شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"القدّيد "... لذّة لا تقاوم على رأس مؤونة البيوت التونسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الأحد 20 أغسطس 202301:44 م

يصنع "القدّيد" التونسيّ أحياناً ممّا تيسّر من لحم خروف عيد الأضحى، وأحياناً يمكن شراء بعض لحم البقر لصنعه، فجميع أنواع اللّحوم يمكن أن تجفّف بعد إضافة بعض التوابل المعروفة والمألوفة لدى التونسيين كالنّعناع و"فلفل الزينة" (فلفل أحمر مجفّف ومطحون) و"التابل" (خليط بهارات) والكزبرة والملح بكميّات هامّة إذ يُعدّ العنصر الأوّل الضروري لحفظ اللحم والمساهمة في تجفيفه جيّداً. ولتكون النتيجة الحصول على مؤونة صالحة سنةً أو أكثر من "القدّيد التونسي" الذي يستعمل في أكلات مختلفة.

رغم تطور العصور واختراع الثلاجات إلا أنّ تجفيف اللّحوم بطرق تقليديّة عادةٌ لم ينقطع عنها التونسيون، كما باقي المغاربيّين والعرب، فهي تحافظ على لذّة المذاق، وجودة اللّحم على المدى الطويل، ويعتبر يوم عيد الأضحى التوقيت المناسب لاختيار الكميّة اللاّزمة من اللّحم قصد تجفيفه. فما هي خاصيّات القدّيد المصنوع على الطريقة التونسية؟

عادة "القدّيد" تحفظها الجدات التونسيات

تبلغ الخالة خديجة 67 عاماً وتقطن في محافظة أريانة في ضواحي تونس العاصمة، ذاع صيت مهارتها في الطبخ في الحي الذي أصبحت تقطن به منذ 20 عاماً تقريباً، منذ أن غادرت بلدتها الأصلية الواقعة في محافظة قابس (جنوب تونس).

في يوم العيد تختار الخالة خديجة لحم القفص الصدري للخروف وبعض الكتل اللحمية التي تفطّنت عن طريق الخبرة التي تحصّلت عليها بفضل والدتها وحماتها إلى أنّها أكثر لذّة، على حد تعبيرها.

يعدّ القديد التونسي للحفاظ على اللحم وجودته أطول فترة ممكنة، ويستعمل مؤونة على امتداد السنة، لا سيما أنه جاف ومالح وهي ظروف تجعله صالحاً لفترة طويلة

تحكي لنا محدثة رصيف22، التي التقيناها يوم العيد، أنها تقوم بمواكبة عملية تقطيع لحم الخروف من طرف زوجها وابنها لتتمكّن من اختيار اللحم المناسب وتقطيعه كما يجب.


القدّيد التونسي

تقول الخالة خديجة "يجب أن تكون عملية اختيار اللّحم المخصص للقديد وفق مقاييس معيّنة، ويقطّع اللحم على شكل شرائح طويلة وذلك ليكون صالحاً لوضعه على الحبال الحديديّة المخصّصة في العادة لنشر الغسيل". هذه الأسلاك تعدّ الأماكن المناسبة أكثر من غيرها نظراً لمميزات عديدة منها أنّها تقابل أشعة الشمس يومياً وتكون بعيدة عن مصادر التلوث الممكنة، علماً أنه يجب أن تغطى بقطعة شفافة من القماش ذات ثقوب متعدّدة تحفظها من الذّباب والغبار والحشرات.

البهارات والملح أساسيّان للقدّيد

بعد اختيار نصيب لا بأس به من اللحم تنهض الخالة خديجة متثاقلة من مكان تقطيع اللّحم وتقصد المكان المخصّص للتحضير، حيث توجد التوابل والبهارات اللازمة، التي تتكون أساسا من الفلفل الأحمر المطحون والملح والتابل والكزبرة والثوم والملح وتقوم بغطس اللحم في هذا الخليط من التوابل والبهارات.

تحرّك الخالة خديجة اللحم المخلوط بالتوابل طويلاً، وتستمرّ محدثتنا في هذه العملية لعدّة دقائق، ثم يُحفظ اللحم في مكان معتدل الحرارة طيلة ساعات اللّيل، ليوضع في اليوم التالي على حبال الغسيل.

في يوم العيد تختار الخالة خديجة لحم القفص الصدري للخروف وبعض الكتل اللحمية التي تفطّنت عن طريق الخبرة التي تحصّلت عليها بفضل والدتها وحماتها إلى أنّها أكثر لذّة في صنع "القديد التونسي"

تتندّر محدثتنا على كنّتها، العروس الحديثة الزواج "منذ شهرين فقط"، والتي تدقّق النظر في عملية صنع القدّيد قصد التعلّم.

تقول الخالة خديجة مبتسمة "آه على بنات هذا الزمان، ليست لديهنّ أيّة دراية بطرق إعداد المؤونة"، لتردّ الكنّة ضاحكة "الله يخليك لينا يا خالتي... أنت الخير والبركة". تريد الكنّة تعلّم هذه المهارة التقليديّة التي تناقلتها نساء تونس وطرق طهي القدّيد، بعد أن أصبحت هذه الوجبة التقليديّة مهدّدة بالاندثار منذ ظهرت الثلاجات التي تحفظ اللّحم لفترات طويلة دون حاجة إلى تقديده.

طقوس خاصة لطهي القديد التونسي

يمكن تناول القديد التونسي في فصل الصيف وخاصّة يوم رأس السنة الهجريّة الذي يتزامن منذ سنوات مع فترة الحرّ. لكن يفضّل تناوله في فصل الشتاء لأنّه يساعد على توفير الطاقة والدفء للجسم.

هناك تشابه كبير في طرق إعداد القديد التونسي في محافظتي المهدية (الساحليّة) وصفاقس (الجنوبية)، على حدّ تعبير محدثة رصيف22 السيدة مريم. إذ ينقع طوال الليل في الثوم ثم تضاف إليه في الغد التوابل اللّازمة مثل الفلفل الأحمر ثمّ يوضع في مكان مناسب ليجف ويسكب بعض الماء الساخن على القديد لغسله وتعقيمه من الشوائب التي من الممكن أن تعلق به.

يجب ألّا يكون الماء المستعمل ساخناً، بل دافئاً ثم يجفف ويسخن في الزيت. ويسمى هذا النوع من تجفيف اللحم في عدد من المحافظات التونسية "القديد"، بينما يطلق عليه في مناطق أخرى، وخاصة في محافظة صفاقس التونسية، تسمية "كركوش" وأيضا "مسلى".

وكانت النسوة قديماً يقمن بإعداد القديد في فترة عيد الأضحى نظراً لتوفر كميّات من اللحوم في هذه المناسبة. وتؤمّن المرأة التونسية بفضله "عولتها" السنوية، أي مخزوناً أو مؤونة قديد تكفي طيلة السنة. وكان يستعمل طيلة سنة أو أكثر في إعداد وجبات مختلفة، منها "الكسكسي"، لكن اليوم أصبح بالإمكان إعداد القديد من لحم الخروف ولحم الأبقار لتكون الكميات وفيرة وكافية طيلة السنة.

هل القدّيد أكل صحي؟

هناك اختلاف في المحافظات التونسية من حيث البهارات المستعملة في إعداد القديد التونسي، إذ تقول نسرين محدثة رصيف 22 "نكتفي بالنعناع والملح كبهارات للقدّيد في محافظة نابل التونسية"، وتنعت نابل بعاصمة الوطن القبلي وتشتهر بإنتاج القوارص (الحمضيّات) والفلفل الأحمر المطحون والهريسة العربي.

تضيف نسرين "نطهو بالقديد أغلب الأطباق التونسية مثل الجاري وهي مأكولات شبيهة بالحساء، وشكشوكة القرع وهو مرق معدّ من اليقطين والبهارات، والكسكسي بالقديد من أشهر الأطباق التونسية التي يعوض فيها اللحم الطازج بالقديد".

يمكن تناول القديد التونسي في فصل الصيف وخاصّة يوم رأس السنة الهجريّة الذي يتزامن منذ سنوات مع فترة الحرّ. لكن يفضّل تناوله في فصل الشتاء

يعدّ القديد للحفاظ على اللحم وجودته أطول فترة ممكنة ويستعمل مؤونة على امتداد السنة، لا سيما أنه جاف ومالح وهي ظروف تجعله صالحاً لفترة طويلة، والتقنية يرى فيها البعض أفضل من حفظ اللحم في الثلاجة إذ أنها تضمن الحفاظ على جودة اللحم لفترة محدودة. وطريقة إعداد القديد هي طريقة قديمة فهل تتضمّن أضراراً صحيّة؟

وفق الدكتور زبير الشاطر، أخصائي التغذية قد لا يوافق القدّيد فئة معينة من المستهلكين، ويقول إن هناك "إشكالاً نظراً لتوفر القدّيد على كميات كبيرة من الملح. وهو ما لا يتلاءم مع الحالة الصحية لمرضى ضغط الدم خاصة أن التونسيين يستعملون مادة الملح بإفراط خلال اليوم الواحد، وقد تصل إلى أكثر من 5 غرام تقريباً، كما يجب أن يُحفظ القديد جيداً ويعقّم ليكون صالحاً للأكل".

وعن مدى إمكانية أن يؤدي القديد إلى الإصابة بمرض سرطان القولون كما يشاع في الأوساط التونسية، يرى الدكتور الشاطر أنّ "الفرضيّة غير ممكنة لأنه يقع تخزينه وحفظه بطرق طبيعية تقليدية ودون مواد كيميائية أو حافظة يجعلان هذا الاحتمال ضعيفاً، بينما تؤمن هذه الطريقة في الإعداد لذة المذاق وهي نقطة هامة يجب أن تتوفر في الأكل بصفة عامّة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image