بيت المقدس أو القدس، مدينة تقع عند سفح جبال الخليل، وهي من أقدم المدن في العالم، وواحدة من المدن الأربع المقدسة عند اليهود، وأقدس مدينة عند المسيحيين، وثالث أقدس مدينة لدى المسلمين، بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما تُعدّ أول قبلة لهم.
يعود تاريخ هذه المدينة إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، حيث جعلها النبي داوود عاصمةً لمملكته، بعدما أخذها من اليبوسيين، وهم قبيلة كنعانية تسكن الجبال المحيطة بالقدس، كما بنى فيها النبي سليمان معبداً كبيراً، زاد من مجدها وأهميتها.
استولى البابليون على هذه المدينة عام 586 قبل الميلاد، وبعدما سقطت الحضارة البابلية، دُمّرت القدس على يد الإمبراطور الروماني تيتوس، وحوّلها الرومان إلى مكان لتجميع الأصنام. لكن مع اعتناق الإمبراطور الروماني قسطنطين المسيحية، ازدهرت المدينة مرةً أخرى، إذ قامت والدة الإمبراطور بإنشاء وترميم العديد من المباني المقدسة فيها.
جاء وصف "بسيك" عن مدينة القدس في كتاب "حدود العالم" لمؤلف غير معروف، ويُعدّ هذا النص أقدم نص فارسي عن جغرافيا المنطقة، ويعود إلى نهاية القرن العاشر الميلادي
وفي سنة 636 م، فتحها المسلمون، وبسبب صلتها بقضية معراج النبي محمد لم يوقعوا فيها الضرر، ولكن بعد ذلك نشبت الحروب الصليبية بين المسلمين والنصارى، وتبادلوا القدس في ما بينهم لسنوات عديدة في الحروب التي نشبت بينهم فيها وحولها، وأخيراً استعادها "صلاح الدين الأيوبي" من النصارى، وأصبحت كلها تحت سيطرة المسلمين، وساد السلام فيها طوال تلك الفترة.
سنتعرف هنا، على القدس بعيون الحجاج الإيرانيين، الذين مروا بها، وهم في طريقهم لزيارة مكة وأداء مناسك الحج.
الحجاج الإيرانيون في القدس
جاء وصف "بسيك" عن مدينة القدس في كتاب "حدود العالم" لمؤلف غير معروف، ويُعدّ هذا النص أقدم نص فارسي عن جغرافيا المنطقة، ويعود إلى نهاية القرن العاشر الميلادي. جاء فيه: "بيت المقدس مدينة مبنية على جبل، وليس فيها ماء جارٍ، كما يوجد فيها مسجد، يأتي المسلمون لزيارته من كل مكان".
بعد نحو قرن، وفي عام 1045، زار الشاعر والرحالة الإيراني ناصر خسرو المدينة، وقدّم وصفاً تفصيلياً لها، تناول فيه جميع أماكن المدينة تقريباً، على النحو التالي:
"بيت المقدس أو كما يطلق عليها أهل الشام، القدس، تحيط بها أسوار الحصن، المصنوعة من الحجر والجبس وبوابات حديدية، ولا توجد أشجار بالقرب منها، كما بُنيت المدينة على سفيح الحجر، وهي مدينة كبيرة فيها أكثر من عشرين ألف رجل، لها أسواق جيدة وأبنيتها عظيمة وجميلة، وطرقاتها مفروشة بالحجارة، وقد جعلوا في كل جبل أو تل قنوات تجري منها مياه الأمطار تفادياً لتجمعها. وفي الجانب الآخر للمدينة يوجد سهل تقع فيه مقبرة عظيمة، يصلّي فيها الناس ويقضون حوائجهم، وفي ذلك السهل وادٍ كبير يشبه الخندق، إذ تكون فيه مبانٍ كبيرة على طراز القدماء وفوقها قبب منحوتة ومنقوشة، ولا يوجد في بيت المقدس مستشفى، كما فيه موقوفات كثيرة".
في عام 1517، سيطر العثمانيون على القدس وظلت تحت سيطرتهم حتى عام 1917. وفي عهد السلطان سليمان أحد أقوى الملوك العثمانيين، تم ترميم العديد من المباني فيها، وحالها في ذلك من حال المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الدولة العثمانية، كما عاشت جميع الأديان فيها بسلام.
بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، زار المزيد من الحجاج الإيرانيين المدينة وكتبوا أوصافها في كتبهم عن رحلاتهم، فوصفها الأمير القاجاري فرهاد ميرزا، الذي زارها في عام 1875، وعدّ تل أبيب جزءاً من القدس: "يافا (تل أبيب) هي ميناء القدس، ميناء جميل يقع على قمة التل، وفيها حديقة جيدة وجميلة. للدخول إلى هذه المدينة عليك العبور من بوابة ليمان، وتوجد آثار وعلامات حجرية في وسط البحر، وقد تبيّن أن هذه الآثار القديمة كانت جزءاً من هذا المكان، إذ غرقت تدريجياً بعدما ارتفع مستوى مياه البحر".
بعد أكثر من عشرين عاماً على مرور الأمير القاجاري من القدس، كتب "جلال الدين إبراهيم" في عام 1896، عن أهمية المسجد الأقصى الذي يُعدّ أول قبلة للمسلمين، هكذا: "قبل نزول هذه الآية الكريمة (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، كان المسلمون يتخذون بيت المقدس قبلةً لهم، وبعد نزول تلك الآية أصبحت وجهة القبلة كعبة الله. داخل المسجد الأقصى محرابان واحد يظهر القبلة السابقة، والآخر يتجه نحو مكة، القبلة الحالية. بعد دخولي المسجد أفطرت وأدّيت صلاة المغرب، وقمت بزيارة الصخرة الشريفة ومسجدها الذي كان مقصدي الرئيس".
يصف "الحاج محمد تقي جورابشي"، الذي مرّ بالقدس في طريق عودته إلى إيران عام 1906، المسجد الأقصى وقبة الصخرة، فيكتب: "دخلنا القدس ليلاً، وذهبنا إلى المسجد الأقصى ومكثنا في بيت ضيافة بالقرب منه. في اليوم التالي كانت الأسواق مغلقةً احتجاجاً على إعدام رجلين عربيين، كما أغلق اليهود متاجرهم أيضاً. ذهبنا إلى المسجد المغطى الذي يقع في الجهة الجنوبية من الجامع الكبير، والباب الذي دخلنا منه كان يقع في الجهة الغربية من الجامع. في المسجد العديد من المحاريب والأضرحة، كما فيه ثلاثة محاريب الأول للإمام الحسن والثاني للإمام الحسين والثالث للإمام الشافعي، وكان على الجانب الأيمن لكل محراب منبر، وكان المكان المخصص للنساء عبارةً عن غرفة في الجانب الأيسر من المسجد، وفيها مصلى حمزة، وفي ما يلي مكان تغيير القبلة وموقع النبيين زكريا ويحيى. وكان في الجانب الذي دخلنا إليه مساحة كبيرة مرتفعة عن الأرض، في وسطها صخرة، ويوجد تحت الصخرة كهف عليك النزول بضع درجات على السلم حتى تستطيع زيارة مصلى الرسول محمد الذي يقع فيه مقاما النبيَين سليمان وداود، وفي أعلى الصخرة تلك يوجد مقام الرسول محمد".
وصف الأمير القاجاري فرهاد ميرزا القدس الذي زارها في عام 1875، وعدّ تل أبيب جزءاً من القدس: "يافا (تل أبيب) هي ميناء القدس، ميناء جميل يقع على قمة التل، وفيها حديقة جيدة وجميلة"
وعن تفاصيل الصخرة، يقول:" حول الصخرة سور حديدي، وحول السور الحديدي مساحة، وفوق الصخرة قبة، يبلغ طول الصخرة نفسها 57 قدماً، وعرضها 43 قدماً، وارتفاعها عن الأرض 6 أقدام، ويقال إن النبي صعد إلى المعراج من هذه الصخرة. وفي الجهة الغربية للمسجد يوجد مكان يُسمّى البراق، إذ فيه جدار يُعرف بجدار البكاء. يجتمع اليهود هناك طوال أيام الأسبوع وفي الغالب يوم السبت، يبكون ويقرأون التوراة ويصلّون".
ويصف قبر النبي إبراهيم: "بالسيارة ذهبنا من القدس إلى الخليل، وعند وصولنا نزلنا من السيارة ودخلنا القلعة بإرشاد شخص قال إن النبي سليمان قد بنى هذه القلعة، التي لها جدران عالية جداً، وبعد دخول القلعة توجهنا أولاً لزيارة مقابر إبراهيم وزوجته سارة، إذ كانت على الجانب الآخر قبور الأنبياء إسحاق وزوجته، ويعقوب وزوجته، ويوسف، ويقال إن سبعين نبياً مدفونون تحت ذلك المسجد الكبير".
منذ عام 1917، شهدت القدس صراعات كثيرةً، إذ كانت هذه المدينة تحت الحماية البريطانية من عام 1917 إلى عام 1948، ومنذ ذلك الحين حتى عام 1967 أصبحت الضفة الغربية منها تحت سيطرة إسرائيل، والضفة الشرقية تحت سيطرة الأردن. وبعد الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967، خضعت كاملةً لسيطرة إسرائيل حتى الآن.
وفي عام 1980، ضمت إسرائيل بشكل رسمي القدس الشرقية، التي أغلب سكانها من الفلسطينيين، لكن المجتمع الدولي لم يعترف بهذه الخطوة الإسرائيلية. هذه الصراعات جعلت من القدس المدينة الأكثر إثارةً للجدل في العالم، إذ نشبت حولها واحدة من الأزمات الكبرى في الشرق الأوسط منذ عقود.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون