لا تزال المرأة الإفريقية تنتظر ما ستسفر عنه مخرجات مؤتمر المناخ الذي عُقدت دورته السابعة والعشرون في مصر في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، وترجمة السياسات والمبادرات إلى أفعال تمكّنها من مواجهة التغيرات المناخية التي تهدد حياتها وأمنها الغذائي والاقتصادي، في الوقت الذي تعاني فيه من غياب المساواة وارتفاع معدلات البطالة، إذ أظهر تقرير مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2022، أن منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، سجّلت ثاني أكبر فجوة بين الجنسين في العالم، وهو ما يتطلب 115 سنةً لسدّها، وجاءت معظم الدول العربية والإفريقية في المراكز الأخيرة في التصنيف.
وتُعدّ إفريقيا أكثر عرضةً للتغيرات المناخية وتأثيراتها على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي وموارد المياه والأرواح والتنمية المستدامة، وتكشف دراسات حديثة أن 21% من سكان القارة يعانون من سوء التغذية نتيجة تفاقم مشكلة الأمن الغذائي جراء التغيرات المناخية، وبحلول عام 2075 فإن الإنتاج الغذائي في القارة سيصبح كافياً لإطعام 1.35 مليار نسمة فقط من بين 3.5 مليارات نسمة. وبحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة فإن نحو 22 مليون شخص على الأقل في القرن الإفريقي مهددون بالمجاعة.
لا تزال المرأة الإفريقية تنتظر ما ستسفر عنه مخرجات مؤتمر المناخ وترجمة السياسات والمبادرات إلى أفعال.
المرأة الإفريقية على أجندة مؤتمر المناخ
وكانت التغييرات المناخية والمرأة الإفريقية على أجندة الدورة الأخيرة من مؤتمر المناخ (COP27)، إذ شهد يوم المرأة إطلاق مبادرة أولويات التكيف مع المناخ للمرأة الإفريقية، بهدف تعزيز مشاركة المرأة في الحوكمة البيئية، والانتقال العادل إلى الاقتصاد الأخضر وتحقيق التنمية المستدامة، وكسر الحواجز أمام النساء وحصولهن على تعليم أفضل، وتسليط الضوء على النماذج الناجحة.
كما أطلقت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد، مبادرة "حياة كريمة لإفريقيا صامدة أمام التغيرات المناخية"، وتستهدف تحسين جودة الحياة في 30% من القرى والمناطق الريفية الأكثر ضعفاً وفقراً في القارة الإفريقية بحلول عام 2030، بطريقة تتلاءم مع التغيرات المناخية التي تواجهها، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات منها "نورة" و"دوّي"، لتمكين الفتيات من مواجهة التأثيرات السلبية للتغير المناخي، وإشراكهن في صنع القرار في القضايا البيئية.
وأوصى المجلس القومي للمرأة في جلسة "العلاقة بين القطاع الخاص والمرأة وتغير المناخ"، خلال "اليوم الرئاسي للمرأة"، ضمن القمة، بالدمج العادل بين الجنسين، وإشراك المرأة في معالجة الصعوبات الناجمة عن أزمة المناخ، وقيام الحكومات الإفريقية والمجتمع المدني وصانعي السياسات بالاستثمار في بناء القدرات والمهارات وتعليم النساء وتعزيز الوعي لديهن، وتوجيه المزيد من تمويل تغيّر المناخ إلى المرأة ووضعها في مركز التخطيط والمواجهة، داعياً إلى استغلال الفرص الجديدة للنساء في سوق العمل، وتمكينهنّ من قيادة العمل المناخي للقطاع الخاص.
وتؤكد الدكتورة شيماء القصاص، المنسقة العامة لتحالف القوى المدنية من أجل المناخ وإحدى ضيوف COP27، أن المرأة الإفريقية لم تغب عن أوراق المشاركين في المؤتمر، عادّةً أن دعم قضية النوع الاجتماعي والمناخ بمثابة واجب على الجميع.
وتوضح القصاص لرصيف22، أن مبادرة "أولويات المرأة الإفريقية للتكيف مع تغير المناخ" تهدف إلى رفع كفاءة المرأة الإفريقية في مجال التكيف مع التغيرات المناخية ودعم مشاركتها في التحول إلى الاقتصاد الأخضر، مضيفةً أن مؤتمر المناخ أوصى بدمج المرأة في العملية التعليمية، وفي مجال العلوم ومؤتمرات المناخ ورئاسة مؤتمرات المناخ، بجانب الاهتمام بصحة المرأة وتغذيتها لا سيما في المناطق الأكثر فقراً وهشاشةً، خاصةً في قارة إفريقيا. وتشير إلى أن الإعلان عن الخطوات الفعلية لهذه المبادرة سيكون خلال الأشهر المقبلة.
تعويضات للمجتمعات المتضررة
من جهتها، ترى الباحثة في مؤسسة "قضايا المرأة المصرية"، إلهام عيداروس، أن أهم ما أسفر عنه مؤتمر المناخ في حق المرأة بصفتها الأكثر تأثراً في المجتمعات المتضررة من التغيرات المناخية، هو ما تم إقراره بشأن التعويض عن الخسائر والأضرار، والذي سبق أن نصت عليه اتفاقية باريس من دون أن تحدد تفاصيله، إذ يُفترض بالدول المتقدمة منح تعويضات للدول النامية عن التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية وتغيير أنماط الإنتاج للتكيف معها، وهو ما أقرّه كوب27 بدفعٍ من الدول النامية، لكنه لم يحدد الآليات التنفيذية للقرار وتدشين الصندوق وتحديد الهيئة المسؤولة عن ذلك، متوقعةً أن يتم ذلك خلال الدورات القادمة.
وتضيف عيداروس لرصيف22: "نرجو أيضاً أن تُدمج النساء في قطاعات الطاقة والتعدين والنقل والمواصلات التي يسيطر عليها الذكور، للتحول إلى استخدام الطاقة النظيفة والتخفيف من الانبعاثات الضارة والتكيف مع التغيرات المناخية، وذلك عبر مبادرات منها ‘اتحضر للأخضر’، التي أطلقتها وزارة البيئة للتوعية بأهمية التشجير وإعادة تدوير المخلفات وترشيد استهلاك الغذاء والطاقة، والحد من استخدام البلاستيك، والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية".
النساء معرّضات أكثر من بقية فئات المجتمع لآثار التغيرات المناخية وأضرارها، كزيادة الفقر، والشح المائي الذي يؤثر على الزراعة والأمن الغذائي، وارتفاع الحرارة الذي يؤثر على زراعة محاصيل بعينها، ويسبب الجفاف، وتزداد بسببه فرص الفيضانات التي تؤثر على البنية التحتية
وفي ورقة بحثية لها بعنوان "النساء وتغير المناخ في مصر"، أوصت عيداروس بسنّ التشريعات الكفيلة بتفعيل الاستحقاقات الدستورية المعطلة المتعلقة بمكافحة التمييز (مادة 53 من الدستور والمادة 236 )، وتعزيز المشاركة الشعبية للنساء من خلال إطلاق الحريات العامة وحريات التعبير، وتعميم التجارب والمشروعات الناجحة، وإشراك النساء في القطاعات والأنشطة الاقتصادية كالصناعة والطاقة والنقل والبناء والتشييد، وتمكين المرأة الريفية، والقضاء على التمييز والإقصاء ضدها في قوانين العمل والتأمين الاجتماعي والصحة، وتعزيز ملكيتها للأصول والأراضي الزراعية والسكن.
مخرجات مؤتمر المناخ
وتؤكد الناشطة المصرية آيات عثمان، وهي مؤسسة حركة "جنوبية حرة"، وحملة "شريكات في الكوكب"، الهادفة إلى إدراج منظور النوع الاجتماعي في سياسات الدولة المتعلقة بالمناخ وتوعية المجتمعات جنوب مصر بشكل خاص بشأن تأثيرات التغيرات المناخية على النساء، أن النساء هن الفئة الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية التي تؤثر بالفعل على مصر، فهي كانت المسبب الأول لسيول صعيد مصر والنوبة، ولم يهتم أحد باحتياجات النساء خلال تلك الكارثة.
وتضيف آيات لرصيف22: "نحن ننتظر أن نرى ما ستسفر عنه مخرجات مؤتمر المناخ، وهناك بوادر، منها التوجه نحو العدالة في النصوص القانونية المتعلقة بالمناخ والأسرة، وتعزيز تمكين النساء والتوعية بخطر التغيرات المناخية"، وتشير إلى ضرورة الاهتمام بأوضاع الفلاحات والسعي إلى تمليكهن أراضي، وتأسيس تمويل بيئي يهدف إلى تمكين النساء اقتصادياً، مؤكدةً أن التغيرات المناخية تتسبب في زيادة العنف الجسدي والجنسي ضد المرأة، وحرمانها من التعليم، والوصول إلى وسائل العناية الشخصية كالفوط الصحية، وتعرضها للاغتصاب والاتجار بالبشر في حالات النزوح.
ولمجدي عبد الفتاح، وهو المتحدث باسم مبادرة "عالم بالألوان" التي تسعى إلى تحقيق العدالة المناخية، رأي آخر، إذ يشير إلى أن مؤتمر المناخ لم يتناول هذه العدالة تحديداً بالقدر الكافي، كما أن إقرار صندوق التعويضات لم يتم الإعلان عنه بشكل دقيق كحجم التعويضات وطريقة الإصلاح، وكان الاعتراف بخسائر إفريقيا من التغيرات المناخية جزئياً غير ملموس، عادّاً أن المرأة كانت غائبةً عن المؤتمر ولم تتمكن من طرح أجندتها ورؤيتها لتغيرات المناخ والتكيف معها.
أهم ما أسفر عنه مؤتمر المناخ في حق المرأة بصفتها الأكثر تأثراً في المجتمعات المتضررة من التغيرات المناخية، هو ما تم إقراره بشأن التعويض عن الخسائر والأضرار، لكنه لم يحدد الآليات التنفيذية للقرار وتدشين الصندوق وتحديد الهيئة المسؤولة عن ذلك، متوقعةً أن يتم ذلك خلال الدورات القادمة
الأكثر عرضةً للخطر عند الكوارث الطبيعية
تؤكد الناشطة في مجالي البيئة وحقوق المرأة، ميرهان فؤاد، وهي مؤسسة حركة "نسويات من أجل المناخ"، أن النساء، خاصةً في الدول الفقيرة، معرّضات أكثر من بقية فئات المجتمع لآثار التغيرات المناخية وأضرارها، كزيادة الفقر، والشح المائي الذي يؤثر على الزراعة والأمن الغذائي، وارتفاع الحرارة الذي يؤثر على زراعة محاصيل بعينها، ويسبب الجفاف، وتزداد بسببه فرص الفيضانات التي تؤثر على البنية التحتية.
وتوضح ميرهان أن النساء في إفريقيا يمتهنّ الزراعة بشكل أكبر، وتالياً لن يستطعن تأمين احتياجات أسرهن الأساسية، وسيصبحن معرضات لفقدان حيواتهن خلال الكوارث والفيضانات، وسيجعل الفقر الأسرة تختار تعليم أبنائها الذكور دون الإناث.
بينما توضح مي صالح، الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي في مؤسسة "المرأة الجديدة"، أن ارتفاع نسب الفقر والبطالة بين النساء وقلة وصولهن إلى الموارد وحيازتهن الأراضي، تجعلهن الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، وتُعدّ النساء المعيلات والعاملات غير المنتظمات منهن والعاملات في الصيد والزراعة والألبان والمسنّات وذوات الإعاقة، الأكثر تضرراً وعرضةً لخطر الكوارث الطبيعية.
وتشير الباحثة إلى كون النساء هن الأكثر استخداماً للمياه في أغراض الطهي والنظافة، لذا هنّ الأكثر تضرراً من نقص الموارد المائية والجفاف، ويتحملن عبء نقل المياه داخل القرى والأماكن النائية، ويؤثر ارتفاع درجات الحرارة على خصوبة النساء ومعدلات الإجهاض والرضاعة الطبيعية ووفيات الأطفال الرُضّع، وانتشار الحشرات والأمراض يزيد من عبء الرعاية الصحية الذي تتحمله الأمهات.
كل ذلك يؤكد أهمية استمرار النقاشات بشأن أوضاع النساء في ظل التغيرات المناخية، وألا تقتصر على أيام المؤتمرات ذات الصلة، مثل قمة المناخ الأخيرة، إلى جانب تفعيل حقيقي لمخرجات هذه النقاشات بما يصب في مصلحة النساء الأكثر ضعفاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...