هناك أسطورة مشهورة تقول إن ثلاثة إيرانيين بارزين في العلم والسياسة، هم عمر الخيام (1131-1048)، وحسن الصباح (1124-1050)، والخواجة نظام المُلك (1092-1018)، كانوا زملاء دراسة في المدرسة الابتدائية، حيث اتفقوا في تلك الفترة على دعم بعضهم بعضاً إن وصل أيّ منهم إلى السلطة، وهذه الأسطورة التي يعتقد بها كثيرون، نَشأت في إيران وقد قدّمها للأوروبيين الأديب البريطاني إدوارد فيتز جيرالد (1883-1809)، في مقدمة ترجمته لرباعيات عمر الخيام.
الأدب الفارسي عند إدوارد فيتزجيرالد والخيام
فيتزجيرالد هو مترجم قصائد عمر الخيام إلى اللغة الإنكليزية. بترجمته رباعيات الخيام، لم يجعل اسم الخيام معروفاً في جميع أنحاء العالم فحسب، بل جعل نجمه يسطع إلى جانب اسم هذا الشاعر الإيراني، إذ بات يَذكر كل محب للأدب الإيراني في العالم الغربي، اسم فيتزجيرالد قبل اسم الخيام.
هناك أسطورة مشهورة تقول إن ثلاثة إيرانيين بارزين في العلم والسياسة، هم عمر الخيام وحسن الصباح والخواجة نظام المُلك؛ كانوا زملاء دراسة في المدرسة الابتدائية، حيث اتفقوا في تلك الفترة على دعم بعضهم بعضاً
إدوارد فيتزجيرالد هو السابع بين ثمانية أطفال، والموهوب الوحيد بينهم، نشأ في ذروة رخاء أسرته، وتخرج من جامعة كامبريدج، في عام 1830. وعلى الرغم من تعدد أصدقائه، إلا أن روح العزلة كانت مسيطرةً عليه، وربما كان لعزلته دور كبير، في اختيار قصائد الخيام، كون معتقداته تتمحور حول مواضيع قصائد هذا الشاعر، التي تتناول عدم البقاء وزوال الحياة.
في شبابه تعرف فيتزجيرالد على الأدب الفارسي، وقبل أن يتعلم اللغة الفارسية، وجد مقطوعةً من الشعر في درج مكتبه، هي إحدى قصائد الشاعر الإيراني الكبير سعدي الشيرازي (1210-1291)، وهو شاعر عاش في القرن السابع، ويُعدّ أول شاعر كتب قصائده باللغة الفارسية.
تجذب هذه القصة انتباه فيتزجيرالد، ويبدأ بقراءة ديوان "كُلستان" لسعدي، وكان كلما واجه مشكلةً في فهم الكلام، يلجأ إلى أصدقائه الفرس أو الذين كانوا يعرفون اللغة الفارسية. في البرهة نفسها التي كان يقرأ فيها كلستان، اشترى فيتزجيرالد نسخةً من الشاهنامه للشاعر الإيراني الشهير "أبو القاسم الفردوسي" (935-1020)، وذلك بهدف التمعن أكثر في الفارسية، ولشغفه هذا، كتب رسالةً إلى أصدقائه: "لا بد أنكم تعتقدون أنني مجنون باللغة الفارسية، وعلى أية حال، أنا سعيد جداً، لأنني تمكنت من التعرف على إحدى اللغات الشرقية".
أوْلى فيتز جيرالد اهتماماً خاصاً بقصائد الشاعر الإيراني الآخر حافظ الشيرازي (1326-1390)، حيث قرأ أولى قصائده من خلال كتاب قواعد اللغة الفارسية الذي كان يتعلم منه. اقترح فيتز جيرالد على المترجمين الآخرين للأعمال الفارسية إلى الإنكليزية، استخدام الأسماء الفارسية في ترجماتهم، وحول هذا الموضوع قال: "إن اللغة الفارسية ليست أكثر توازناً فحسب، بل إنها تتجنب أيضاً الأحكام والافتراضات الأوروبية الخطأ".
أول أيام معرفته بالشاعر خيام، وصفه فيتز جيرالد بأنه "كافر أبيقوري عاش قبل نحو خمسمئة عام"، ولكن بعد التعرف عليه بشكل أكبر، انبهر به وقرر ترجمة رباعياته، التي وجدها مصدر إلهام وطمأنينة له في أثناء فترة زواجه المؤلم.
ويزعم في مقدمة ترجمته لأشعار عمر الخيام، أن الخيام وحسن الصباح والخواجة نظام الملك، كانوا زملاء دراسة في المدرسة الابتدائية. دعم هذه الفكرة مؤلفون آخرون بطرق مختلفة، لكن الباحثين والمؤرخين رفضوا هذه الأسطورة تماماً، لأن هذا الادعاء لا يتطابق حتى مع تواريخ ميلادهم وأماكن إقامتهم، فعندما كان الخيام في الخامسة من عمره، كان الصباح في السابعة من عمره، ونظام الملك في التاسعة والثلاثين من عمره، إذ كان أباً لأطفال أكبر من الخواجة نظام الملك.
بورخيس والحشاشون
أثّرت هذه القصة الكاذبة، المعروفة باسم أسطورة الأصدقاء الثلاثة في المدرسة الابتدائية، على الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس (1899-1986)، الذي كان له نصيب أيضاً في تطوير أساطير الحشاشين، وكأن مصير الحشاشين ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالأساطير لدى الغرب.
وُلد بورخيس في 24 آب/ أغسطس 1899، في بوينس آيرس، وكان لهذا الكاتب الأرجنتيني الكبير الذي رُشّح لجائزة نوبل في الأدب مرات عدة، والد محامٍ وأستاذ في علم النفس. واصل بورخيس تعليمه في المنزل حتى بلغ 11 عاماً، وفي تلك الأثناء تعلم اللغة الإنكليزية، إلى جانب لغته الأم أي الإسبانية. ذهب بورخيس مع عائلته إلى جنيف في سويسرا عام 1914، لعلاج فقدان بصر والده، وبقيت العائلة في أوروبا حتى نهاية العقد.
تعلم بورخيس الفرنسية والألمانية هناك، وهذا هو السبب الرئيسي لمعرفته الواسعة بالأدب والتاريخ، حيث كان يجيد العديد من اللغات الأجنبية، وكان مولعاً بالقراءة. كان يقرأ جميع الكتب الموجودة في مكتبات بوينس آيرس عندما كان في سن المراهقة.
كما أن بورخيس كان مهتماً بالأدب الإيراني القديم في شبابه، ويُقال إنه أُعجب بترجمات فيتز جيرالد، حيث قال: "ليس من المستبعد أن تذوب روح الخيام الإيراني في جسد فيتز جيرالد الإنكليزي".
لكن حتى بورخيس، الشهير بمعرفته بالتاريخ والأدب، صدّق رواية فيتز جيرالد عن "أسطورة أصدقاء المدرسة الثلاثة"، لا بل قام بدوره في تعزيزها، إذ تبدأ مقالة بورخيس عن الخيام على النحو التالي: "وُلد رجل اسمه عمر بن إبراهيم في إيران في القرن الحادي عشر الميلادي (القرن الخامس الهجري بالنسبة له)، ودرس القرآن والتقاليد الإسلامية مع حسن صباح، المؤسس المستقبلي لطائفة الحشاشين أو القتلة، ونظام الملك، الذي سيصبح وزير ألب أرسلان الحاكم المستقبلي وفاتح القوقاز. اتفق هؤلاء الأصدقاء الثلاثة، بين المزح والجد، على أنه إذا حالف الحظ أحدهم في يوم من الأيام، فإن الأكثر حظاً بينهم لن ينسى الآخرين. وبعد سنوات قليلة أصبح نظام الملك وزيراً، والخيام لم يكن يرغب سوى في الزهد والصلاة من أجل سعادة صديقه، والتفرغ لدراسته في الرياضيات، بالإضافة إلى استلام راتب سنوي قيمته عشرة آلاف دينار من خزانة نيشابور، ليكرّس نفسه للتعليم، وحسن الصباح طلب منصباً رفيعاً في قصر السلطان، حيث قتل الوزير في نهاية المطاف بسكين".
يبدو أن "أسطورة أصدقاء المدرسة الابتدائية الثلاثة"، هي في الأصل من تأليف رشيد الدين الحمداني (1318-1247)، مؤلف كتاب "جامع التواريخ". كان الحمداني من عائلة يهودية إيرانية، وكان رجل دولة ومؤرخاً وطبيباً في الدولة الإلخانية، التي أسقطت النزارية بعد الاستيلاء على قلعة ألموت وحكمت إيران بأكملها.
حسن الصباح ونظام الملك... صراع سياسي
ولكن ما هو الواقع الذي نشأت فيه هذه الأسطورة؟
حسن الصباح، الذي نشأ في أسرة شيعية اثني عشرية، ترك في شبابه مذهب أسرته واعتنق المذهب الإسماعيلي، وبعد ذلك انضم إلى الفاطميين في أثناء رحلة إلى مصر، ومن ثم عاد إلى إيران في العشرين من عمره، ليكون إمام الفاطميين فيها ويعزز مبادئ المذهب الإسماعيلي وأفكاره التحررية. وفي عام 1090، اختار مدينة "ألموت" مركزاً لنشاطه السياسي ليقود الإسماعيليين في إيران من هناك. وفي ذلك الوقت، كان المستنصر بالله الفاطمي (1029-1094)، هو الخليفة، وثامن خلفاء الفاطميين. تزايدت الصراعات على الخلافة بعد وفاته في عام 1094 في القاهرة، حيث دعم حسن الصباح "نزار"، الابن الأكبر للخليفة، لكن نزاراً قُتل على يد أخيه الأصغر.
مع هذا، روّج حسن صباح للمذهب النزاري، وأصبح هو زعيمه في آسيا الوسطى وإيران والعراق والشام، وقطع علاقاته مع الخلافة الفاطمية تماماً. والنزاريون من أتباع الطائفة الإسماعيلية، اتخذوا من نزار إماماً لهم بعد الخلاف بينه وبين المستعلي بالله على خلافة أبيهما، ولهذا السبب أصبحوا يُعرفون بالنزاريين.
وكان الخواجة نظام الملك، فلاحاً إيرانياً، وُلد في مدينة طوس في خراسان (شمال شرق إيران). حاول من وجهة نظره إصلاح البلاد والمساعدة في إحياء التقاليد الإيرانية من داخل حكومة الأتراك السلاجقة.
وبالإضافة إلى وزارته في الحكومة السلجوقية، عمل الخواجة نظام الملك أيضاً، مدرّساً لولي العهد الشاب مَلِك شاه السلجوقي، وعلّمه لمدة 29 عاماً تقريباً. بعد وفاة ألب أرسلان، تولى ملك شاه، الذي كان عمره 18 عاماً فقط، العرشَ بدعم من نظام المُلك، الذي كان يحكم البلاد في تلك الحقبة، وكانت تمرّ بأوقات صعبة ومضطربة، ولم يكن هناك من يستطيع إخراجها من ذلك الوضع الفوضوي.
حاول نظام الملك بشكل دؤوب خلق طرق لتنمية البلاد وتطويرها، وذلك بفضل حبه الكبير واهتمامه البالغ بإيران، ولذلك قام بتوسيع بناء المدارس فيها.
النظرة الإصلاحية لنظام الملك والنظرة الثورية لحسن الصباح واجهتا بعضهما بعضاً بسبب اختلاف الرؤى، وكلاهما رأى في الآخر عقبةً أمام تحقيق أهدافه. وعلى الرغم من أن نظام الملك قُتل في النهاية بمؤامرة من قبل تُركان خاتون، الزوجة الأولى لمَلِك شاه السلجوقي، إلا أن عداوته مع نزاريي ألَموت دفعت الكثيرين إلى الشك في أنه قُتل على يد أتباع حسن الصباح.
الخيام ونظام الملك... زميلان في الابتدائية
من المحتمل أن تكون لقصة زمالة خواجة نظام الملك وعمر الخيام، جذورها في الحقيقة، حيث أن كلاً منهما نشأ في خراسان وحول نيشابور، وإن لم تكن هذه القصة حقيقيةً، لكن ما هو مؤكد أن علاقة صداقة عميقة كانت تجمعهما في كبرهما.
يبدو أن "أسطورة أصدقاء المدرسة الابتدائية الثلاثة"، هي في الأصل من تأليف رشيد الدين الحمداني (1318-1247)، مؤلف كتاب "جامع التواريخ"
عمر الخيام النيشابوري، فيلسوف وعالم في الرياضيات والفلك، وهو الشاعر الذي قام بتصميم تقويم "الجلالي المعروف". وُلد في نيشابور في عصر السلاجقة. وبالرغم من أن أهل العلم والرياضيات يرون إسهامات الخيام في العلوم الرياضية أكثر أهميةً من أعماله الأدبية، فإن رباعياته تحظى بشهرة عالمية واسعة.
بدأ الخيام دراسته في نيشابور وتعلم في شبابه الفلسفة وعلم الفلك والرياضيات واكتسب معرفةً كبيرةً في الطب. قيل إنه عالج السلطان سَنجَر السلجوقي، حاكم خراسان في الفترة من عام 1097 إلى 1118، الذي أصيب بالجدري عندما كان طفلاً. يُعتقد أن الخيام درس الفلسفة مباشرةً من اللغة اليونانية، ويعدّه بعض الناس تلميذاً لابن سينا (1037-980)، الفيلسوف والعالم الإيراني، وقد تكون هذه الفرضية منطقيةً بناءً على ذكر الخيام لابن سينا كـ"سيّده الروحي".
وخلال إقامته في سمرقند، ألّف الخيام كتاباً باللغة العربية حول معادلات الدرجة الثالثة في الرياضيات بعنوان "رسالة في البراهين على مسائل الجبر والمقابلة". وقد قدّم هذا الكتاب هديةً للخواجة نظام الملك، ما عزز الصداقة القديمة بينهما، على الرغم من الفارق الكبير في العمر بينهما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...