في صيف العام 2013 وصف الأكاديمي الأمريكي توماس كاروثرز، المدير المشارك لبرنامج الديمقراطية بمؤسسة كارنيغي للسلام، النخب السياسية المصرية - خصوصاً المعارضة منها- بأنهم "يتمركزون في القاهرة، ولا يكلفون أنفسهم عناء تكريس الوقت والطاقة الضروريين لبناء قواعد شعبية وشبكات حزبية مستدامة"، ورغم موافقة كثير من المحللين السياسيين، المحليين والغربيين المتابعين للشان المصري، على هذا الوصف؛ إلا أن طرفي السياسة في مصر "تأييد ومعارضة" يرفضون هذه الاتهامات.
تظهر السلطات المصرية نفسها كارت انفصال الأحزاب عن الشارع وعدم قدرتها على التاثير والحشد كلما احتلت أحزاب الموالاة مقاعد الانتخابات النيابية والمحلية - لم تجر انتخابات محليات في مصر منذ ثورة 25 يناير-.
والآن بينما تستعد مصر لانتخابات رئاسية، لم تقدم الأحزاب حتى الآن مرشحاً جاداً ويطرح السؤال الحرج من جديد: هل تقدر أحزاب المعارضة على انتهاز فرصة الغضب الشعبي من الاوضاع الاقتصادية والسياسية الداخلية وتحشد لمرشحيها للفوز بتلك الانتخابات أو التأثير الجاد في نتيجتها؟
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وقرب انفضاض الحوار الوطني لا يزال المجال العام مغلقاً وطلبات الأحزاب السياسية لعقد اللقاءات الجماهيرية لطرح برامجها ومناقشة الأوضاع السياسية؛ تواجه برفض من الأجهزة الأمنية تحت لافتات أسباب مختلفة، فمن المُلام على ضعف الأحزاب؟
المصريون محبطون من السياسة
بلغة الأرقام يوجد 87 حزباً سياسياً في مصر وفقاً لما تقوله الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية)، إلا أن اللغة ذاتها تؤيد ما يقوله المحلل الأمريكي عن النخب المصرية إذ تشير دراسة للباحثة المصرية أمل حسن أحمد إلى أن النسبة الأكبر من المصريين "لا يعرفون شيئاً عن الأحزاب السياسية"، وهو ما يتوافق مع ما يقوله استطلاع لمؤشر "الباروميتر العربي" الذي يؤكد أن العرب ومن بينهم المصريين "مُحبطون من السياسة"، وأن 3% فقط ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم وقعوا على استمارات للانضمام لأحزاب سياسية، كما أن نسبة ثقة الناس في الأحزاب المصرية لم تتعد 21% وفق نفس المؤشر.
اتهامات معلبة
تفند الأحزاب الموالية للسلطة في مصر هذه الاتهامات وتراها "اتهامات معلبة، على حد قول البرلماني السابق ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل، وهو من أحزاب الموالات منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي يقول لـرصيف22 إن "من يقول مثل هذه الاتهامات لا يعرف طبيعة عمل الأحزاب السياسية في مصر".
بلغة الأرقام يوجد 87 حزباً سياسياً في مصر وفقاً لما تقوله الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية)، ولكن تشير دراسة للباحثة المصرية أمل حسن أحمد إلى أن النسبة الأكبر من المصريين "لا يعرفون شيئاً عن الأحزاب السياسية"
الشهابي يرى أن الأحزاب السياسية "ليست جمعيات خيرية مطلوب منها التواجد في وسط الناس 24 ساعة في اليوم وتقدم لهم الزيت والسكر، لكنها مؤسسات سياسية لها برامج وتعلن موقفها من السياسات الحكومية أو سياسات الرئيس".
ويقول إن لجان حزبه تعمل بشكل مستمر في المحافظات وتدرس القضايا التي تواجه المواطنين، رافضاً القول بانفضاض الناس عن الانضمام للأحزاب إذ أن حزبه "يتلقى عضويات جديدة كل يوم، لكن الإعلام هو الذي يتعمد عدم تسليط الضوء على مثل هذه الأنشطة"، على حد وصفه.
ولم يعلن حزب الجيل الذي اسسه ويرأسه الشهابي أية بيانات متعلقة بعضويات الحزب أو لجانه حتى خلال انتخاباته الداخلية منذ العام 2010، كما أنه لا توجد أخبار أو بيانات رسمية يمكن الرجوع إليها بشأن انتخابات الحزب وعدد أعضائه ومعدل نموها خلال العقد المنقضي.
واستدرك رئيس حزب الجيل الذي يحتل أيضاً منصب "المنسق العام للأحزاب السياسية المصرية" قائلاً، إن "التوسع في المشاركة السياسية يحتاج لبيئة سياسية أفضل من الوقت الحالي، تسمح بعقد المؤتمرات واللقاءات الجماهيرية".
إلا أنه يصر رغم ذلك على أن "الأداء الحزبي الحالي جيد، والدليل هو تفاعل الأحزاب مع اجتماعات الحوار الوطني التي دعها لها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي"، إذ أن حزبه شارك في جميع جلساته وقدم رؤيته في كل القضايا التي تم مناقشتها.
رئيس المركز الإعلامي بحزب المحافظين: الأحزاب السياسية لديها خطاب نخبوي وآخر شعبوي، لكن تضييق المجال العام هو السبب الرئيسي في تراجع الحضور الحزبي في الشارع المصري، والكثير من الأحزاب لا تستطيع تنفيذ فعاليات في الشارع
اعتراف بالضعف
أحمد حنيتش، رئيس المركز الإعلامي بحزب المحافظين الذي أعلن مؤخراً تجميد مشاركته في الحوار الوطني، يتفق مع الشهابي في أن الأحزاب المصرية "ليست نخبوية"، لكنه يعارضه في نفيه قدرة الأحزاب المصرية على جذب الناس إليها مقراً بضعف الاحزاب في هذا المضمار، مرجعاً ذلك إلى عدم توافر البيئة السياسية التي تشجع الناس على الانضمام للأحزاب.
يقول حنيتش لـرصيف22؛ إن الأحزاب السياسية - ومن بينها حزبه "المحافظين"- "لديها خطاب نخبوي وآخر شعبوي، لكن تضييق المجال العام هو السبب الرئيسي في تراجع الحضور الحزبي في الشارع المصري"، مشيراً إلى أن كثير من الأحزاب لا تستطيع تنفيذ فعاليات في الشارع، مستشهداً بتصريحات لرئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران الذي أكد أن حزبه مُنع من تنظيم مؤتمرات جماهيرية أكثر من مرة.
ويشير حنيتش إلى أن حزب المحافظين أطلق مؤخراً مبادرة لتوحيد الرؤى الحزبية المعارضة خلف "المرشح الأوفر حظاً"، حتى لا يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، شخصان من نفس التيار، وهو ما سيفتت الأصوات، ويجعل هذه الفئة تظهر مهلهلة وضعيفة.
وحول الانتقادات التي طالت حزبهم مؤخراً بعد عقد اجتماع حزبي حضره قادة الحركة المدنية المصرية في الساحل الشمالي، وظهور بعض القادة بملابس صيفية، أكد أنه لا يعارض الانتقادات، لكن بشرط ألا تكون موجهة، خصوصاً وأن الاجتماع طرح خلاله بعض النقاط المتعلقة بالتحضير للانتخابات الرئاسية، ومن بينهما تشكيل فريق رئاسي، أو التوافق حول مرشح واحد، وما زالت كلها في طور النقاش.
كثير من المصريين في الفترة الأخيرة اعتزل العمل السياسي إيمانا بمبدأ البعد عن وجع الدماغ. خصوصاً وأن العمل السياسي ليس سهلا كما يظنه البعض بل يحتاج للوقت والجهد والمال
لا يوجد أحزاب "مؤسسية" في مصر
ورغم رفض الانتقادات يقر حنتيش بأنه "لا يوجد حزب مؤسسي في مصر حالياً. وهذا الواقع قائم منذ ثورة يوليو 1952 حينما أقدمت السلطة الجديدة وقتها على حل الأحزاب السياسية، ومن يومها لم تشهد مصر تجربة حزبية يمكن أن يشار إليها أو اتخاذها نموذجاً"، مؤكداً أنه رغم ذلك، يوجد تجارب حزبية يمكن البناء عليها للوصول تدريجياً إلى أحزاب سياسية تكون قادرة في قابل الأيام على تقديم نفسها بشكل أكثر وضوحاً وبمفاهيم سياسية وأفكار واضحة.
ويشير إلى أن عدم توافر البيئة السياسية اللازمة للعمل السياسي "يحول الأحزاب لظواهر سياسية تكون مرتبطة بحدث ما أو شخص ما، وبمجرد انتهاء الأمر تختفي الأحزاب"، مؤكداً أن "كثير من المصريين في الفترة الأخيرة اعتزل العمل السياسي إيمانا بمبدأ البعد عن وجع الدماغ. خصوصاً وأن العمل السياسي ليس سهلا كما يظنه البعض بل يحتاج للوقت والجهد والمال، لأنه ليس كل من ينخرط في عمل حزبي يستفيد على المستوى الشخصي من هذا العمل بل أحياناً يتضرر".
المحلل السياسي مختار الغباشي: أكبر دليل على واقع الأداء الحزبي في مصر وانفصاله عن الشارع المصري هو ما يحدث حالياً في حزب الوفد الذي أعلن اثنين منه نيتهم للترشح للانتخابات الرئاسية، فحتى الأحزاب القديمة التي ارتبطت في ذاكرة المصريين بتواجدها في أحداث فاصلة لم تعد لها أي قواعد شعبية وفقدت صلاتها بالشارع
القيادي بحزب المحافظين يرى أن الأحزاب المصرية تحتاج لقوانين تشجع الانضمام للأحزاب، والتي من بينها إقرار نظام القوائم النسبية في الانتخابات بدلا من نظام القوائم المطلقة المغلقة الذي أجريت على أساسه الانتخابات البرلمانية الماضية، وثبت فشله وفق قول حنيتش.
يذكر أن مطلب اعتماد القائمة النسبية بدلاً من القائمة المغلقة المطلقة في الانتخابات النيابية والذي من شأنه حال إقراره فتح الباب أمام ظهور المعارضة في البرلمان لقي رفضاً من ممثلي الأحزاب الموالية أمانة الحوار الوطني الجاري حالياً، والذي كانت قد انعقدت الآمال عليه للفكاك من الإغلاق التام للمجال السياسي منذ انتخابات البرلمان الحالي.
مشهد ضبابي وأحزاب منفصلة عن الشارع
عطفاً على ذلك، يقول المحلل السياسي مختار الغباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية، إن المشهد الحزبي في مصر "ضبابي، ولا ينبئ بأن مثل هذه الكيانات ربما تصنع تجربة انتخابية على المستوى الرئاسي في الانتخابات المقبلة".
ويضيف لـرصيف22، إن أكبر دليل على واقع الأداء الحزبي في مصر وانفصاله عن الشارع المصري هو ما يحدث حالياً في حزب الوفد الذي أعلن اثنين منه نيتهم للترشح للانتخابات الرئاسية، لافتاً إلى أنه "حتى الأحزاب القديمة التي ارتبطت في ذاكرة المصريين بتواجدها في أحداث فاصلة لم تعد لها أي قواعد شعبية وفقدت صلاتها بالشارع".
أداء باهت
ونوه إلى أن المؤسسات المصرية عاجز عن تخريج نخب قادرة على التواصل مع الناس، أو ابتكار أساليب للتواصل، مشيرا إلى أن أداء الأحزاب الممثلة في البرلمان، وعددهم 13 حزبا بين معارضة وتأييد باهت للغاية، ويخول من أي لفت للانتباه إلا من بعض الاجتهادات الفردية التي تحسب لأصحابها فقط ولا يمكن إجمالها لتصل حزب أو تيار سياسي.
ويشير الباحث السياسي إلى أن عدد من التحالفات الحزبية ظهرت خلال الفترة الأخيرة، سواء داخل البرلمان أو خارجية، "لا يمكن أن تفهم منها شيء، فتجد الليبرالي مع الناصري مع القومي، يجاورهم اليساري والاشتراكي وكلهم في تجمع حزبي واحد"، مؤكداً أن عملية تصنيف الأحزاب السياسية المصرية على أسس فكرية واضحة "تكاد تكون مستحيلة حالياً".
تحالفات بعضها فوق بعض
وخلال الفترة الماضية أقدمت أحزاب مصرية على تشكيل تحالفات حزبية فيما بينها، حيث أعلنت 7 أحزاب معارضة في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وهي "الإصلاح والتنمية، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والدستور، والعدل، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، وتيار الكرامة، ومصر الحرية، المحافظين" عن تشكيل الحركة المدنية المصرية، وفي يوليو/ تموز الماضي أعلنت بعض أحزاب ذلك التجمع نفسه وهي "الدستور، الإصلاح والتنمية، مصر الحرية، المحافظين" عن تدشين كيان سياسي جديد هو "التيار الحر".
وعن هذا التحالف قال أكمل قرطام، رئيس حزب المحافظين، في تصريحات تلفزيونية إن تدشين التيار الحر لا يعني خروج هذه الأحزاب من الحركة المدينة، بل إنه توضيح لتيار مدني يؤمن بالحرية داخل الحركة المدنية الجامعة للمعارضة والتي تضم في داخل أكثر من تيار سياسي، اجتمعت كلها بهدف المطالبة بالإصلاح السياسي.
التحالفات ليست قاصرة على المعارضة المصرية ففي الاتجاه الآخر أعلن 42 حزبا سياسياً من المؤيدين لسياسات الرئيس السيسي عن تشكيلهم لتحالف الأحزاب المصرية في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وهو التحالف عينه الذي يشغل الشهابي منصب منسقه العام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومعن أي نظام تتكلم عن السيدة الكاتبة ، النظام الجديد موجود منذ سنوات ،وهذه الحروب هدفها تمكين هذا...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ 3 اسابيعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...