شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الإشارة وحدها لا تكفي… جلسات التخاطب للصُم بديل من تراجع مناهج التعليم

الإشارة وحدها لا تكفي… جلسات التخاطب للصُم بديل من تراجع مناهج التعليم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"تكلم حتى أراك"، لم تكن مجرد حكمة عابرة قالها سقراط لدفع أحد تلاميذه للحديث، بل قاعدة عبَّرت - ولا تزال- عن مفاتيح الأشخاص وخباياهم التي تكشفها كلمات تخرج من أفواههم.

ولكن ماذا عن هؤلاء الصامتين رغماً عنهم؟ ذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم الذين يتمنون كسر حواجز الصمت والتعبير بـ"كلام" عن كل ما يدور بداخلهم.

هؤلاء الذين ظهرت لهم نقطة ضوء تشير إلى إمكانية تحقيق تلك الأمنية، ولكن في المقابل؛ تظل هناك كثير من العثرات والعقبات التي تقف لهم بالمرصاد، ليبقى الحلم مُعلَّقاً متأرجحاً بين الإصرار والرغبة في الوصول تارة والاستسلام والإحباط تارة أخرى.

كان رصيف22 حاضراً في واحدة من جلسات التخاطب المقدمة لمن يعانون الصمم وضعف السمع منذ الميلاد أو أشهر التكوين الأولى إلى حد أعاقهم عن تعلُّم الكلام. 

إلا أن جلسات التخاطب المقدمة للصُم وضعاف السمع، لا تزال قاصرة على خبرات فردية لبعض المراكز الخاصة في معظمها، ما يجعل فرصة حصول أبناء الأسر الفقيرة على تلك الخدمات فرصاً محدودة لغياب الدعم الحكومي في مصر. 

ماذا عن الصامتين رغماً عنهم؟ كيف يمكن لجلسات التخاطب أن تعيد للأطفال المصابين باصمم وضعف السمع أملهم في توسيع قدرتهم على التواصل والتعلم والحصول على احتياجاتهم وتجقيق طموحاتهم كغيرهم من الأصحاء؟

"الإشارة" سلاح ذو حدين

إخصائية التخاطب أمل صقر، واحدة من المؤمنين بحق الأصم في توسيع دائرة أحلامه، شهرتها واسعة بين أسر الاطفال المصابين بالصمم وضعف السمع، نظراً للنتائج التي حققتها مع طلابها الذين تحسنت قدرتهم على التواصل مع أسرهم وصحيحي السمع في محيطهم بشكل عزز من ثقتهم بأنفسهم وجوانب حياتية أخرى.

دعت إخصائية التخاطب أمل صقر لمبادرة "اتكلموا إشارة" للتأكيد على أن لغة الإشارة للجميع وتساعد في تحقيق هدف الدمج، وتتمنى أن يكون لدى الجميع خلفية عن اللغة التي يستخدمها فئة مجتمعية تحتاج للتواصل والتفاهم مع غيرهم دون مواجهة أي مشكلة

كان لأمل من اسمها نصيب كبير، فمنحت الأمل لكثير من أولياء الأمور الذين سمعوا أصوات أولادهم تنطق حروفاً وبعض الكلمات بعد سنوات طويلة من السكوت الإجباري.    

بدأت صقر حديثها لـرصيف22 عن لغة الإشارة التي "يجعل منها البعض عدواً للصم والبكم وليس معيناً لهم"، مفسرة قولها بأن الإصرار على عدم تحديث اللغة خاصة في المدارس واستخدام الإشارات الوصفية القديمة؛ يزيد من قيود تعلم الصُم لأي جديد.

أما عن لغة الإشارة في حد ذاتها فترى أنها وسيلة مساعدة للصم بل وغيرهم للتواصل مع بعضهم البعض، مشيرة إلى أنها حينما دعت لمبادرة "اتكلموا إشارة" للتأكيد على أنها لغة للجميع تساعد في تحقيق هدف الدمج كانت تتمنى أن يكون لدى الجميع خلفية عن اللغة التي يستخدمها فئة مجتمعية تحتاج للتواصل والتفاهم مع غيرهم دون مواجهة أي مشكلة.

ولكن في الوقت نفسه ترفض أمل صقر اعتماد مدارس التربية السمعية على الإشارة كوسيلة وحيدة، لأن "تعلم مهارات جديدة من خلال جلسات التخاطب قد منح للمصابين بالصمم حياة جديدة شعروا فيها بمشاركتهم وتأثيرهم"، مؤكدة أن هذا هو الدمج الحقيقي.

تسير مصر ببطء شديد في عمليات تحديث المناهج الدراسية. لكن مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة ومنهم الصُم والبكم، لم تشهد مناهجها تحديثاً منذ عشرات السنين فكيف تعيد جلسات التخاطب الأمل في كسر الجمود الدراسي؟

أساليب عتيقة وقرارات منقوصة من "التربية والتعليم"

وعن اتجاه وزارة التربية والتعليم إلى استخدام لوحات استرشادية بلغة الإشارة داخل المدارس كافة لتعزيز التواصل بين ذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم وغيرهم تؤكد أمل أنها خطوة إيجابية، ولكن ينقصها بعض الفعاليات التي تساهم في تحقيق نتيجة ملموسة على أرض الواقع مثل إجراء زيارات دورية لمدارس التربية السمعية والتواصل بين التلاميذ بعضهم البعض حتى يكون هناك تبادل للثقافات واللغة ويتعلم الأولاد لغة الإشارة بصورة عملية تساعدهم على التواصل مع الصم والبكم وليس مجرد نظرة سريعة على محتويات منسية في عدد من اللوحات الاسترشادية، مشيرة إلى ضرورة تكرار التجربة مع المكفوفين وأطفال التربية الذهنية وكل أصحاب القدرات الخاصة لكسر عدة حواجز مجتمعية أساسها إعاقة الفكر وليست أي إعاقة أخرى. 

وبحكم اندماجها في عالم الصم تنتقد صقر الأسلوب المتَّبع مع الصم والبكم داخل المدارس السمعية، خاصة أن معظم المدرسين فيها غير متخصصين أو مؤهلين للتعامل معهم، بل أن بعضهم ليس لديه أي معرفة بلغة الإشارة خاصة الحديثة، حيث يعتمدون على الإشارات الوصفية ولا يعترفون بأهمية توظيف الإشارة مع الصوت. 

تشير مدربة التخاطب إلى أهمية العمل على تطوير أداء الأخصائيين لأن بعضهم لا يزال رافضاً للمحاولة مع الطفل الأصم تماماً يأساً من الخروج بأي نتيجة إيجابية من الجلسات، فيقتصر الأمر على ضعيف السمع أو زارع القوقعة ووفقاً لنسبة سمع محددة

يحدث في المدرسة السمعية

تشير مدربة التخاطب الشابة إلى ما تعده "مستوى هزيل" يظهر عليه معظم طلاب المدارس السمعية بسبب الاعتماد على نقل الدروس من "السبورة" إلى "الكشكول" خلال الحصة دون استيعاب من المدرسين أو تواصل معهم، بالإضافة إلى صعوبة المناهج المطلوب منهم فهمها لأنها مناهج الطلبة العاديين، لذلك هناك الكثير من المصطلحات الثقيلة في بعض المواد الدراسية التي لا يمكنهم فهم معناها حتى بعد شرحها مراراً وتكراراً مما يتسبب في إحباطهم وشعورهم العجز عن اكتساب المعلومة رغم عدم قدرة الطالب العادي على استيعابها بسهولة.   

وتنهي حديثها مؤكدة ضرورة إدراك الجهات المعنية على رأسها وزارة التضامن الاجتماعي الفارق الكبير الذي تصنعه جلسات التخاطب مع أطفال الصم حتى تصبح من أسس تعليم الصم والبكم دون تحمل الأهالي أعباءً إضافية، والعمل على تطوير أداء الأخصائيين لأن بعضهم لا يزال رافضاً للمحاولة مع الطفل الأصم تماماً يأساً من الخروج بأي نتيجة إيجابية من الجلسات، فيقتصر الأمر على ضعيف السمع أو زارع القوقعة ووفقاً لنسبة سمع محددة. 

كما تلفت الانتباه إلى أهمية التركيز على مواهب وقدرات الأطفال في الأعمال اليدوية ومساعدتهم بشتى الطرق في تحقيق خطوات جادة في المجالات التي يتميزون فيها حتى تصبح يوماً مُعيناً لهم كفرص عمل، وأوصت بدعم ومتابعة استخدام لغة الإشارة الحديثة في المدارس السمعية والتأكيد على استخدامها بالنطق والتعبير معاً.   

وبحكم تجارب عديدة مع أطفال يعانون من مختلف درجات ضعف السمع وصولاً للأصم تماماً تؤكد صقر أن أكثرهم قدرة على الاستجابة سريعاً خلال مدة زمنية أقل، هو مَنْ لا يسمع مطلقاً إذ تلاحظ ان قدرتهم على التركيز والتعلم أكبر. 

@amlsaqer جلسات تخاطب للاطفال الصم تماماً( توضيح ) لايوجد سماعة طبية ولا يوجد زراعة قوقعة لديهم ❌#اخصائية_التخاطب_امل_صقر #تخاطب #تخاطب_واضطرابات_نطق #تخاطب_نطق #اضطرابات_نطق #اخصائية_تخاطب #اخصائية_تخاطب_وتربية_خاصة ♬ الصوت الأصلي - لغة الاشارة | أمل صقر

"صمّاء" ناطقة

"طفلة صماء تنطق جملة كاملة" على حد وصفها، كانت هي همزة الوصل بين أمل وعدد كبير من الأهالي الذين شاهدوا مقاطع فيديو قصيرة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي ترصد مجموعة من اختبارات نطق كلمات وعبارات اجتازتها البنت بنجاح، إنجاز كان سبباً في سعادة عارمة غمرت قلوبهم ونفضت اليأس عنهم خاصة بعد معرفة كواليس تعلمها النطق وأنها صماء تماماً وليس لديها أي مُعين سمعي خارجي كما أنها ليست من ضعاف السمع. 

@amlsaqer #اخصائية_تخاطب #تخاطب #اخصائية_التخاطب_امل_صقر #اضطراب_النطق #اخصائية_تخاطب_وتربية_خاصة #لغة_الاشارة_امل_صقر #يوم_التحدي #يوم_التحدي؛ ♬ الصوت الأصلي - لغة الاشارة | أمل صقر

جنا محمد أحمد التي تبلغ من العمر 14 عاماً، كانت مصدر إلهام للكثيرين وأملاً في التقدم خطوات عديدة دفعة واحدة، تحدثت عنها والدتها بمزيج من الفخر والتحدي بعد أن مهدت لغيرها طريق التخاطب وأثبتت فعاليته، بدأت معها وعمرها عام واحد إيماناً بضرورة وجود آخرين تتواصل معهم ابنتها وتتعلم منهم خلافها، وأشارت إلى الكثير من التجارب في مراكز عديدة من أجل تأهيلها لمرحلة المدرسة.

أوضحت أن هناك اعتقاداً لا يزال سائداً بأن التخاطب شيء من الرفاهية، لا أهمية له خاصة مع الصم، وبحكم سنوات طويلة بين الأطباء وأخصائيي التخاطب خرجت الأم بنتيجة أن المسألة برمتها في يد الأخصائي، فهناك من يركز على تعليم الكتابة ولا يعتمد على النطق وتكون الإشارة ضعيفة، وهناك من يسعى وراء نطق الحروف والتركيز على مخارج الأصوات بقوة، وهناك من اعتمد منهجاً مختلفاً يهتم برؤية الأشكال والصور لتنشيط المخ بصورة أكبر، مشيرة إلى أن ابنتها التقت كل هؤلاء على مدار رحلتها حتى وصلت أخيراً لتجارب أمل، التي مزجت فيها بين التخاطب وتعديل السلوك فساعدتها بصورة لافتة لاحظها الجميع في تخطي حاجز الصمت وتمكنت من نطق كلمات وعبارات رغم أنها كانت ضعيفة في النطق وتعتمد على الإشارة بشكل أكبر.

وتشير إلى أن أكبر المشكلات التي واجهت ابنتها في المدرسة هي أزمة اللغة القديمة والحديثة في الإشارة، لأنها تعلمت اللغة الحديثة في جلسات التخاطب وفي المدرسة يعتمدون على الإشارة القديمة كحال معظم المدارس، الأمر الذي تسبب في حدوث التباس وخلط لديها حتى استقرت إلى اعتماد أسلوب النقل والكتابة وراء المدرسين دون فهم، وفي النهاية تأتي الامتحانات في صورة روتينية لا علاقة لها بتقييم المستوى بقدر كونها استكمالاً للتسلسل الطبيعي للعام الدراسي.

هناك أزمة في اعتماد "النقل والتلقين" في مدارس الصُم كوسيلة التواصل بينهم والطلاب، وهناك صعوبة في المناهج التي يعجزون عن فهم جزء كبير منها خاصة في مادتي العلوم والدراسات الاجتماعية التي تحتوي الكثير من المصطلحات المعقدة التي يصعب وصفها وإيصال معناها وفكرتها لهم

أين المنهج الخاص؟

كونت والدة جنا وجهة نظر حاسمة تجاه المناهج والاساليب المستخدمة في تدريسهم في المدارس المصرية. 

وترى أن هناك أزمة في اعتماد "النقل والتلقين" في مدارس الصُم كوسيلة التواصل بينهم والطلاب، كما أشارت إلى صعوبة المناهج التي يعجزون عن فهم جزء كبير منها خاصة في مادتي العلوم والدراسات الاجتماعية التي تحتوي الكثير من المصطلحات المعقدة التي يصعب وصفها وإيصال معناها وفكرتها لهم، منتقدة مسألة تدريس مناهج الطلاب العاديين لأطفال الصم رغم أن نسبة كبيرة منهم لا يفقهون ما يدرسون ويعتمدون فقط على حفظه ونقله كما هو، مؤكدة أن هناك نسبة كبيرة من تلاميذ المدرسة السمعية الذين يصلون مرحلة الدبلوم ولا يستطيعون كتابة أسمائهم حتى. 

وتساءلت: "لماذا لا يكون للصم مناهج خاصة بهم؟"، مشيرة إلى أن وجود منهج خاص يتناسب مع حالتهم وظروفهم أفضل من فكرة تقسيم العام الدراسي العادي على عامين منفصلين، موضحة أن تأخرهم الدراسي عن الطلاب العاديين بسبب توزيع المنهج لصعوبة استيعابه في عام واحد يؤكد أن الأولى والأكثر فاعلية هو وجود منهج خاص لهم.

ولأن البحث عن أفضل الاختيارات المتاحة لابنتها في كل شيء هو شغلها الشاغل، تحدثت عن واحدة من المحطات المهمة في طريق بحثها عن الأفضل والأكثر جودة في رحلة جنا التعليمية، إذ توصلت إلى معهد حكومي للصم والبكم في كندا "مختلف وفريد" على حد قولها، إذ يقدم منهجاً خاصاً يتناسب مع قدرات الصم بالإضافة إلى تولي مسؤوليتهم كاملة تربوياً ونفسياً وتعليمياً، وتعلق "حلم جميل يتمنى تحقيقه أهالي الصم للأبناء"، متمنية أن يكون لدى مصر والعالم العربي نموذج شبيه "نظراً لاحتياج كل أبناء الصم له".

خوف شديد على الابنة حل محله الاطمئنان عندما استمعت لصوت ابنتها لأول مرة، كلمات تنطقها بوضوح وتخلق منها حواراً معها بعد أن حصدت ثمار جلسات التخاطب التي ساعدتها على التعبير نطقاً وإشارة عما تريد أن تقول، الأمر الذي عجزت الأم عن وصف سعادتها به حين باتت تستمع لكلمات "ماما"، "بابا"

أمان مفقود 

ولأن المعاناة واحدة، بدأت والدة الطفلة آلاء محمد حديثها مع رصيف22 بالإشارة إلى "أزمة الاعتماد على لغة الإشارة فقط وتجاهل تأثير جلسات التخاطب، الأمر الذي يساهم في زيادة شعور الأصم بالإحباط والانعزال لعدم قدرته على التواصل مع غيره خاصة لو كان في أشد الحاجة لذلك التواصل"، إضافة إلى "زيادة تعرض الصم للضرر من ضعاف النفوس الذين يستغلون حالتهم وعدم قدرة بعضهم على التعبير بالإشارة ويلحقون بهم الأذى كالتحرش مثلاً". 

نتيجة مبهرة

خوف شديد على الابنة حل محله الاطمئنان عندما استمعت لصوت ابنتها لأول مرة، كلمات تنطقها بوضوح وتخلق منها حواراً معها بعد أن حصدت ثمار جلسات التخاطب التي ساعدتها على التعبير نطقاً وإشارة عما تريد أن تقول، الأمر الذي عجزت الأم عن وصف سعادتها به حين باتت تستمع لكلمات "ماما"، "بابا"، "سما- اسم الأخت"، "شاي"، بل ومشاركتها في الحديث مع ضيوف غرباء كانت تخشى وتعجز عن التواصل معهم ثم باتت تسألهم مثلاً "شاي سكر كام؟"، مؤكدة أن شعورها بأنها أصبحت طبيعية لا تعاني من مشكلة كبيرة ولديها ثقة بنفسها أهم مكتسبات التخاطب. 

@amlsaqer #اخصائية_تخاطب #تخاطب #اخصائية_التخاطب_امل_صقر #اضطراب_النطق #تخاطب_واضطرابات_نطق #تخاطب_نطق #اخصائية_تخاطب_وتربية_خاصة ♬ الصوت الأصلي - لغة الاشارة | أمل صقر

مرحلة متقدمة تذكرت معها الأم سنوات الألم والعجز التي كانت عليها علاقتها بآلاء حين كانت طفلة صغيرة ترك عليها الالتهاب السحائي أثراً لا زوال له، عرفت بمرور الوقت أنه أصاب السمع، حين فشلت محاولات التواصل والتفاهم بينهما مراراً ينتهي فيها بكاء الابنة يأساً فيما تواصل الأم بالدموع لعدم تمكنها من الوصول لما ترغب به الابنة.

سنوات اقتصرت علاقتهما على الاحتياجات الأساسية للعيش مأكل ومشرب لعدم قدرتها على تمييز احتياجات أو مشاعر أخرى، خاصة وأنها كانت تنتمي لمحافظة غير العاصمة لم تجد فيها من يساعد الطفلة في تعلم الإشارة علاوة على عدم وجود مدارس خاصة بهم في المركز بأكمله، كانت فقط المحافظة التي تقتضي نظاماً مختلفاً للأسرة إما بتدبير ظروف أحد أفراد الأسرة بالذهاب يومياً مرتين للمدرسة لتوصيل الطفلة أو تركها في المدرسة الداخلية، الأمر الذي لم يكن ليطمئن له قلب أم على ابنة ست سنوات في تلك الظروف، حتى جاء قرار الأسرة بالانتقال إلى القاهرة لتدبير التحاقها بالمدرسة. 

الأم التي تخرجت من كلية التربية قسم طفولة استكملت دراستها بـ"دبلومة في التربية الخاصة" إلى جانب دورات تدريبية في لغة الإشارة في الوقت الذي أجادت فيه آلاء أيضاً الإشارة.

ولكن لم تكن جهود الأم وحدها تكفي لمساعدة "آلاء"، في وقت كانت فيه المدرسة – كحال معظم مدارس الصم- تعجز عن توفير حتى متخصصين إشارة أو تربية خاصة نظراً لانتقال معظم مدرسين المدارس العادية إلى المدارس السمعية وتعاملهم مع أطفال الصم بنفس طريقة أطفال المدارس العادية، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج سلبية أو بالأحرى لا نتيجة مع الأطفال، فلا يحدث لهم أي تقدم ملحوظ.

تحدثت والدة آلاء لـرصيف22 عن قدرات ومواهب الأطفال الممثلة في أعمال التطريز والحياكة والنجارة والزخرفة، تلك الأعمال التي تنتظر دعماً ومساندة حقيقية تكمن في مشروعات ترعاها الدولة ورجال الأعمال والجمعيات الخيرية لتنمية مهاراتهم من ناحية وضمان وجود مصدر دخل لهم مستقبلاً من ناحية أخرى، حيث ضربت المثل بسؤالها في وزارة التضامن الاجتماعي عن إمكانية حصول ابنتها على "ماكينة خياطة" إذا كان هذا حقها، وعندما جاء الجواب بالنفي قررت أن تفعل أي شيء من أجل توفيرها لابنتها، ولكن في الوقت نفسه فكرت ماذا عمن لا يمتلكون القدرة على ذلك؟

حديث عملي ينطلق من دافع الاطمئنان والرغبة في تأمين مستقبل ابنتها بل وأبناء الصم كافة الذين يفكرون رغماً عنهم في شكل الحياة بعد فقدان محبيهم وذويهم، الأمر الذي ناقشته آلاء مع والدتها بشيء من الخوف وكثير من الألم، فسألتها عما ستفعل إذا رحلت وتركتها.

كما تلفت الانتباه إلى ضرورة تسليط الضوء على الفارق الكبير الذي تصنعه جلسات التخاطب التي عرفت بها صدفة من مقاطع فيديو السوشال ميديا، وكانت سبباً في هذا التحول الكبير الذي جعلها تتساءل دائماً ماذا لو كانت أدركت هذا الطريق مبكراً؟ والأهم والأولى من التركيز على قوة نتائجه هو المساعدة في إيجاد دعم رسمي له في ظل اضطرار بعض الأهالي لعدم التفكير في جلسات التخاطب لكونها جلسات خاصة ذات تكلفة قد لا يستطيعون تدبيرها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image