيلي خسر في الأشهر الستة الأولى من 2023، ما يربو على 150 مليار شيكل (نحو 41 مليار دولار).

إجراءات لمواجهة الأزمة

ولمواجهة كل هذه التداعيات الاقتصادية، التي يبدو أنها لم تكن في حسبان حكومة الحرب القائمة في إسرائيل، شرع وزيرا الاقتصاد والمالية في اتخاذ بضع خطوات لتخفيف الآثار عن المواطنين والقطاعات المتضررة.

نهاية الأسبوع الماضي، كشف وزير المالية سموتريش، عن خطة لمساعدة الشركات التي تراجعت إيراداتها لتغطية مصروفاتها الثابتة (من إيجارات ورواتب وغيرهما من النفقات)، وأيضاً عن مساعدات مالية للعمال غير القادرين على مزاولة عملهم. أوضح سموتريش، أن حزم المساعدات قد تتسبب في ارتفاع العجز الحكومي إلى 3.5% هذا العام، أي بأكثر من 1.1% مما كان مستهدفاً في السابق.

قبل ذلك، أعلن البنك المركزي في إسرائيل اعتزامه بيع نحو 30 مليار دولار من احتياطيات العملة الأجنبية لديه لدعم الشيكل.

كذلك، صرّح وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، بأنه في صدد الحصول على موافقة حكومية لإتمام اتفاق استقدام 160 ألف عامل من الهند، لسدّ النقص الحاد في العمالة. وليس واضحاً ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤتي ثمارها في ظل السمعة السيئة التي اكتسبتها إسرائيل كبلد غير آمن للعمالة الأجنبية في ظل استمرار وجود عدد من العمال التايلانديين في قبضة حماس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image