"لو عاد بي الزمن الى الوراء، لصمّمتُ على إجراء فحص الخصوبة قبل زواجي الأول، لربّما كانت النتائج، رغم سلبيتها، تقيني عذاب سنوات عشتها في بيت رجل يُعايرني بعدم قدرتي على الإنجاب كلّما سنحت له الفرصة"، بهذه الكلمات عبّرت ناديا (اسم مستعار) عن رأيها بضرورة استحداث "فحوصات ما قبل الزواج الطبية" في لبنان، من خلال إضافة فحوصات جديدة تمكّن المقبلين/ات على هذه الخطوة من معرفة قدرتهم/نّ على الإنجاب من عدمه.
استمرّت ناديا 5 سنوات في زواجها الأوّل، قبل أن يطالبها شريكها بالطلاق لرغبته بإنجاب الأطفال، بحسب ما قالت لرصيف22: "دقت الأمرّين عندما توصّلنا إلى معرفة إصابتي بمتلازمة تكيّس المبايض وتسبّبها بضعف خصوبتي، وكان دائماً يُسمعني كلمات جارحة عند الخصام من قبيل (شو نفعك بالحياة؟ لشو عيشتك اذا ما رح تجيبي ولاد؟".
وأضافت: "عندما التقيت بزوجي الحالي صارحتُه بوضعي وتقبّل الأمر، معتبراً أنّ الطب تطوّر وبإمكاننا محاولة التلقيح الاصطناعي. ورغم فشل العمليات العديدة التي خضعتُ لها لكننا لم نفقد الأمل حتى اللحظة، وما زلنا نُحاول".
وبناءً على تجربتها، تعتبر الشابة، البالغة من العمر 37 عاماً، أن الفحوصات الإلزامية المطلوبة قبل الزواج، رغم أهميتها، ليست كافية لضمان بناء عائلة، بل إنّ وضوح الرؤية أمام الطرفين، من حيث قدرتهما الإنجابية، يعدّ أمراً من المهمّ الالتفات إليه أيضاً قبل الإقدام على عقد الزواج.
الفحوصات الإلزاميّة قبل الزواج في لبنان
يُعدّ إتمام الإجراءات المتعلقة بالفحوصات الطبية قبل موعد الزواج شرطاً من شروط استخراج وثائق الزواج في لبنان، وذلك وفقاً للقانون 334 الصادر في العام 1994، والذي ينصّ أن "على كلّ طالب وطالبة زواج أن يستحصل، قبل إجراء عقد الزواج لدى مرجع ديني أو مدني، على شهادة طبيّة لا يعود تاريخها إلى أكثر من ثلاثة أشهر".
"لو عاد بي الزمن الى الوراء، لصمّمتُ على إجراء فحص الخصوبة قبل زواجي الأول، لربّما كانت النتائج، رغم سلبيتها، تقيني عذاب سنوات عشتها في بيت رجل يُعايرني بعدم قدرتي على الإنجاب كلّما سنحت له الفرصة"
تُساعد هذه الإجراءات على تفادي المخاطر الصحية التي يمكن أن تطال الأشخاص المقبلين على الزواج، وكذلك الأمراض الوراثية وغير الوراثية التي يمكن أن تنتقل إلى المواليد، وبالتالي تفادي إنجاب أطفال مرضى أو لديهم إعاقة.
في ما يتعلّق بآلية الإجراءات، شرحت نقيبة المختبرات الطبية في لبنان، ميرنا جيرمانوس، في حديثها لرصيف22، أنّه بعد زيارة الطبيب/ة، يمكن للثنائي شراء الشهادة الطبية التي تتضمّن أنواع الفحوصات اللازمة من نقابة الأطباء ثمّ التوجه الى المختبر لإجرائها. عندما تصدر النتائج، يتمّ وضعها على الورقة وختمها، ثمّ يقوم الشريكان بعرضها على الطبيب/ة لتحليلها وتقييمها، بموازاة المعلومات الصحية التي يقومان بتقديمها، وعندما يؤكد الطبيب/ة موافقته/ا، يتمّ تقديمها الى المرجع الديني لتكتمل إجراءات الزواج.
أنواع الفحوصات المطلوبة
عدّدت النقيبة جيرمانوس أنواع التحاليل الطبية الإلزامية التي يُجريها الراغبون بالزواج في لبنان:
- فحص تعداد الدم الكامل (CBC)
- فحص حجم خلايا الدم الحمراء (MCV)
- فحص فقر الدم المنجلي sickling test
- فحص فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)
- فحص فصائل الدم
-فحصَي الالتهاب الكبدي الوبائي B وC ( HBsAg و HCVAb)
بالإضافة إلى فحص الرحلان الكهربائي Hemoglobin Electrophoresis الذي يُصبح إلزامياً في حالات معيّنة، فضلاً عن بعض التحاليل غير الإلزامية التي يمكن للطبيب/ة أن يطلبها من المرأة، وفقاً للمعطيات الصحيّة الخاصة بها، مثل فحص المناعة للحصبة الألمانية Rubella IgG.
وشدّدت جيرمانوس على أنّ الصحّة أولويّة: "يجب أن يقوم طالبو الزواج بهذه الإجراءات قبل التحضير لمستلزمات الزفاف"، كاشفة أنّ تكلفتها بسيطة، لكنها تُفسح المجال أمامهما لبناء حياة زوجية مستقرة، خصوصاً أن معرفة النتائج مسبقاً تسمح بتقديم الإرشادات الوقائية اللازمة، كما تمكّنهما من تخطي الكثير من الأمراض المعدية والوراثية.
أمّا في ما يخصّ الفحوصات المتعلّقة بالخصوبة، فأكدت ميرنا جيرمانوس أنها لا تندرج بتاتاً ضمن الاختبارات الطبية الإلزامية قبل الزواج في لبنان.
تطوير القانون... خطوة هامّة؟
رسا القانون المتعلّق بالاختبارات الطبية على تعديلات أخيرة في العام 2015، وذلك بعدما اتّضح لوزارة الصحة اللبنانية، أنّ بعض رجال الدين والأطباء والمختبرات لم يلتزموا بتطبيق القانون، بالإضافة إلى التفاتها لاستمرار تسجيل ولادات مصابة بمرض الثلاسيميا الذي يتم انتقاله وراثياً.
في هذا الإطار، اعتبر رئيس التجمّع الطبي الاجتماعي اللبناني، وأخصائي جراحة المسالك البولية والعجز الجنسي، البروفيسور رائف رضا، أن هذا القانون لا يوازي التطورات الجديدة للطبّ، واللجنة التي قامت بوضعه ليست من أهل الاختصاص بالأمراض التناسلية.
وعليه، طالب رضا في حديثه مع رصيف22، بضرورة إضافة تحاليل الخصوبة لكي يتسنّى للأشخاص الذين يخططون للزواج معرفة قدرتهم الإنجابية، في حال كان الهدف من زواجهم تكوين أسرة.
عبّر حسين (25 عام) لرصيف22، عن رغبته بالخضوع لهذه الفحوصات الطبية، إذا قرّر الشروع في الزواج مستقبلاً، حتى يكون "كل شي واضح"، على حدّ قوله، فيقرّر مع شريكته الطريقة المثلى لمعالجة مشاكل الخصوبة إن وُجدت: "في حال العقم يمكن أن نطرح فكرة التبنّي، لذلك وجب من بداية الطريق معرفة الخيارات التي يمكن أن يوافق عليها الطرف الآخر أو يرفضها، حتى نتجنّب المشاكل أو اللجوء إلى الطلاق".
خلافاً له، قالت مايا (27 عام) لرصيف22، إنّ اجراء هذه الفحوصات قد يهدّد مستقبل زواجها في المستقبل إذا تمّ اكتشاف مشاكل تعيق قدرتها على الإنجاب: "الرجال آخر همّو بس العترة عالمرا".
وتابعت: "رأيتُ من خلال تجارب الأشخاص المحيطة بي أن المرأة التي لا تُنجب تُعاني من ضغوط نفسية بسبب قسوة المجتمع الذي يعاملها دون رأفة وانسانية، لكنّ الرجل لا يُنظر إليه بالطريقة نفسها، ولا يكون مصير زواجه الطلاق في العادة".
تعليقاً على هذه النقطة، يعتبر رضا أنه لا يمكن أن نضمن مصير الزواج لمجرّد الشروع فيه، إذ إنّ الطّرف الآخر قد يرفض الاستمرار في العلاقة الزوجيّة في حال اكتشاف مشاكل الخصوبة، إن كان هدفه إنجاب الأطفال، وقد يلجأ الرّجل للزواج من امرأة أخرى مثلاً، لذلك من الأجدى أن تتعرّف العروس على ما يمكن أن تؤول إليه الأمور فيما بعد، في حال كانت تُعاني من مشاكل في الخصوبة، وبالتالي تجنّب المشاكل والطلاق والبحث عن شريك يستطيع أن يتقبّل الوضع كما هو عليه، في حال كانت الحالة التي يُعاني منها الطرف الآخر غير قابلة لعلاج، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الكثير من تلك الحالات يمكن إخضاعها لعلاجات تضمن الإنجاب.
