في السنوات الماضية، حاول صانعو/ات الأفلام الوثائقية الإيرانيون/ات، إظهار الوجه الحقيقي لبلادهم، حيث العديد من التحديات لرواد هذا المجال والمجالات الأخرى الثقافية والفنية، الوجه الذي يختلف في الكثير من الأحيان عما نراه في وسائل الإعلام. وقد عُرضت وثائقيات هؤلاء المخرجين/ات في أهم المهرجانات العالمية مثل: برلين وصاندانس وأمستردام، وحصدت العديد من الجوائز.
رخساره قائم مقامي، هي صانعة أفلام وثائقية إيرانية، وحائزة على العديد من الجوائز الدولية المهمة، منها جائزة مهرجان صنادانس السينمائي. درست رخساره في البداية هندسة الصناعات الغذائية، لكنها بسبب اهتمامها وحبها للسينما، اتجهت إلى هذا المجال، وعملت فيه بعدما تركت الهندسة، ودرست السينما، وحصلت على الماجستير في الرسوم المتحركة.
تُعدّ رخساره، إحدى المخرجات الإيرانيات الرائدات اللواتي مهّدن الطريق للمخرجات الأخريات في صناعة الأفلام، وذلك من خلال التغلب على العديد من التحديات التي واجهتها. تقدّم هذه المخرجة نفسها قائلةً: "أعمل في مجال الأفلام الوثائقية منذ عام 2000، وبدأ اهتمامي بالسينما مع شغفي في السينما الوثائقية، إلى درجة أنني قلت في مقابلة القبول في الجامعة، إنني أريد أن أصبح صانعة أفلام وثائقية. وفي مجال عملي، أبحث عن فنانين/ات يعملون/ن خارج القطاع الفني الرسمي، أولئك الذين ليس لديهم تعليم فني أكاديمي، والذين يكون ظهورهم أقل في الوسط أو من تُخلي عنهم، فمعظم أعمالي تدور حول هؤلاء الأشخاص الفنانين العصاميين الذين لم يولِهم المجتمع اهتماماً كسائر الفنانين المشهورين. وبعد العمل في إيران لسنوات عديدة، هاجرت من هناك وأعيش حالياً في ألمانيا".
من أهم أفلام رخساره وأكثرها تأثيراً، فيلم "سونيتا" الذي أخرجته عام 2015، وشاركها في إنتاجه، منتجون من سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية. تدور قصة الفيلم حول الفتاة سونيتا، وهي مغنية راب أفغانية
ومن أهم أفلام رخساره وأكثرها تأثيراً، فيلم "سونيتا" الذي أخرجته عام 2015، وشاركها في إنتاجه، منتجون من سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية. تدور قصة الفيلم حول الفتاة سونيتا، وهي مغنية راب أفغانية، تبلغ من العمر 18 عاماً وتعيش في إيران. خلال الفيلم تمنع المخرجة، زواج الفتاة الأفغانية قسراً ومقابل المال من قبل عائلتها، وتحاول في الوقت نفسه بناء حياة جديدة لها.
تقول رخساره في مقابلة أجرتها في برنامج "المرأة وهوليوود"، إن إخراج فيلم سونيتا كان بمثابة رحلة إلى أعماق المجتمع، وذلك لفهم الفقر والهجرة والحرب والهوية والجنس والتقاليد والقيم الإنسانية. وعن قصة الفيلم وبطلته تشرح: "التقيت بسونيتا في مركز دعم خيري في طهران. وحتى ذلك الوقت لم تذهب سونيتا إلى المدرسة، لا في أفغانستان ولا حتى في إيران. وبما أن اسمها لو يُسجَّل في أي دائرة أو مركز رسمي في أي من البلدين، فإنها لم تحصل إلا على دعم محدود من مركز واقع في المنطقة النائية التي كانت تعيش فيها حول طهران، وهذا الدعم البسيط لم يحُل دون أن تعاني من مشكلات تتعلق بالطعام والسكن، لكنها نجحت بالفعل في البقاء على قيد الحياة برغم الصعوبات. وكانت سونيتا عاملة نظافة، وهي فتاة قوية وحازمة جداً، إذ كانت تصور نفسها بهاتف جوال قديم، وهي تؤدي الأغاني، وتنتج الأفلام عبر برنامج بسيط على حاسوب صديقتها، المخصص لمونتاج مقاطع فيديو الزفاف".
أضافت رخساره: "عند لقائنا الأول، قمنا بتصوير فيديو معاً، وحمّلناه على اليوتيوب، وحصلنا من خلاله على أكثر من مليون مشاهدة، بعد ذلك أرادت عائلتها أن تزوجها قسراً، لكن منعنا هذا الأمر، واستطعنا أن نوفر لها منحةً دراسيةً في مدرسة شهيرة في أمريكا، وبما أنها لم تكن تملك أي أوراق ثبوتية، اضطررنا إلى الذهاب إلى أفغانستان لاستخراج أوراق لها، وذلك عندما كانت حركة طالبان تقصف البلاد يومياً".
وتابعت: "في الأيام التي كنا فيها هناك، عشنا تجربةً مرعبةً إذ شهدنا 15 هجوماً انتحارياً، وفي كل مرة كنا نغادر فيها المنزل، لم نكن نعرف ما إذا كنا قادرين على العودة أم لا. برغم هذه المخاطر كلها، تمكننا من الحصول على وثائق وهوية قانونية لها لأول مرة، وبهذا تمكنت من الذهاب إلى أمريكا للعيش والدراسة، وتتخلص من الحياة التعيسة في أفقر أحياء طهران. كان هذا الأمر حدثاً مهماً لنا نحن الاثنتين. أعتقد أن هذا الفيلم الوثائقي يغيّر حياة الناس، طالما أنه استطاع أن يقلب حياة سونيتا رأساً على عقب ونحو الأفضل".
فيلم سونيتا، لم يحقق لرخساره العديد من النجاحات في المهرجانات الدولية فحسب، بل غيّر حياة بطلته أيضاً، فسونيتا تمكنت من الحصول على درجة البكالوريوس في حقوق الإنسان في أمريكا، كما أصبحت تعمل الآن في مجال حقوق المرأة الأفغانية، وتكافح ضد زواج القاصرات في أفغانستان.
أصبح فيلم رخساره، صوت الفتيات اللواتي لم يعرفهن أحد منذ سنوات، وخاصةً اللواتي لا صوت لهن في مجتمعهن، حيث أن هذه المخرجة ومن خلال أفلامها، تتابع الناس لفترة طويلة، حتى تصور حياتهم لفهمها بشكل أفضل. لكن ما هي خصائص هذه الشخصيات التي تختارها رخساره لتكون أبطال أفلامها أو بطلاتها؟ حول هذا الموضوع تقول: "هناك أشخاص لديهم الشجاعة للمبادرة والإبداع في العمل بمجال الثقافة والفن، وذلك دون أن يحصلوا على أي تعليم، وأنا أحب أن أهتم بحياة ومستقبل هؤلاء الأشخاص، لأنهم عادةً لا يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية جيدة في إيران. على سبيل المثال، عندما تنظر إلى العالم من خلال عيون مغنية أفغانية، أو تنظر إلى حياة رسامة عجوز علّمت نفسها بنفسها، وتريد الذهاب إلى باريس لإقامة معرضها الأول، بينما زوجها يمنعها من السفر، وفقاً للقانون الإيراني الذي يعطي الزوج حق منع سفر زوجته، فإن هذه القصص وغيرها، تمنحك زاويةً اجتماعيةً مميزةً لإنتاج أي فيلم.
"أستطيع القول إن المرأة القوية والمبدعة استطاعت أن تكسر النظام الأبوي القديم في إيران. فالاهتمام بهذه الطبقات الاجتماعية في الأفلام الوثائقية الفنية، أمر مثير للاهتمام بالنسبة لي، لهذا أشعر بأن حياتي مجنونة نوعاً ما، حيث تمكنني من أن أعيش حياةً طبيعيةً مع دخل جيد، ولكنني انجذبت إلى السينما الوثائقية للتعريف بحياة هذه الفئة من المجتمع"، هكذا تقول رخساره.
وأضافت إن "التحديات المختلفة ونظرة السلطات إلى الحقائق وانعكاسها في السينما الوثائقية، جعلت مهمة الفيلم الوثائقي واحدةً من أكثر الوظائف تحدياً في إيران، لأن عرض الحقيقة قد لا يتماشى مع ذوق السلطات ورأيها، إذ ستوقف الرقابة عرض الفيلم في بعض الأحيان، وعلى عكس العالم، لا يرغب التلفزيون الإيراني في عرض الأفلام الوثائقية الاجتماعية الناقدة. وكما تقول رخساره، فإن صانعي/ات الأفلام الوثائقية الإيرانيين/ات يكافحون/ن من أجل البقاء وصناعة الأفلام: "لا أعرف حتى كيف نجحتُ وصنعتُ فيلماً في إيران (تضحك)، فمن الصعب جداً العثور على تمويل لإنتاج الأفلام الوثائقية هناك، حيث كل شيء في يد الحكومة وعليك التحدث مع مسؤولين لا يفقهون شيئاً في مجال الفن والثقافة، ولا يستحقون مكانتهم هذه، فهم لا يدعمونك ولا يعطونك أي ميزانية، إلا إذا كنت من حاشيتهم أو تحمل النهج الفكري نفسه الذي لديهم".
كما تقول إن "في إيران من الصعب على المرأة المخرجة أن تصنع أفلاماً وثائقيةً أو تُجري حواراً مع المسؤولين الحكوميين، بينما هذا العمل سهل بالنسبة للرجل، نظراً إلى أن أكثر المسؤولين الثقافيين هم من الرجال، وعادةً ما يأتون من بيئة دينية متحفظة جداً ومتشددة. ومع ذلك، فإن صانعات الأفلام الوثائقية، مقارنةً بالرجال، يأتين غالباً من طبقات إيرانية أكثر حداثةً، حيث تكون مواضيعهن أكثر عصريةً ووجهات نظرهن تختلف مع وجهات نظر المسؤولين الحكوميين. فلذلك من الصعب على النساء اختراق هذا النظام الذكوري أو الحصول على تمويل لمشاريعهن".
"لكن الأمر ليس كذلك في الساحة الدولية، خاصةً في المنظمات المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط ودول العالم الثالث، حيث أن العاملين في هذا المجال يعرفون وضع المرأة في إيران، والتمييز الموجود في دول الشرق الأوسط، ومن الطبيعي أن يعيروا المزيد من الاهتمام لصانعات الأفلام اللواتي يتناولن قضايا النساء"، أضافت رخساره.
"في إيران من الصعب على المرأة المخرجة أن تصنع أفلاماً وثائقيةً أو تُجري حواراً مع المسؤولين الحكوميين، بينما هذا العمل سهل بالنسبة للرجل، نظراً إلى أن أكثر المسؤولين الثقافيين هم من الرجال، وعادةً ما يأتون من بيئة دينية متحفظة جداً ومتشددة"
كما تقول إن "معظم المؤسسات الإعلامية والقنوات التلفزيونية والمستثمرين الأجانب، يهتمون بموضوعات معيّنة بشأن إيران، كذلك يهتمون بالمواضيع التي لديها جمهور كبير في الدول الغربية، كالقضايا المتعلقة بالمرأة والأقليات وحقوق الإنسان والحريات بشكل عام، وفي بعض الأحيان، تتضخم هذه القضايا، إلى حد تحويلها عملياً إلى أفلام دعائية، وقد تكون مجرد أفلام خبرية لا أكثر، رخساره تصف هذه الأفلام كالتالي: "هذه أيضاً مشكلة أخرى تواجهها صناعة الأفلام في إيران، فقد يبالغ فيها بعض الأشخاص في أخذ الأموال، وبشكل عام لو كنت مكان الممولين، كنت سأمنح النساء الإيرانيات المزيد من الفرص، إذ لا يُسمح لهن بالعمل في بلادهن. ومن المؤكد سيأتي شخص أجنبي، ويموّل مثل هذه الأعمال، التي يكون من الصعب والمستحيل بثها داخل إيران، ومن خلالها يسعى أيضاً إلى تحقيق أهداف معرضة".
وفي الأخير، تقول رخساره، بابتسامة فيها شيء من الندم أكثر من الإنجاز، كما لو أنها اجتازت معركةً شرسةً، إن إيران هي جنة صانعي الأفلام الوثائقية، نظراً إلى ما يحدث فيها يومياً من قضايا عديدة ومثيرة، وهي كفيلة بأن تكون موضوعاً ساخناً لإنتاج تلك الأفلام، ولكن على رخساره الآن أن تختبر نفسها وقدراتها وهي في ألمانيا، لكي تجد قصصاً جديرةً. هكذا تشرح الموضوع: "هنا أصبح الوضع أصعب بالنسبة لإنتاج الأفلام، لكن يجب أن أكون مبدعةً لأفتح طريقي الخاص بي، وأبحث عن القضية التي يمكنني أن أصنع أفلاماً عنها، لكن يجب عليّ إيجاد طريقة للإبداع ومواصلة العمل. أحد الأشياء الجيدة التي اكتشفتها في الهجرة، هو أنها تجعل العالم أكبر بالنسبة لك ومن خلالها تفهم أن العالم وقضاياه ليسا كل شيء، فبالنسبة لي الحياة نفسها أهم من التوثيق، كما أن فهم العالم هو ما أبحث عنه هذه الأيام، وصناعة الأفلام لا يمكن أن تكون أساس حياتي".
كليب سونيتا الذي حصد أكثر من مليون مشاهدة
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين