بعد عام واحد من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أي عام 1980، خططت مجموعة من قادة القوات الجوية الإيرانية، لانقلاب عسكري عُرف بانقلاب "نوجه"، بغية الإطاحة بالإسلاميين الجدد الذين تبوّأوا سدة الحكم، لكن خطة الانقلابيين العسكريين كُشفت عشية تنفيذ انقلابهم، وتم القبض عليهم ومحاكمة كل المتورطين.
عقب انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران، وتأسيس الجمهورية الإسلامية على يد قائد الثورة آية الله الخميني، أصبح لهذا النظام الجديد مناوئون كُثر داخل البلاد وخارجها، حيث عملت فرق وأحزاب، بعضها تعاونت مع دول أخرى، للإطاحة بالنظام الإسلامي في إيران.
ثلاث محاولات لتقويض نظام الإسلاميين في إيران
"نقاب" هو الاسم المختصر لحركة "إنقاذ انتفاضة إيران العظمى"، بالفارسية (نجات قيام ايران بزرگ)، لكنها عُرفت في ما بعد بـ"نوجه"، نظراً إلى مقرّها الذي كان في قاعدة "الشهيد نوجه" الجوية، وهو الطيار "محمد نوجه" الذي قُتل في 16 آب/أغسطس 1979، في مدينة باوه في غرب البلاد، وذلك في أثناء مشاركته في عمليات مواجهة الأكراد، الذين أرادوا الاستقلال ودخلوا في مواجهة عنيفة مع قوات النظام آنذاك.
كان هدف هذا الانقلاب العسكري الإطاحة بالإسلاميين الجدد الذين تبوّأوا سدة الحكم، لكن كُشفت خطة الانقلابيين العسكريين، عشية تنفيذ انقلابهم، وتم القبض عليهم ومحاكمة كل المتورطين
ولم تكن "نوجه" المحاولة الوحيدة للإطاحة بالنظام، بل كانت قبلها محاولتان أخريان، الأولى عندما فرض الجيش الإيراني عشية انتصار الثورة الإسلامية في 10 شباط/ فبراير 1979، حظر تجوال في البلاد، وقابلها الخميني بفتوى شرعية طالب فيها جميع الإيرانيين بالنزول إلى الشوارع، فخرج الناس ملبّين نداءه، ففشلت المحاولة.
أما المحاولة الثانية، فجاءت بعد اقتحام السفارة الأمريكية في طهران من قبل طلاب جامعة طهران، الذين احتجزوا موظفي السفارة رهائن لدى النظام، وقرر مجلس الأمن القومي الأمريكي شن هجوم عسكري على طهران وإنقاذ الرهائن، وانتهت هذه العملية قبل بدئها، بسبب تقلّب الطقس واندلاع عاصفة رملية في صحراء طبس أجبرت القوات الأمريكية على الهبوط، ما أدى إلى تحطّم بعض الطائرات والمروحيات قبل تنفيذ العملية، ليُعلن في ما بعد عن فشل المهمة التي سُمّيت بـ"مخلب النسر"، وتُعرف هذه القضية في إيران بـ"واقعة طَبَس".
ويُعدّ انقلاب "نوجه" المحاولة الثالثة في هذه الانقلابات الفاشلة، وقد دبّره قائدان من قادة القوات الجوية الإيرانية هما الفريق سعيد مهديون، القائد السابق للقوات الجوية الإيرانية، والعميد آيت محققي، وكانا يتابعان عملهما لتخطيط الانقلاب وتنفيذه من قاعدة "شاهرخ" التي تغيّر اسمها في ما بعد إلى قاعدة شهيد نوجه، الواقعة في غرب البلاد بالقرب من مدينة همدان.
كان الهدف الرئيسي لهذا الانقلاب الإطاحة بالنظام الجديد، والعودة بالشاه الإيراني المخلوع محمد رضا شاه، وآخر رئيس وزراء في عهده شابور بختيار، إلى الحكم مجدداً، وذلك بعد تنفيذ خطة الهجوم الجوي على مقرّ إقامة الخميني واغتياله، ومن ثم السيطرة على مطار مهر آباد الدولي، وفي الأخير السيطرة على هيئة الإذاعة والتلفزيون، وإصدار بيان عسكري باغتيال الخميني وتقويض نظام الحكم الجديد.
فشل "نوجه"
قبيل تنفيذ هذه الخطة بساعات، وبطريقة ما، كُشف أمر الانقلابيين من قبل مسؤولي النظام الجديد، مثل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق الراحل، وآية الله خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، وآخرين، مما جعل محاولة الانقلاب تبوء بالفشل، وتالياً أُلقي القبض على أكثر من 300 عضو من العسكريين والمدنيين المتورطين في الأمر.
وفي اليوم التالي نشرت إذاعة إيران، تقريراً عن تفاصيل إحباط محاولة الانقلاب الذي كان يرمي إلى الاستيلاء على القواعد العسكرية في البلاد، ومهاجمة المراكز الإستراتيجية ومنزل الخميني، وأوضحت أن قوات الحرس الثوري اشتبكت مع الانقلابيين، وألقت القبض عليهم، وقُتل ثلاثة أشخاص من القوات الحكومية خلال هذه الاشتباكات. حينها اتهم الخميني، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي بتدبير تلك المحاولة.
وبعد يومين من هذه الأحداث، تم القبض على مهديون ومحققي، واعترفا في أثناء التحقيق معهما، بتدبير الانقلاب وذلك بالتعاون مع شابور بختيار، الذي كان مستقراً في باريس آنذاك، وعلى هذا الأساس حُكم عليهما بالإعدام، بتهمة تقويض نظام الحكم والخيانة.
بالتزامن مع هذه الأحداث، أفادت وكالة الأنباء التركية، بأن ضابطَين إيرانيَّين فرّا إلى تركيا عبر مروحية، وتقدّما بطلب اللجوء السياسي هناك، وسرعان ما طلبت الحكومة الإيرانية تسليمهما، وقبلت الحكومة التركية بإعادة المروحية على الفور، بينما اشترطت إزاء تسليم الضابطين، تحقيق بعض مطالبها، وحتى الآن لا معلومات عن تفاصيل الشروط أو عن تورط هذين الشخصين في الانقلاب.
وجراء الهروب الجوي هذا، أغلقت الحكومة الإيرانية حدودها الجوية لمدة أسبوعين، ومنعت خروج المشتبه بهم عبر الحدود، كما حظرت خروج جميع الطائرات الإيرانية والأجنبية التي كانت في إيران في أثناء وقوع هذه الأحداث، لكن سمحت للطائرات المتجه نحو إيران، بالدخول إلى أجوائها شريطة الحجز المسبق لمدة 48 ساعةً.
بعد مضي تسعة أيام على محاولة الانقلاب، أصدر رئيس المحكمة العليا في تلك الحقبة محمد بهشتي، حكم الإعدام بحق المتورطين الذين تم القبض عليهم، وأُعدم خمسة من قادة الجيش، وفي ما بعد تم إعدام 121 من المعتقلين بسبب هذه القضية، وذلك بحكم من محمد ريشهري، رئيس محكمة الثورة في طهران آنذاك.
أما شابور بختيار الذي تعاون مع انقلابيي "نوجه" من فرنسا، فلم يسلم من تداعيات تلك القضية، وجرت محاولة اغتياله في محل إقامته في باريس، وذلك من قبل ثلاثة أشخاص غير إيرانيين، هم: محمد لوهاي سوري الجنسية، واللبناني أنيس نقاش، وشخص مجهول الهوية من ليبيا، وفشلت محاولتهم ولم يُصَب بختيار بأي أذى، وعندما تم إلقاء القبض عليهم نفت الحكومة الإيرانية وجود أي صلة بينها وبين هؤلاء المتهمين.
تغريم الولايات المتحدة لتورطها في "نوجه"
مضت أكثر من أربعة عقود على محاولة انقلاب "نوجه" الفاشلة، لكنها لم تُمحَ من ذاكرة طهران حتى قضت محكمة إيرانية في 26 آب/أغسطس العام الجاري، بتغريم الولايات المتحدة الأمريكية، 330 مليون دولار، عقب اتهامها بالضلوع في تلك المحاولة الانقلابية.
كان الهدف الرئيسي لهذا الانقلاب الإطاحة بالنظام الجديد، والعودة بالشاه الإيراني المخلوع محمد رضا شاه، وآخر رئيس وزراء في عهده شابور بختيار، إلى الحكم مجدداً، وذلك بعد تنفيذ خطة الهجوم الجوي على مقرّ إقامة الخميني واغتياله
جاء هذا الحكم إثر شكوى تقدّمت بها أسر المقتولين في الاشتباكات، التي حدثت في أثناء القبض على قادة وأعضاء حركة "نوجه" في 1980، ورُفعت هذه الدعوى في سنة 2002، لمقاضاة كل من تورط في تلك الأحداث.
وجاء في نص الحكم: "بعد الاستماع إلى دفاع محامي المدّعين، ونظراً إلى الأعمال الإرهابية الأمريكية في انقلاب "نقاب" (نوجه)، وبعد النظر في القضية من قبل محكمة 55، المختصة بالعلاقات الدولية في طهران، قضت المحكمة بإدانة الحكومة الأمريكية بدفع 30 مليون دولار كتعويضات مادية ونفسية للمدّعين، وكذلك تغريمها 300 مليون دولار أخرى".
حتى هذه اللحظة لم تردّ الإدارة الأمريكية رسمياً أو تصرّح في هذا الشأن، ومن المرجح أن ترفض هذه الدعوى، بكل تفاصيلها من تورط ودعم وتخطيط أو تدخل بشكل مباشر وغير مباشر في الانقلاب العسكري.
أصدرت محكمة طهران هذه الأحكام ضد الولايات المتحدة، بعد فترة وجيزة من قبول واشنطن استرداد الأصول الإيرانية المجمدة لدى كوريا الجنوبية، والتي تُقدّر بسبعة مليارات دولار، جراء العقوبات الأمريكية على إيران، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلباً ويعيد التوتر من جديد إلى العلاقات المنقطعة والمتدهورة أصلاً بين واشنطن وطهران.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...