تقدّم ورشة المعارف للكتابة، في كتابها "في رفقة الفقدان: التاريخ الشفوي والإرث النسوي"، تجربةً رائدةً في الجمع بين النضال النسوي، التاريخ الشفوي، الكتابة القصصية، اللقاءات الصحافية، والتوثيق النصي.
يكتب فريق التحرير في مقدمة الكتاب: "بدأنا العمل على هذا الكتاب في أوائل العام 2022، مع نية استكشاف الإرث والأرشيف النسوي وممارسة عملية تذكّر النسويات اللواتي خسرناهن في السنوات الماضية. كنا نفكر في شخصيات نسوية مختلفة من اللواتي عشن فترات تاريخيةً مختلفةً في لبنان، ولأن حياة نادين جوني وموتها تركا تأثيرهما على جميع العاملات في ورشة المعارف، وعلى أصدقائنا وأقراننا، شعرنا بقوة أننا نريد أن نتذكرها في هذا الكتاب. وكانت إيتيل عدنان اقتراح الباحثة نارود ساروجيان".
القصص والذاكرة والتاريخ النسوي الشفوي
تبيّن المحررة ديمة قائدبيه، التأملات التي دفعت الكتاب إلى حيز الوجود: وهي الموت والخسارة، وما نتركه وراءنا والذي يمكن أن يكون مفيداً، وأهمية التوثيق والأرشفة، والبحث عن إرث النسويات والناشطات في مضمونه وفي وسائل استعماله، وتوسيع ما تعنيه التواريخ والقصص النسوية، ومن يكتبها ومن يستمع إليها وما الشكل الذي تتخذه: "هذه الإصدارة هي محاولتنا لسرد قصص متجذرة في ما هو ثابت، في الخسارة والموت والتغيير، وفي أعمال التذكر والبقاء من خلال القصص".
تبيّن المحررة ديمة قائدبيه، التأملات التي دفعت الكتاب إلى حيز الوجود: وهي الموت والخسارة، وما نتركه وراءنا والذي يمكن أن يكون مفيداً، وأهمية التوثيق والأرشفة، والبحث عن إرث النسويات والناشطات في مضمونه وفي وسائل استعماله
وتذكّر مقدمة الكتاب بالدور الذي لعبه الإنتاج الأدبي في النضال النسوي، عبر أسماء منها ليلى بعلبكي، غادة السمان، إميلي نصر الله، إيتيل عدنان، حنان الشيخ: "في هذه الأعمال الأدبية نوع من التفكير في حيوات النساء وقضاياهن والتوثيق لتجاربهن في سياقَين زمني ومناطقي معيّنين من تاريخ لبنان. لطالما كان الفن والأعمال الثقافية في صدارة المعارضة وفي تصور التغيير". تضاف إلى ذلك، الأسئلة والقضايا المتعلقة بالإرث الشفوي النسوي، وكيفيات التعامل معه وتفعليه: "من نتذكر ومن ننسى؟ هذه هي أسئلة الأرشيف، وهي أسئلة تطرحها النسويات أيضاً. ما هي الذاكرة النسوية ومن تشمل؟ جزء كبير من عمل ورشة المعارف هو زحزحة المركزية في هذه الذاكرة بينما نقوم ببنائها. ويبرع التاريخ الشفوي والسرد القصصي في هذا المجال، إذ يستطيعان تذكر الآن والماضي معاً، والنظر إلى الذكريات اليومية الحميمية والسياق الأوسع، ثم صياغتها وتحويلها إلى أدوات خلاقة لمجتمعاتنا وحركاتنا".
ويتعمق نص الكاتبة تالة حسن، بعنوان "الإرث والتاريخ الشفوي"، في العلاقة بين الحكاية والتاريخ الشفوي، إذ تصف فيه دور القصة في انتقال السرديات، من حيث إعادة الرواية الإبداعية والعمل التوثيقي في الآن عينه: "أرشيفات التاريخ الشفوي هي كوكبات واسعة من المعرفة، تنتج ويعاد إنتاجها من خلال عملية السرد، وفي كل مرة يستمع إليها شخص ما، في سرد قصة، وفي الاستماع إليها، تقطع القصة شوطاً في ضمان استمراريتها، وتكون في أحسن الأحوال محميةً من الزوال من خلال توثيقها وعبر الفضول الذي تخلفه لمواصلة الاستماع والمعرفة". كما توسع أفكار الكتابة في كيفيات تفعيل التاريخ الشفوي ليكون أداةً فاعلةً في التغيير السياسي والاجتماعي والحقوقي المنشود: "استخدام منهجية التاريخ الشفوي يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الوضع المعرفي الراهن، وإلى تحدي الأنماط المعيارية لإنتاج المعرفة التي تستمر في إعادة إنتاج هذا الوضع الراهن، عبر نبش القصص التي تخبرنا عن العوالم التي يعيشها الناس ويخلقونها".
بالإضافة إلى الكتابة القصصية والتاريخ الشفوي، فإن الكتاب يقوم أيضاً على موضوعتين مركزيتين، هما الفقد والإرث، وهما موضوعتان مختارتان للتعامل معهما ضمن هذا الإطار من قبل القائمات على ورشة المعارف: "يحمل هذا الكتاب الفقدان والإرث كموضوعتين أساسيتين يستكشفهما من خلال التاريخ الشفوي، في خضم الأزمات الإنسانية والاقتصادية والوجودية التي نواجهها يومياً". لذلك فإن القصص المروية في الكتاب تتعامل مع الأرشيف الشفوي النسوي من خلال إطار مفهومَي الفقد والذاكرة، والقصص والموت: "ما هي حدود التاريخ الشفوي؟ وما هي تحديات إجراء التاريخ الشفوي حول شخص ما بعد موته، والتعامل مع الفقدان من خلال التركيز على حياة من تأثر/ن بالموت، وحياة من تشبث/ن بالموت نفسه، وخلق/ن حقائق ومستقبلاً منه؟ عادةً ما يكون التاريخ الشفوي شكلاً من أشكال السيرة الذاتية، حيث يطلب من الناس رواية قصصهم/ن الشخصية، وتوثيق تجارب من الطفولة إلى الحاضر، أو تجارب من حقبة أو حدث أو مكان أو موضوع محدد. في داخل كل قصة قصة أخرى، لأن الحكايات تتفتح وتتداخل ببعضها لتنتج حكايات جديدةً".
أن تسمع بحرب من مكان بعيد، بالنسبة إلى آخرين، أن تنفجر، أو أن تقضي على بلد، وأن تنسف حضارةً، وأن تدمّر أحياء. وأن تقاوم، يعني أن تنهض وترفع الصوت وأن تعلم أن المسيرات ضد الحرب تزداد عدداً، وأن تعلم أيضاً أن الطبيعة البشرية متعددة الأوجه، وأن تعلم أن الحرب في كل مكان.
أن نكون في زمن الحرب، إيتيل عدنان
يأخذنا نص "تجميع قصة إيتيل عدنان: محادثات وقراءات في بيروت"، بقلم نارود سروجيان، إلى رحلة استكشاف في عوالم الأديبة والفنانة إيتيل عدنان (1925-2021)، ويجمع النص لمحات أساسيةً من سيرتها الذاتية، والأدبية والفنية، بالإضافة إلى الجوانب النضالية النسوية والحقوقية. فتروي كاتبة النص عن اكتشافها لـكتاب "المدن والنساء، رسائل إلى فواز- إيتيل عدنان"، وتصفه بالرحلة التأملية في فكر إيتيل عدنان، ونشاطها، ولقاءاتها وحيوات النساء في مدن مختلفة وعلاقتهن بالمساحات الإقصائية، وسبل تعاملهن مع الحرب، وكيفية ارتباطهن بفكرة التعبير عن كونهن نساءً في سياقاتهن الاجتماعية، وكيف يتصرفن ويشعرن ويحزنّ ويبتهجن ويعشن حياتهن اليومية في المدن وفي المنازل، وفي المنفى وفي أماكن أخرى: "لطالما كان البحر عنصراً آسراً لإيتيل، وفي كتابها عن (مدن ونساء رسائل إلى فواز)، تشيد بالبحر وبوجوه الأساسي في هوية بيروت، تكتب (إيتيل): "أن تتأمل البحر يعني أن تصبح ما أنت".
ويبدأ فيلم "إزميرنا" (جوانا حاجي توما وخليل جريج، 2016)، بمشاهد النار والقوارب والبحر، بينما تروي جوانا من وجهة نظر مراهقة باستخدام ضمير المتكلم واصفةً الفرار ودمار المنازل، ثم نراها في الزمن الحاضر، جالسةً مع إيتيل تناقش تاريخ العائلة والمنفى.
"عادةً ما يكون التاريخ الشفوي شكلاً من أشكال السيرة الذاتية، حيث يطلب من الناس رواية قصصهم/ن الشخصية، وتوثيق تجارب من الطفولة إلى الحاضر، أو تجارب من حقبة أو حدث أو مكان أو موضوع محدد. في داخل كل قصة قصة أخرى، لأن الحكايات تتفتح وتتداخل ببعضها لتنتج حكايات جديدةً"
يركز النص أيضاً على مفهوم المكان في كتابات إيتيل عدنان؛ من المكان المنشأ حيث الطفولة والثقافة، إلى المدن التي مرت بها وزارتها، وكذلك إلى مفهوم الانتماء إلى المكان والمنفى. يذكّر نص الكاتبة إيتيل بعنوان "أن تنضج وتصبح امرأةً كاتبةً في لبنان"، بنص الروائية فرجينيا وولف، بعنوان "غرفة تخص المرء وحده"، وكلا النصين يتطرقان إلى فقدان الفضاء المخصص للمرأة الكاتبة لتحقيق عزلتها وفضائها الإبداعي، وخصوصاً في ثقافة العالم العربي: "أنا متأكده من أنه الأصعب في تلك الثقافة ككل، والأصعب للتعايش معه. كان حقيقةً أننا لم نتمتع بحياة خاصة ولا بخصوصية أكانت جسديةً أم أخلاقيةً.
الناس بالعالم العربي، وبالتأكيد في أي مكان آخر في العالم الثالث، لم يتركوا بمفردهم أبداً، فهم يعيشون تحت رقابة كل من حولهم". وترى الكاتبة ساروجيان أن قصة إيتيل في علاقتها مع الأمكنة والمدن، مزجت بين الإيجابية والمرح والمغامرة والازدراء وألم المنفى، وفي نصها "رحلات، إيتيل عدنان"، تصف بعض رحلاتها في إطار المغامرة، بينما تصف بعضها الآخر في إطار المنفى. تكتب إيتيل في "رحلات": "ماذا يعني المنفى إن لم يعنِ الخسارة المدوية وغير الطوعية لجميع الرموز الحية التي تشكل هوية الفرد؟ المنفى يعني طرداً بلا ملاذ. المنفى ليس مجرد خسارة، إنه خسارة لا يمكن تعويضها. إنه فقدان أقرب ما يكون إلى هوية المرء، وهو ما يرتبط بالتاريخ والجغرافيا، وقد أصيب العرب بجروح عميقة في كليهما".
ويتضمن الكتاب أيضاً فصلاً بعنوان "مقابلات التاريخ الشفوي في رفقة إيتيل عدنان"، ويحتوي على مقابلة مع سارة مراد، تروي فيها عن علاقتها، وقراءتها، واكتشافها لعالم إيتيل عدنان، وتنهي المقابلة بقصة حلم يجمع بين إيتيل وسارة مراد، ويتعلق بمفهوم المكان: "حلمت بها بعد وفاتها، حلماً عن السفر، كنا نقف وجهاً لوجه، وكأننا آلتان، لا بشر، نقود أجسادنا أو تقودنا أجسادنا، بسرعة فائقة على الأوتوستراد بين بيروت وشمال لبنان، شعرت كأننا نسافر عبر الزمن، ربما تكون علاقتي مع إيتيل واحدةً من أكثر العلاقات النصية الحميمية التي أشعر بها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.