شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
المغامرة سيراً على حبل التراث الفلسطيني… عرض

المغامرة سيراً على حبل التراث الفلسطيني… عرض "أشيرة“

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 31 مارس 202311:36 ص

حين تقرر فتاة اسمها “أشيرة” -وفق الأسطورة الكنعانية- أن تهدي قصفة من شجرة رمان إلى أهل بلدتها لتزهر بها حقولهم، تنسى أن تستأذن الأقدار، فتعاقبها الأخيرة بأن ترسلها إلى العالم السفلي، وتحكم على بلدتها بالدمار، فتواجه أشيرة عذاباً شخصياً قاسياً، ويواجه أهلها خراب الحقول واقتلاع الأشجار وتهجيرهم. وفيما تسبح أشيرة في ظلام العالم السفلي، يأخذ الفيضان رمانتها، ولا يستسلم أهلها للكارثة، إنما يواصلون النهوض بعد كل وقعة تحطهم أرضاً. وكابنةٍ لهم، تصارع أشيرة من أجل الخلاص من أسْرها، والعودة مع أهلها لبناء البلدة مجدداً.

كل هذه العناصر من قهر وظلم، ووعود غيبية، وثورة على الواقع، ومحاولة لإثبات الوجود، لم تأتِ من فراغ، إنما هي خلاصة تجربة جماعية ووعي جمعي تشكلا بفعل أحداث تاريخية منها الغامض ومنها المعروف، لذا يمكن إسقاط هذه الأسطورة بسهولة على قصة أريحا المذكورة في الكتاب المقدس، حين لعنها النبي يهوشع، ثلاث لعنات بأن يموت أبناء من يحاولون إعادة إعمارها، بعد أن فتحها ودمرها لينشر دين التوحيد في ما خلفها من مدن.

اللعنات الثلاث كانت غايتها ألا يعيد أحد بناء أريحا الوثنية، لكن ثمة من حمل اللعنة تلو الأخرى على عاتقه، وتحمّل الفاجعة تلو أختها، وأعاد بناء المدينة بالتضحية، وهي ما يقابل "الشهادة" في المفهوم الحالي للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، دفاعاً عن الوطن.

يبدأ عرض "أشيرة" بطريقة توحي بتعمد هزّ شجرة التراث الراسخة لتتساقط منها صور جديدة. هذه الصور وإن بدت مواكبة، إلا أنها في أقصى غاية لها ترمي إلى الاتصال بالتاريخ، على نحو يؤكد استمرار الحكاية

وبمجازفة مماثلة، تقدم فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، عرض "أشيرة"، حاملة على عاتقها ما يمكن أن يكيله المشاهد لها من اتهامات، ترقى إلى مستوى اللعنات التاريخية تلك، لكن الفرقة نجحت في آخر الأمر، كما نجحت أشيرة ونجح ملوك أريحا.

يبدأ عرض أشيرة بطريقة توحي بتعمد هز شجرة التراث الراسخة لتتساقط منها صور جديدة. هذه الصور وإن بدت مواكبة، إلا أنها في أقصى غاية لها ترمي إلى الاتصال بالتاريخ، على نحو يؤكد استمرار الحكاية.

بداية الفكرة

يقول الشاعر وسيم الكردي، الذي كتب نصوص العرض، إن الفكرة راودته قبل سنوات بعيدة، إذ كان يحلم بتقديم نص مختلف عما سبق وقدمه من نصوص لعروض الفرقة مثل "وادي التفاح"، و"مشعل"، و"مرج ابن عامر"، وكان يتطلع إلى أن يتمازج في هذا النص ما هو أسطوري وتراثي وفولكلوري، في قصة إنسانية يمكن استلهام مكوناتها من الماضي، في سياق الحضارة الإنسانية، فكانت أشيرة مزيجاً من الأسطورة الكنعانية والبابلية والإغريقية.

ولقد شكل الأمر تحدياً له، كما يقول وسيم، وتحدياً لفرقة الفنون الشعبية بجميع عناصرها ومكوناتها، فكان القرار خوض التجربة بصورة مشتركة، ومحاولة خلق القواسم المشتركة من ناحية، وتسخير القدرات والإمكانات من ناحية أخرى، للشروع في العمل، وكانت فرصة التجريب والاختبار أوضح الأهداف بالنسبة إليهم.

ويبدو أن التجربة تحولت مع الوقت إلى مغامرة، في سياق رحلة البحث في المعاني والأشكال والصيغ والجماليات.

عناصر العرض

يشتمل العرض على مقطوعات سردية، ولوحات غنائية وأدائية، تتشكل من اتحاد الكلمة باللحن والرقصة، وهذه اللوحات المتكاملة اشتغلت عليها عناصر الفرقة بتفان كلاً وفقاً لموقعه واختصاصه.

في افتتاحية العرض يبدأ السرد بتعريف الجمهور بأشيرة، الفتاة والأسطورة، مستعيناً بتكنيك بصري متعدد الأوجه؛ الراقصون على خشبة المسرح، والأصوات تأتي ممتزجة بالموسيقى، وتعبر عنها وجوهٌ متعددة تظهر على شاشة في الخلفية، يكمل الواحد منهم جملة الآخر، وتتمازج الأصوات وتتداخل في العبارة ذات المقولة الجمعية كما تتداخل الوجوه على الشاشة. هذا السرد المتناقَل، ما هو سوى تمثيل لحبل الأساطير في انتقالها من جيل إلى آخر، وفي تطور القصة أو استمرارها، كما أنه أداة لفكّ المبهم، وفتح المغلق، وتجلية الغامض، ويتكرر هذا السرد باستخدام التقنيات البصرية نفسها، بشكل متقطع، على منعطفات الحكاية وتحولاتها، ناقلاً الجمهور من ضياع الإيحاء وتمثلاته المتعددة المتروكة لخلفياته المتنوعة، إلى وضوح الحكاية وتصاعد أحداثها وفق خط زمني محدد، يكاد يكون سيناريو لحبكة الأسطورة الأصلية.

أما لوحات الرقص التي يؤطرها الغناء، فتقدّم ترجمات لغوية وجسدية، تعين الجمهور على تصور الألم والأمل، والحزن والفرح، والتضحية والصمود، التي تنتهي بمجملها إلى الحصاد، أو النصر في صورة من صوره المشتهاة.

كولاج كلامي وكولاج أدائي

ويؤكد ذلك وسيم الكردي، إذ يقول إن تجربة أشيرة بناء على تجارب سابقة للفرقة، تقوم على مبدأ الكولاج، الذي يتسم به النص، فهو مزيج كلامي من المحكي والفصيح، الإيقاعي واليومي، الجماعي والفردي، وأغنيات مستمدة من التراث وأخرى ذات طبيعة معاصرة، وهذا ما ترجمته الفرقة عبر كولاج بصري وسمعي بالتوازي، من خلال توظيف الرقص التراثي والإيقاعي والتعبيري معاً، وكذلك توظيف الصورة والمادة الفيلمية، فضلاً عن تنويع في الأصوات الغنائية وتنويع في الصيغ الموسيقية وأشكالها، وهو ما استدعى أن تسهم في إنتاج العمل الفرقة بكل عناصرها، نصاً وتلحيناً وتصميماً، مع إمكانية اختيار شبان وشابات في مجالات التلحين والغناء من خارج الفرقة، لرفد العمل بخبرات مختلفة ومتنوعة.


وقد قامت على تصميم لوحات الرقص مجموعة من مصممي الفرقة، منهم شرف دار زيد، ونورا بكر، وخالد قطامش، وليلى البخاري، ومجدي كراكرة، وعطا خطاب، وبمشاركة أكبر عدد من المصممين والراقصين كمحمد خويرة ومحمد الصفدي ولما أبو فارس وغيرهم. ويقول عطا خطاب، إن العمل بهذه الصورة كان أحد عناصر قوة العرض إذ عبر عن أحاسيس ومشاعر وتصورات المؤدين أنفسهم عن القصة، مما بث فيها الروح،.

ويضيف خطاب أن الانسجام سببه ملكية الحركة الناجمة عن أجساد الراقصين. ويبين خطاب أن التصميم استند بشكل أساسي إلى القصة وأحداثها، وقراءة الأفعال والمشاهد وتحويلها إلى مشاعر وصور درامية، ويؤكد أن النقاش المشترك هو ما عكس تصور كل مصمم للمشهد وفق رؤية إخراجية وحركية جامعة، بحيث تعطي الفرد مساحة وحرية للخيال والعمل، من دون أن يتعارض الإبداع الفردي مع وحدة العمل الفنية.

ولعل هذا الشعور هو أول ما يتلقاه الجمهور، إذ لا يشعر المشاهد بأنه إزاء حركات معلبة، إنما يتحرك الراقصون بسجية تشبه سجية النص، وتستطيع بسهولة أن تقفز من الخشبة إلى المدرجات، مشركة معها المتلقي، لا بحركة الإيقاع فقط كما جرت العادة، إنما بحركة الحدث والمشاعر والهواجس، وهذه الشراكة تجعلك تنتظر مصير البلدة كواحد من أبنائها، لا كمتفرج من بعيد.

جرأة تحديث التراث

تكمن أهمية عرض أشيرة في قدرته على ترك الجمهور أمام سؤال وجودي: هل من حق الفلسطيني المعاصر أن يحدّث في تراث أسلافه؟ أم عليه فقط أن يعيد إنتاج الفولكلور بصورته التقليدية؟

يبدو أن فرقة الفنون تتخذ حق التحديث مبدأً في أعمالها، وترشدك الأسئلة التي تطرحها من خلال أعمالها، إلى إجابة قد تكون أكثر واقعية مما تقودك إليه اتهاماتهم بتخريب التراث والتفريط به، وهي إجابة تحتاج إلى صفاء ذهني وضميري، فلو كان أسلافنا من صناع التراث موظفين لا فلاحين، ولو كانت بيوتهم مضاءة بالكهرباء لا بالمصابيح، وكانت في أيديهم أدوات تؤهلهم لصناعة الموسيقى على سوية أكثر حداثة، لما تراخوا لحظة، ولما تقاعسوا عن إنتاج أعمال يمكنها أن تصف المشهد الفلسطيني بصورة أنضج على المستوى التقني، وأغنى على المستويين الفكري والفني، وهذا ما يفعله أبناؤهم في فرقة الفنون الشعبية، صاعدين بهندسة الحركة والصوت والزي والمشاعر والقصة، إلى أفق عالمي، يكاد يوازي العروض التي تستضيفها مسارح الرقص الإيمائي التعبيري، إذ لم تكن الرقصات، على سبيل المثال، من قبيل الدبكة الشمالية المعروفة في فلسطين، إنما أتت اللوحات بحركات جديدة، ولكنها تعتمد في جوهرها على الرقص التراثي الفلسطيني.


ثم إن الفرقة تحاول التخفف من عبء الاتهام، عبر تحوير الحالة والمشهد، ولعل الأزياء التي استخدمها العرض، دليل على هذا الجهد، فلم تكن تلك الأزياء التقليدية، كالثوب المطرز المعروف الألوان للنساء، والقمباز للرجال، إنما كانت أزياء أخرى تم العمل عليها لتخدم الفكرة والقصة. فعلى سبيل المثال، وكما تقول نورا بكر، تم استخدام تدرجات لون الرمان في الثياب لتعكس فكرة شجرة الرمان على المسرح، لكنها لم تبتعد عن الجو الفولكلوري، عبر توحيد التصميم وتجانس الألوان، حيث تم دمج أفكار من الفولكلور باستخدام السروال للشباب والحزام التقليدي والعباءة للصبايا، ولكن بألوان غير تقليدية، فيمكن رؤية الشكل الجماعي الموحد في اللون الزيتي كأساس للأزياء، ثم في الإضافات من قطع تستدخل تدرجات لون الرمان الواضح، وبهذه الطريقة كان يمكن ببساطة تعزيز شعور الفرح بالرقصات من خلال الاستناد إلى لون الرمان، وسلب هذا الشعور بإخفاء اللون في المقاطع المعتمة والمظلمة في "العالم السفلي".

وتضيف بكر وخطاب، أن مرونة وإمكانية توظيف الأزياء لخدمة الحركة والفكرة، أساس توجه الفرقة في التصميم لهذا العمل. ويؤكدان الفضل الكبير لمصممة الأزياء هالة شهاب، التي رافقت الفريق في التدريبات والتصميم الحركي لبلورة تصميم يتناسب مع العمل الملحمي، أشيرة، ويليق به.

على مستوى النص والألحان، استلهمت الفرقة في أشيرة نصوص التراث وألحانه، ولكنها لم تقدّمها كما هي، إنما أعادت بناءها بما يلائم المشروع الجديد. يقول وسيم الكردي، إن النصوص اعتمدت في البداية على ثلاثة مكونات، المكوّن الأول هي النصوص ذات الطبيعة الأسطورية التي نجدها في الملاحم الأدبية، والثاني هي الأغاني الشعبية الإيقاعية، والثالث هو الشعر المعاصر والكلام اليومي في حياتنا الراهنة، وتالياً فإن نصوص الجوقة والحوار والصوت الفردي وكذلك الأغنيات جاءت خليطاً من هذه المكونات.

ويبدو أن الملحنين ساروا في هذا الضوء أيضاً، فنجد الأغنيات مقسمةً على ثلاث جداريات، الأولى تتكون من 11 قطعة، والثانية من 5 قطع، والثالثة من قطعتين اثنتين، لحّنها كل من طارق عبوشي، ويعقوب حمودة، وخالد صدوق، وسامر جرادات، وباسل زايد، وإيهاب هنية، وطارق الجندي، وماهر الشافعي، وأدتها مجموعة من الأصوات، من ضمنها النجمة سناء موسى.

وفي الضوء ذاته، اشتغل منتجو الصورة، في العمل الذي أعده سينوغرافياً رأفت أسعد، وأخرجه كل من نورا بكر وأنس أبو عون، فقد تناولت المادة الفيلمية، صوراً غامضة من التاريخ، بما يتماهى مع بعض الكلمات المرتبطة بما ورائيات الزمن الغابر، كما تناولت صوراً وحركات تعبيرية منسجمة مع حركة النص والموسيقى ومتلائمة مع حركات الرقص أيضاً، ولم تتجاهل المادة الفيلمية الواقع الفلسطيني، فعرضت صوراً من العدوان الإسرائيلي على غزة وغيرها من المدن الفلسطينية، وربطت بين الدمار في الأسطورة، والدمار في الواقع من قتل وتهجير وقصف وإعمال في الجريمة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وهذه الحلقة عين العمل، وهدفه الفاعل والمؤثر، في سياق الرسالة الطويلة التي يقدّمها، غوصاً في الماضي وطفواً فوق المضارع.


يقول أنس أبو عون، في هذا السياق، إن الفرقة تستخدم العديد من المؤثرات البصرية التقنية في عروضها، من أجل مواكبة التطور التكنولوجي، وبهدف خلق حلول إبداعية تخدم الفكرة الفنية، ويضيف أن المهمة في أشيرة كانت رواية العمل على ألسنة الراقصين. وتجنّباً للملل أو للخلل لجأوا إلى رواية القصة من خلال الشاشة التي تعرض وجوه الراقصين، الذين يقفون فعلياً أمام الشاشة، في مادة مصورة ومعالجة مسبقاً، بما يتلاءم مع حركة الراقصين الحية على الخشبة، يؤطرها سرد مباشر مكتوب بلغة القصّ المتقصِّد لا بلغة الشعر شديدة الاختزال، وقد سجل وعولج مسبقاً بصوت الشاعرة أسماء عزايزة.

وبذلك حقق العمل هدفه من دون التخلي عن مهمته الجمالية.

خطورة التجربة

كفرقة تحمل اسم "فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية"، ثمة خطورة تكتنف هذه التجربة، مخافة أن يختلط المستوحى بالمستوحى منه، فحين ظهرت أزياء مطرزة في أسواق الموضة، عبر خبراء التراث وحرّاسه عن مخاوفهم، خصوصاً عندما بدأ تيارٌ الترويج لهذه الأزياء على أنها أزياء تقليدية فلسطينية، والأمر نفسه يمكن سحبه على مشاريع وأعمال الفرقة، وفي هذا الصدد يقول الكردي، إنه يستشعر هذه الخطورة فعلاً، لكنه يؤكد أن غاية هذا العمل لم تكن استبدال التراث، إنما خلق حوار بين ما يمكن عدّه أصيلاً، وما يمكن عدّه معاصراً، وهذا يقع أيضاً في إطار تعريف الأصالة والمعاصرة، فالمعاصر يمكن له أن يكون أصيلاً وكذلك يمكن لما هو عصري أن يكون "متخلفاً"، فالمسألة في جوهرها هي الحوار الجدلي التناغمي والمشتبك في الآن نفسه مع بعضه البعض، وهو جوهر الفكرة.

فرقة الفنون الشعبية صعدت بالجمهور من خلال أشيرة إلى مستوى يليق بما يقدمه الناس من ولاء للفرقة متمثلاً في حضور أعمالها ومتابعتها، واستطاعت أن تمد حبلاً خفياً بين مطالع التاريخ الفلسطيني وواقعه، على نحو لم يغفل الجانب الجمالي 

ويضيف أن أشيرة عمل يحاول أن يدمج مكونات كلامية وبصرية وسمعية متعددة في صيغة تناغمية واشتباكية في الوقت نفسه، وأن مهمة الفرقة تقديم ما هو مثير للجدل والحث على التساؤل والبحث. ويردف أن العمل يتطلع إلى ما يفتح فضاء الجماليات وينتج المعاني، ولكن على أرضية تاريخية متجددة يتضافر فيها الملحمي مع المعاصر.

أما أنس أبو عون وخالد قطامش مدير أعمال الفرقة، فيتفقان إذ يقولان، إن الفرقة دائماً ما تواجه اتهاماً بالتعدي على التراث من شطر من المتابعين، الذين ينظرون إلى التراث كمادة جامدة وتاريخية، لكن أشيرة كان صدمة في حقيقة الأمر، فالقصة من جانب ليست تقليديةً، لكنها قريبة من الناس، وكذلك تصميم الحركة والموسيقى الملحنة في معظمها بناء على الفولكلور، فلا يمكن خلال العرض إلا أن تشعر بأنك قريب من التراث لكن غير غارق فيه، وهو ما يحقق مقولة أن التراث نقل النار وليس عبادة الرماد، وقد استقبل الجمهور العمل بصدر رحب وإعجاب شديد، وانبهار في كثير من الأوقات، لكن لم يخلُ الأمر من الانتقاد، سواء لتعامل الفرقة مع الفولكلور، أو للأداء والطاقة الجماعية، وهو ما تجده الفرقة مهماً للمواصلة.

محاكمة عادلة

في إطار المحاكمة العادلة للعمل، يجب القول إن فرقة الفنون الشعبية صعدت بالجمهور من خلال أشيرة إلى مستوى يليق بما يقدمه الناس من ولاء للفرقة متمثلاً في حضور أعمالها ومتابعتها، واستطاعت أن تمد حبلاً خفياً بين مطالع التاريخ الفلسطيني وواقعه، على نحو لم يغفل الجانب الجمالي على حساب المقولة السياسية أو الاجتماعية، لكنها رجت أعمدة ثابتة في المبنى التراثي الفلسطيني، أزعجت بعض الأصوليين في ما يتعلق بحراسة التراث والدفاع عنه في سياق تعرضه المستمر للسرقة والتحوير. كما أنها لم تنسَ أن ترضي الأذواق جميعها، إذ ختمت العرض بوصلة من الأغاني والرقصات التراثية الراسخة في الأذهان، والتي قدمتها على مر سنوات عملها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard