لكل حرب في العالم جدوى اقتصادية، بما في ذلك الحروب التي تأخذ طابعاً دينياً أو وطنياً. والحرب الدائرة حالياً في غزة ليست استثناءً، بل لعل مغزاها الاقتصادي أكثر وضوحاً من غيرها.
تحتَ ركام المنازل والبنية التحتية التي دُمّرت في غزة، وعلى شواطئها القريبة تريليونات الدولارات من الثروة الغازية تنتطر من ينقب عنها، ويحولها إلى ثروة وطنية. فمِن نصيب من سيكون هذا الغاز؟
لفهم علاقة حقول الغاز في غزة بكل الحروب التي شُنت عليها وصولاً إلى الحرب التي تحدث الآن، لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء. في هذا التقرير يحاول رصيف22 جمع قطع الأحجية ووضعها في سياق زمني واضح لتصبح قصة غاز غزة مفهومة.
والأهم، يجب أن نعرف ما هو المنجز الذي كان على وشك الحدوث فيما يخص الغاز الفلسطيني، وتوقف بسبب عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها.
علاقة الربيع العربي بحرب اليوم
في العام 2009 اكتشفت إسرائيل حقل "تامار" في مياه المتوسط وتسبب بنزاع مع لبنان، وفي العام 2010 اكتشفت إسرائيل حقل "ليفياثان" الذي تقول دراسات مصرية إنه يقع في المياه الإقليمية المصرية، لا الإسرائيلية، وفي العام 2011 بدأ الربيع العربي.
مع بداية الثورة في مصر واجهت كل من إسرائيل والأردن أزمات طاقة متتالية نتيجة تفجير خط الغاز الذي يمر عبر سيناء ويمدهما بالغاز. منذ شباط/ فبراير من ذلك العام، تم استهداف هذا الخط أكثر من 30 مرة، وفي كل مرة كانت مصر توقف الضخ منعاً لزيادة الاشتعال، ما تسبب بانقطاعات كهرباء متتالية وأزمات طاقة في البلدين.
في ذلك الوقت، كانت إسرائيل تعتمد على الغاز المصري في توليد 16% من كهربائها، وتحولت الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل واضح من استيراد الطاقة إلى إنتاجها وتصديرها حفاظاً على الأمن القومي للدولة.
في اليوم الثاني من "طوفان الأقصى" أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية أنها ستوقف العمل مؤقتاً في حقل "تامار" وستبحث عن مصادر بديلة للغاز، فأين هي هذه المصادر؟ ولمن ستصدر إسرائيل هذا الغاز؟
تم اتهام "الجماعات الإرهابية" و"الإسلاميين" و"داعش" و"التكفيريين"، و"حماس" أكثر من غيرها بتفجير الخط في كل مرة، الأمر الذي أعطى إسرائيل حجة قوية للبحث عن بدائل الطاقة المتاحة وإن كان هذا البحث غير قانوني، وتحديداً الغاز في مياه المتوسط المتاخمة، وكل ما ترافق مع هذا الخيار من معضلات في القانون الدولي وترسيم المياه الإقليمية والدولية حول ملكية الحقول التي تتشابك في مياهها مع المياه اللبنانية من جهة، والشواطئ الغزية من جهة أخرى.
زادت وتيرة إسرائيل في التنقيب عن الغاز في شواطئها وشواطئ جيرانها، بذريعة انقطاع الغاز المصري، متجاهلة المشكلة القانونية في ملكية هذه الحقول، لكن ظلت المشكلة الاقتصادية التي تكمن في أن كلفة استخراج الطاقة من حقول الغاز لا تتم تغطيتها من خلال توفير بند استهلاك الطاقة في موازنة الدولة المستخرِجة وحدها، فعلى أي دولة تقوم باستخراج الطاقة أن تصدّر على الأقل 50% مما تستخرجه لتصل إلى الموازنة الصفرية. كما أن الحكومة الإسرائيلية تفرض قيوداً على مقدار الغاز المسموح تصديره، لضمان وجود ما يكفي منه في السوق المحلية في المستقبل.
في اليوم الثاني من "طوفان الأقصى"، أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية أنها ستوقف العمل مؤقتاً في حقل "تامار" وستبحث عن مصادر بديلة للغاز. فأين هي هذه المصادر البديلة؟ ولمن ستصدر إسرائيل هذا الغاز؟
إسرائيل تصدر الغاز إلى تركيا
في العام 2011 أطلقت تركيا خطتها العشرية بأن تصبح أكبر موزع للطاقة في العالم، من خلال استيرادها من الشرق وتصديرها للغرب، شملت هذه الخطة بالإضافة إلى الطاقة البديلة ومفاعلات توليد الطاقة النووية التي تم الاتفاق عليها مع روسيا، تأسيس ثلاثة خطوط غاز تصب جميعها في تركيا، وهي التالية:
أولا: مشروع "تاناب" وهو خط الغاز الذي يمتد من أذربيجان إلى تركيا.
ثانياً: خط الغاز القطري الذي كان يفترض أن يمر من الأراضي السورية والذي كان سيتمكن من منافسة الغاز الروسي في أوروبا، وقد أشار له روبرت كيندي في مقالته الشهيرة المنشورة في فبراير/شباط 2016، وعزا إنفاق قطر وضلوع تركيا في الحرب السورية إلى هذا المشروع الضخم.
ثالثاً: خط الغاز الإسرائيلي التركي؛ والذي كان مطروحاً كمشروع قديم لما فيه من مصالح مشتركة بين البلدين، لكنه لم ينجح في ذلك الوقت أي مع بدايات الربيع العربي، بسبب المشكلة القبرصية-التركية، والتي حالت دون القدرة على بناء خط أنابيب بحري إلى الأخيرة بسبب اعتراض قبرص على مرور هذا الخط الإسرائيلي من مياهها إلى تركيا.
فشلت محاولة تصدير الغاز الإسرائيلي لإلى تركيا في 2012،لأن الأنبوب البحري كان يجب أن يمر في المياه القبرصية المتنازع عليها مع الأتراك
لم ينجح الخط القطري التركي فقد وضعت روسيا كل قوتها لتدمير هذا المشروع، في المقابل تم افتتاح مشروع "تاناب" وبدأ الغاز الأذربيجاني بالتدفق إلى تركيا في العام 2018.
لكن المفاجأة حدثت في أيلول/ سبتمبر 2023، وقبل أسبوعين فقط من عملية "طوفان الأقصى"، إذ أعلن كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مفاجأة اقتصادية ضخمة من اجتماعهما المشترك في نيويورك، بأن إسرائيل ستصدر الغاز لتركيا. أي أن العقبة البحرية تم تجاوزها.
صرّح أردوغان في هذا الاجتماع: "لن نبدأ فقط في تشغيل خطوط أنابيب الطاقة إلى تركيا، ولكن أيضاً من تركيا إلى أوروبا".
إسرائيل تصدر الغاز إلى أوروبا
بالطبع كانت المفاوضات الأكبر التي خاضتها إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي، كونه المستهلك الأكبر بسبب قوته الصناعية وطبيعة المناخ البارد، بيد أن المفاوضات فشلت مع الأوروبيين في ذلك الوقت، أي عام 2012، فسواء تم تسييل الغاز ونقله عبر الحاملات، أو بناء خط أنابيب في المتوسط، ففي الحالتين أثبتت دراسات الجدوى أن استيراد الغاز الروسي أكثر جدوى لأنه أقل في كلفة النقل والاستيراد.
لم يكن أحد يعلم في ذلك الوقت أن حرباً ستشنّها روسيا على أوكرانيا ستتسبب بأزمة طاقة أوروبية، حيث ستبدأ أوروبا بالبحث عن كل البدائل الممكنة من الجهة الأخرى من المتوسط.
قبل أسبوعين فقط من عملية "طوفان الأقصى" أعلن نتنياهو وأردوغان من نيويورك أن إسرائيل ستبدأ في تصدير الغاز إلى تركيا قريباً
بعد سنوات من فشل المفاوضات الأوروبية الإسرائيلية بسبب ارتفاع تكلفة التصدير، سيظهر مشروع ضخم اسمه "الكابل الكهربائي الأوراسي" الذي سيمر من مصر وإسرائيل وسيلتف من الجهة الأخرى من الجزيرة القبرصية عبر المياه اليونانية وصولاً إلى إيطاليا، وستتمكن إسرائيل من تصدير الغاز إلى أوروبا ومنافسة الغاز الروسي، ليس فقط من خلال تركيا، بل ومن خلال اليونان أيضاً.
إسرائيل تصدر الغاز إلى الأردن
منذ بداية الربيع العربي، بدا واضحاً أن على الأردن البحث عن مصادر بديلة للطاقة، أو على الأقل تنويع مصادر الطاقة قدر الإمكان في حال تعرض خط الغاز المصري للتوقف عن العمل، ففي العام 2011 كان الأردن يعتمد على الغاز المصري في توليد 80% من الكهرباء.
حاول الأردن أكثر من مرة استخراج ثروته الكبيرة من الصخر الزيتي، حيث تبلغ الكميات المؤكدة 80 مليار طن مما يجعلها الثروة الرابعة عالمياً، وهي كميات قادرة على رفع الناتج المحلي الإجمالي في الأردن لوضعها في مصاف الدول الخليجية بسهولة.
في العام 2012 وقّع الأردن عدة مذكرات تفاهم للتنقيب عن الصخر الزيتي مع الشركات الأستونية والكندية الخبيرة في هذا النوع من التنقيب، كذلك حاول التسريع باستخراج الغاز من حقل الريشة، لكن هذه الخطوات توقفت في منتصفها، وقد ترافق هذا الفشل في العثور على بدائل الطاقة، مع ظهور الكثير من نظريات المؤامرة والتساؤلات عن السبب في البحث عن طاقة خارجية بدلاً من الاستثمار في المحلية.
بعد تفجير الخط المصري الذي يمد إسرائيل بالغاز في سيناء، ازدادت وتيرة التنقيب عن الغاز في المتوسط، برغم النزاعات القانونية في المياه الإقليمة والدولية
في العام 2014 وقّعت شركة الكهرباء الأردنية صفقة طويلة تمتد إلى 15 عاماً مع "نوبل إنرجي"، يتم بموجبها دفع مليار دولار للأخيرة سنوياً مقابل استيراد الغاز.
لكن الصفقة لم تمر مرور الكرام على جماعات "مقاومة التطبيع"، فشركة "نوبل إنرجي" العابرة للقارات كانت توقع بالنيابة عن تجمع "شركات حقل لافايثان" الذي تملك الشركات الإسرائيلية حوالي 60% من أسهمه، بينما شركة الكهرباء الأردنية مملوكة بالكامل للحكومة.
أي أن الأردن صار يعتمد في طاقته نسبياً على إسرائيل، وأنه استعاض عن الغاز المصري بالغاز الإسرائيلي.
عرّاب هذه الصفقة بين الأردن وإسرائيل كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، الذي يملك أسهماً في "نوبل إنرجي" بحسب تقرير نشرته "Times of Israel"، وقد تم الكشف عن تفاصيل حصة كيري في الملكية بالاستناد إلى بيانات كيري المالية من العام 2013.
إسرائيل تصدر الغاز إلى مصر
تحولت مصر من مورّد للغاز إلى إسرائيل إلى مستورد منها، ففي العام 2019 وقّعت القاهرة اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل من حقول تمار وليفتيان، وهي الاتفاقية التي وصفها وزير الطاقة الإسرائيلي بأنها أهم تعاون بين البلدين منذ توقيع اتفاقية السلام.
في ذلك العام، أبرمت "نوبل إنرجي" في الولايات المتحدة وشركة "ديليك" الإسرائيلية مع شركة "دولفينوز " المصرية عقداً بنفس قيمة العقد الذي وقّعته الأردن (15 مليون دولار) لمدة عشر سنوات لتزويد مصر بـ64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. وفي العام 2020 بدأ ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر لتتحول مصر من مصدرة إلى مستوردة.
وبحسب تقرير نشرته وزارة الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلية، فقد ارتفعت عائدات الغاز الإسرائيلي في العام 2022 بنحو 28.8%، بسبب ارتفاع صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر والأردن، وجزئياً لارتفاع الصادرات إلى دول الاتحاد الأوروبي التي تعرضت لأزمة انقطاع الغاز الروسي، الأمر الذي يفسر جزئياً اختيار إسرائيل للجبهة الأوكرانية في هذه الحرب.
خلال عشر سنوات فقط تحوّلت مصر من مصدّر للغاز إلى إسرائيل إلى مستورد منها
الدور الذي خسرته مصر هنا هو الذي كسبته تركيا، فبعد مفاوضات مصر وإسرائيل في بداية الألفية الثانية بأن تقوم الأخيرة بتصدير الغاز إلى مصر ليتم تسييله وإعادة تصديره منها، وبعد مفاوضات مع السلطة الفلسطينية منذ عهد الرئيس الراحل عرفات لتولّي مصر تصدير الغاز الفلسطيني قبالة سواحل غزة، وبعد أن كانت من أكبر المصدرين بين القارات، مع خط أنابيب يمتد من المتوسط حتى العمق الإفريقي، خسرت مصر دور الموزع الأكبر لصالح اللاعب التركي.
السلطة الفلسطينية وحقوق التنقيب
السلطة الفلسطينية هي صاحبة الصلاحية القانونية الوحيدة في توقيع عقود التنقيب عن الغاز في الضفة الغربية وغزة بحكم القانون الدولي، ولمحاولة فهم قصة غاز غزة وعلاقته بكل محاولات إنهاء الانقسام الفلسطيني والحروب على القطاع، يمكننا تتبع التسلسل التالي:
في العام 2000 افتتح ياسر عرفات مراسم الاتفاق الرسمي بين السلطة الفلسطينية وشركة "بريتش غاز" البريطانية التي ستتولى مهمة استخراج الغاز ومساعدة الفلسطينيين في تسويقه والاستفادة منه، كان هذا حقل "غزة مارين 1".
وفي العام 2001 ومع انتخاب حكومة شارون تم الطعن أمام محكمة العدل الإسرائيلية العليا بملكية السلطة الفلسطينية لحقول الغاز.
وفي العام 2003 رفضت إسرائيل عرضاً من مجموعة "بريتش غاز" بتصدير الغاز لها على اعتبار أن هذا الشراء معناه اعترافها بملكية السلطة الفلسطينية للغاز.
وفي العام 2006 بدأت مفاوضات جانبية بين الحكومة الإسرائيلية ومجموعة "بريتش غاز" لتصدير الغاز لإسرائيل وإعطاء الفلسطينيين حصتهم على شكل سلع، وتم استثناء السلطة وحماس من المفاوضات، التي انتهت بالفشل لرفض الشركة هذه الصيغة، وأقفلت "بريتش غاز" مكاتبها في إسرائيل.
في كل مرة كانت السلطة الفلسطينية توشك على الوصول إلى الغاز الفلسطيني في سواحل غزة، كانت تحدث حرب على غزة وتوقف المصالحة بين فتح وحماس وتتسبب بوقف التعاقدات مع شركات التنقيب العالمية
يعلق دكتور القانون الدولي أيمن هلسة: "استثناء إسرائيل للسلطة الفلسطينية كطرف في عقود التنقيب لا يعني شيئاً على الصعيد الدولي، فهو عقد مع شركة خاصة، والشركة لا يهمها من الطرف الذي يوقع معها بقدر ما يهمها أن يكون لديه القدرة والصلاحية على تسيير الأمور، هذا العقد تحديداً خاضع للقانون الخاص، وليس القانون الدولي، ولا ينتقص من حقوق التنقيب الحصرية للسلطة الفلسطينية".
في العام 2007 سيطرت حماس على قطاع غزة. وظهرت فوضى قانونية بخصوص حقوق ملكية حقول النفط على اعتبار أنها حكومة غير شرعية وغير معترف بها، ومع محاولات حكومة حماس السيطرة على هذه الحقول ظهرت مخاوف إسرائيلية من أن يصبح الغاز تحت سيطرة الحركة.
وفي العام 2008 حدث العدوان الإسرائيلي على غزة. الذي يحيله البروفيسور مايكل شوسدوفسكي أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة أوتاوا الكندية كاملاً إلى حاجة إسرائيل للغاز. وبالفعل سيطرت إسرائيل على حقل "غزة مارين 1".
وفي العام 2011 وتحديداً فبراير/ شباط رأى صيادون غزيون فقاعات تخرج من البحر، ولم يفهموا ماهيتها وأبلغوا حكومة حماس عنها. في الشهر نفسه، تم الإعلان عن اكتشاف حقل غاز لم تتم تسميته أو التنقيب عنه بعد من قبل الحكومة في غزة، التي اشتكت حينها من عدم تمكنها من استقدام شركات تنقيب عن البترول لتحديد أهمية الحقل بسبب الحصار.
وفي العام نفسه أيضاً، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رغبته بالمصالحة مع حماس وزيارة غزة لتوقيع اتفاق إنهاء الانقسام، وأعلنت إسرائيل أن هذا الصلح يهدف لإنهاء إسرائيل. وبدأت المفاوضات من السلطة الفلسطينية مع "بريتش غاز". ولاحقاً صادق رئيس الوزراء الفلسطيني السابق رامي الحمد لله على طرح عطاء دولي من قبل السلطة الفلسطينية للتنقيب عن النفط في غزة، مصرحاً أن فلسطين ستبدأ بتصدير الغاز في العام 2017.
وفي العام 2013 وتحديداً نوفمبر/ تشرين الثاني أعلنت السلطة الفلسطينية عن تعاون قريب مع مجموعة "بريتش غاز" للتنقيب عن الغاز في غزة.
وفي العام 2014، قبل الانتقال إلى المرحلة التالية من تنفيذ العقود، جاءت عملية اختطاف ثلاثة مستوطنين في الضفة، واتهمت إسرائيل حركة حماس بالعملية، مع التحشيد ضد السلطة الفلسطينية لقبولها المصالحة مع "خاطفين وإرهابيين"، ومن بعدها بدأت الحرب على غزة وعملية "العصف المأكول". وقد صرّح موشيه يعالون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بأن الخطط العسكرية تهدف لاقتلاع حماس ومنعها من السيطرة على منابع الغاز في غزة.
نمط ثابت في التدمير ومنع الوصول إلى الغاز
في كل مرة اقترب فيها الفلسطينيون من استخراج الغاز، سواء بمصالحة بين الفصائل، أو بتوقيع مذكرات تفاهم مع شركات تنقيب، تحدث عملية تؤدي إلى حرب على غزة، ودائماً ما كانت حروب غزة توقف الاتفاقات الخاصة بالطاقة التي تعود بالفائدة على الفلسطينيين، نكاد هنا نكون بصدد نمط ثابت يتكرر منذ أكثر من 20 عاماً.
وما تعيشه غزة اليوم ليس استثناء، إذ جاء بعد ثلاثة أشهر فقط من اتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل برعاية ووساطة مصرية، ففي حزيران/ يونيو 2023، وافقت إسرائيل على السماح للسطة الفلسطينية بتطوير حقل "غزة مارينا" الواقع قبالة ساحل غزة، على أن يعود المردود المادي على السلطة الفلسطينية وحماس من حيث الإيرادات واستقلالية الطاقة.
يقول الدكتور هلسة: "إسرائيل تعرقل موضوع الانتفاع، كلما حدث ترتيب للتنقيب والاستخراج وتوشك العقود على الاقتراب من مرحلة التنفيذ نشاهد حرباً وأحداثاُ تمنع هذا الأمر، الترتيب الأخير الذي تم التوصل له قبل هذه الأحداث وصل للمرحلة شبه النهائية، وتم الاتفاق النهائي أن إسرائيل موافقة وأن الغاز الفلسطيني سيتم تصديره إلى مصر، التي ستقوم بإعادة تصديره".
من الذي توقع سيناريو اليوم؟
في أيار/ مايو 2011 نشر البروفيسور شوسدوفسكي بحثاً مطولاً يطرح فيه نظريته الكاملة عن عملية "الرصاص المصبوب" التي جرت في غزة في عامي 2008 و 2009، وعن ارتباطها بالسيطرة الإسرائيلية على الاحتياطيات البحرية للغاز الطبيعي. ويشير إلى المفاوضات بين شركة بريتش غاز وإسرائيل بشأن شراء الغاز الطبيعي من حقول الغاز البحرية في غزة.
يخلص البحث إلى أن "غزو غزة كان مرتبطًا بالتحكم في هذه الاحتياطيات البحرية ونقل سيادتها إلى إسرائيل، مخالفًا بذلك للقانون الدولي".
في العام 2011 نشر البروفيسور مايكل شوسدوفسكي بحثاً يربط به الحرب على غزة بمنع الفلسطينيين من الوصول إلى حقول الغاز التي يملكونها، وتوقع بشكل كبير السيناريو الحاصل اليوم
يطرح البحث تساؤلات حول التداعيات المحتملة للغزو على هذه الاحتياطيات، مثل إمكانية وضع ترتيبات إقليمية جديدة، أو توسيع العسكرة على الساحل البحري لغزة، باختصار، فالاحتمالات التي وضعها البحث تكاد تكون متطابقة مع السيناريو الذي يحدث الآن.
يقول شوسدوفسكي: "بحسب تقديرات الشركة البريطانية فإن احتياطيات الغاز في بئري غزة تبلغ حوالي 1.4 تريليون قدم مكعب بما قيمته أربعة مليارات دولار"، لكن شوسدوفسكي في بحثه يقول أيضاً إن الأرقام أعلى بكثير وقادرة على جعل فلسطين أغنى من الكويت.
ماذا لو وصل الفلسطينيون لغازهم؟
استخراج الغاز الفلسطيني يعني على الأقل تخفيض الاعتماد على المنح والمساعدات، تحرر الاقتصاد الفلسطيني في الضفة وغزة من قبضة الاقتصاد الإسرائيلي، ورفاهية فرد عالية، واكتفاء ذاتي، وكل هذا بعيداً عن الأثر السياسي.
يظل السؤال لماذا تحتاج إسرائيل لتهجير الجزء الشمالي من غزة لتتمكن من استخراج الغاز، وهذا هو الجواب الأبسط، لأنها إذا استرجعت صفة دولة الاحتلال -لا الحصار- سيكون ضمن "مسؤولياتها" القانونية كدولة محتلة الحفاظ على ثروات الشعب الذي قامت باحتلاله، وبهذا قد يكون لها صفة قانونية بالولاية على حقول الغاز في غزة، التي تم اكتشافها بالفعل، وتلك التي لا تزال غير مكتشفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 5 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي