بعد أكثر من عامين من المفاوضات بوساطة عمانية وقطرية، تم الإعلان عن صفقة بين إيران والولايات المتحدة يوم الخميس 10 آب/أغسطس الحالي، تضمنت إفراج إيران عن خمسة سجناء أمريكيين مقابل إفراج الولايات المتحدة عن سجناء إيرانيين لديها بهذا العدد أو أكثر، إضافة إلى الإفراج عن عائدات النفط الإيراني المجمدة لدى كوريا الجنوبية التي تقدر بستة أو سبعة مليارات دولار.
وسبق هذه الصفقة، أحاديثُ رسمية وإعلامية متعددة غالبيتها إيرانية بأن دولة قطر وسلطنة عمان تلعبان دوراً للوساطة بين أطراف الاتفاق النووي، ولمبادرات تبادل السجناء وتحرير الأموال الإيرانية المجمدة في الدول الأخرى.
وقبل أيام قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده ترحب بالمبادرات الدبلوماسية التي تساعد على رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وأشار إلى أن بلاده تتبادل الرسائل مع الولايات المتحدة بشأن تبادل السجناء عبر عُمان وقطر.
وقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، وجودَ "اتفاق مكتوب" مع الولايات المتحدة بخصوص تبادل السجناء بعيداً عن المحادثات النووية، تمّ التوقيع عليه منذ شهر آذار/مارس 2022 عبر وسيط، لكن لم يتم تنفيذه من قبل الإدارة الأمريكية بذرائع مختلفة"، وفقاً له.
تعتبر عوائد تصدير النفط الإيراني إلى كوريا الجنوبية قبل انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، مهمة جداً لإيران التي لا زالت تعاني من الأزمة الاقتصادية نتيجة العقوبات المفروضة عليها
وسبقت الصفقة أيضاً زيارات متبادلة بين طهران ومسقط من جهة وبين طهران والدوحة من جهة أخرى، واستضافت الدوحة في الفترة الأخيرة، مسؤولين سياسيين واقتصاديين منهم كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، ونائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري، ومحافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين.
وتعتبر عوائد تصدير النفط الإيراني إلى كوريا الجنوبية قبل انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، مهمة جداً لإيران التي لا زالت تعاني من الأزمة الاقتصادية نتيجة العقوبات المفروضة عليها، ومنذ احتجاز هذه الأموال تبحث إيران بشدة عن سبل للإفراج عنها، وفي أحدث خطوة لها قامت بتقديم شكوى ضد حكومة كوريا الجنوبية.
تفاصيل الصفقة
أعلن الإعلام الرسمي الإيراني في تقارير تلتها بيانات رسمية عن بدء تنفيذ صفقة تبادل السجناء والإفراج عن أموال مجمدة لإيران، بموجب اتفاق بين البلدين برعاية دولة قطر. وفي خطوة أولية تم نقل خمسة إيرانيين أمريكيين (مزدوجي الجنسية) من سجن إيفين في طهران إلى الإقامة الجبرية ووضعهم تحت الحراسة في فندق في طهران، لم يذكر اسمه.
وفقاً لوكالة "إرنا" الرسمية الإيرانية، الصفقة تقضي بإفراج إيران عن خمسة سجناء أمريكيين مقابل إطلاق سراح خمسة أو أكثر سجناء إيرانيين لدى الولايات المتحدة، وسيتم الإفراج عن ستة مليارات دولار من أموال إيرانية مجمدة في كوريا الجنوبية، إلى جانب جزء كبير من الأموال الإيرانية لدى بنك "تي بي آي" العراقي.
وسيتم في هذا الإطار تحويل أموال إيران في كوريا الجنوبية من الـ"وون" (عملة كوريا الجنوبية) إلى اليورو، وهو ما تم القيام به، ومن ثم ستنقل إلى مصرف في سويسرا، ومن هناك إلى حساب مصرفي في قطر ليكون متاحاً لإيران استخدام هذه الأموال. ووفقاً للاتفاق لن يتم الإفراج عن السجناء الأمريكيين إلا بعد أن تتحقق إيران من قدرتها على سحب أموالها من حساب إيراني في قطر.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان إنه تم البدء بالإفراج عن مليارات الدولارات من أموال إيران التي احتجزت بشكل "غير قانوني" من قبل واشنطن، حسب وصفها.
أكدت إيران أنها حصلت على الضمانات الكافية لتنفيذ واشنطن التزاماتها في الاتفاق. وأن السجناء في إيران سيبقون حتى اكتمال تحويل الأموال والإفراج عن السجناء الإيرانيين.
ورغم التأكيد الأمريكي بأن الأموال الإيراني التي سيُفرج عنها ستكون متاحة لإيران لأغراض إنسانية فقط وتحت رقابة صارمة، إلا أن وزارة الخارجية الإيرانية أكدت في بيانها أن طريقة استخدام الأموال المجمدة بعد الإفراج عنها ستكون تحت تصرف إيران، والسلطات الإيرانية المعنية ستتولى عملية إنفاقها على النحو الذي تراه مناسباً تلبية لاحتياجات البلاد.
وفي هذا السياق ورداً على التصريحات الأمريكية التي أكدت بأن إيران لا تمتلك حق التصرف المباشر بهذه الأموال ويمكنها تقديم طلب لشراء الطعام والأدوية وعدد محدود من المعدات الطبية من أحد البنوك في الدوحة، قال مستشار الفريق النووي الإيراني المفاوض محمد مَرَندي إن إيران سيكون لها وصول مباشر وكامل إلى أصولها المفرج عنها، ولا تشاركها في هذا الحق أي شركة قطرية، وإيران يمكنها شراء الخدمات والسلع دون أي قيود.
وشددت الخارجية الإيرانية على أن طهران حصلت على الضمانات الكافية لتنفيذ واشنطن التزاماتها في الاتفاق. وقال مكتب الرئيس الإيراني إن السجناء في إيران سيبقون حتى اكتمال تحويل الأموال والإفراج عن السجناء الإيرانيين.
الموقف الأمريكي
نقلت شبكة ABC الأمريكية عن مصدر مطلع أن واشنطن لا تتوقع إفراجاً سريعاً عن السجناء في إيران والعملية قد تستغرق أسابيع، وقد يتم الإفراج عنهم من الإقامة الجبرية ووصولهم إلى الأراضي الأمريكية مطلع شهر أيلول/سبتمبر القادم.
وأكد البيت الأبيض نقل أمريكيين من السجن إلى الإقامة الجبرية في إيران، ووصف الخطوة بالمشجعة، مشيداً بدور دولة قطر في هذا الملف.
وقال جون كيربي منسق الاتصالات بمجلس الأمن القومي الأمريكي: "نركز على كل أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة ودعمها لروسيا وتهديداتها للسفن. لسنا في مفاوضات الآن مع إيران بشأن العودة للاتفاق النووي، وما نتحدث عنه الآن هو وضع جزء من أموال إيران المجمدة في حسابات لاستخدامها لأغراض إنسانية فقط".
ووصف أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي نقل المحتجزين إلى الإقامة الجبرية بأنه خطوة إيجابية و"بداية نهاية كابوس المحتجزين وعائلاتهم". كما أكد أن بلاده لن تخفف العقوبات على إيران بموجب مسودة هذه الصفقة.
موقف كوريا الجنوبية وقطر
بعد ساعات من الإعلان عن الصفقة، قالت كوريا الجنوبية إنها ليست لديها معلومات تتعلق بالتقارير الإعلامية التي أفادت بأن إيران قد تفرج عن خمسة مواطنين أمريكيين محتجزين في إطار صفقة سيُلغى بموجبها تجميد الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية. وأضافت في بيان أن "حكومتنا تتشاور عن كثب مع الدول المعنية، مثل الولايات المتحدة وإيران، لحل قضية الأموال المجمدة، وتأمل في حل هذه القضية ودياً".
كما قال وزير الدولة بوزراة الخارجية القطرية محمد الخليفي، الذي زار طهران عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة، إن بلاده تؤمن بضرورة حل الخلافات بالطرق السلمية والدبلوماسية والحوار، ولعبت دوراً محورياً في تيسير الحوار بين طهران وواشنطن لإطلاق سراح عدد من السجناء وإنشاء قناة مصرفية تعالج عدداً من المسائل المتفق عليها بين الطرفين.
ملف المعتقلين بين إيران والولايات المتحدة
تتهم الدولُ الغربية إيرانَ بابتزازها بملف اعتقال مواطنين غربيين أو إيرانيين يحملون جنسية الدول الغربية، وأخذهم رهائن مقابل رفع بعض العقوبات أو استرداد أموالها المجمدة لدى الدول الأخرى بموجب العقوبات.
وبدأ ملف المعتقلين بين إيران والولايات المتحدة منذ أكثر من أربعين عاماً حين قام ثوار إيرانيين باقتحام مقر السفارة الأميركية في طهران واعتقال 52 دبلوماسياً أمريكياً عام 1979، وبعد فترة قصيرة من انتصار الثورة. ويعتبر ذلك أهمَّ ملفٍ بهذا الشأن بين البلدين، حيث أدى إلى إلى توتر كبير وانقطاع في العلاقات بينهما، مستمر حتى الآن.
لكن هذا الحادث، لم يكن الحادث الوحيد في مجال المعتقلين بين البلدين، وطوال العقود الأربعة الماضية، لا سيما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018، وقعت اعتقالات لإيرانيين في الولايات المتحدة بتهمة الالتفاف على العقوبات الأمريكية، ولمواطنين أمريكيين ومزدوجي الجنسية في إيران بتهمة التجسس للولايات المتحدة والتآمر معها.
طوال العقود الأربعة الماضية، وقعت اعتقالات لإيرانيين في الولايات المتحدة بتهمة الالتفاف على العقوبات الأمريكية، ولمواطنين أمريكيين ومزدوجي الجنسية في إيران بتهمة التجسس.
تمت بين إيران والولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة ثلاث صفقات لتبادل السجناء، أهمها: صفقة في يوم 16 يناير/كانون الثاني 2016 في عهد رئاسة باراك أوباما بالتزامن مع بدء تطبيق الاتفاق النووي، وهي أكبر صفقة تبادل بين البلدين. بموجب هذه الصفقة، أفرجت إيران عن خمسة مواطنين أمريكيين كانوا معتقلين بتهمة التجسس، أربعة منهم من أصول إيرانية يحملون الجنسية الأمريكية أيضاً، منهم مدير مكتب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في طهران، جيسون رضائيان. وفي المقابل، أفرجت الولايات المتحدة عن سبعة مواطنين إيرانيين، كانت قد اعتقلتهم بتهمة الالتفاف على العقوبات.
وفي أول صفقة تبادل سجناء بين طهران وواشنطن في عهد دونالد ترامب، تم يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2019 اإطلاق سراح الأكاديمى الإيراني مسعود سليماني من قبل واشنطن مقابل إفراج طهران عن الباحث الأمريكي شيوي وانغ.
وفي صفقة أخرى في 5 يونيو/حزيران 2020 أفرجت إيران عن الجندي الأمريكي السابق مايكل وايت، مقابل إفراج واشنطن عن العالمَين الإيرانيين مجيد طاهري وسيروس عسكري.
من هم سجناء الصفقة الحالية بين طهران وواشنطن؟
السجناء الذين أفرجت عنهم إيران من سجن إيفين يوم الخميس الماضي، هم:
سيامك نمازي وهو رجل أعمال ومدير التخطيط لشركة "كرسنت" النفطية، الذي أوقف في إيران في أكتوبر/تشرين الأول 2015 واتُّهم بالتجسس للولايات المتحدة.
عماد شرقي، وهو رجل أعمال ومستثمر، اعتقل في مايو/أيار 2018 وحُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة التجسس.
مراد طاهْباز، التاجر اليهودي الذي أوقف إلى جانب نشطاء بيئيين آخرين في يناير/كانون الثاني 2018، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة التجسس وجمع معلومات سرية عن مناطق إستراتيجية تحت ستار مشاريع الحفاظ على البيئة.
واثنين آخرين (رجل وامرأة) لم يتم الكشف عن هويتهما، لكن في ما يبدو أن من بينهما منيره ترز بصير، ناشطة إيرانية أمريكية كانت تعمل مع المؤسسات الدولية بشأن أفغانستان، وأفادت تقارير إعلامية بنقلها في الأسابيع الأخيرة إلى الإقامة الجبرية.
وصف وزير الخارجية الأميركي نقل المحتجزين إلى الإقامة الجبرية بأنه خطوة إيجابية و"بداية نهاية كابوس المحتجزين وعائلاتهم". كما أكد أن بلاده لن تخفف العقوبات على إيران بموجب مسودة هذه الصفقة
وجميع هؤلاء السجناء هم أمريكيون من أصل إيراني، أو بعبارة أخرى إيرانيون يحملون الجنسية الأمريكية.
ووفقاً لـتقارير إعلامية، السجناء الإيرانيون في الولايات المتحدة هم 17 شخصاً. ولم يتم الكشف حتى الآن عن هوية السجناء الإيرانيين الذين يتم الإفراج عنهم مقابل السجناء الأمريكيين الخمسة المشار إليهم.
ما يحمله المستقبل بعد صفقة طهران وواشنطن
تؤكد إيران دائماً على استعدادها للإفراج عن جميع المواطنين الأمريكيين المحتجزين لديها، فی حال موافقة الولايات المتحدة على الإفراج عن جميع الإيرانيين المعتقلين لديها، وليس من الواضح أن يتم ذلك في الفترة القادمة، ومع إتمام هذه الصفقة.
برغم أن الصفقة الحالية بين طهران وواشنطن، وماسبقتها من مفاوضات، جرت بعيدة عن طاولة المفاوضات النووية في فيينا، إلا أن هناك توقعات بتأثيرها على المفاوضات النووية على المدى البعيد. وفي المقابل يعقتد البعض أن هذه الصفقة وما ستليها من صفقات أو خطوات أخرى لن تنتهي باتفاق نووي شامل، بل من المتوقع أن تتم بين طهران وواشنطن صفقات او اتفاقات بموجبها تحصل على إعفاءات من العقوبات المتعلقة بتصدير النفط مقابل انخفاض نسبة تخصيب اليورانيوم وتعاون أكبر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتخفيف من أنشطتها في المنطقة.
وسبق أن أعلنت قطر على لسان المتحدث باسم خارجيتها ماجد الأنصاري بأن ملف التوتر بين طهران وواشنطن، ملف صعب ومعقّد، وما تسعى إليه قطر هو تذليل الصعوبات الكبيرة التي تواجه الوصول لاتفاق لحل الملف النووي، وتحويل هذه القضية الكبيرة إلى ملفات يمكن التعامل مع كل منها على حدة ومعالجتها بشكل منفصل للوصول إلى صورة تجعل الوضع أقرب للاتفاق الشامل بين الطرفين.
شعبياً، يرى جزء كبير من الإيرانيين أن الإفراج عن الأموال المجمدة سوف لا ينعكس على حياتهم، غير أنه من الممكن أن يؤثر قليلاً على قيمة العملة الإيرانية مقابل العملات الأجنبية، كما يعتقدون أنه من الممكن أن يؤدي إلى عدم رغبة إيران في التوصل إلى حل الملف النووي، بعد حصولها على هذه الأموال.
النتائج الدعائية والإعلامية للصفقة لدى التيار المحافظ في إيران، يبدو أنها ستكون أكبر من النتائج الاقتصادية، حيث اعتبر التيار المحافظ في إيران فور الإعلان عن الصفقةَ بأنها انتصار للحكومة المحافظة برئاسة إبراهيم رئيسي وخطوة أظهرت الدبلوماسية النشطة والقوية للحكومة، والتي أدت إلى إخضاع الإدارة الأمريكية لمطالب إيران.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع