حادث مأساوي آخر شهدته الأراضي الفلسطينية مساء الثلاثاء 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حيث قصفت إسرائيل مستشفى الأهلي العربي "المعمداني"، في حي الزيتون داخل قطاع غزة، فسقط أكثر من 500 ضحية، ومئات الجرحى، وتناثرت أشلاء الجثث، وعمّ الموت في كل مكان. لكن يبدو أن هول المجزرة جعل إسرائيل تسارع إلى اتهام الفصائل الفلسطينية، بعد أن كانت قد اعترفت بأنها أنذرت المدنيين في المستشفى لإخلائه، وما لبثت أن وقفت واشنطن معها وتبنّت فرضيتها. فما الذي حدث؟
اعتراف إسرائيلي ثم نفي واتهام
لجأ آلاف الفلسطينيين إلى المستشفى المعمداني للاحتماء به، لكنهم كانوا على موعد مع الموت قرابة السابعة مساء الثلاثاء 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حيث شنّت طائرة إسرائيلية غارةً على المستشفى، وبعد الحادث بدقائق وانتشاره في العالم، بدا التخبّط الإسرائيلي واضحاً؛ في البداية اعترف الصحافي الإسرائيلي، والمتحدث الرسمي للإعلام الرقمي عن مكتب رئيس الوزراء، حنانيا نفتالي، بقصف المستشفى.
وبحسب التغريدة التي حذفها بعد نشرها بدقائق، يقول نفتالي: "الدفاع الجوي الإسرائيلي قصف حماس في داخل المستشفى في غزة، وعدد لا يحصى من الإرهابيين قُتلوا"، زاعماً أن حماس تطلق صواريخها من المستشفيات والمدارس، وأنها تستخدم المدنيين كدروع بشرية. واعترف بمسؤولية إسرائيل عن الهجوم وقصف المستشفى، لكنه ما لبث أن حذف التغريدة بعد ذلك.
كما نشر الحساب الرسمي لـThe Spectator Index على موقع "إكس"، تغريدةً تفيد بأن المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي حذّر بشأن إخلاء المستشفى الأهلي وخمسة مستشفيات أخرى قبل القصف، وشاهد التغريدة قرابة 15 مليون شخص حول العالم.
وبعد تنديد العالم بالجريمة في حق المدنيين العُزّل، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، أن الجهاد الإسلامي هو من قام بقصف المستشفى، وكتب على حسابه الرسمي على موقع "إكس"، يقول: "بعد تحليل الأنظمة العملياتية في جيش الدفاع، فقد أطلق العدو في غزة رشقةً صاروخيةً كثيفةً نحو إسرائيل مرت في محيط المستشفى المعمداني لحظة إصابته"، وأضاف: "حسب معلومات استخبارية تستند إلى عدد من المصادر المتوفرة لدينا، تأكد أن تنظيم الجهاد الإسلامي الإرهابي مسؤول عن عملية إطلاق الصواريخ الفاشلة التي أصابت المستشفى".
بعد التنصل الإسرائيلي من جريمة قصف المستشفى، بادر العديد من المتابعين ووسائل الإعلام إلى نشر أدلة تردّ على النفي الإسرائيلي. إليكم/ن بعض أبرز الأدلة على تورط إسرائيل في مجزرة المستشفى الأهلي في غزّة
كما زعم أفيخاي في تغريدات أخرى، أن الاستخبارات الإسرائيلية نجحت في رصد مكالمات بين ناشط حمساوي سابق وأحد سكان غزة تفيد بقصف المستشفى عن طريق الخطأ، كما اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المقاومة بتدمير المستشفى، زاعماً أن من قتل أطفال إسرائيل سيقتل أطفاله كذلك.
وسار الإعلام الإسرائيلي بكافة وسائله ومحلليه خلف الرواية المزعومة باتهام الجهاد، حتى مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى تل أبيب صباح اليوم الأربعاء 18 تشرين الأول/ أكتوبر، والذي تبنّى هو الآخر السردية السابقة، إذ قال بعد لقائه نتنياهو: "بناءً على ما رأيته، يبدو أن ذلك تم من قبل الطرف الثاني وليس أنتم، ولكن كثير من الناس غير متأكدين"، وأعلن بايدن مساندته لإسرائيل بقوله: "أردت أن أكون هنا لسبب بسيط، وهو أن شعب إسرائيل والعالم يعرف أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل"، بحسب ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
ونفت حركة الجهاد الإسلامي الاتهامات الإسرائيلية بقصف المستشفى، وأكدت تلقّي المستشفى بيانات علنيةً بالإخلاء، كما أن الحركة لا تستخدم دور العبادة أو المستشفيات لتخزين الأسلحة أو إطلاق الصواريخ بحسب بيان الحركة، الذي شدد على أن إسرائيل تنشر الأكاذيب وتتعمد التضليل والتنصل من المسؤولية عن الجريمة التي ارتكبتها.
الرد على السردية الإسرائيلية
بعد التنصل الإسرائيلي من جريمة قصف المستشفى، بادر العديد من المتابعين ووسائل الإعلام إلى نشر أدلة تردّ على النفي الإسرائيلي، فنجد الإعلامي الأمريكي، جاكسون هنكل، على حسابه الرسمي على موقع "إكس"، ينشر عدداً من التغريدات بالأدلة حول التورط الإسرائيلي في مجزرة مستشفى الأهلي، وغيره من المحللين والمتابعين.
نشر هنكل مقطع فيديو في أثناء الاستهداف، وتحدث في تغريدته عن أن الفيديو المنشور يحتوي على ثلاثة مشاهد مختلفة، تكشف الحقيقة، وغرّد يقول: "المقطع الأول هو لصوت صاروخ صغير من حماس، أما الثاني فهو صوت قنبلة جي دي إيه إم (JDAM)، والمقطع الثالث هو صوت ما أصاب مستشفى غزة. إذا كان الصاروخ الذي قصف المشفى من طراز (جي دي إيه إم)، فهو إسرائيلي بنسبة 100%".
واصل هنكل نشر العديد من الأدلة التي ردّ بها على السردية الإسرائيلية، والتي نشرت خريطةً تزعم أن فيها موقع إطلاق الصاروخ الحمساوي صوب المستشفى، وعلّق هنكل قائلاً: "هناك فقط مشكلة، المقبرة قريبة جداً من المستشفى بحيث لا يمكن أن تكون موقع إطلاق مقطع الفيديو الخاص بوابل الصواريخ الذي نشروه... كاذبون رهيبون".
"لو كانت صواريخ حماس تُحدث كل هذا الدمار الذي تعرض له المستشفى المعمداني، لكانت قد مسحت إسرائيل من على وجه الكرة الأرضية مقارنةً بعدد الصواريخ التي أُطلقت على إسرائيل منذ بداية معركة طوفان الأقصى"
كما نشر عدد من المحللين والمتابعين روايات أخرى عدة حول استهداف المستشفى، وتساءل المحلل العسكري، سيدريك لايتون، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، حول ما الذي كانت تريده إسرائيل من عملية القصف؟، وقال: "أود حقاً أن أعرف، من وجهة نظر عسكرية، ما الذي كان يستهدفه الإسرائيليون؟ هل اعتقدوا أن هناك كياناً تابعاً لحماس في المستشفى، وحتى مع ذلك، ما هو نوع التبرير الذي سيكون موجوداً للقيام بهذا النوع من الضربات؟".
وأضاف: "إنه شيء مختلف تماماً عن الطريقة التي ننفّذ بها عملية الاستهداف في القوات الجوية الأمريكية، وهذا شيء أعتقد أنه يجب التحقيق فيه، وأعتقد أن ذلك أيضاً يدفع نحو نوع من التوقف عما يفعله الإسرائيليون الآن بالنسبة لعملياتهم الهجومية. سيجدون صعوبةً في مواصلة هذه العمليات إذا استمر هذا النوع من الأخطاء"، وتشير تصريحات لايتون إلى ضلوع إسرائيل في خطأ استهداف المستشفى.
وعلّق ركن الإعلام الحربي لدى المنطقة العسكرية الخامسة في اليمن، راشد معروف، على حادث استهداف المستشفى الأهلي المعمداني، في حسابه الرسمي على موقع "إكس"، بقوله: "لو كانت صواريخ حماس تُحدث كل هذا الدمار الذي تعرض له المستشفى المعمداني، لكانت قد مسحت إسرائيل من على وجه الكرة الأرضية مقارنةً بعدد الصواريخ التي أُطلقت على إسرائيل منذ بداية معركة طوفان الأقصى".
وفي تغريدة أخرى للرجل المحمّل بالخبرات العسكرية، يؤكد أن الاستهداف تم من خلال قنبلة MK-84، وهي أمريكية الصنع، وحول آثارها التدميرية يقول معروف: "وهي واحدة من أكبر الذخائر بين ذخائر طائرات F-16. يمكن لقنبلة MK-84 أن تُحدث حفرةً بعرض 15.2 متراً وعمق 11 متراً. ويبلغ القطر التدميري لهذه القنبلة التي تستطيع اختراق 380 ملم من المعدن، 336 متراً".
الأدلة واضحة
يقول ماريو نوفل، مؤسس مجموعة IBC، بأنه طلب من فريق عمل كبير لديه التحقيق ومعرفة حقيقة الأمر، بعد التحدث مع خبراء في تحديد المواقع والمتفجرات، لمعرفة تفاصيل التفجير، وهل تم بالخطأ من قبل الجهاد كما زعمت إسرائيل، أم كان مخططاً له من قبل الجيش الإسرائيلي نفسه.
رداً على كل الادعاءات، أعلنت الكنيسة الإنجيلية بالقدس، بأنها تلقت تحذيرات قبيل عملية تدمير مستشفى الأهلي المعمداني بحي الزيتون، وذلك بحسب تغريدة نشرتها قناة "القاهرة" الإخبارية المصرية، جاء فيها عن الكنيسة، قولها: "تلقينا 3 إنذارات هاتفية قبل قصف مستشفى المعمداني في غزة"
يقول نوفل: "أنا أتمسك بافتراضي أنه استناداً إلى حجم هذا الانفجار، وحقيقة أن جيش الدفاع الإسرائيلي قصف مستشفيات أخرى في الماضي، وحذّر المستشفيات للإخلاء، فإن تفجير المستشفى في غزة كان على الأرجح من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي"، وعزز نوفل رأيه بأن إسرائيل هي المتسببة في عمليات الانفجار من خلال تغريدة له أعاد فيها نشر اعتراف الصحافي الإسرائيلي، حنانيا نفتالي.
ونشر عدد غير قليل من رواد مواقع التواصل الاجتماعي على موقع فيسبوك، العديد من الصور والمنشورات، حول بقايا القنبلة MK-84 التي سقطت على المستشفى، وتساءلوا عما إذا كانت تمتلك حماس هذه القنبلة حتى تقوم بتفجير المستشفى المعمداني في حي الزيتون وتخلّف مئات الشهداء؟
ومن ضمن الردود على المزاعم الإسرائيلية، نجد أليستر بونكال، مراسل شؤون الدفاع والأمن والشرق الأوسط في شبكة "سكاي نيوز" الناطقة بالإنكليزية، يعلّق على المؤتمر الصحافي الذي عقدته إسرائيل صباح اليوم، وتنفي فيه التهم الموجهة إليها، بالقول: "اللقطات التي نشرتها إسرائيل، والتي تزعم أنها تظهر أنها غير مسؤولة عن الانفجار هي غير حاسمة"، ويضيف: "عندما تسقط صواريخ حماس أو الجهاد الإسلامي على أجزاء من جنوب إسرائيل، فإنها لا تسبب أبداً هذا النوع من الضرر الذي رأيناه في المستشفى الليلة الماضية".
وتابع: "مهما كان ما سيقوله الإسرائيليون، ومهما كان حجم المعلومات الاستخبارية التفصيلية التي ينشرونها لإثبات موقفهم، سيكون هناك كثيرون في العالم العربي لا يصدّقون ذلك ببساطة، فليست حماس والجهاد الإسلامي وحدهما من زعمتا أن إسرائيل ضربت المستشفى، بل إن عدداً من منظمات الإغاثة فعلت ذلك أيضاً، مثل عميد كنيسة سانت جورج في القدس، ريتشارد سيويل".
كما أكد أحد مراسلي شبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية، على أن إسرائيل هي من قامت بالقصف، وخلص في مقطع مصوّر له إلى نقطتين، أولهما أنه لا يوجد دليل دامغ على المزاعم الإسرائيلية، سواء بنفي التهمة عنها، أو إثباتها على الجهاد، والنقطة الثانية هي أن الصواريخ الفلسطينية ليست لديها تلك القدرات التدميرية الكبيرة التي حدثت في مستشفى الأهلي المعمداني، وخلّفت كل هذا الدمار والقتلى والجرحى.
قبل قليل، ورداً على كل الادعاءات، أعلنت الكنيسة الإنجيلية بالقدس، بأنها تلقت تحذيرات قبيل عملية تدمير مستشفى الأهلي المعمداني بحي الزيتون، وذلك بحسب تغريدة نشرتها قناة "القاهرة" الإخبارية المصرية، جاء فيها عن الكنيسة، قولها: "تلقينا 3 إنذارات هاتفية قبل قصف مستشفى المعمداني في غزة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين