من فترة لأخرى، تخرج علينا مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات عن رجال قرروا التشهير بزوجاتهم السابقات بعد الطلاق، سواء بنشر صور عارية لهن تم تصويرها خلال فترة الزواج، أو بإرسالها مباشرة للأقارب والمعارف من الرجال، أو حتى بإفشاء أسرار السرير الزوجي لكل من يرغب أو لا يرغب في سماعها.
بعيداً عن قدسية الأسرار في علاقة ذات مهابة مثل الزواج، يبقى السؤال المهم: ما هو السبب الذي يجعل تفاصيل ممارسة الجنس بين الزوجين المطلقين وسيلة للتحقير من قبل أحد الطرفين؟
فضيحة بعد الطلاق، والسبب حممت زوجها
ربما بدت المقدمة للوهلة الأولى متحاملة على الأزواج المطلقين، أو تشبه مبالغات مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الحقيقة تحمل أحياناً وجوهاً أغرب من أشد الخيالات غرابة، فالسيدة دينا أحمد، التي تعيش في إحدى قرى ريف مصر، تحدثت إلى رصيف22، حول تجربة مشابهة مرت بها مع زوجها السابق.
خلال فترة زواجهما القصيرة ولأسباب رومانسية، عرضت عليه الاستحمام سوياً، رفض في البداية لاعتباره أن هذا أمراً شديد الوقاحة، ثم وافق على أن تحممه هي.
ما هو السبب الذي يجعل تفاصيل ممارسة الجنس بين الزوجين المطلقين وسيلة للتحقير من قبل أحد الطرفين؟
كانت دينا ترى أن هذا الطقس قد يحسن من الحميمية الغائبة في العلاقة بينها وبين زوجها منذ بداية الزواج، ولكن لأسباب مختلفة طلبت الطلاق بعد فترة، وفي تلك المرحلة وكمحاولة للنيل من شرفها، نشرت والدة زوجها في البلدة أنها "امرأة قليلة الأدب، كانت تحمم زوجها وتطلب منه الاستحمام سوياً، فلا يوجد زوجة محترمة تطلب ذلك".
يبدو الأمر مضحكاً حتى بالنسبة لدينا وهي تتحدث عنه الآن، فتقول ساخرة من نفسها: "كنت رومانسية للغاية متأثرة بالأفلام الأجنبية".
لكن في الوقت الذي حدث فيه كل ذلك، كان الوضع مزعجاً للغاية لها، خاصة وأنها تعيش في قرية صغيرة يسهل فيها تناقل القيل والقال، ولا تحدث فيها حالات الطلاق إلا بصورة محدودة، وقد نجحت حملة التشويه هذه لبعض الوقت، ووصمتها لوقت طويل قبل أن ينساها الجميع مشغولين بفضيحة أخرى لسيدة ربما تكون طلبت تقبيل زوجها هذه المرة.
جنس "مهين" للمرأة وانتصار للرجل؟
يتم التعامل مع الجنس خلال الزواج بازدواجية شديدة: من جانب الرجل تعتبر ممارسته انتصاراً لفحولته، لذلك من المعتاد في المجالس الحصرية للرجال التفاخر بعدد مرات ممارسة الجنس الأسبوعية، على سبيل المثال، أو مدة استمرار الانتصاب وغيرها من التفاصيل الحميمية.
أما من جانب المرأة، فالعلاقة الجنسية هي في الغالب أمر يجب أن تتقبله بصمت، كما لو أنه "هبة" من الزوج يلقيها لها، وفي الكثير من الأحيان تخجل من ذكرها، فنجد أن هناك نساء حوامل يخجلن من مظاهر الحمل ويحاولن اخفائها بالملابس الواسعة، لاعتبارهنّ أن هذا الحمل هو دليل على نشاطهنّ الجنسي مع أزواجهنّ.
تتعدد كذلك في الحياة اليومية الطرق التي يعتبر فيها المجتمع أن الجنس أمر مهين للمرأة، فخلال الأنشطة الرياضية نجد المشجعين يطلقون على الفريق المهزوم ألفاظ تصوره كامرأة تمت ممارسة معها الجنس، أو تشبيه المباراة بتفاصيل متعلقة بالممارسة الجنسية، وفي أحيان أخرى تستخدم لفظة "اغتصاب" دلالة على فداحة الخسارة.
بمعنى آخر، فإن المرأة في العلاقة الجنسية حتى خلال الزواج تقع تحت إطار "المفعول به" كما لو أنها الشخص الواقع عليه هزيمة "الجنس" الذي يتلقى هذا الفعل صاغراً، في صورة دونية ليس فقط للمرأة لكن للفعل الجنسي ذاته.
زوجة لا تجرؤ على طلب الجنس
في نفس السياق وبطبيعة الحال، نجد أن قليلات هنّ النساء اللواتي يعبّرن عن احتياجتهنّ الجنسية خلال الزواج، لأن ذلك يضع المرأة في إطار أنها ذات خبرات الجنسية قبل الزواج، أو "وقحة" بحسب تعبير البعض.
تحدثت يمنى محمد لرصيف22، حول هذه النقطة بالتحديد، فخلال فترة زواجها الطويلة، عانت من ضعف الرغبة الجنسية لدى زوجها، لتستمر فترة الانقطاع إلى ستة أشهر في بعض الأحوال، بين الممارسة والأخرى، وتفاصيل العلاقة ذاتها تقليدية للغاية، بدون أي مداعبات مثيرة، وعندما حاولت التفاهم معه ومطالبته بزيادة وتيرة العلاقة غضب منها، وأخبرها أنها "قليلة الأدب" وغير مرباة بصورة كافية، فالمرأة المحترمة لا تطلب من زوجها العلاقة الجنسية حتى لو "صام" عنها للأبد.
وكان ذلك هو الحل المثالي ليمنى التي قررت إخراج الجنس من حياتها، ووضع رغباتها الجسدية في صندوق محكم تنسى مكان مفتاحه، بخاصة وأنها لا تستطيع الطلاق للكثير من الأسباب، وبالطبع لا تجرؤ على التفكير في علاقة جنسية خارج إطار الزواج.
وهكذا، انفصلت عن زوجها جسدياً، استقلت بحجرة لها واعتبرت أن هذا الحل هو الأنسب لحماية كرامتها.
تصرّف زوج يمنى ليس الأغرب، فقد يصل الأمر إلى حدّ الطلاق في بعض الأحوال، أو الشك في شرف الزوجة عند مطالبتها بتفضيلات جنسية محددة. إحدى صديقات يمنى، على سبيل المثال، طلقها زوجها لأنها طلبت منه القيام بالجنس الفموي له، وقد اعتبر ذلك دليلاً على قلة حيائها وخبراتها الجنسية السابقة للزواج.
الجنس للإنجاب فقط
وظيفة الجنس نفسها مختلفة من الرجل للمرأة، فبالنسبة لبعض الرجال، فإن الرغبة الجنسية من أهم الأسباب التي تشجعهم على الزواج من الأساس، أي وجود امرأة تتقبل العلاقة الحميمة في أي وقت يريدون، وتفريغ شهوتهم بدون قلق، بينما لبعض الزوجات، فإن الجنس هو مجرد إرضاء لمتطلبات الزوج الذي يبسط عليها سيطرته في السرير وخارجه، وكذلك هو الطريقة لتؤدي واحدة من أهم وظائفها في الحياة، من وجهة النظر الذكورية، وهي الإنجاب.
يتم التعامل مع الجنس خلال الزواج بازدواجية شديدة: من جانب الرجل تعتبر ممارسته انتصاراً لفحولته، أما من جانب المرأة، فالعلاقة الجنسية هي في الغالب أمر يجب أن تتقبله بصمت، كما لو أنه "هبة" من الزوج
وجود أي بوادر للرغبة الجنسية لدى الزوجة هو أمر مثير للقلق بالنسبة للزوج، فبالإضافة للتشكيك المباشر في أخلاق الزوجة، فقد يعني أن لها رغبات لا يستطيع تلبيتها، أو على الأقل عليه أن يفكر في متعتها الشخصية، وهو أمر يجب أن يكون مستبعداً في هذه العلاقة الزوجية، فهي "تحصل" على ما يقدمه لها، لكن لا يمكن أن "تطلب" ما تريده.
ولعلّ هذا من أهم الأسباب وراء ختان النساء، لتقليل شهوتهنّ الجنسية، سواء لحمايتهنّ من العلاقة الجنسية خارج الزواج، أو لعدم إرهاق الزوج برغباتهنّ التي قد تكون أكبر من فحولته التي يحلم بإثباتها متى يشاء فقط.
باختصار، إن العلاقة الجنسية تتطلب إبداء الرغبة من قبل الشريكين، لكن الأبوية استطاعت على مر القرون تحويلها إلى معركة ينتصر بها طرف على آخر، فاعل ومفعول، ولحين أن يصبح الجنس له نفس المعنى بالنسبة للرجل والمرأة سواء داخل الزواج أو خارجه، سوف تظل هذه العلاقة قادرة على وصم طرف وإعلاء قيمة الطرف الآخر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...