شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"برغم العراقيل لم أتخلَّ عن مشروعي"... مزارعات تونسيات يكافحن التغيّر المناخي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والنساء نحن والبيئة

الخميس 21 سبتمبر 202301:05 م

العلاقة التي تجمعها بالأرض لم تكن يوماً ربحية ولا تجارية، بل للأرض جذور عميقة في قلبها عمق حبها لها، هي ترعرعت ونشأت في عائلة تقضي يومها من مشرق الشمس إلى مغربها في رعاية الأرض وتهيئتها، لتجعل منها جنة مستدامة يطيب فيها العيش، فاكتسبت بالفطرة تعلقها بالتراب والنبات والأشجار والحيوان وكل ما له علاقة بالطبيعة.

تقول هدى وهي ثلاثينية خريجة المعهد الوطني للعلوم الفلاحية، تقطن في محافظة الكاف شمال غربي تونس، بأن اختيارها لدراسة العلوم الفلاحية لم يكن محض صدفة، بل هو طموح مشترك بينها وبين والدها الفلاح العصامي الذي اكتسب خبرته من خلال العمل الميداني طيلة 50 سنة متواصلة، وقد عملت على تحقيق الحلم المشترك منذ نعومة أظافرها، لتلتقي في النهاية الخبرة والعلم على أرض واحدة فتزهر.

"كان هاجسي الوحيد منذ السنوات الأولى لدراستي هو تطوير الزراعة في ضيعتنا المعتمدة أساساً على الفلاحة التقليدية العائلية، التي يرتبط الإنتاج فيها بنزول الغيث النافع وبتوفر اليد العاملة، وقد وُفّقت في ذلك، فمنذ السنة الأولى لتخرجي انطلقت في مشروعي، ولم تعترضني صعوبات كما تلك التي واجهها زملائي الذين لا يمتلكون أراضي زراعية، واضطروا للحصول على قروض أو لاستئجار أراضٍ يملكها آخرون".

صغار المزارعين هم الأكثر تضرراً من تبعات التغيرات المناخية، خاصة النساء الريفيات على اعتبارهن الفئة الأكثر هشاشة.

تشير هدى في حديثها لرصيف22 إلى أن مشروعها الفلاحي المتمثل في زراعة الخضروات وتربية الأبقار لم يعد قادراً على مجابهة التغيرات المناخية وانحباس الأمطار لسنوات متواصلة، مما أثر سلباً على المردود الزراعي، وكذلك على مجال تربية الأبقار الذي أصبح عبئاً مادياً ثقيلاً عليها، بسبب ارتفاع تكلفة الأعلاف التي تستوردها الدولة بالعملة الصعبة مقابل تدهور قيمة الدينار التونسي، وتقلص المساحات المخصصة لرعي الأبقار نتيجة شح الأمطار في المواسم الأخيرة.


وتعتبر المتحدثة بأن صغار المزارعين هم الأكثر تضرراً من تبعات التغيرات المناخية، خاصة النساء الريفيات على اعتبارهن الفئة الأكثر هشاشة، كما لفتت إلى أن هذه التغيرات من شانها أن تحيل المرأة المزارعة سواء كانت صاحبة مشروع أو عاملة، إلى البطالة، علماً أنها في كثير من الأحيان تكون المعيلة الوحيدة لأسرتها، بذلك تتضرر الأسرة برمتها خاصة الأطفال، الذين يضطرون في أحيان كثيرة إلى الانقطاع عن الدراسة والبحث عن عمل بسبب ضيق الحال.

رغم العراقيل والصعوبات المادية لم تستلم هدى لليأس، بل أصرت على المضي قدماً في تحقيق حلمها، بمعية والدها الذي لم يدخر جهداً في تخفيف العبء عليها. لكن في المقابل اضطر العديد من المزارعين إلى التخلي عن مشاريعهم الصغيرة والهجرة نحو المدن، بحثاً عن لقمة عيش غير مهددة بشبح الجفاف، فيما تواجه كثير من النسوة المتضررات المصاعب دون حلول تلوح في الأفق.

ويفيد مسح استقصائي للبنك الأوروبي للاستثمار بشأن المناخ بأن 52% من التونسيين يرون بأن التغير المناخي يؤثر على دخلهم، فيما يرى 84% بأن تغير المناخ يؤثر على حياتهم اليومية.

التغيرات المناخية ستنعكس مباشرة على الفئات الهشة من بينها المرأة الفلاحة التي تمثل 70% من اليد العاملة في القطاع الفلاحي، بالتالي سيتقلص دخلها اليومي، والحال أنها تواجه العديد من العقبات أهمها عدم توفر وسائل نقل آمنة وتدني الأجر، ومعضلة الوسطاء

تبعات وخيمة على الزراعة

تتسارع وتيرة التغير المناخي في تونس بمعدل قياسي فاق المتوقع، فتهاوت على إثره معدلات المياه في السدود، وارتفعت نسبة الحرائق في الغابات والمساحات الزراعية، كما تدنى إنتاج الخضروات والغلال والأعلاف إلى مستويات قياسية باتت تهدد الأمن الغذائي التونسي.

ويعاني المزارعون من تبعات هذه التغيرات التي ألحقت ضرراً بالغاً بمحاصيلهم وتسببت لهم بخسائر فادحة، اضطرت البعض منهم إلى مطالبة الحكومة بتعويضات مادية تمكّنهم من الاستمرار في نشاطهم الزراعي.

وقد بيّن أنيس خرباش نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بأن إنتاج الحبوب لهذا الموسم لن يتجاوز 2.5 مليون قنطار، واصفاً إياه بأنه "كارثي" بسبب جائحة الجفاف التي اجتاحت البلاد.

وضمن هذا السياق تشير الخبيرة في التنمية الجهوية والمحلية إكرام بن يزة إلى أن تأثير التغير المناخي على الفلاحة يتجلى من خلال العديد من المظاهر، أبرزها انخفاض الموارد المائية بالنسبة للقطاع الزراعي الذي يعاني أساساً من نقص الموارد، علاوة على ارتفاع درجات الحرارة وانحباس الأمطار مما يتسبب في جفاف التربة.

كما لفتت إلى أن طول فترات الجفاف التي تتبعها أمطار وفيضانات تتسبب في تلف المحاصيل وتؤدي إلى خسائر كبيرة للمزارعين، كذلك التوزيع غير المنتظم للأمطار يعسر عليهم تحديد الوقت المناسب لزراعة المحصول، فيضطرون للاعتماد على الري الصناعي وهي طريقة غير متاحة لجميع الفلاحين، كما أنها تقنية مكلفة جداً.

وتشير بن يزة في حديثها لرصيف22 إلى أنها أنجزت بالشراكة مع زملائها العديد من الدراسات الاجتماعية والاقتصادية حول الفئات الهشة خاصة المرأة في الوسط الريفي، ولاحظت أن المزارعة لم تحظى بدراسات تقيّم مدى تأثير التغيرات المناخية على مجالها، فاقتصرت المشاريع والدراسات والبرامج على تأثير التغيرات المناخية على سلسة القيمة الغذائية.

العمل على موضوع التغيرات المناخية يجب أن لا يكون من منطلق بيئي فقط، بل كذلك من جانب اقتصادي واجتماعي.

وشددت المتحدثة على أن التغيرات المناخية ستنعكس مباشرة على الفئات الهشة من بينها المرأة الفلاحة التي تمثل 70% من اليد العاملة في القطاع الفلاحي، بالتالي سيتقلص دخلها اليومي، والحال أنها تواجه العديد من العقبات أهمها عدم توفر وسائل نقل آمنة وتدني الأجر، ومعضلة الوسطاء الذين يشترون اليد العاملة بأبخس الأثمان ويساهمون بصفة مباشرة في مزيد من تهميش الوضعية الاقتصادية للمرأة الفلاحة.


وأضافت الخبيرة: "أثرت التغيرات المناخية على الفلاحات بشكل مباشر بسبب الجفاف، وكذلك بشكل غير مباشر نتيجة تأثر المواد الأولية بالتغيرات المناخية، مثل الحَلفاء التي تستعمل في الصناعات التقليدية. وقد عاينّا فقدان العديد من النسوة في الوسط الريفي لموارد رزقهن، كما فقدت قرابة 4 آلاف امرأة تعمل في مجال جمع المحار عملهن بسبب إغلاق مواسم الصيد لسنوات متتالية، وتأثُر صدف المحار بارتفاع درجات الحرارة مما تسبب في تفتته".

واعتبرت إكرام أن العمل على موضوع التغيرات المناخية يجب أن لا يكون من منطلق بيئي فقط، بل كذلك من جانب اقتصادي واجتماعي، مشددة على ضرورة بلورة دراسات وأبحاث ومشاريع وبرامج تنموية من قبل الدولة لتمكين المرأة في الوسط الريفي اقتصادياً، وتعزيز قدراتها وتطوير مهاراتها، بما يخول لها دخول سوق الشغل في القطاع الفلاحي والقطاعات الأخرى.

كما شددت على أن المشاريع التنموية من شانها أن تعزز حظوظ المرأة في الوسط الريفي، لتتمكن من التخصص في ميادين أخرى وتالياً إنشاء مشاريع خاصة بها.

أهمية التمكين الاقتصادي للمرأة

أطلقت تونس بداية السنة الجارية خطة وطنية لحماية النساء من تأثيرات التغيرات المناخية، من خلال تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة في الوسط الريفي، علما بأن النساء يمثلن 50% من السكان و70% من اليد العاملة في القطاع الفلاحي. كما رصدت مبالغ مالية لفائدة أمهات الأطفال المهددين بالانقطاع عن الدراسة. وتسعى العديد من الجمعيات إلى معاضدة مجهودات الدولة في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة لمواجهة تبعات التغيرات المناخية.

وقد أفادت تقوى زايدي وهي مهندسة كيمياء تحويلية ومديرة برنامج "المناخ يتكلم" في القيروان، الذي يعنى بتنمية قدرة المواطنين على التأقلم مع التغيرات المناخية، بأن البرنامج قام بدراسة سوسيولوجية بالشراكة مع المعهد التونسي لدراسات السلام والصراع، بخصوص التغير المناخي وتأثيره على المواطنين، فتبين أن المرأة تتأثر بنسبة أكثر بكثير من الرجل، خاصة الفتيات والشابات، مبينة أن هذه التأثيرات تطال الجانب المادي والصحي والنفسي للمرأة، وليس فقط المرأة الفلاحة أو صاحبة المشاريع، بل كل النساء يتأثرن بتبعات التغيرات المناخية حتى ربات البيوت.

ولفتت الزايدي في حديثها لرصيف22 إلى أن البرنامج يشتغل على جملة من الحلول للتمكين الاقتصادي للمرأة، بهدف مساعدتها مادياً على تطوير وإنجاح مشاريعها التي تتلاءم والحفاظ على البيئة، وبالتالي يتم تقليص نسب البطالة في صفوف الشباب، وتشجيع المشاريع التي تتماشى مع الحلول المتعلقة بالحد والتقليص من تداعيات التغيرات المناخية.

رغم العراقيل والصعوبات المادية لم تستلم هدى لليأس، بل أصرت على المضي قدماً في تحقيق حلمها، لكن في المقابل اضطر العديد من المزارعين إلى التخلي عن مشاريعهم الصغيرة والهجرة نحو المدن، بحثاً عن لقمة عيش غير مهددة بشبح الجفاف


وتبيّن المتحدثة أن التمكين الاقتصادي للمرأة حل من حلول مجابهة التغير المناخي وتداعياته على جميع القطاعات خاصة الفلاحي، لافتة إلى أنه حل لا يهم فقط الدولة أو المجتمع المدني بل هو مسؤولية جماعية، كما لفتت إلى أن نسبة كبيرة من المواطنين غير واعين بمعضلة التغير المناخي على الرغم من معايشتهم لأزمة المياه وانقطاعها المتتالي، إلا أنهم يعتبرون ذلك مسؤولية الدولة فقط، بالتالي يعمل برنامج "المناخ يتكلم" على تكثيف الحملات التوعوية لتبسيط المفاهيم الصعبة، بهدف تمكين المواطن من استيعابها واكتساب خبرة في هذا المجال.

وشددت الزايدي على أن الحلول الجذرية للتغير المناخي تكون على المدى الطويل، خاصة أنها لا تعنى بتونس فقط بل هي إشكال عالمي، بالتالي ما من حل سوى التأقلم والتعايش معها، وتشجيع الأفكار التي تحد من تبعات التغيرات المناخية لتجسيدها على أرض الواقع.

الجدير بالذكر أن ثلث نساء العالم مزارعات، وقد أثبتن جدارتهن في العديد من الدول بالتكيف مع التغيرات المناخية التي زادت من متاعبهن، الشيء الذي دفع بالحكومات والمنظمات إلى تباحث حلول كفيلة بمساعدتهن على تخطي هذه التحديات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image