يعاني أهل غزة من الحصار والقصف ومجازر جيش الاحتلال بشكل متواصل منذ نحو أسبوعين. عدد الشهداء في تصاعد مستمر. يحصد الموت كل من يقع أمامه دون تفريق بين رجل وامرأة وطفل/ ة. وفي ظل كل هذا الرعب، تواجه نساء القطاع خطراً مختلفاً، فتبعاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA، تضم غزة 50 ألف امرأة حامل، منهنّ 5 آلاف على وشك الولادة.
في كل دقيقة وثانية، تتعرض هؤلاء النسوة لاحتمال الإجهاض أو الولادة المبكرة أو الولادة تحت القصف مباشرةً، وعلى الحدود تقف شاحنات الإمدادات والمساعدات في طابور من المعاناة لدخول غزة، ولكنها قد لا تحمل الأمل إن كانت لا تحتوي على الإمدادات الطبية الضرورية لإنقاذ الحوامل.
مستلزمات طبية لا غنى عنها
نشاهد كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات تحمل علامة "محتوى حساس" تُبرز المأساة الإنسانية التي تحدث الآن في غزة، أحدها يقدّم اللحظات الأخيرة من حياة امرأة، والأولى من حياة جنينها؛ فالأم الحامل في شهرها الثامن تعرّض منزلها للقصف، فنقلتها عائلتها إلى المستشفى، ليتم إنقاذ الجنين بجراحة قيصرية بينما فارقت هي الحياة.
من بين الـ50 ألف حامل الآن في غزة، تواجه نسبة كبيرة منهنّ خطر الإجهاض، نتيجة اضطرارهنّ إلى الخروج من منازلهنّ تحت القصف، بالإضافة إلى الضغط النفسي نتيجة كل ما يحدث.
في ظل كل هذا الرعب، تواجه نساء القطاع خطراً مختلفاً، فتبعاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA، تضم غزة 50 ألف امرأة حامل، منهنّ 5،000 على وشك الولادة
تعليقاً على هذه النقطة، تقول لقاء السعدي، وهي فلسطينية تعيش عائلتها في خان يونس، لرصيف22: "الكثير من النساء الحوامل فقدن حياتهنّ، وغيرهنّ فقدن أجنتهنّ، ومن استطعن الولادة لا يمكن لهنّ أن يمررن بفترة نفاس طبيعية".
وتضيف: "هؤلاء الحوامل والأمهات الجديدات يتواجدن في مراكز إيواء، سواء كانت مدارس أو مخيمات، حيث لا يتوفر لهنّ سوى الماء والطعام على الأكثر. خرجت هذه العائلات إلى العراء لإنقاذ حياتها، من دون مال، أو ملابس، أو احتياجات الأطفال الذين هم على وشك الولادة".
لا يتوقف الأمر عند احتياجات الأجنّة من ملابس وحليب، أو حتى تواجد أطقم طبية أو قابلات لمساعدة هؤلاء النساء على الولادة الطبيعية، ولكن هناك مستلزمات طبيةً ضروريةً لحالات الولادة، سواء المبكرة أو التي في موعدها، أو لحالات الإجهاض نتيجة القصف.
تتحدث طبيبة النساء والتوليد، عفت الصيرفي، عن هذه الإمدادات التي لا غنى عنها: "على الرغم مما يقال حول أن الولادة الطبيعية بسيطة، إلا أنها ليست كذلك، وذلك في الأحوال المستقرة مثل الولادة في المستشفيات وتحت إشراف طبي، فهناك دوماً حاجة إلى أدوية خاصة بعد الولادة، وتعقيم شديد للأدوات، وذلك لضمان صحة الأم والجنين".
وتضيف لرصيف22: "بالطبع مع الأحوال المؤسفة التي تعيشها نساء غزة الآن، فإن الولادة في المستشفيات لم تعد متاحةً للكثيرات، ولكن هناك ضرورات طبيةً يجب التأكد من وصولها إليهنّ".
في هذا السياق، تقسم الدكتورة عفت الصيرفي الحاجات إلى الإمدادات الطبية قسمَين؛ في حالة الولادة الطبيعية، وفي حالة الإجهاض:
الولادة:
● مواد تعقيم أدوات الولادة.
● المضادات الحيوية لما بعد الولادة.
● فوط صحية للنفاس.
● ميثروجين لوقف النزيف بعد الولادة.
● الأدوية المساعدة على انقباض الرحم وعودته إلى حالته الطبيعية.
● بانثينول وفيسودين وغيرهما من المراهم للجروح لمنع التهاب جرح الولادة.
الإجهاض:
● أدوية لتثبيت الحمل في حالة الإجهاض المبكر مثل مركبات البروجسترون.
● أدوية سيولة دم لتثبيت الحمل في بعض حالات الحمل الحرجة التي تحدث فيها وفاة للجنين.
● في حالة الإجهاض تحتاج المرأة إلى مضادات حيوية بالإضافة إلى ميثروجين لوقف النزيف وتنظيف الرحم وفوط صحية.
وتشير الطبيبة إلى تعرض الكثير من النساء لأمراض سكري الحمل وارتفاع الضغط: "هذه الفئة تحتاج إلى رعاية طبية خاصةً خلال الحمل، وقد يفاقم الوضع في غزة من نتائج هذه الأمراض".
الفوط الصحية والأدوية النسائية ليست رفاهيةً
نُشرت تغريدات حول حاجة نساء غزة إلى الفوط الصحية، الأمر الذي قد يغيب عن أذهان المسؤولين/ ات عن تحضير المساعدات والإمدادات، وقد اضطرت بعض النساء إلى استخدام حبوب منع الحمل لتأجيل الدورة الشهرية في ظل القصف المستمر.
لا شك في أن الاحتياجات النسائية بدءاً من الفوط الصحية، وصولاً إلى الأدوية الضرورية للولادة ليست رفاهيةً، وهو ما تشدد عليه الناشطة النسوية والمديرة التنفيذية لمبادرة "سوبر وومن"، آية منير، التي تقول لرصيف22: "إن احتياجات النساء ليست موجودةً في القوائم الخاصة بالمستلزمات التي تُرسَل إلى مناطق النزاع أو المناطق التي تتعرض للكوارث المناخية أو الزلازل، وينطبق الأمر في حالة العدوان على غزة، وهي المستلزمات النسائية بدءاً من الفوط الصحية ومسكنات الدورة الشهرية وصولاً إلى الأدوية المتخصصة في وقف النزيف في حالة الإجهاض، والحوامل في حالة الولادة المبكرة، وهناك اهتمام بالرُضّع على حساب الأمّهات أنفسهنّ".
في كل دقيقة وثانية، تتعرض هؤلاء النسوة لاحتمال الإجهاض أو الولادة المبكرة أو الولادة تحت القصف مباشرةً، وعلى الحدود تقف شاحنات الإمدادات والمساعدات في طابور من المعاناة لدخول غزة، ولكنها قد لا تحمل الأمل إن كانت لا تحتوي على الإمدادات الطبية الضرورية لإنقاذ الحوامل
وتتابع: "حين يتمّ إرسال بعض من هذه المستلزمات، لا تكون بكميات كافية، ولذلك أخذنا زمام المبادرة للتواصل مع مؤسسة مرسال، وحتى الآن لسنا متأكدين من قدرتنا على تقديم ما هو أكثر من الفوط الصحية وفوط النفاس وأدوية وقف النزيف، وليست لدينا القدرة على إضافة المزيد من المستلزمات الضرورية للغاية للنساء سواء الحوامل منهن أو اللواتي يتعرضن لتجربة فقدان الجنين".
تجميع المساعدات
تعبّر آية منير عن شعورها بالعجز -وهو الشعور الذي تتشاركه مع الكثيرين والكثيرات- نتيجة عدم دخول شاحنات الإغاثة بسهولة، وتالياً يتم تجميع المساعدات والإمدادات وقد لا تصل إلى المحتاجات إليها، والنساء الآن يعانين من دون الأشياء الموجودة على الحدود على بعد كيلومترات قليلة.
تشارك حالياً مبادرة "سوبر وومن" مع مؤسسة "مرسال" ومؤسسة "براح آمن"، و"Y Peer Egypt"، ومؤسسة "إدراك للتنمية والمساواة"، في جمع المستلزمات النسائية الضرورية لحوامل غزة، وبالفعل تمت إضافة قائمة جديدة في قوافل الإغاثة، وبدأ هذا التشبيك بين المؤسسات التنموية بعد تحرّك من المدوّنة وصانعة المحتوى المصرية، جنة عادل، التي تواصلت مع آية منير، ثم مرسال، وساعدت في جمع المؤسسات الأخرى وتنسيق الحملة.
تقول جنة عادل، عن الأسباب الكامنة وراء هذه الفكرة: "أتابع مثل كثيرين/ ات ما يحدث في غزة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعدما قرأت تغريدةً عن حالات الإجهاض والولادة المبكرة المتزايدة بفعل القصف، وأن ذلك يحدث في ظل انقطاع الماء والإمدادات الصحية، فكرت في النساء والدورة الشهرية والولادة وهي كوابيس إضافية إلى كل ما يعانيه سكان غزة".
نُشرت تغريدات حول حاجة نساء غزة إلى الفوط الصحية، الأمر الذي قد يغيب عن أذهان المسؤولين/ ات عن تحضير المساعدات والإمدادات، وقد اضطرت بعض النساء إلى استخدام حبوب منع الحمل لتأجيل الدورة الشهرية في ظل القصف المستمر
أرسلت مؤسسة "مرسال"، بالفعل فوطاً صحيةً مع القافلة الأولى بينما الصليب الأحمر خصصKit للمستلزمات الصحية النسائية، لكن بالنظر إلى عدد النساء في غزة واستمرار القصف وحالات الولادة المستمرة، فهذا الأمر ليس كافياً، إذ هناك حاجة ضرورية إلى أدوية ومعدات طبية متخصصة لإنقاذ هؤلاء النسوة وأجنّتهنّ.
في الختام، إن تجربة الولادة ليست سهلةً أو بسيطةً، بل تحتاج إلى رعاية طبية قوية، بالإضافة إلى الرعاية النفسية كذلك، فهناك أبحاث متخصصة عن كرب الولادة وتأثير حالات الولادة العسيرة على الأمهات لفترات طويلة بعدها، ولكن ما تعانيه نساء غزة اليوم هو أمر لا يتصوره عقل بشري، ونبقى على أمل وصول أي إمدادات طبية متخصصة تساعدهنّ على البقاء سالمات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 17 ساعةأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يومينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...