شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"تؤثر على نموّها وإنتاجها"... أسماك البلطي في مصر تقاوم تغيّرات المناخ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الاثنين 23 أكتوبر 202311:37 ص

يستعين الدكتور فاروق البرادعي، الذي يعمل في مزرعة السمك الخاصة به في محافظة الشرقية في مصر، بماكينات ري لأحواض الأسماك ليحافظ على معدلات الأوكسجين فيها تحسباً لانقطاع الكهرباء.

لا ينسى البرادعي خسارته الكبرى التي تعرض لها عام 2020 حين نفق نحو 20 طناً من سمك البلطي متسبباً بخسائر قدرت بنحو مليون جنيه (قرابة 3200 دولار). الأمر ذاته تكرر العام الماضي لينفق نحو 2 طن بسبب درجات الحرارة المرتفعة خلال فصل الصيف.

اعتاد البرادعي الذي توارث مهنته أباً عن جد وكان من أوائل مستزرعي الأسماك في مصر على استزراع وتربية 200 طن من البلطي على دورتين كل عام، لكن مع ارتفاع أسعار الأعلاف بمقدار الضعف، من 15 ألف جنيه للطن إلى أكثر من 35 ألفاً العام الحالي، قّلص إنتاجه للنصف وفق ما يقوله لرصيف22.

بدوره يحرص محمد ضافر، وهو مهندس زراعي ومستزرع سمكي في محافظة كفر الشيخ، على رفع المياه في الأحواض شتاء واستخدام النباتات الخضراء كمصدات للرياح، كما يستعين بمياه الآبار إن توفرت لاحتفاظها بدرجة حرارة ثابتة صيفاً شتاء بمقدار 25 درجة مئوية، ويمنع الأكل عن الأسماك إبان ارتفاع درجات الحرارة.

تشتهر مصر بإنتاج أسماك البلطي لتحتل المرتبة الثالثة عالمياً والأولى إفريقياً.

وتشتهر مصر بإنتاج أسماك البلطي لتحتل المرتبة الثالثة عالمياً والأولى إفريقياً وذلك بحسب تصريحات وزير الزراعة المصري. وعام 2022 بلغ إنتاج مصر من هذه الأسماك 2 مليون طن، 80% منها أنتجت ضمن مزارع سمكية، وذلك بحسب تصريح صلاح حجاج خبير الاستزراع السمكي في وزارة الزراعة.

إلا أن تلك الأسماك تتأثر بالتغيرات المناخية إلى حد كبير ليصل لنفوقها، وتوقفها عن تناول الغذاء وتراجع معدلات نموها بسبب نقص الأوكسجين، يأتي ذلك في وقت شهدت دول العالم ومنها مصر هذا العام ارتفاعاً شديداً بدرجات الحرارة لتسجل بعض المحافظات 46 درجة مئوية خلال أشهر الصيف.

خسائر متتالية

نصر عياد (33 عاماً)، مستزرع سمكي في محافظة كفر الشيخ، هو الآخر تعرض لخسائر فادحة في عمله. يقول لرصيف22: "منذ 5 سنوات تتعرض أسماك البلطي وأصناف أخرى في مزرعتي للنفوق خلال الفترة من منتصف حزيران/ يونيو حتى تشرين الأول/ أكتوبر، إذ تبدأ بقع حمراء بالظهور أسفل الخيشوم، يليها انفجار في أعضائها لتفارق الحياة خلال أيام وجيزة".

في العام الماضي نفق قرابة 7 أطنان في مزرعة عياد، أما العام الجاري فقد نفق نحو طنان من السمك خلال حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي تلقى الدكتور محمد البهنساوي أستاذ بيولوجيا الأسماك في كلية علوم جامعة دمياط شكاوى عدة من مالكي مزارع أسماك البلطي في نطاق محافظة كفر الشيخ الشهيرة باستزراعه، حول نفوق أسماكهم بفعل درجات الحرارة المنخفضة، إذ سجلت بعض المحافظات الشتاء الماضي حرارة تتراوح بين 4 و17 درجة مئوية، ما يؤثر على نمو الأسماك.

منذ 5 سنوات تتعرض أسماك البلطي وأصناف أخرى في مزرعتي للنفوق خلال الفترة من منتصف حزيران/ يونيو حتى تشرين الأول/ أكتوبر، إذ تبدأ بقع حمراء بالظهور أسفل الخيشوم، يليها انفجار في أعضائها لتفارق الحياة خلال أيام وجيزة

ويرى الدكتور محمود المزين رئيس محطة بحوث الأسماك في السرو والباحث في المعهد القومي لعلوم البحار والمصائد، بأن حدوث نفوق متكرر بمزارع كفر الشيخ ما هو إلا عدوى بكتيرية تحدث في الكثافات الكبيرة بشكل مفاجئ، وتختلف درجة العدوى وأنواع المسببات المرضية من مكان لآخر، مشيراً لتكرار حالات النفوق خلال السنوات الماضية بمزارع كفر الشيخ التي تنتج وحدها نحو 80% من إنتاج البلطي في مصر ونحو 44% من الإنتاج الكلي للأسماك في مصر.

ويضيف: "توجد مشكلة في تصميم المزارع السمكية في مصر مما يفاقم الأزمة، فبعض المزارع تأخذ مصدر الري الخاص بها من صرف المزارع المجاورة لها وهو ما ينتج عنه زيادة في معدلات التلوث وتكرار التعرض للإصابة بالأمراض".

التغيرات المناخية والبلطي

في حديثها لرصيف22، تشير الدكتورة آمال محسب، أستاذة اقتصاديات الثروة السمكية في المعهد القومي لعلوم البحار والمصائد في الإسكندرية، إلى أن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر على أسماك المزارع بصفة عامة والبلطي بصفة خاصة، إذ إن درجة الحرارة المناسبة لتربيته هي 27 درجة مئوية، قد تقل أو تزيد عن ذلك بدرجة أو اثنتين فقط، بينما لو حدث ارتفاع أو انخفاض كبير تنفق الأسماك، وقد تصيبها فطريات وأمراض بسبب درجات الحرارة المرتفعة.

وتشير محسب إلى مخاوف من ارتفاع منسوب مياه البحار بسبب التغيرات المناخية، والذي قد يؤدي إلى اختلاط المياه المالحة بالجوفية مستقبلاً، وتعد منطقة الدلتا التي تمتلك وحدها نحو 90% من مصادر الاستزراع السمكي في مصر إحدى المناطق المهددة بالغرق نتيجة تلك التغيرات، وفي حال غرقها سنفقد مصادر الاستزراع السمكي.

درجات الحرارة المرتفعة تؤثر على أسماك المزارع بصفة عامة والبلطي بصفة خاصة.

أما المهندس صلاح أبو جمعة، رئيس الإدارة المركزية للإنتاج والتشغيل في هيئة الثروة السمكية سابقاً، فيتحدث عن العلاقة الطردية بين ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الأوكسجين في مياه الأحواض السمكية، مما يسبب ضغطاً كبيراً عليها مسبباً نفوقها.

كما تنشط في هذه الحالة بعض أنواع البكتيريا الممرضة التي تتمكن من الأسماك عندما تضعف مناعتها، خاصة في حال التزاحم داخل الأحواض، فتحتك ببعضها البعض محدثة تساقط القشور ونمو المسببات المرضية البكتيرية، وهو ما ينتج عنه تقرحات جلدية تكون مصحوبة بنزيف خلال فصل الصيف، مما يسبب موت الأسماك. وإلى جانب ذلك، تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في ضعف معدلات التغذية مما يؤثر على النمو والإنتاج.

ويقول الدكتور محمد البهنساوي: "رصدنا ظهور أمراض فيروسية وبكتيرية في عدد من المزارع السمكية، مما نتج عنه تقرحات جلدية وتآكل في الزعانف ودماء على الخياشيم، بفعل تعرض الأسماك لضغط بسبب ارتفاع درجات الحرارة الذي أدى إلى نقص في الأكسجين أو تلوث المياه"، مشيراً لعدم تغذي الأسماك خلال فصل الشتاء بفعل درجات الحرارة المنخفضة وتراجع معدلات الاستقلاب، مما يدفع كثيرين لعدم الاستزراع السمكي شتاء.

ويقول الدكتور محمود المزين ضمن نفس السياق: "تقع مصر ودول البحر الأبيض المتوسط تحت تأثير ظاهرة النينو منذ عام 2015، والتي ترفع درجة حرارة الجو والمحيطات. ومنذ ذلك الحين سجلت الدول المتأثرة ومنها مصر العديد من الظواهر المناخية الجديدة كالارتفاع الشديد في درجات الحرارة وتكرار حدوث السيول وحرائق الغابات، ليختفي المناخ المعتدل الذي اعتدنا عليه لسنوات".

وبالنسبة للبيئة البحرية، بدأت أنواع من الطحالب تنمو في درجات الحرارة المرتفعة، ما يطلق عليه مصطلح "الازدهار الطحلبي"، وحال تحركها على أحد الشواطئ تحدث ضرراً بالغاً إذ تفرز أنواعاً من السموم التي تقتل وتدمر الكائنات البحرية الموجودة في نطاق حركتها، وقد رصد الباحثون في مصر عن طريق الأقمار الصناعية ونظم المعلومات الجغرافية زيادة طحلبية غير عادية على السواحل الغربية، انتقلت وتحركت على طول السواحل الشمالية، مما يؤثر على الكائنات الحية الموجودة في البحر والأنشطة الساحلية المتاخمة ومنها المزارع السمكية.

رصدنا ظهور أمراض فيروسية وبكتيرية في عدد من المزارع السمكية، مما نتج عنه تقرحات جلدية وتآكل في الزعانف ودماء على الخياشيم، بفعل تعرض الأسماك لضغط بسبب ارتفاع درجات الحرارة الذي أدى إلى نقص في الأكسجين أو تلوث المياه

مصدات وأعلاف نظيفة

تلفت محسب إلى أهمية إقامة مصدات في المحافظات الساحلية وتجديد البنية التحتية، حتى لا تتأثر منطقة الدلتا بالشكل المتوقع حدوثه نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، كما تنوّه لضرورة استزراع أنواع جديدة من أسماك البلطي تتحمل التغيرات المناخية، إلى جانب بعض الخطوات المساعدة مثل اشتراط استخدام المزارع السمكية الوقود النظيف والطاقة الشمسية، واستخدام أعلاف نظيفة بعيداً عن مخلفات الدواجن.

وينصح أبو جمعة المستزرعين بالحصاد الكلي لأسماك البلطي إذا بلغت حجمها التسويقي قبل كانون الثاني/ يناير، وإذا لم تبلغه فلا بد من فتح أحواض الأسماك على أعماق كبيرة تصل لمتر ونصف حيث تتمتع بدرجات برودة أقل. ويشير لأهمية الاستعانة بمصدات للرياح الباردة لتدفئة الحوض أو الاستعانة بالصوب البلاستيكية لتغطية الأحواض.

نحن بحاجة لاستنباط أعلاف موفرة اقتصادياً وصديقة للبيئة في الوقت ذاته.

كما حذر البهنساوي المستزرعين من المياه الملوثة، مطالباً إياهم بالاحتياط الجيد لشهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس باعتبارهما الشهرين اللذين ترتفع درجات الحرارة خلالهما لأقصى حد، وتركيب الهوائيات في المياه لتقليبها باستمرار، مع الاهتمام بالتغذية وعزل الأسماك المصابة عن السليمة حال حدوث نفوق كي لا يتفاقم الأمر، وتطهير المياه لأنها معرضة لوجود الميكروبات والفيروسات الناتجة عن اختلاط مياه المزارع بالصرف الصحي أحياناً.

بدوره ينصح شكوى نصر بالحصول على زريعة البلطي من مصدر موثوق به، والعمل على رفع مناعتها بالمغذيات، واستخدام أعلاف جيدة ترفع من جودة المنتجات السمكية التي تعد مصدر أمن غذائياً للبلاد، ومصدر عملة صعبة ناتجة عن التصدير للخارج تساهم في زيادة الدخل القومي إذا توافرت معايير وشروط الجودة القابلة للتصدير، منوهاً إلى أن تكاليف التغذية حالياً باتت تمثل نحو 80% من تكلفة المشروع بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، وعليه نحن بحاجة لاستنباط أعلاف موفرة اقتصادياً وصديقة للبيئة في الوقت ذاته.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard