يعيش العالم اليوم، حالة شبه هستيرية في بحثٍ مُضنٍ عن تقنيات ومصادر للطاقة النظيفة تقلّص الاعتماد على الوقود الأحفوري، لكنه يغفل في معظم الأحيان التداعيات المستقبلية أو الآثار الخطرة المُحتملة لهذه الحلول.
هذا لا يعني أن المشاريع والأفكار البديلة التي طبقت في مجال الطاقة النظيفة حتى الآن لم تحقق نتائج إيجابية، لكنها قد تكون أيضاً محفوفة بالمخاطر، وتشكل تهديداً واضحاً على كوكب الأرض، فضلاً عن تكاليفها الباهظة مقارنةً بتكلفة الحلول غير النظيفة المُتاحة.
نفايات وصناعة خطرة
إذا نظرت من الطائرة إلى مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في سيح الدخل بمدينة دبي، ترى مشهداً مُهيباً لأكثر من مليوني لوح طاقة شمسية تمتد على مساحة تزيد عن 77 كيلومتراً مربعاً.
هل يمكن أن يكون كل ما يتم فعله للحد من الانبعاثات، مجرد أحلام وطواحين هواء؟
هذه الحديقة الشمسية العملاقة التي تعد واحداً من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم، ستدعم رؤية دولة الإمارات المرتبطة بالطموحات المناخية، إذ من المتوقع أن يزود المشروع ما يقارب 1.3 مليون منزل بالطاقة، ويساهم بتخفيض انبعاثات الكربون بمقدار 6.5 مليون طن سنوياً. وفي المملكة العربية السعودية ومصر مشاريع مشابهة أيضاً.
إلا أن هذا التوجه العالمي المتزايد للاعتماد على الطاقة الشمسية كحل بديل لمصادر الطاقة التقليدية المعتمدة على الوقود الأحفوري، بدأ يكشف النقاب عن تداعيات سلبية كبيرة على البيئة والمناخ: ألواح الطاقة الشمسية منتهية الصلاحية والتي صُنفت كواحدة من أكثر النفايات خطورة على البيئة والإنسان.
تحذر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة من أنه بحلول 2050، ستكون هنالك جبال هائلة من نفايات ألواح الطاقة الشمسية ما لم يُعَد تدويرها، وفي الولايات المتحدة الأمريكية فقط يُتوقع أن ينمو حجم الألواح منتهية الصلاحية حتى مليون طن بحلول عام 2030.
لكن مبادرات إعادة تدوير تلك النفايات أو التخلص منها تسير ببطء شديد جداً وتنذر بمشكلة بيئية ضخمة. كما أن المعمول به حالياً وفق تلك المبادرات يواجه تحديات تتعلق بجودة المواد الخام المستعادة ومدى فعالية التقنيات المتوفرة لفصل المعادن الثمينة في الألواح منتهية الصلاحية عن المكونات الأخرى. هذه المعادن مثل الفضة والنحاس والسيليكون ضرورية جداً في حال كان الهدف صنع ألواح جديدة باستثمار مكونات القديمة.
يمكن في إطار ذلك الحديث عن مبادرة الصين الوحيدة على مستوى العالم حتى اليوم، لتطوير نظام يتضمن معايير توضح بالتفصيل طرق إيقاف تشغيل وتفكيك وإعادة تدوير منشآت الطاقة المتجددة، ولكن هذا النظام لن يكون جاهزاً حتى العام 2030، بينما تملك الصين وغيرها من دول العالم كميات هائلة من الألواح منتهية الصلاحية.
هذه المشكلة ليست الوحيدة المرتبطة بألواح الطاقة الشمسية، بل أيضاً عملية التصنيع بحد ذاتها، والتي تتطلب استخدام أنواع مختلفة من المواد الكيميائية، وينتج عنها انبعاثات كبيرة ضارة بالبيئة.
يمكن اعتبار مخاطر النفايات الناتجة عن حلول الطاقة المتجددة هامشية، بالمقارنة مع كوارث بيئية وإنسانية مُحتملة جراء تشريع حلول أخرى لتخفيض الانبعاثات العالمية، مثل التعديل الشمسي الذي يهدف إلى تبريد الأرض بتدخلٍ بشري، والحصول على المعادن من أعماق البحار
تعدٍ على حقوق المجتمعات المحلية
تستلزم مشاريع الطاقة الشمسية الضخمة توفر أراض شاسعة، ويصطدم ذلك في كثير من الأحيان مع مالكي هذه الأراضي وقاطنيها. أشارت دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن هنالك أكثر من 200 شكوى حول العالم تدّعي التضرر من مشروعات الطاقة المتجددة بسبب الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين لتنفيذها.
عموماً، فإن هذه المشكلة أصبحت شائعة على نطاق واسع في كثير من العناوين المرتبطة بأعمال ذات صلة بالمناخ. مثلاً، أثارت إحدى شركات النفط الإماراتية جدلاً واسعاً على خلفية اتفاق مع حكومة ليبيريا ينص على تنازل الأخيرة عن 10% من أراضيها لمدة 30 عاماً لصالح الشركة التي ترغب بتنفيذ أنشطة تقلل انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي مثل زراعة الأشجار واستصلاح الأراضي، أو ما يطلق عليه مصطلح "أرصدة كربون الغابات".
هذه الاتفاقية تمت دون الحصول على موافقة المجتمعات المحلية التي تستوطن الأراضي المشمولة بالاتفاق، وبُنيت فقط على أهداف شركة النفط، إذ يمكن لها تعويض انبعاثاتها التي تتسبب بها جراء أنشطتها في قطاع النفط مقابل أنشطة بيئية في مكان آخر. ولكنها أثارت مشكلة اجتماعية وأخلاقية، بالتعدي على ملكية المجتمعات المحلية للأراضي دون موافقتهم من جانب، ودون تعويضهم من جانب آخر.
حلول خطرة
يمكن اعتبار مخاطر النفايات الناتجة عن حلول الطاقة المتجددة هامشية، بالمقارنة مع كوارث بيئية وإنسانية مُحتملة جراء تشريع حلول أخرى لتخفيض الانبعاثات العالمية. مرر البيت الأبيض قبل أشهر دراسة حول تقنية تدعى "التعديل الشمسي"، وهي شكل من أشكال الهندسة الجيولوجية المناخية التي تهدف إلى تبريد الكوكب بشكل مُصطنع من خلال تقليل كمية ضوء الشمس التي تصل إلى الغلاف الجوي والأرض. وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، "لم يتم اختبار أو تحديد المخاطر والعواقب المحتملة لتطبيق تقنية التعديل الشمسي بعد".
يشير مفهوم التعديل الشمسي إلى تدخل الإنسان لتغيير المناخ في الاتجاه المعاكس من خلال تبريد الأرض، وكما أن الارتفاع المستمر في درجات الحرارة من المرجح أن يتسبب بكوارث كالجفاف والعواصف والفيضانات، كذلك قد يؤدي التبريد إلى كوارث مناخية، ولكن الفرق بين الحالتين، أنه ليس بحوزتنا أية معلومات عن ماهية تلك الكوارث المُحتملة، في ظل عدم وجود أبحاث تتناول ما يمكن أن ينتج عن تطبيق التقنية حتى الآن.
فشل التجربة يعني أن الأضرار قد تكون وخيمة، لن تلحق بمختبر صغير أو منشأة للتجارب العلمية، ولا حتى ضمن نطاق جغرافي ما مثل هيروشيما، وإنما على نطاق الكوكب بأكمله.
ليس هنالك ما يؤكد حتى الآن وجود طرق لتفادي التداعيات السلبية المتوقعة للحلول الخضراء.
الأمر ذاته ينطبق على مشاريع الطاقة النووية التي تهدف لتوفير الطاقة من مصادر غير تقليدية، وتكمن خطورتها في أن خطأ بسيطاً ضمن المحطة سيتسبب بكارثة إنسانية وبيئية كبيرة.
في مستوى آخر، استأنفت الهيئة الدولية لقاع البحار التابعة للأمم المتحدة منح التراخيص التجارية للتعدين في أعماق البحار، والتي كانت محظورة منذ ستينيات القرن الماضي. يؤكد نشطاء البيئة أن عمليات التعدين البحري ستتسبب بتدمير الأنظمة البيئية البحرية التي تكونت عبر آلاف السنين في غضون ثوان، بينما تُواجَه نظرياتهم بالقول إن للتعدين البحري تأثيرات أقل خطورة المقارنة مع التعدين الأرضي، كما أن بصمته الكربونية أقل بكثير.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن طفرة تكنولوجيا البطاريات في السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وهي أبرز الحلول النظيفة رائجة الاستخدام، ستسهم في زيادة الطلب على المعادن بأربعة أضعاف بحلول عام 2040. وفق ذلك لم يعد لمخاوف نشطاء البيئة على الحياة في عمق البحار أهمية كبرى مقارنة مع الثروة الكبيرة التي سيتم تحصيلها.
تكاليف باهظة وطلب منخفض
عام 2017، أصبحت اليابان أول دولة في العالم تطلق استراتيجية وطنية للهيدروجين، بهدف التحول نحو وقود منخفض الكربون مع إمكانات عالية. أطلقت شركات مثل "تويوتا" سيارات كهربائية تعمل بخلايا وقود الهيدروجين كبديل للسيارات الكهربائية، وخصصت الحكومة إعانات مالية سنوية بملايين الدولارات لدعم بناء بنية تحتية للتزود بوقود الهيدروجين. بعد ست سنوات، لم تتمكن اليابان من تحقيق إنجازات تُذكر في هذا المجال، ولم تشهد محطات الهيدروجين التي بنيت في أنحاء البلاد سوى طلب منخفض. قد تكون أهم الأسباب تكلفة الوقود المرتفعة جداً.
يحتل الهيدروجين الأخضر الذي ينتج معظمه بالاعتماد على الوقود الأحفوري، مكانة هامة ضمن مخططات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المناخية، لكن النتائج في الولايات المتحدة حتى الآن لا تختلف كثيراً عن اليابان. وفق تقارير حديثة، ألغت شركة "شل" خططها المعلنة لبناء 48 محطة جديدة لتزويد المركبات بوقود الهيدروجين على الرغم من حصولها على منح حكومية لتنفيذ المبادرة. في الوقت ذاته، خفض المشرّعون التمويل المخصص لولاية كاليفورنيا لبناء محطات للتزود بوقود الهيدروجين، بعد أن حذرت سلطات الولاية من عدم وجود طلب كافٍ يبرر إنفاق المزيد في هذا القطاع.
كيف تكون الحلول "خضراء" فعلاً؟
ليس هنالك ما يؤكد حتى الآن وجود طرق لتفادي التداعيات السلبية المتوقعة للحلول الخضراء، رغم أن بعضها أصبح أولوية في قوانين العديد من الدول التي تحظر بناء مشاريع الطاقة المتجددة دون موافقة المجتمعات المحلية، كما أن هنالك مبادرات للتوصل إلى دورة حياة كاملة خالية تماماً من الانبعاثات لمصادر الطاقة البديلة، مثل تقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر بالاعتماد على مصادر نظيفة، أو صناعة ألواح الطاقة الشمسية بإعادة استخدام المعادن في ألواح طاقة منتهية الصلاحية.
التوجه العالمي المتزايد للاعتماد على الطاقة الشمسية كحل بديل لمصادر الطاقة التقليدية بدأ يكشف النقاب عن تداعيات سلبية كبيرة على البيئة والمناخ: ألواح الطاقة الشمسية منتهية الصلاحية والتي صُنفت كواحدة من أكثر النفايات خطورة على البيئة والإنسان
عموماً، يصر معظم ناشطي البيئة والمناخ على أن الحل الوحيد هو التخلص النهائي الفوري من الوقود الأحفوري، وإغلاق مصانع النفط والغاز والتحول بشكل تام نحو مصادر طاقة نظيفة خالية تماماً من الانبعاثات، وينتقدون الإنفاق العالمي الكبير في أساليب التصدي لتغير المناخ دون التفكير في إلغاء المتسبب الرئيس له. ولكن هذا إجمالاً يعد ضرباً من الجنون في مرحلة لا يزال فيها العالم يقف عند حلول ومصادر طاقة بديلة تُثبت أنها غير مفيدة كما المتوقع ولها تداعيات سلبية عدة.
قبل أعوام، أحدث تصريح للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، موجةَ غضب عارمة، إذ قال إن إدارته "لن تعرّض ثروة الولايات المتحدة للخطر من أجل الأحلام وطواحين الهواء"، في إشارة إلى اللا جدوى من الإنفاق على ممارسات ذات صلة بقضية تغير المناخ، وفي ظل إدارة ترامب انسحبت الولايات المتحدة بالفعل من اتفاقية باريس لتغير المناخ.
اتسمت تصريحات ترامب بالغرابة على الدوام، ولكن لا ضير في أن نسأل اليوم: هل يمكن أن يكون كل ما يتم فعله للحد من الانبعاثات، مجرد أحلام وطواحين هواء؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.