ما هي فحوصات الخصوبة الأساسية؟
أشار البروفيسور رائف رضا إلى أن أهمّ الفحوصات التي يجب إجراؤها للكشف عن وجود أو غياب مشاكل الإنجاب قبل الزواج هي فحص السائل المنوي spermogramme للرجل، وفحص الصورة الصوتية ecchographie للأنثى: "يُساعد فحص السائل المنوي على قياس كمية ونوعية وحركة الحيوانات المنوية، كما يمكن أن يكشف عن الحالات التي يكون فيها السائل المنوي للرجل خالياً من الحيوانات المنوية، ما يستدعي اللجوء إلى صورة صوتية للخصية للكشف عن السبب، وبالتالي التأكد من وجود مشاكل في الخصوبة أم لا".
أمّا الصورة الصوتية للمرأة، فتُستخدم لفحص الرحم والمبيضين والمهبل، للتأكد من عدم وجود أي مشكلة تكوينية في الجهاز التناسلي، ومن ثمّ يمكن أن نلجأ لفحص الهرمونات لمعرفة مستوى الهرمون المنبّه للجريب (FSH) وهرمون المولوتن (LH) اللذين يلعبان دوراً هاماً في الخصوبة.
عليه، نصح البروفيسور رضا بإجراء هذه الفحوصات قبل 5 أشهر من الزواج، مشدّداً على أنّ الكثير من المشاكل المتعلّقة بالإنجاب قابلة للعلاج، لذلك لا داعي للخوف من النتائج.
هذا وكشف أنّ فحوصات الخصوبة الأساسية متوفرة في معظم المراكز والمستوصفات في لبنان، وتتفاوت أسعارها بين مركز طبّي وآخر، الاّ أنها بشكل عام ليست مُكلفة. ونظراً لتأثر الكثير من اللبنانيين/ات بالحالة الاقتصادية للبلاد، يلفت إلى أن العديد من الأفراد يلجؤون/ن اليوم إلى المستوصفات والمراكز منخفضة التكلفة، أو الجمعيات الخيرية التي عادةً ما تقدّم خدماتها في المناطق الفقيرة والمهمّشة، لذلك يمكن أن يكون ذلك أحد الحلول للتمكن من إجرائها، لكنّه يشدّد على أهميّة دعمها من قبل وزارة الصحّة، حتى تُصبح مُلزمة للأشخاص الذين يخططون للزواج، ووقايةً من المشاكل التي يمكن ان تنتج مستقبلاً.
نحو تنمية الوعي بالصحة الإنجابية
بحسب "برنامج العمل الصادر عن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية"، يمكن تعريف "الرعاية الصحية الإنجابية" على أنها مجموعة أساليب وخدمات تُساهم في الصحة الإنجابية من خلال منع وإيجاد حلول للمشاكل المتعلقة بها.
"رأيتُ من خلال تجارب الأشخاص المحيطة بي أن المرأة التي لا تُنجب تُعاني من ضغوط نفسية بسبب قسوة المجتمع الذي يعاملها دون رأفة وانسانية، لكنّ الرجل لا يُنظر إليه بالطريقة نفسها، ولا يكون مصير زواجه الطلاق في العادة"
ويُعدّ "تقديم خدمات مكافحة العقم" بهدف تنظيم الأسرة، جانباً أساسياً من الجوانب الخمسة في الصحة الإنجابية والجنسية، إضافة الى تحسين الرعاية السابقة للولادة، مكافحة الإجهاض غير الآمن، تدعيم الصحة الجنسية والتصدي للأمراض المنقولة جنسياً، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
في هذا الصدد، لفت البروفيسور رائف رضا لضرورة تعزيز توعية المواطنين/ات على صحّتهم/نّ الإنجابية والخيارات المتاحة في طرق العلاج على هذا الصعيد، من أجل المساهمة في تعويض النقص الذي تغفل عنه الدولة، وهذا الوعي يجب ألا يقتصر فقط على فترة ما بعد الزواج، خصوصاً أنّ مشاكل الإنجاب يمكن أن تؤدي إلى مشاكل اجتماعية عديدة منها الطلاق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع