شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل السينما الإيرانية هي الأجمل في العالم؟... وأسئلة أخرى في لقاء المخرجة مريم أحمدي

هل السينما الإيرانية هي الأجمل في العالم؟... وأسئلة أخرى في لقاء المخرجة مريم أحمدي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 18 فبراير 202206:51 م

نهاية سبعينيات القرن الماضي، كان في إيران رجل أخذه الشوق لحب فتاة مصرية، فتزوجها، وتمنى العيش في زمنٍ ليس فيه ما يعيق التقدم، أو يعرقل حركة الفنون التي يعشقها، لكن عام 1979 الذي حمل تغيرات شتى على كل المناحي في دول العالم أجمع، ألقى بظلاله على طهران، فسقط الشاه، وحكمت الدولة بقبضة إسلامية غيرت مجريات الأمور.

قبل تلك الثورة أو ربما استشرافاً بمآلاتها، أخذ ذلك الرجل الإيراني أسرته الصغيرة، وحطّ الرحال في الكويت لفترة من الزمن، ثم أتبعها برحلة أخرى لإنكلترا، وما بين كل ذلك التنقل، لم تجد الأم المصرية سيبلاً سوى السينما لتهدئ من روع طفلتها الصغيرة مريم، فأجلستها معها لمشاهدة الفيلم المصري "غروب وشروق"، وصارت تُتبعه كلّ ليلة بفيلم آخر لسعاد حسني هو "خلي بالك من زوزو".

ما بين كل ذلك التنقل، لم تجد الأم المصرية سيبلاً سوى السينما لتهدئ من روع طفلتها الصغيرة مريم، فأجلستها معها لمشاهدة الفيلم المصري "غروب وشروق"، وصارت تتبعه كلّ ليلة بفيلم آخر لسعاد حسني هو "خلي بالك من زوزو"

مرت السنوات، وهبطت مريم إلى مصر قبل اثني عشر عاماً، وفي قلبها وميض الفن الذي استهواها الإخراج من بين فنونه الشتى، وصارت مخرجة يقف أمام عدساتها النجوم، فمن هيفاء وهبي، إلى أمير كرارة، وصولاً إلى ياسمين رئيس، وينتظر الجمهور رؤية آسر ياسين وصبا مبارك أمام كاميرتها.

عن تلك الرحلة ما بين بلدين يجتمعان في أمور شتى، وخمسة أعمال درامية، كان لنا هذا الحوار مع المخرجة الإيرانية مريم أحمدي، التي حدثتنا بداية عن نقطة انطلاقها، وتحولها من مشاهدة للأعمال الفنية لمخرجة لها قائلة: "شاءت الظروف أن يكون أول أعمالي جريئاً، ونال عدة جوائز، إذ كان فيلماً قصيراً بعنوان (حمام البنات) يرصد تجارب مختلفة عن هذا العالم الذي قد يكون مخفياً عن البعض. ثم عملت لفترة كمساعدة مخرج، لأثقل موهبتي بالعمل في السوق المصري المعروف بصعوبته، والمعروف أيضاً بأهميته لمن يعمل فيه، لأن جمهوره صعب إرضائه. فكانت بدايتي الحقيقية كمخرجة من خلال مسلسل (أنا عشقت) عام 2014، المأخوذ عن رواية شهيرة للروائي المصري محمد المنسي قنديل".

كثيراً ما يتحدث النقاد عن تناص موجود بين السينما الإيرانية ونظيرتها العربية، وبخاصة مصر، كواحدة عشتِ وعايشتِ هذه الدول، كيف ترين ذلك الطرح؟ تجيب مريم على سؤالنا هذا: "قد أختلف مع هذا الطرح بنسبة ما؛ فالسينما الإيرانية بها الكثير من الهموم، وأقرب للواقع، إن لم تكن تحاكيه كما هو، فهي سينما غارقة في الواقعية، وهو ما لم أرَه كثيراً في السينما العربية، ولعل أقرب تجربة تتناص مع السينما الإيرانية رأيتها مؤخراً، كانت في فيلم (نورا تحلم) لهند صبري".

وتضيف مريم: "في مصر حالياً، لا يميل الصناع إلى مثل هذه الأعمال، لأن الجمهور بطبعه غير مُفضّل لهذه النوعية، رغم حلمي بصنعها هنا في مصر وإيران أيضاً".

"أرى أن أكبر مثال يعبر عن السينما الإيرانية، هو افتراض سقوط قنبلة بجانب شخصين، فنرى ردة فعل كليهما. هذا ما تهتم به السينما الإيرانية، وبخاصة في أعمال أصغر فرهادي. وأظن أن السبب وراء ذلك يرجع للكبت الموجود هناك والمشكلات السياسية وغيرها. ورغم كل شيء لي وجهة نظر ترى أن السينما الإيرانية هي الأفضل في العالم، وأقول هذا ليس بدافع جنسيتي".

نسألها إن كان ذلك يعني أن مريم أحمدي تريد صنع فيلم في بلدها الأم إيران، فتقول: "ياله من من حلم. أتمنى صنع قصة تشبه قصتي، وقد حكيتها من قبل للسيناريست محمد هشام عبيه، الذي كتب لي مسلسلي الأخير (60 دقيقة). القصة تدور أحداثها بين مصر وإيران، وتحكي عن فتاة تبحث عن والدها!".

- هل مريم تبحث عن والدها؟ "ليس هكذا بالضبط. والدي الآن يعاني من ألزهايمر في الكويت بحكم سنه المتقدمة، ولا أستطيع إدخاله إلى مصر، بسبب إغلاق الحياة وبعد الصعوبات الأخرى. رغم ذلك أعلم يقيناً أن قصة مثل هذه لن تلقى ترحيباً لدى المنتجين".

وعن مخرجيها المفضلين في إيران ومصر تقول مريم: "أحبّ كل من يميل إلى الواقعية، ففي إيران أحب عباس كيارُستَمي، وأصغر فرهادي، لكن الأخير أقرب إلى قلبي. وفي مصر كنت أعشق الراحلين كمال الشيخ وعاطف الطيب. وحالياً أتابع بحب وشغف بالغ أعمال المخرج الكبير محمد ياسين، الذي أعتبر مسلسله (موجة حارة) من أحلى المسلسلات التي صنعت في مصر".

أقول لها متفقاً إنه رغم واقعيته، لكنه مسلسل يفيض بجرأة أفكار لا تطرح كثيراً في مصر. والجرأة ذاتها في طرح الأفكار عن الجنس والتحرش رأيناها في مسلسل مريم أحمدي الأخير "60 دقيقة". فتقول لنا: "دعني أكون أكثر صراحة معك. لا بد أن يعي المشاهدون العرب تحديداً، أن المسلسلات تعبر عن أفكار وطبيعة نشأة المخرج؛ فمثلاً مسلسلي لم يأتني بسببه أي انتقادات بخصوص الإسفاف أو الابتذال، لم يعارض أحدهم ارتداء ياسمين رئيس (المايوه) في إحدى الحلقات، لأن الجمهور صدّق أن الشخصية المرسومة على الورق قد تفعل هذا".

المسلسل عرض على منصة "شاهد"، وهو أمر قد يضع مخاوف عن قلة المشاهدة مقارنة بالتلفزيون، ورغم ذلك نجح المسلسل. يعود السبب برأي مريم إلى أنه في الدراما التي تعرض على القنوات في رمضان أو حتى في السينما، فالبطل في أي عمل من كليهما هو النجم، الذي إليه يذهب الجمهور، لكن على المنصات، البطل هو الموضوع، "فإن كان الموضوع جذاباً وحقيقياً يحقق النجاح المرجو منه، وهو ما حدث لـ(60 دقيقة وغيره)".

"أرى أن أكبر مثال يعبر عن السينما الإيرانية، هو افتراض سقوط قنبلة بجانب شخصين، فنرى ردة فعل كليهما. هذا ما تهتم به السينما الإيرانية"

وتؤكد موضحة أن تلك الصورة التي كانت عليها المسلسل وطبيعة إخراجه تختلف كثيراً عن أي عمل أصنعه للدراما الرمضانية ويبث على القنوات العادية، لأن طبيعة المشاهدين مختلفة، فأنا أرى أن المنصات أشبه بالترانزيت بين السينما والدراما التليفزيونية!

تعمل مريم حالياً على مسلسل له "فورمات" أجنبي شهير، وهو مسلسل "suits". نسألها: ألا تخشين من التجربة، خاصة أنه سبقت لك تجربة فيلم (أصحاب ولا أعز)، الذي كان مقتبساً عن تجربة أجنبية شهيرة ولم ينل النجاح المرجو منه؟، فتجيب: "حقيقة، لم أتوقع يوماً أن أعمل (فورمات)، لكن ما شجعني هذه المرة، أنه مسلسل ناجح جداً في أمريكا، ومشهور للغاية، وهنا يكمن التحدي".

"كثيرون رأوا النسخة الأصلية، والتحدي هنا أنني لم (أنقشه) كما هو، ودوري أن أصنع النسخة العربية الوحيدة بشيء من الاحترافية قدر المستطاع. أما في ما يخص (أصحاب ولا أعز)، كنت من أوائل الناس الذين رأوا النسخة الإيطالية، وتمنيت في قرارة نفسي أن أصنع نسخته العربية، وعلمت وقتها أن الفيلم لم يُنفذ في مصر بسبب وجود شخصية بين أحداثه، فلجأ صناعه لإعداد الفيلم في لبنان. العجيب، للأسف، أنهم ظنوا أن بهذه الحيلة سيتجنبوا الهجوم، وهو ما لم يحدث!".

على ذكر الهجوم، كيف رأيتِ ما تعرضت له منى زكي مؤخراً بسبب الفيلم؟ تقول لنا:"لم أرَ أي شيء (خارج) في ما قدمته منى على الإطلاق، وقتها كان أول تعليقي لي أن: تعالوا نلعب نفس اللعبة التي لعبت في الفيلم، وسنرى كوارث لا حصر لها. دعني أخبرك بأمرٍ آخر. في رأيي لو قدمت فنانة أخرى هذا الدور لن تقوم الدنيا كما قامت، لأن خلفية منى لدى المجتمع المصري أنها الفتاة الرقيقة ابنة الأسرة، لكن ما يغفله المعترضون أن منى تكبر وتنضج مثل كل الناس، ومن حقها أن تقدم أدوار (ستات) وتخرج من عباءة (الفتاة البريئة)!".

وسألناها أنها كمخرجة امرأة، كيف تتخطى "كليشيه" المخرجات اللواتي يصنعن أعمالاً نسوية؟، فأجابت: "سعيت كثيراً لكسر هذا التابوه، وحققته أخيراً، حيث أعمل حالياً على مسلسل suits، وهو مسلسل أبطاله رجال، وقصته ذكورية ـ إن جاز التعبير ـ لأثبت أن المخرجات يستطعن تقديم أعمال غير نسوية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image