شبّهوها بالعنقاء التي تنهض من الرماد، هي التي اضطرت لمغادرة بلدها إيران، وهي في عزّ شبابها وشهرتها في السينما والتلفزيون لتقف على منصة مهرجان كان السينمائي قبل بضعة أيام، تستلم جائزة أفضل ممثلة، وبرحابة صدر وسماح تقول فقط: "قلبي مع عبادان، ومع كل ركنٍ من إيران"، دون الإشارة إلى ما عانته خلال السنوات الخمسة عشرة الأخيرة.
زهرا أمير إبراهيمي، ولدت عام 1981 في طهران، وبدأت التمثيل وهي في السابعة عشرة، قبل أن تتخرج في فرع المسرح. واصلت التمثيل في السينما والتلفزيون إلى أن لمع نجمها عام 2006، بعدما مثلت في مسلسل "نرجس" الذي لاقى شعبية واسعة، غير أن يد القدر فتحت لها صفحة لم تتوقعها، لترى نفسها وحيدة وسط مجتمع تقليدي، وعليها أن تترك ذلك الطريق اللامع الذي كان قد بدأ أمام خطاها.
برحابة صدر وسماح تقول فقط: قلبي مع عبادان، ومع كل ركنٍ من إيران، دون الإشارة إلى ما عانته خلال السنوات الخمسة عشرة الأخيرة
لم يمض كثيراً على انتهاء مسلسل "نرجس" حتى انتشر فيديو خاص تظهر فيه زهرا عارية برفقة حبيبها في مشهد خاص، في شهر رمضان عام 2006. انتشرت مئات النسخ من أقراص السي دي في إيران، تباع وتشترى. وأصابع الاتهام في إيران طبعاً وُجّهت لها وذلك الحبيب الذي ظُنّ أنه هو من سرّب الفيديو. دعيا الاثنان إلى المحكمة، وبدأ التحقيق.
الهروب من إيران
بعد التحقيق، وفي اليوم الذي كان من المقرر أن تمثل زهرا أمام المحكمة، تركت إيران باتجاه فرنسا، خشية العقوبات التي تترتب على جريمة مثل هذه (العلاقة غير المشروعة) ومنها الجَلد والسجن.
في ما بعد، تبين أن من سرّب الفيديو كان صديقاً للحبيبين، ولكن الحكم على زهرا و"شهريار" كان قد صدر لا محالة: 90 جلدة، ومنعهما عن العمل الفني لمدة عشر سنوات.
بعد بضع سنوات صرحت زهرا في حوار تلفزيوني أن من نشر الفيلم كان ممثلاً مسرحياً، اسمه مجيد بهرامي، كما أكدت أنها هي من كانت في الفيلم، إذ كانت تنفي ذلك في السنوات الأولى، وقالت في البداية إنه مونتاج، وقد سرق مجيد الفيديو من حاسوبها الشخصي عندما كانوا في سهرة في بيت شهريار.
حُكم على مجيد بالسجن لمدة ستة أشهر، وست سنوات أخرى لتورطه في أعمال شبيهة بهذا التسريب. أفرج عن مجيد بعد بضعة أشهر، وتوفي عام 2014 إثر إصابته بمرض السرطان.
في فرنسا
تقول زهرا في لقاء معها مع وكالة "راديو فَردا" إن السنوات الأولى التي قضتها في فرنسا كانت صعبة للغاية، هي التي اضطرت لترك الصرح الذي بنته في إيران، وجدت نفسها في بيئة لا تعرف لغتها، غريبة في فضائها السينمائي، إضافة إلى كل تلك الأعباء التي كانت تحملها إثر ذلك الفيديو والأحاديث ونظرة مجتمعها الذي لم يقف بجانبها أبداً.
"روحي حزينة من أجل الشعب الإيراني الذي يعاني كلّ يوم من مشاكل عديدة. قلبي مع عبادان، قلبي مع كل ركنٍ من أرض إيران. أنا هنا، لكن قلبي مع النساء والرجال في إيران"
عام 2016 مثلت زهرا في فيلم بعنوان "المَهر والديموقراطية" وهي في فرنسا، وعام 2017 في مسرحية، كما ظهرت قبل ذلك (عام 2008) في مشهد في فيلم "شيرين" للمخرج الإيراني عباس كِيارُستمي، الذي ضمّ عدداً كبيراً من الممثلات.
في مهرجان كان
أما هذا العام فمثلت دوراً رئيسياً في فيلم "العنكبوت المقدس" للمخرج الإيراني علي عباسي. لفت حضورها في مهرجان كان أنظار الصحافة والإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي حتى قبل أن تحصل على جائزة أفضل ممثلة في هذا المهرجان في دورته الـ75.
اجتاحت صور زهرا الأخبار، ولاسيما صفحات إنستغرام، إلى جانب الممثلتين الإيرانيتين گُلشيفته فراهاني وتَرانه عليدوستي، اللتين حضرتا المهرجان أيضاً. وقد أثنى كثير من رواد مواقع التواصل على صبرها، واجتهادها، وصمودها، وأملها، وشبّهوها بطائر العنقاء الذي ينهض من تحت الرماد ويحلق، خاصة بعد بثّ خبر فوزها بجائزة أفضل ممثلة، لتكون أول ممثلة إيرانية تفوز بهذه الجائزة.
وقفت زهرا على منصة كان، مستلمة الجائزة، وعبرت بالفارسية أنها سعيدة بهذه الجائزة، غير أن "روحي حزينة من أجل الشعب الإيراني الذي يعاني كلّ يوم من مشاكل عديدة. قلبي مع عبادان، قلبي مع كل ركنٍ من أرض إيران. أنا هنا، لكن قلبي مع النساء والرجال في إيران".
وذلك في إشارة منها إلى الأحداث الحالية في إيران من غلاء وضغوط اقتصادية وسياسية، وما حدث جراء انهيار المبنى التجاري في مدينة عبادان، جنوب غرب إيران، الذي أودى بحياة العشرات من سكان المدينة، وما تبعه في هذه المدينة ومدن أخرى في إيران من احتجاجات وحداد.
فيلم "العنكبوت المقدس"
يتحدث الفليم الذي أخرجه علي عباسي عن قصة لها جذور حقيقية حدثت في تسعينيات القرن الماضي في مدينة مشهد الإيرانية، حيث كان القاتل سعيد حَنائي، يقوم بسلسلة جرائم قتل ضد "البغايا" بزعمه، ما جعله يُعرف بـ"العنكبوت القاتل".
وتمثل زهرا في هذا الفيلم دور صحافية تحاول جاهدة فكّ رموز سلسلة الجرائم تلك، والتي راحت ضحيتها 16 امرأة.
كان من الممكن لزهرا أو "زَر" (كما أطلقت على نفسها في السنوات الأخيرة)، أن تفتح ملفّ آلامها وتشير إلى الحياة التي لم تكن رحيمة معها خلال كل هذه السنوات، وتشكو الشعب الذي أدار ظهره لها، إلا أنها وقفت أمام العالم بروح كبيرة، وأشارت إلى بلدها وشعبها بحبّ وحزن؛ دون أي ثأر، وأي صراخ، وأي ادعاء.
هذا ما أشاد به الكثير من الفنانين والمؤثرين ورواد التواصل الاجتماعي بعد خطابها عند استلام الجائزة، بينما نددت المؤسسات الرسمية في إيران، بفيلم "العنكبوت المقدس"، واعتبروه معادياً للمقدسات، إذ يصور القاتل مرتاداً لحرم الإمام الرضا في مدينة مشهد، وأكدت هذه المؤسسات أنه لا يمثل إيران أبداً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 7 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت