ويليام سيوارد بوروز (1914-1997)، كاتب أميركي، يُعرف برائد الحركة الثقافية المضادة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبر من الكتّاب الأكثر إثارةً وجدلاً في الأدب الحديث، كما أن مؤلفاته ما بعد الحداثوية كان لها الأثر الكبير على الثقافة والأدب سواء في بلاده وخارجها. ينتمي بوروز إلى جيل البِيْت، الحركة الأدبية التي ازدهرت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لتطلق أفكارها المعارضة للأدب السائد والرسمي. البوهيمية، الاهتمام بالديانات الشرقية، نقد النظام الاقتصادي الحديث بشكل ساخر، والتحرر الجنسي، هي من أهم مبادئ "جيل البيت". من بين الكتاب والشعراء العرب، تأثر الشاعر العراقي سركون بولص بهذه الحركة وترجم أعمالاً لشعرائها من الإنكليزية إلى العربية.
استخدم كيرواك كلمة "بيت" لأول مرة إشارة إلى أصدقائه من نفس الجيل، الذين اختاروا أسلوب حياة غير تقليدي تماماً، وكانوا يبحثون عن المتعة الخاصة بهم في الشوارع والطرق، لكن بعد نشر روايته "على الطريق" المثيرة للجدل، أصبحت هذه الكلمة الاسم الأبدي لجيل أحدثت أعماله الراديكالية وغير التقليدية تحولاً كبيراً في الأدب الأمريكي والعالمي.
يشكل ويليام بوروز، إلى جانب جاك كيرواك وألن غينسبرغ، مثلث "جيل البيت"، الذي كان له الفضل في إنجازات أدبية كبيرة، أثرت بشكل واسع على الأجواء الاجتماعية والثقافية والسياسية في أمريكا وحتى أوروبا لمدة عقدين من الزمن على الأقل، وحقق بوروز بروايته "الغداء العاري"، وغينسبرغ بقصيدته الطويلة "عواء" نفس الشهرة والمكانة التي حققها كيرواك بروايته "على الطريق".
أما ويليام بوروز، الذي يعتبر من أهم كتّاب هذه الحركة. قد تحدث في رسائله عن "دَينه الكبير للإسلام"، ويذكر في مؤلفاته أنه استوعب "عملية التناضح" من خلال الإسلام.
ما هي العلاقة بين ويليام بوروز والإسلام؟
قد يعزو بعض القراء هذا الارتباط إلى إقامة بوروز الطويلة في طنجة بالمغرب، المدينة التي كتب فيها أجزاءً مهمة من روايته "الغداء العاري" المثيرة للجدل، لكن هناك اسماً يربط بين بوروز والإسلام أكثر من أي شيء آخر، هو "حسن الصباح"، الذي يتكرر كثيراً في أعماله، لدرجة أنه اعتبر نفسه صباح الأدب الأمريكي.
قائد الحشاشين، حسن الصباح
حسن الصباح (1050-1124) يُعدّ اليوم اسماً مرتبطاً بالأساطير، وحتى ألعاب الفيديو، مثل لعبة "ASSASSINS" التي اتُّخذ عنوانها من "الحشاشين"، وهو لقب أتباعه. لكن من هو "حسن الصباح" في الحقيقة؟
هو مسلم إيراني، ومؤسس المذهب الشيعي النّزاري في عهد السلاجقة في إيران، كما أنه استولى في تلك البرهة على قلعة في جبل "ألَموت" شمال إيران، وبما أنه لم يكن لديه القدرة العسكرية الكافية للقتال ضد الجيش السلجوقي الكبير، فقام باغتيال شخصيات كبيرة في الحكم آنذاك، وسرعان ما انتشر اسمه في جميع أنحاء العالم.
قد يعزو بعض القراء الارتباط بين الكاتب الأمريكي ويليام بوروز والإسلام إلى إقامة بوروز الطويلة في طنجة بالمغرب، لكن هناك اسماً يربط بين بوروز والإسلام أكثر من أي شيء آخر، هو "حسن الصباح"
أما النزاريون فهُم أتباع طائفة متفرّعة من الشيعة، وبالأحرى من الشيعة الإسماعيلية. فقد شهد المذهب الشيعي طوال تاريخه انقسامات مختلفة، منها الزيدية، والإسماعيلية، والاثنى عشرية. يؤمن الإسماعيليون بأن بعد وفاة الإمام السادس، جعفر الصادق، تذهب الولاية لابنه إسماعيل، إلا أن الاثنى عشريين يعتبرون إمامهم السابع الابنَ الآخر للصادق، أي موسى الكاظم. خلال حكم الفاطميين في مصر والذين كانوا يتبنون المذهب الإسماعيلي، وبعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، نشب خلاف بين حول من يخلفه؛ فطائفة منهم أكدت على إمامة المستعلي بالله، وأخرى اعتقدت أن ابنه الآخر، نزار المصطفى لدين الله، هو الإمام. فانقسم الإسماعيليون بين المستعليين والنزاريين.
في النهاية استتب الأمر للمستعلي، وسُجن نزار، ثم مات في سجنه. هرب ابنُه الهادي إلى آسيا الوسطى، واحتمى في قلعة "ألَموت"، ومن هناك بدأ داعيه حسن الصباح نضالاً مسلحاً بهدف استعادة الخلافة الفاطمية.
حسن الصباح في حياة وأدب بوروز
"ويليام بوروز"، أكبر منافس للكاتب الفرنسي ماركيز دي ساد في السمعة السيئة بين العديد من الكتاب. فقد اتُّهم بوروز بقتل زوجته في المكسيك، وهرب إلى المغرب، كما سماه نورمان ميلر بـ"عبقري الأدب"، أو الكاتب المثير للجدل الذي تجاوز نطاق تأثيره الأدب، أو المؤثر على كتّاب مثل جي جي بالارد وكاثي آكر، وفلاسفة مثل ميشال فوكو وجيل دولوز، وموسيقيين مثل فيليب غلاس وجون كيج، ومغنّين مثل باتي سميث وكورت كوبين، وصانعي أفلام مثل ديفيد كروننبرغ وجوس فان سانت، فكل هؤلاء تأثروا بويليام بوروز.
هذا الكاتب الذي يمكن اعتباره من أشهر الكتاب الأمريكيين خلال تاريخ الأدب الأمريكي، ماذا استلهم من حسن الصباح والإسلام؟ هذا هو السؤال الذي يجيب عليه "أوليفر هاريس" و"فَريد قدمي" في كتابهما المشترك: "القاتلان: ويليام بوروز وحسن الصباح"، الذي صدر مؤخراً باللغة الإنكليزية عن دار "مولوكو" للنشر في ألمانيا.
بداية الرحلة إلى طنجة
في أيلول/سبتمبر 1951، قام ويليام بوروز، الذي كان مدمناً على المخدرات معظم حياته، بوضع كأس على رأس زوجته، جوان فولمر، في حفل في مكسيكو سيتي، وقال: "الآن هو الوقت المناسب للعب لعبة ويليام تيل". على الرغم من أن بوروز كان قناصاً ماهراً منذ طفولته، إلا أنه لم يلعب هذه العبة قط، وهي لعبة خطيرة يتم فيها المخاطرة بحياة شخص عزيز للكشف عن مهارة القناصة. أطلق بوروز النار نحو الهدف، وجاءت الرصاصة في رأس زوجته بدلاً من الكأس. توفيت فولمر على الفور، وتم القبض على بوروز. اعترف بوروز بلعبة "ويليام تيل" أثناء الاستجوابات الأولية، لكنه نفى لاحقاً أقواله الأولية، بناءً على نصيحة محاميه، وقال إن الحادثة جرت أثناء تنظيفه لبندقيته، إذ خرجت من البندقية رصاصة وأصابت زوجته في رأسها. بعد ذلك أطلق سراح بوروز بضمان كفالة مالية. وفي هذه الأثناء فرّ بوروز إلى مدينة طنجة المغربية. وتواجده هناك هو بداية تعرفه على الإسلام وإيران وحسن الصباح.
دخل بوروز مدينة طنجة، وهي منطقة دولية كانت تحكمها آنذاك أربع دول: أمريكا، إنكلترا، فرنسا، وإسبانيا، كما أنها كانت بمثابة مدينة حرّة ومثالية لحياة بوروز غير التقليدية، باعتباره كاتباً مدمناً ومثلياً جنسياً. هناك أصبح بوروز مدمناً بشدة على إيوكودول، وكانت لديه العديد من المراسلات مع رفيقه غينسبرغ. في هذه المراسلات كتب بوروز لغينسبرغ جزءاً من روايته الجديدة التي صدرت لاحقاً تحت عنوان "الغداء العاري".
بعد ثمانية أعوام أي في العام 1959، انتقل بوروز إلى فرنسا، حيث عاش بفندق "بيت" في باريس، وكان مالك الفندق من أنصار الكتّاب والمثقفين النازحين، وأطلق ويليام بوروز وصديقه الفنان بريون جيسين على هذا الفندق اسم "باريس-ألموت". وربما بوروز الذي كان مطلوباً ذات يوم بتهمة قتل زوجته دون قصد، كان يشعر بقربة من حسن الصباح، الذي يُعرف بزعيم "الحشاشين" في الغرب، فكلاهما كانا يتبنيان مفهوم النضال ضد النظام القائم، أو هكذا اعتقدا على الأقل.
نضال الصباح وبوروز
حارب حسن الصباح ضد الأتراك السلاجقة وسلطة الإسلام السنّي في إيران في العصور الوسطى، ومن جهة أخرى حارب ويليام بوروز ضد الرأسمالية الأمريكية والنظام والسيطرة، وكما كان حسن الصباح قد احتمى بقلعة ألموت، ومن هناك قاد القتال ضد السلاجقة والسلطة القائمة، فهاجم بوروز أيضاً القانون والنظام الأمريكي من فندق "بيت" في باريس.
ماذا استلهم الكاتب الذي يعتبر من أشهر الكتّاب الأمريكيين في التاريخ من حسن الصباح والإسلام؟ هذا هو السؤال الذي يجيب عليه "أوليفر هاريس" و"فريد قدمي" في كتابهما المشترك "القاتلان: ويليام بوروز وحسن الصباح"
كلمة "ASSASSIN" تعني القاتل في اللغة الإنكليزية، وهي مفردة مأخوذة من كلمة "حشاشين" في العربية والفارسية؛ الاسم الذي أطلقه المسلمون السنة في إيران على حسن الصباح ورفاقه في العصور الوسطى، وعلى الرغم من عدم وجود وثيقة تثبت صحة تعاطي الحشيش بين أتباع حسن الصباح، لكن إدمان بوروز واهتمامه بمخدرات مثل الحشيش، قد يكون السبب الرئيسي وراء اهتمامه بشخصية حسن الصباح.
من أشهر أعمال بوروز هو كتاب "كلمات حسن الصباح الأخيرة"، تأتي فيه إشارات كثيرة إلى هذه الشخصية التاريخية، وربما تكون أشهرها جملة من أقواله وهي: "لا شيء صحيح. كل شيء مباح"، الكلمات التي كانت آخر ما قيل على لسان حسن الصباح، حسب كتاب بوروز.
يرى فريد قدمي، وهو كاتب إيراني ومترجم أعمال بوروز إلى الفارسية، في كتاب "قاتلان: ويليام بوروز وحسن الصباح" أن هذه الجملة غير موثوق بها في أي مصدر تاريخي، وأنها ليست مقتبسة من حسن الصباح، حيث أن محتواها لا يتفق مع أفكاره، لأنه كان رجلاً متديناً ومتعصباً جداً للشريعة، لدرجة أنه قتل أحد أبنائه بجريمة شرب الخمر.
ويتتبع قدمي تاريخ هذا الاقتباس الخاطئ إلى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، ثم يشير إلى أن بوروز، جمع بين ثلاث شخصيات من التاريخ الإسماعيلي ليخلق "حسن الصباح الخاص به". هذه الشخصيات هي حسن الصباح، وحسن على ذكره السلام، وراشد الدين سنان المعروف بشيخ الجبل. وحسن على ذكره السلام هو الخليفة الثالث لحسن الصباح، وهو الذي أعلن الانتفاضة عام 1164 في ألموت، وأعفى المسلمين عن جميع فرائض الدين بما في ذلك الصلاة والصوم، وأقام الاحتفال بالقيامة في ألموت في اليوم السابع عشر من شهر رمضان.
يبدأ شريك قدمي أوليفر هاريس في كتاب "القاتلان: ويليام بوروز وحسن الصباح"، باستعادة ذكرى لقائه مع ويليام بوروز في ولاية تكساس جنوب أمريكا، ويواصل الإجابة على سؤال: "ماذا تعني كلمة حسن الصباح بالنسبة لويليام بوروز؟"، وهو أيضاً أحد محرري أعمال بوروز ويعتبر أهم باحث لأعماله، وأن اهتمام بوروز بحسن الصباح يرجع إلى اهتمامه بـ"السرية".
وفي هذا الكتاب، يظهر هاريس أن بوروز ربما كان على معرفة واسعة بحسن الصباح، لكنه تعمد إخفاء العديد من الحقائق والمصادر من أجل خلق جو غامض حول شخصية حسن الصباح في أعماله، وكتاب "القاتلان" يصف للقراء، العلاقةَ الغامضة والمعقدة بين حسن الصباح وويليام بوروز، وهي علاقة لها أبعاد شخصية وعاطفية وتاريخية وسياسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...