تجلس ميسم على حافة سريرها، ترتدي قميصها الشيفون الأسود القصير، تحرّك أصابعها فوق ركبتها إلى أسفل قدمها، تفكر بنعومة ملمس جسدها بعد جلسة الليزر التي أجرتها وتشعر بحاجتها إلى ممارسة العلاقة الحميمة: "أشعر بأنني من النساء اللواتي يمتلكن رغبةً جنسيةً قويةً تتجلى خاصةً بعد انتهاء الدورة الشهرية، فأحس بجسدي يطالبني بوصال الحبيب، لكن لم أفعلها يوماً، برغم مرور خمس سنوات على زواجي".
في انتظار المحبوب
ترى ميسم (28 عاماً)، أنه على الزوج دائماً اتخاذ زمام المبادرة، وطلب العلاقة الحميمة من زوجته، لأن العكس يجعل المرأة في موقع حرج، خاصةً إذا قابل طلبها بالرفض. وتشرح ذلك لرصيف22: "مذ كنّا فتيات في عمر المراهقة، تعلمّنا أن المرأة يحرّم عليها الإفصاح عن مشاعرها لأي رجل يعجبها، فكيف سيكون الأمر مع إفصاحها عن رغباتها الجنسية؟ للأسف، إنه أمر محرّم على المرأة ومحلّل على الرجل".
وماذا عن زوجك؟ تجيب ميسم: "يعمل عمّار مدرّب سباحة، يمتلك جسداً رشيقاً ويبادر دائماً إلى التقرّب مني في السرير، لكنه لا يطالبني بذلك. عندما أشعر بالرغبة تسري في جسدي، أحاول ارتداء ملابس النوم المكشوفة والتجول في الصالة أمامه. أحياناً يفهم رسالتي، وأحياناً أخرى يفهمها لكن لا يبادر، لذلك أرى أن الرفض غير المباشر لرغبات المرأة أفضل من الرفض المباشر، فلا أعرض نفسي من خلال الكلام".
"أشعر بأنني من النساء اللواتي يمتلكن رغبةً جنسيةً قويةً تتجلى خاصةً بعد انتهاء الدورة الشهرية، فأحس بجسدي يطالبني بوصال الحبيب، لكن لم أفعلها يوماً، برغم مرور خمس سنوات على زواجي"
في هذا السياق، يقدّم موقع مايو كلينيك، دليلاً إرشادياً يساعد النساء في الحديث عن رغباتهنّ الجنسية مع شريك حياتهنّ، وينصح الموقع المرأة بالتحدث عن مخاوفها لشريكها، وأن تشرح له شعورها بخصوص مناقشة رغباتها الجنسية، أو دعوته لقراءة كتاب حول الصحة الجنسية للمرأة، ويمكن أيضاً استخدام مشهد أو فيلم كنقطة لبداية النقاش.
ليلة للرقص والإغواء
تقف نسرين أمام المرآة عاريةً، تبدأ بدهن جسدها بالكريم المرطب، ثم تعطره بالعطر الخاص بها، وترتدي بدلة الرقص الجديدة التي اشترتها عبر الإنترنت، وهي عبارة عن تنورة أرجوانية اللون مشكوكة بالأحجار الكريمة، مع قلادة وحلقة للذراع وحمّالة صدر ينتفخ صدرها في داخلها. تقول لرصيف22: "إن ارتداء هذه البدلة يعني أنني أريد الرجل، بالرقص أعبّر لزوجي عن رغبتي فيه، وهي طريقة ناجحة تشعل الرغبة في جسده، فيركض لملاقاتي".
لماذا لا تخبرينه مباشرةً؟ تجيب: "قد لا يحب الرجل المرأة المحتاجة إليه، بل يحب المرأة الجريئة التي تتقن إظهار مفاتنها وتحكي عن رغبتها بعينيها وبجسدها، ومن طبيعة المرأة ألا تعرض نفسها من خلال السؤال المباشر، بل عبر السلوك، إما بارتداء ملابس مكشوفة أو التبرج أو الغناء في الحمّام أو بمداعبته في أثناء جلوسهما معاً".
"عندما أشعر بالرغبة تسري في جسدي، أحاول ارتداء ملابس النوم المكشوفة والتجول في الصالة أمامه. أحياناً يفهم رسالتي، وأحياناً أخرى يفهمها لكن لا يبادر، لذلك أرى أن الرفض غير المباشر لرغبات المرأة أفضل من الرفض المباشر"
تعمل نسرين (35 عاماً)، في فندق في مدينة بغداد، وتضيف لرصيف22: "برغم أن بغداد لا تحتوي على الكثير من الملاهي الليلية والبارات، إلا أن صديقاتي ينصحنني بالتبرج والرقص لزوجي، خوفاً من ذهابه إلى تلك الأماكن بحثاً عن سيدة جريئة تعطيه ما يبتغيه، لذلك اشتريت بعض ملابس النوم المزركشة وبدلات الرقص المغرية، ولا أجدها معيبةً أو مهينةً بحق المرأة".
الرجل المسيطر
يرى محمد وهو شاب عراقي من بغداد، أن المرأة المبادرة بالتعبير عن مشاعرها أو احتياجاتها الجنسية، غير مرغوبة لدى بعض الرجال، لأن الرجل الشرقي، وفق رأيه، يحب أن يكون المسيطر وصاحب المبادرة.
يحكي محمد لرصيف22، قصةً عاطفيةً عاشها قبل عامين: "كنا نعمل معاً في الشركة ذاتها، شعرت بإعجابها، بقينا عامين متواصلين نتبادل التلميحات، لكنني لم أبادر بأي خطوة تجاهها، لأنني أؤمن بأن الشخص المبادر سيسلم نفسه للطرف الآخر، والرفض سيكون أثره سلبياً سواء كان المرفوض رجلاً أو امرأةً".
ويؤكد الشاب الثلاثيني أن خطوة المرأة بالتعبير عن حبها للرجل، أو عن رغبتها الجنسية، ستربطها مباشرةً بالمرأة الجريئة التي عاشت علاقات متعددةً، فأصبح من السهل عليها طلب العلاقة الحميمة من شخص يعجبها، وتالياً ستتناقص فرصها في الزواج، "فالرجال الشرقيون لا يرفضون امرأةً تفصح عن حبها لهم، لكنهم لا يتزوجونها أيضاً"، وفق قوله.
الجنس تمهيداً للحب
تقول فيديريكا، وهي شابة فرنسية تعمل في بغداد، إن الثقافة الغربية تختلف عن العربية في ما يخص المرأة، فالمرأة في الدول الأوروبية حصلت على جزء من حقوقها، وما زالت تناضل من أجل المزيد، لكن بشكل عام تفضّل النساء الرجل المبادر والجريء الذي يعبّر عن حبه بقوة.
وعن تجربتها تقول: "تجربتي تختلف عن النساء في بغداد، فأنا مارست العلاقة الحميمة مع شريكي قبل أن نعترف لبعضنا بالحب. قمنا بذلك عشرات المرات، وبعدها شعرنا بأن أحاسيسنا تنمو في داخلنا، فاعترفنا لبعضنا بالحب، كان هو صاحب المبادرة، أخبرني أنه يحبني، وما زلنا معاً منذ عامين ونصف".
تقول المعالجة النفسية والمتخصصة في علم النفس، جميلة علي، لرصيف22، إن "العلم أكد على وجود رغبة واحتياج جنسي عند المرأة والرجل، لكن تلبية هذه الرغبات والاحتياجات تختلف من بيئة إلى أخرى".
وتشرح المعالجة النفسية أن "التربية الشرقية مبنية على ثقافة العيب والإحساس بالعار. تكبر الفتاة على كتم المشاعر وعدم الإفصاح عن الرغبات، لأن التعبير عن مشاعر الحب والإعجاب، أو الرغبة في الارتباط، أو أي حديث خاص بالجنس يُعدّ بالنسبة للبعض قلة تربية، تحاسَب الفتاة عليها".
وتضيف: "غرسوا مبدأ الفتاة التي تُطلب للزواج وليس العكس، حتى في العلاقات ليس من المحبب إفصاح الفتاة عن اعجابها، وإذا فعلت، سوف تشوّه صورتها الحسنة في عيون بعض الرجال الشرقيين. وعند سؤالها عن موافقتها على الزواج، كانت المرأة في المجتمعات المحافظة لفترات طويلة تلتزم الصمت، تعبيراً عن خجلها من الخوض في هذه الأحاديث. كانوا يفسرون صمتها بالموافقة، فيُقال: السكوت علامة الرضا".
وفي المقابل، توضح أن الرجل في بعض المجتمعات الشرقية ترعرع على فكرة أن الزوجة الصالحة هي التي تُطلب ولا تَطلب: "عندما تحاول المرأة الاعتراف بحبها أو رغبتها للشاب، ستخطر في عقله عشرات الأفكار بأن هذه الشابة لديها علاقات سابقة، إذاً لا تصلح للزواج".
الحب بمنظور علم النفس
يقدم الكاتب النمساوي ثيودور رايك، في كتابه "الحب بين الشهوة والأنا"، تحليلاً نفسياً مرتبطاً بطبيعة الرجل والمرأة. هذا التحليل بعيد عن الموروث الديني أو الاجتماعي الذي تم فرضه على المرأة.
يقول رايك، إنه عند التفحّص التحليلي لبداية الحب اللا واعية، فإن الحب لا يبدو ذلك الانفعال العذب الذي تشتمل عليه حكايات الغرام، فثمة حسد وغيرة وتناول للموضوع بروح السلب. يريد المحبوب أن يعانق محبوبته ويعاملها بحنان، لكن النزعات اللا واعية الأولى هي الطمع والرغبة في الاستيلاء عليها، وامتلاكها وإجبارها على أن تكون له.
ويرى الكاتب أن دوافع الحب تشتد وتصبح أكثر إلحاحاً إذا ما قوبلت بالرفض أو بفتور واقعي أو مصطنع من قبل المحبوب، ويعطي مثالاً أحد المرضى الذين زاروا عيادته بعد الانفصال العاطفي قائلاً إن شاباً قال عن محبوبته التي رفضته: "إنها تجعلني أشعر بالصغر وعدم الاهتمام"، وقالت فتاة عن رجل يعجبها ولا يبالي لأمرها: "كيف يجرؤ على مثل هذه الثقة؟".
في بعض الأحيان لا يكون هناك سوى ترقب صامت بين الرجل والمرأة: كل منهما يناور من أجل احتلال موقع أفضل، فتصبح حركة كرّهما وفرّهما شبيهةً بحركة الثنائي الراقص، فعندما ينقل الرجل ساقاً إلى الأمام تُبعد المرأة ساقها إلى الخلف والعكس بالعكس
يؤكد رايك أن اعتزاز المرأة بنفسها وامتناعها عن الرجل وإغواءها له بشكل غير مباشر، وإهمالها البارد لدوافعه، كلها أمور تفعل فعلها بالرجل، لا باعتبارها منغصات تُبعد عنه ما هو راغب فيه، بل باعتبارها تحديّاً يواجهه بالضبط. وكلما أبدت المرأة رباطة جأش وثقةً بنفسها واكتفاءً بذاتها وحسب، وبدت عصيّةً لا تطال، تثير لدى العديد من الرجال كل نزوات الانتزاع.
وبحسب الكاتب، فإن هذا التوتر الذي تثيره المرأة في امتناعها عن الرجل، أو إغوائها له عبر السلوك، هو واحد من الشروط السيكولوجية الأساسية لتطور الغرام، فمن دونه لا يمكن أن توقَظ مشاعر الغرام، وحين لا يوجد هذا التوتر، فمن الممكن أن يبقى الحافز الجنسي، ولكن ليس ثمة حافز للحب، فغياب التوتر الخلاّق يحول دون تطور الغرام أو يقضي عليه في المهد.
واللافت أنه في بعض الأحيان لا يكون هناك سوى ترقب صامت بين الرجل والمرأة: كل منهما يناور من أجل احتلال موقع أفضل، فتصبح حركة كرّهما وفرّهما شبيهةً بحركة الثنائي الراقص، فعندما ينقل الرجل ساقاً إلى الأمام تُبعد المرأة ساقها إلى الخلف والعكس بالعكس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 6 ساعاتأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يومينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 6 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...