شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عبارات مخادعة من الموروث الشّعبي السوري

عبارات مخادعة من الموروث الشّعبي السوري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الاثنين 4 سبتمبر 202311:59 ص

خدعتنا عبارات الموروث الشّعبيّ، التي قالوا إنّها حِكم وعِبَر مأخوذة عن تجارب أسلافنا. نعم خدعتنا وتركتنا في صدمة ذهول عندما اختبرناها على أرض الواقع، وأثبتت لنا أنّ الكلام النّظريّ يختلف كليّاً عن تفاصيل الحياة التي نعيشها، والتي تكاد في أحيان كثيرة أن تُدمينا نفسياً ثم جسدياً، لتتركنا في النّهاية مُخدَّرين نتيجة اجتيازنا عتبة الألم والشّعور.

لا أحد يأتي لهذه الحياة مصحوباً بالرّزق

يردّد المجتمع عبارة غبية تمّ تناقلها بجهل تامّ كموروث لفظيّ شعبيّ: "الولد بيجي، وبتجي رزقته معه"، لكنّي وبعد بحث مُتعمّد واستقصاء، لم أرَ أبداً طفلاً جاء لهذه الحياة وكان رزقه معه، وأوّلهم أنا: تقول أمي إنّه بعد ولادتي، استدان أبي المال لعلاج جدّتي التي كانت تُعاني من سرطان في الأمعاء، وبعد تعب وألم وديون مُتراكمة غادرت جدّتي الحياة، لأكون بذلك الطّفلة التي لم يأتِ رزقُها معها، بل جاء معها ديون احتاج والدها سنتين لإيفائها، ناهيك عن الحزن لفقدان جدتي.

تقول أمي إنّه بعد ولادتي، استدان أبي المال لعلاج جدّتي التي كانت تُعاني من سرطان في الأمعاء، وبعد تعب وألم وديون مُتراكمة غادرت جدّتي الحياة، لأكون بذلك الطّفلة التي لم يأتِ رزقُها معها، بل جاء معها ديون احتاج والدها سنتين لإيفائها، ناهيك عن الحزن لفقدان جدتي
ويذهب البعضُ في محاولة فاشلة لتجميل هذه العبارة فيقول إنّ المقصود "برزقة الطّفل" حليب الأم الذي ستُرضِعُهُ إيّاه. وكلُّنا نعلم أنّ هناك الكثير من الأمهات غير القادرات على الإرضاع، وبشكل خاص في البلدان الفقيرة، نتيجة انعدام شروط التّغذية الصّحيّة للمرأة خلال فترة الحمل وأثناء فترة الإرضاع، حيث نجد الكثيرات يعانين من فقرِ دم -وهذا ما عانته أمّي بعد ولادتي- انخفاض في نسبة الكالسيوم وعوز الجسم للفيتامينات الأساسية.
وكم من عائلة ذات دخل متوسط أو دخل منخفض أو تحت خط الفقر، ورّطت أرواحاً في هذه الحياة لأنّهم يحملون في عقلهم اللاواعي المُبرمَج هذه العبارة البلهاء: "الولد بيجي، وبتجي رزقته معه"، دون أدنى جَهد منهم لدراسة حالة إمكانية إنجاب طفل، يستطيعون بيسر تأمين حياة كريمة له، ومن غير أن يشعر هذا الطّفل عندما يكبر قليلاً بالذّنب، وبأنّه عبء على والديه لأنّهم في ضيق ماديّ دائم، لا يمكن معه شراء متطلباته البسيطة والطبيعية مثل: لعبة، أو ملابس العيد، أو حتّى مجرد لوح شوكولا أو علبة آيس كريم.

صرفتُ ما في الجيب ثمّ تَغيّبت عن جامعتي شهراً كاملاً 

منذ سنتين، وأيام دراستي الجامعية، هاتفتني صديقتي وبصوت ممزوج بالتَّنهد والهمّ قالت: أودُّ أن ترسلي لي المحاضرات، فأنا لن أستطيع الحضور لمدة أسبوعين متتالين. أجبت بقبول، أنّها تستطيع حتماً الاعتماد عليّ في هذا الأمر،  ثمّ سألت عن سبب تغيّبها لأطمئن أنّ الأمر لا يتعلّق  بحالة صحيّة أو حالة وفاة في عائلتها، فكان ردّها: يقول المثل الشّعبيّ الأحمق "اصرف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب"، وفي لحظة تفاؤل وثقة عمياء وبلهاء بالغيب، غامرت وصرفت ما في الجيب لشراء هدية احتفالاً بعيد ميلاد حبيبي، ومنذ أيام وأنا أجلس بانتظار أن يأتي "ما في الغيب"، لكن دون جدوى، وما زال هناك أسبوعين حتّى نبلغ أول الشّهر، فيُرسل لي والدي مصروفي المُخصّص للمواصلات وشراء المحاضرات والطّعام وليس لهدايا العشق اللعينة.
قصة صديقتي القصيرة المُخيّبة للآمال والتي تزرع الشّك بالإيمان الغَيبي الأبله، مُشابهة لمواقف حدثت مع كُثُر ممن أنفقوا أموالهم المحدودة لسدّ حاجة أو رغبة ما، وهم مؤمنون بأنّ الغيب سيعوّضهم بشكل لحظيّ، وذلك نتيجة برمجة في عقلهم الباطني ناجمة عن تكرار سماعهم لتلك العبارة الشّعبية غير العلمية المذكورة سابقاً.

الضّربة التي لا تقتلك، لن تجعلك أقوى

قالوا لنا "الضّربة لِ ما بتقتلك.. بتقوّيك". إذن اسمحوا لي أن أحدّثكم قليلاً عن النّاجين من الضّربات القاتلة:
عندما تنجو من الضّربات القاتلة ظاهرياً، سيُلازمك قلق طويل يُصاحبه خوف من ضربة جديدة، وبعد فترة عندما تتلقّى هذه الضّربة الجديدة ستبدو ظاهرياً أيضاً أنّها لم تقتلك، لكنّها حقيقةً ستقتل فيك شعور الأمان والثّقة بالآخر، ما سيجعلك كائناً حَذراً ومُتأهباً دائماً ومدّعياً.

نعم، ستصبح كائناً مُدّعياً، لأنّك بعدها ستدّعي القوة والصّلابة والرّغبة في الحياة الاجتماعية والمخالطة، لتُثبت لنفسك أنّك سليم نفسياً وأنّك بخير وقادر على المتابعة والوقوف والاستمراريّة في الحياة. لكن بعدها، هل ستتوقف الحياة عن توجيه ضرباتها المُسمّاة "غير القاتلة" والتي فقط تزيد من صلابة عودك؟
بالطّبع لن تتوقف، بل ستستمر إلى أن تستيقظ ذات يوم لتجد أنّه حتّى الخوف والقلق والحذر-تلك المشاعر التي علّمتك إيّاها الضّربات الأولى- أصبحت غريبة عنك؛ ستجد نفسك غير مُبال، مُصاباً بتلبّد الشّعور، لا شيء يُسبّب لك الحزن، وبنفس اللحظة لا شيء يُصيبك بالفرح، ستؤمن فقط أنّ لا شيء يدوم، وأنّك مُفارق لكلّ شيء وكلِّ شخص ولو بعد حين، سيخفُّ تعلقُكَ وتَخَفتُ رغبتُك، وستفضّل الوحدة.
وإيّاك بعد ذلك الاعتقاد بأنّ موتَ الشّعور وخَيارَ الوحدة يشيران لأنّكَ أصبحت أقوى بفضلِ سلسلة الضّربات تلك، تلك التي لم تقتلك.
عندما تنجو من الضّربات القاتلة ظاهرياً، سيُلازمك قلق طويل يُصاحبه خوف من ضربة جديدة، وبعد فترة عندما تتلقّى هذه الضّربة الجديدة ستبدو ظاهرياً أيضاً أنّها لم تقتلك، لكنّها حقيقةً ستقتل فيك شعور الأمان والثّقة بالآخر، ما سيجعلك كائناً حَذراً ومُتأهباً دائماً ومدّعياً

"خيرها بغيرها"

إنّها عبارة من أكثر العبارات اللفظيّة المتوارثة شعبيّاً التي سمعتها في حياتي، والتي أعتبرها الأشدًّ كذباً، والأبعد عن تقبّلي العقليّ لها، لأن جميع دلالاتها محبطة، وتأتي فقط كمسكن لفظيّ لخيبة ما تعرّضنا لها للتو.
إذ يستحيل أن يعوِّض القادم، مهما كان، عما جرحنا، عما خذلنا، عما آلمنا، عما كسرنا، عما جعلنا نتراجع للوراء، عما أبكانا وسبّب تقرّحات في معدتنا وأجفاننا، عما سبّب لنا الأرقَ، عما جعلنا نعاني الفَقدَ، عما خلق فينا أملاً ثمّ بدّده، عما تركنا رهنَ الانتظار ثمّ لم يأتِ.
ليس هناك بدلُ خير لما مضى؛ ما يمضي يتلاشى تاركاً ندوباً في عالمنا الدّاخلي ،وما يأتي من خير هو خاص بلحظته ويستحيل أن يصير تعويضاً عما مضى.

برمجيات لفظية قاتلة

لو أردنا استعراض باقي العبارات الشّعبية المغلوطة والكارثية المتوارثة، التي تمّ تبنيها في مجتمعاتنا بحكم إقحامها إلى اللاوعي الجَمعي، بفعل تكرار استخدامها اللفظيّ غير الواعي، لكانت النّتيجة كتاباً كاملاً عن البرمجيات اللفظية القاتلة، وما ذُكِرَ هنا عينة بسيطة منها.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard