شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
بعيداً عن الدراما... الوجه الآخر لزعيم فرقة

بعيداً عن الدراما... الوجه الآخر لزعيم فرقة "الحشاشين" حسن الصبَّاح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 24 يوليو 202210:06 ص

بتفاصيل محدودة، أعلن الفنان المصري كريم عبد العزيز مؤخراً تحضيره لتقديم شخصية زعيم فرقة "الحشاشين" حسن الصبَّاح (430-518هـ) في عمل درامي يُعرض في رمضان 2023، واصفاً الصبّاح بأنه "أصعب من راسبوتين وهو بذرة الإرهاب في العالم ويقال إنه أذكى مَن وطأت رجله على أرض الكوكب".

وفي حديثه عن الإنتاج "الضخم والمفاجأة"، أوضح عبد العزيز أنه سيتعاون مع الكاتب السيناريست عبد الرحيم كمال، والمخرج بيتر ميمي الذي أنهى في رمضان الماضي ثلاثية "الاختيار" التي وثّق من خلالها العمليات الإرهابية ضد أفراد الجيش والشرطة المصرية إثر عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي.

أنظار السيناريست اتجهت نحو حسن الصبَّاح بوصفه "بذرة الإرهاب"، ربما انطلاقاً من تشبيه البعض المرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين حسن البنا به، وهو تشبيه يلح عليه مثلاً العضو المنشق عن الإخوان ثروت الخرباوي، ويُرجع، في كتابه "أئمة الشر" الذي يناقش علاقة الإخوان بشيعة إيران، الفضل في هذا التشبيه إلى سيّد قطب الذي قال مرة لابن أخته المنتمي إلى الإخوان: "ماذا فعل بك حسن الصبَّاح وجماعة الحشاشين؟"، وذلك قبل أن ينضم قطب لاحقاً إلى الجماعة.

والصبَّاح هو مؤسس الدولة الإسماعيلية النزارية التي تمركزت في بلاد فارس، بعدما حدث نزاع على خلافة المستنصر الفاطمي (ت. 487هـ) بين ولده الأكبر وولي عهده نزار وبين أخيه الأصغر أحمد الذي نُصّب فعلياً في مصر بلقب المستعلي بالله، فقد هُزم نزار وقُتل عام 488هـ، وأعلن الصبَّاح في بلاد فارس مقاطعة القاهرة، وسمى نفسه "حجة الإمام المستور" الذي خلف نزار، مؤسساً جماعة عُرفت بـ"الحشاشين" في قلعة نائية ومنيعة وسط جيش من القتلة الماهرين الذين شاع عنهم الكثير من القصص المرعبة والمخيفة.

وجه الصبَّاح في الأعمال الدرامية

العمل المرتقب ليس أول تقديم لشخصية حسن الصبَّاح في الدراما، ويُسجّل على الأعمال الدرامية السابقة التي تعرضت لسيرة "الحشاشين" وقوعها في فخ تبني رواية تاريخية واحدة منحازة، مهملةً الروايات الأخرى وتفنيدات مؤرخين كثيرين لمكامن ضعف في الرواية السائدة.

ففي مسلسل "الإمام الغزالي"، وهو إنتاج مصري، عام 2012، ويتناول حياة أبي حامد الغزالي (ت. 505هـ) الذي ساند السلاجقة والعباسيين في الوقوف ضد الحركة الإسماعيلية الباطنية، وتصدى لها في كتاب بعنوان "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية" دَعَم فيه تثبيت إمامة الخليفة العباسي المستظهر بالله (ت. 470هـ) مع وسم عقيدة الإسماعيلية بالضلال والفساد، ظهر الفنان المصري أحمد وفيق الذي جسّد شخصية الصبَّاح بشخصية رجل ماكر ومخادع اكتسب حب وتفضيل شيخه عبد الملك بن عطاش (ت. 487هـ)، وتسلق إلى زعامة الإسماعيلية.

وبعد أربع سنوات من ذلك، أي عام 2016، عُرِض مسلسل "سمرقند"، وهو إنتاج أردني، وتصدر "تتر" الحلقات صوت الفنان السوري عابد فهد الذي جسَّد شخصية الصبَّاح، وهو يقول: "لا يمكنك أن ترتقي صهوة السلطة والحكم في بلاد العرب إلا إنْ لبست ثوب الواعظين وتحزّمت بسيف قاطع". ويقدّم المسلسل شخصية الصباح على أنه يداوم على اعتمار غطاء للرأس ينسدل على وجهه وعلى أنه مخادع ومؤسس فرقة قتل، يستغل سذاجة وجهل الناس. فعلى ما قال ابن الجوزي في الرواية المعادية لـ"الحشاشين"، في كتابه "تلبيس إبليس"، "كانت سيرته (الصبّاح) في دعاته ألا يدعو إلا غبياً".

وركّز المسلسلان على رواية شائعة تقول إن الصبَّاح استخدم مخدر الحشيش لتغييب وعي أتباعه، وإنه صنع لهم جنة مادية فيها خمر وحوريات، يدخلهم فيها وهم مغيّبي الوعي وبعد اليقظة يجدون أنفسهم في مكان آخر ويظنّون أنهم كانوا في الجنة السماوية، ثم يخدّرون مجدداً ويعادون إلى حياتهم العادية، فتزداد صلابة عقيدتهم وإيمانهم بأن الصبّاح قادر على إرسالهم إلى الجنة.

سيرة "شيخ الجبل"

شخصية الصبّاح تظهر بشكل مختلف تماماً في كتابات الباحثين الإسماعيليين. فيها، نراه مناضلاً وثائراً تصدى للحكام الأتراك السلاجقة، ومنها كتابان لفرهاد دفتري هما "الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم" و"تاريخ الإسلام الشيعي"، وفيهما أولى اهتماماً كبيراً بفترة الرجل الملقب بـ"شيخ الجبل" وبمقرّه، قلعة ألموت.

يتحدّر الصبَّاح من أسرة قادمة من الكوفة، وقيل من اليمن، ووُلد في "الريّ" (في إيران حالياً) وتلقى تعليمه على يد دعاة الإسماعيلية، ولفت انتباه القائم بأمر الدعوة في بلاد فارس عبد الملك بن عطاش عندما زار "الريّ" عام 464هـ، فأخذه معه إلى مقر دعوته في أصفهان.

"كتب التاريخ الإسلامي ومنها تواريخ القرون الوسطى العربية وكتب الملل والنحل لا تفيد بشيء عن أصل تسمية الحشاشين، ولا المخدر المقصود أو علاقة قاطني قلعة ألموت به"

وبحسب دفتري، وهو رئيس قسم البحوث الأكاديمية والمنشورات في معهد الدراسات الإسماعيلية في لندن، في كتابه الأول المشار إليه، أولى ابن عطاش تقديراً كبيراً لفطنة الصبَّاح، و"من الواضح أنه عرف قدرات حسن واستصوب آراءه بتعيينه في منصب في تنظيم الدعوة، ثم حثه على الذهاب إلى القاهرة ربما لزيادة تدريبه". وعام 469هـ، اتّجه إلى القاهرة للقاء المستنصر، إمام الزمان وصاحب الحق حسب عقيدته.

وينقل دفتري رواية تُظهر براعة الصبّاح في الجدل والمناظرات، وفيها أنه حينما مرَّ بمدينة ميافارقين (شرق تركيا حالياً)، في رحلته إلى القاهرة، "عقد هناك مناظرات دينية نقض فيها سلطة علماء الدين السنّة مؤكداً الحق المطلق للإمام لتفسير الدين، فكان أن طُرد من البلدة بأمر من قاضيها السنّي".

وصل الصبّاح إلى مصر عام 471هـ، واستقر فيها لمدة ثلاث سنوات، ودخل في نزاع مع بدر الجمالي، وزير المستنصر، ويبدو أنه نُفي من مصر، ثم عاد إلى فارس محمّلاً بطموحات كبيرة، ووضع تقييماً للقوة العسكرية للسلاجقة فيها، وأدرك صعوبة قيام دولة له في الأجزاء الوسطى والغربية من البلاد، فاتجه ناحية المرتفعات الشمالية ومنطقة الديلم (في إيران حالياً) التي "مثلت تقليدياً مناطق لجوء آمنة للعلويين"، وفقاً لرأي دفتري.

استقر الصبَّاح في دامغان (في إيران حالياً) وأطلق دعاته إلى المناطق المختلفة المحيطة بقلعة ألموت، إحدى القلاع المنيعة في الديلم، لتحويل السكان المحليين إلى الإسماعيلية، ثم تمكن من دخول القلعة سراً عام 483هـ، وعاش فيها متنكراً ومعلماً للصبية، ونشر دعوته بين عسكر القلعة، بالإضافة إلى العديد من سكان المقاطعات المجاورة، حتى سيطر على القلعة كلياً وأمر حاكمها بالمغادرة.

وتبعاً لدفتري، فإنه أوائل عام 485هـ، وبناء على نصيحة نظام الملك، أرسل ملك شاه السلجوقي جيوشه ضد الإسماعيليين في رودبار وقوهستان ومنذ تلك الفترة انجرّ الإسماعيليون الفرس إلى سلسلة طويلة من المواجهات العسكرية مع السلاجقة الذين يكنّون العداء الشديد للشيعة.

ومع وقوع النزاع على خلافة المستنصر الفاطمي، أيّد الصبّاح خلافة ابنه نزار وصار أبرز وجوه الإسماعيلية النزارية.

صارم مع العدو والصديق

صفات جليلة تمتع بها "شيخ الجبل" بحسب بعض الروايات، ومنها رواية لابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" قال فيها عنه: "كان رجلاً شهماً كافياً عالماً بالهندسة والحساب والنجوم والسحر وغير ذلك".

ويورد عطاء ملك الجويني، في كتابه "تاريخ فاتح العالم"، أنه لما دخل مع المغول يوم سقطت قلعة ألموت، وجد فيها مكتبة ضخمة، فيها كتب نفيسة.

يُروى عن سيّد قطب أنه قال مرة لابن أخته المنتمي إلى الإخوان المسلمين: "ماذا فعل بك حسن الصبَّاح وجماعة الحشاشين؟"، وذلك قبل أن ينضم قطب لاحقاً إلى الجماعة

وبحسب المستشرق الإنكليزي برنارد لويس في كتابه "الحشاشون": "كان الصبَّاح مفكراً وكاتباً كما كان رجل عمل، وقد حفظ له المؤلفون السنّيون نصين من تأليفه أحدهما شذرات من قصة حياته بقلمه والآخر مختصر لمقال في اللاهوت وكان الإسماعيليون المتأخرون يشيرون إليه باحترام".

العلاقة بنبتة الحشيش

في كتابه "تاريخ الدعوة الإسماعيلية"، يرى الباحث السوري الإسماعيلي مصطفى غالب أن العباسيين أمروا أصحاب المقالات بالطعن في مبادئ الحركة، وتلفيق التهم والأكاذيب لها، متسائلاً عن حقيقة السماح بتعاطي المخدرات وارتكاب الفحشاء من قبل رجل أقام الحد على ابنه في شرب الخمر، وأخذ ابنه الثاني لاشتراكه في جريمة قتل.

بدوره، يستبعد دفتري قصص الجنة والحشيش الملتصقة بـ"الحشاشين"، موضحاً أن القليل من المعلومات وصلتنا عن عملية انتقاء الفدائيين وتدريبهم، وأن جو الفرقة والتشرذم الذي سيطر على السلطة أوحى للنزاريين باستخدام أسلوب الاغتيال الذي دارت حوله الأساطير.

وحول الاغتيالات، يرى دفتري أنه الأسلوب الشائع آنذاك عند جميع الفرقاء ومنهم السلاجقة. وفي نفس الصدد يقول برنارد لويس: "الاغتيال السياسي بجانبيه العملي والمثالي كان مألوفاً منذ البدايات الأولى للتاريخ السياسي الإسلامي فمن بين الخلفاء الأربعة الراشدين الذين خلفوا النبي في رئاسة الجماعة الإسلامية اغتيل ثلاثة".

أما تسميتهم بـ"الحشاشين" فهي تسمية مضطربة، بحسب الباحث العراقي رشيد الخيُّون في كتابه "لا إسلام بلا مذاهب". يقول: "كتب التاريخ الإسلامي ومنها تواريخ القرون الوسطى العربية وكتب الملل والنحل لا تفيد بشيء عن أصل تسمية الحشاشين، ولا المخدر المقصود أو علاقة قاطني قلعة ألموت به".

ويشير الخيُّون إلى أن المصادر الإسلامية لا تخبر عن صلة الحشاشين بأي حشيش، سواء أكان حشيش الخشخاش أو شجر القنب، ويقتبس من المؤرخ اللبناني حسن الأمين رأياً مفاده أن الحشائشي لفظ كان يُطلق "في تلك العهود على مَنْ يتعاطون جمع الحشائش البرية، التي تستعمل هي نفسها أدوية، أو تستقطر منها الأدوية".

ويقدم الخيون احتمالاً متعلقاً بكون الكلمة مشتقة من كلمة الحشاشة بمعنى بقية الروح في الجريح أو المريض، فربما لتمرسهم في الاغتيال ارتبط اسمهم بالحشاشة حتى ذاع صيتهم بالحشاشين، أو نسبة إلى عملية حش الرقاب لكثرة القتل.

واستقر الخيُّون على أن الحشاشين لو كانوا تناولوا أي نوع من المخدر لما فات الغزالي ولا ابن الجوزي ولا غيرهما ذكر هذا المثلب الخطير، إضافة إلى أن عمليات الاغتيال والتدريب تحتاج إلى الصحوة والانتباه والحذر الدائم ومعاينة دقيقة للمكان قبل التنفيذ ورصد حركة المغدورين، فهم من أرباب السلطة والجاه وتحيطهم عادةً الحراسة، وكل هذا لا يتوفر لمتعاطي المخدرات.

شراء الجنة... نمط شخصية المتطرف

طارحاً فكرة أكثر عقلانية، رفض الخيُّون فكرة استيلاء حسن الصبَّاح على أتباعه بتعاطي المخدر أو تحقيق صورة مادية للجنة، واستبعد أن يستمر تاريخ الحركة لقرابة القرنين بالقيام على إدمان المخدر أو الارتباط بشخص الصبَّاح أو بالثأر من خلفاء المستنصر الفاطمي، لأن هذا كله لن يستهوي الجيل اللاحق.

ويتطرق الخيون إلى فكرة "شراء الجنة" مقابل التضحية بالنفس، وهي فكرة رددتها فرق إسلامية عدة استناداً إلى ما ورد في الآية 111 من سورة التوبة، مشيراً إلى أن "الترغيب في الجنة لعب دوراً أساسياً في الجهاد والإقدام في الغزوات... ففي المعارك مع قريش وقبائل الجزيرة كان المجاهدون يسمعونها من النبي مباشرة، ولا يرون ما بينهم وعالم النعيم الأبدي سوى القتل".

ولا تزال عقيدة شراء الجنة شائعة في زمننا، وهي في أساس عقيدة المتطرفين، فالفكرة التي كانت، بحسب الخيُّون، "مؤثرة تأثيراً كبيراً في جهاد المسلمين ضد المشركين، حتى كادت تحل محل الإسلام نفسه"، لا تزال حيّة فـ"تفجير النفس في متجر أو داخل باص أو طائرة... يضمن دخول الجنة عبر أسرع السبل، سبيل يختصر عقوداً من العبادة والزهد".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image