"لمستحضرات التجميل أثر مدمر على البيئة، كونها صناعة تعتمد في تركيبها على المواد الكيميائية السامة، وعندما تشق طريقها أيضاً كنفايات إلى المحيطات أو الشوارع تتسبب في دمار كبير للبيئة ومكوناتها"، هذا جزء من حديث الدكتور جلال الدين الجميعي أستاذ الكيمياء العضوية بكلية العلوم جامعة حلوان إلى رصيف22 حول علاقة مستحضرات التجميل بالبيئة من حولنا.
وقد لا يدرك الكثيرون مدى خطورة هذه المستحضرات، ففي الوقت الذي تترك فيه أثراً جميلاً ومؤقتاً على وجه الإنسان، يترتب على استخدامها كوارث بيئية، فقد تبين على سبيل المثال أن عبوات مستحضرات التجميل البلاستيكية يصل عددها كل عام إلى ما يقارب 120 مليار وحدة، وهذه العبوات سامة وغير قابلة للتحلل، كما أنه يصعب وجود رقابة صحية على صناعة مستحضرات التجميل للسيطرة على المواد المستخدمة فيها، وتقنين استخدام المواد الكيميائية المضرة بالصحة والبيئة معاً.
صناعة سامة
يتحدث الدكتور جلال الدين الجميعي، الحائز جائزة الإيسيسكو في العلوم والتكنولوجيا، عن خطورة مستحضرات التجميل: "أغلب المواد المستخدمة في هذه المستحضرات كارثية، فهي تحتوي على الكبريتات والرصاص والبولي إيثيلين جلايكول وهذه المواد ملوثة للبيئة، وخلال الصناعة ترمى النفايات في البحار والمحيطات، وتتغذى الكائنات البحرية عليها فتصبح لحومها ملوثة، وأيضاً إذا دُفنت بطريقة غير سليمة يمكن أن تتناولها الحيوانات البرية، فنجد المواشي تأكل كل هذه الأشياء البلاستيكية، فتنتهي المواد السامة في اللحوم على موائدنا".
أغلب المواد المستخدمة في صناعة مستحضرات التجميل كارثية وملوثة للبيئة.
ويضيف أستاذ الكيمياء: "مناديل الورق التي تستخدم لإزالة مستحضرات التجميل بشكل يومي مصنوعة من مادة البولي بروبيلين، وعندما تلقى في القمامة تلوث البيئة والمجاري المائية، كما أن مستحضرات التقشير ملوثة للبيئة، وكذلك الماسك الذي يوضع على الوجه هو عبارة عن مادة كيميائية ملوثة وسامة ولا تتحلل بأي شكل، وكريمات التبييض تحتوي على سيليكون وهو مادة سامة لو وصلت إلى التربة أو البيئة البحرية ستشكل خطراً على الثروة الحيوانية، وكذلك البخاخ ملوث للبيئة فهو يمتص نسبة من الأكسجين في الجو، ولذلك فإن الإلقاء به في الشوارع خطر، وأقلام الحمرة التي لا تختفي بسهولة خطرة جداً لأنها تتكون من مادة البوليمر المسرطنة".
بدوره يضيء لرصيف22 الدكتور مختار سامي بحيري رئيس قسم علوم البيئة بجامعة بورسعيد على نقطة إضافية فيقول: "المواد الكيميائية التي تدخل في صناعة مستحضرات التجميل لها خطورة كبيرة سواء على العاملين فيها أو على البيئة. فينتج عن تسخين المواد الخام الداخلة في الصناعة غازات مثل الكبريت والنتروجين وثاني أوكسيد الكربون تلوث الجو، إلى جانب النفايات الصلبة الناتجة عن مواد التعبئة والبلاستيك والتي يمكن أن تسمم التربة، وهي قابلة للاشتعال عندما تتعرض لدرجات حرارة مرتفعة، وتالياً يمكن أن تتسبب بحرائق خطيرة، أو يمكن أن تحملها الأمطار إلى البحار والمحيطات والمياه الجوفية. ولا ننسى المخلفات السائلة التي تصل من المصنع لمياه الصرف نتيجة غسل المعدّات".
كما يضيف الباحث اليمني في مجال البيئة إلياس دحان حول خطورة هذه الصناعة: "هناك قصور تشريعي واضح في التعامل مع المخلفات والنفايات الناتجة من صناعة مستحضرات التجميل، فلا يوجد قانون يلزم القائمين عليها بإجراءات السلامة البيئية في التعامل مع مخلفاتها أو نفاياتها".
ويتابع دحان في حديثه لرصيف22: "أكثر من نصف مستحضرات التجميل تحتوي على مستويات عالية من مواد كيميائية سامة ومسرطنة، وقد عُثر على بعض أعلى المستويات في كريم الأساس والماسكارا المقاومة للماء وأحمر الشفاه طويل الأمد. ومن المواد المعدنية والمركبات السامة التي تستخدم في صناعة مستحضرات التجميل الرصاص والزرنيخ والزئبق والألمنيوم والكادميوم، ومثل هذه المواد لا تجد سبيلاً للتخلص منها إلا في مكبات النفايات، وقد تتسرب إلى طبقات التربة والمياه وتصدر عنها انبعاث غازات سامة".
عبوات بلاستيكية لا تتحلل
أما عن خطورة العبوات البلاستيكية التي توضع فيها تلك المستحضرات فيقول الجميعي: "كل المنتجات البلاستيكية أو الكرتونية لها مخاطر كبيرة، وهي ملوث خطر للبيئة، وتكمن خطورتها في أنها لا تتحلل، والبلاستيك يفرز مادة البولي إيثيلين وهي مادة مسرطنة وضارة للبيئة، وفي النهاية يمكن أن تتناول الحيوانات هذه العبوات فتسبب لها التسمم، أو تصل هذه المواد الكيميائية للإنسان في نهاية المطاف".
كما أن التخلص من المكياج بطريقة غير صحيحة وغسله يؤديان وفق الخبير إلى نقل المكونات الضارة عبر المجاري إلى الأنهار والبحار، وللهواء نصيب من هذا التلوث من خلال تصاعد الغازات أثناء تفاعل مخلفات مواد التجميل، وأيضاً عند استخدام بعض المستحضرات الغازية من عطور أو مزيلات العرق أو مركبات أخرى تتبخر في الجو.
أعتمد في المواد التي أصنعها على الأعشاب والزيوت الطبيعية التي أحصل عليها من أماكنها المناسبة. كان هدفي صناعة منتجات للعناية أولاً ولا تسبب تلوثاً بيئياً، وتحافظ أيضاً على الحيوانات لأن المنتجات الكيميائية تتم تجربتها بشكل أساسي على الحيوانات
وقد أشار خبراء بيئيون إلى أن 70% من نفايات مستحضرات التجميل تأتي من التغليف والتعبئة، وبمجرد استخدام أحمر الشفاه أو الشامبو أو غسول الجسم، يتم التخلص من العبوات، ويعاد تدوير كميات صغيرة منها فقط، في حين تنتهي البقية في التربة والبحار والمحيطات، وقد نفقت مئات آلاف الثدييات البحرية في جميع أنحاء العالم كنتيجة مباشرة للتلوث البلاستيكي.
وعموماً، فإن نفايات التغليف تعتبر من أكبر التحديات التي تواجه صناعة التجميل حول العالم، فعلى سبيل المثال، أنتجت الولايات المتحدة عام 2018 أكثر من 7.9 مليار وحدة من نفايات مستحضرات التجميل، ويشكل ذلك تحدياً بيئياً كبيراً بالنظر إلى مساهمة هذه النفايات في التلوث البلاستيكي واستنزاف الموارد الطبيعية وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.
كيف نجعلها صناعة صديقة للبيئة؟
درست أسماء حسين الصحافة واتجهت للترجمة والكتابة، لكن كان لديها عشق كبير للطبيعة والمنتجات الطبيعية، فقررت أن تعمل على صناعة مستحضرات تجميل صديقة للبيئة، فهي لا تحبذ استخدام تلك المستحضرات التي تضر بالحيوانات والإنسان بسبب المواد الكيميائية الكثيفة فيها.
تقول لرصيف22: "حصلت على عدد من التدريبات لأكوّن خبرة ومعرفة أكثر بهذا المجال، وأطلقت الخط الخاص بي تحت اسم ‘دايزي'، وأقدم من خلاله منتجات صديقة للبيئة تماماً. في البداية كنت أحاول جمع الأموال لشراء المواد اللازمة لصناعة مستحضرات للبشرة، وبدأت بشراء تلك المواد التي أثق فيها من الشركات المختلفة وصنعت منتجات للعناية بالبشرة والشعر. كلها من مكوّنات طبيعية أخلطها بنفسي لأتأكد من أنها غير ضارة".
وتشرح: "أعتمد في المواد التي أصنعها على الأعشاب والزيوت الطبيعية التي أحصل عليها من أماكنها المناسبة. كان هدفي صناعة منتجات للعناية أولاً ولا تسبب تلوثاً بيئياً، وتحافظ أيضاً على الحيوانات لأن المنتجات الكيميائية تتم تجربتها بشكل أساسي على الحيوانات".
لكنْ للجميعي رأي مختلف مفاده أن "الاستعانة بالمواد الطبيعية من الأشجار أو النباتات ليست حلاً، فهي تسبب خللاً بيئياً، فعندما نقوم بقطع الأشجار مثلاً فهذا يؤدي إلى تغير بيئي ويقلل من المجموع الخضري للكون، فالأشجار هي رئة الكرة الأرضية".
أكثر من نصف مستحضرات التجميل تحتوي على مستويات عالية من مواد كيميائية سامة ومسرطنة، وقد عُثر على بعض أعلى المستويات في كريم الأساس والماسكارا المقاومة للماء وأحمر الشفاه طويل الأمد
ويرى بأن الحل هو تقنين استخدام مستحضرات التجميل وزيادة برامج التوعية، والتعامل مع نفايات مستحضرات التجميل بحذر، كما أنه يمكن أن نكثف من استخدام المواد البلاستيكية القابلة للتحلل كي تحل محل تلك العبوات التي تظل في البيئة لسنوات طويلة.
ووفق رأي مستشار وزارة البيئة سامي بحيري، فإن الحل يكمن أولاً في القيام بدراسات تقييم للأثر البيئي لأي مصنع مستحضرات قبل إنشائه، وهو أمر موجود ضمن القوانين، مع محاولة لتقليل الأثر واختيار طريقة مناسبة للتصنيع، ثم الرصد والمتابعة البيئية من خلال سجل بيئي للمصنع. كما لا بد من التفكير في الاستفادة من النفايات باستخدامها كوقود حيوي، إلى جانب ضرورة وجود وحدات لمعالجة الصرف الناتج عن المصنع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع