معركة الكسكس بين الجزائر والمغرب وتونس أشرفت على نهايتها، إذ يبدو أن هذا الطبق الذي يتمتع بشعبية واسعة في المغرب العربي سيوّحد المنطقة، على الأقل حول المائدة.
لماذا يكتسب "الكسكس" رمزية معيّنة؟ وما الجدل الكبير الدائر حول ملكية هذا الطبق الأشهر بين المغاربة؟
هوية كسكسية مشتركة
في العام 2016، تقدمت الجزائر بطلب من اليونيسكو من أجل إدراج "الراي" ضمن التراث العالمي، الأمر الذي أثار حفيظة المغرب إذ زعمت "أحقيتها" في ملكية هذا النوع من الموسيقى، ويبدو أن إخفاق "الراي" في توحيد المغاربة حول هوية ثقافية مشتركة نجح طبق "الكسكس" في فعله. يعمل حالياً بعض الخبراء من دول المغرب العربي على إعداد مشروع "مشترك" بين المغرب والجزائر، هدفه إدراج "الكسكس" ضمن التراث العالمي الإنساني على مستوى اليونيسكو. [caption id="attachment_134626" align="alignnone" width="700"] نساء يعدن الكسكس في الجزائر 1899[/caption] وقد علّق "سليمان حاشي" مدير المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ، على هذه الخطوة: "قضية تصنيف الكسكس ضمن التراث العالمي هو مشروع مشترك بين دول المغرب العربي". وأثنت "ويزة غاليز"، الباحثة في مركز بحوث ما قبل التاريخ والإنثروبولوجيا التاريخية، على أهمية هذا المشروع، معتبرةً أنه "وسيلة لتعزيز الروابط بين الشعوب في المغرب".ولكن لماذا "الكسكس" بالتحديد؟
تختلف تسميات الطبق الشعبي وفق البلاد، غير أن تسمية "الكسكس" تعود إلى "كسيكو" التي تعني سميد القمح، أو إلى كلمة "كوسكوسو" وهو مصطلح يعني "مسحوق" (بودرة) أو حتى إلى كلمة "كيسكيس" وهو اسم وعاء يستخدم للطهو على البخار. يحظى "الكسكسي" بشعبية واسعة، إذ لا تكاد تخلو مائدة في المنطقة المغربية منه، على الأقل مرة واحدة في الأسبوع، خاصة يوم الجمعة بعد الصلاة. أما في المناسبات الاجتماعية (أفراح، عزاء...) فيجتمع الأفراد حول طبقهم المفضل الذي غالباً ما يتم تقديمه في آنية فخارية كبيرة تسمّى "القصعة" من أجل حفظ حرارته أطول فترة ممكنة، ثم يضاف إليه المرق والتوابل، ويتم تناوله "على أصوله" جماعياً، بـتغميس اليدين. كما يعكس طبق "الكسكس" مراحل الحياة الأساسية (الزواج، الحمل، الولادة والاحتفالات الدينية)، إضافة إلى ربطه بالأساطير كونه يحمل بصمة العناصر الأربعة الرئيسية: النار( التي تعطيه الحرارة)، الأرض (التي أعطته الحبوب والرائحة واللون والمذاق)، الماء (الذي يجعله يصل إلى النضج الكامل) والهواء (البخار الذي يعتبر أساسياً في إعداد الطبق).الصراع على الملكية
لطالما كان هناك تنافس بين دول المغرب على "ملكية" هذا الطبق، إذ تدّعي كل من الجزائر وتونس والمغرب بأنها صاحبته. وفي حين أن البعض يشدد على أن هذا الطبق يعود للأمازيغ وهم السكان الأصليون لشمال أفريقيا، فإن البعض الآخر يرد أن جذور الكسكس إلى الحضارة العربية، مستنداً إلى القصائد والنصوص القديمة من بلاد الشام. وقالت "ويزة غاليز": "إن طبق الكسكس يعود إلى العصور القديمة، وهو ملك لشعوب عدّة"، مشيرةً إلى أنه تم العثور على "أدوات قريبة من تلك التي تستخدم في صناعة الكسكس في قبور تعود لحكم الملك البربري ماسينيا" (202-148 قبل الميلاد)، الذي وحّد مملكة نوميديا، التي تضم شمالي الجزائر وأجزاءً من تونس وليبيا اليوم". كان يوضع القمح في وعاء ويجري "سحقه" بأحجار من أجل الحصول على سميد دقيق، ثم يتم تدوير البذور قبل وضعها في وعاء لطهوها على البخار والاستمتاع بطعمها المميز مع الخضار أو مع بعض المطيبات. فمن باب "التميّز" والفرادة، تحاول كل دولة من دول المغرب أن تضيف لمستها إلى هذا الطبق، فنجد الكسكس بالدجاج والكسكس بلحم الضأن أو بلحم البقر، مع بعض الإضافات الخاصة بكل شعب، ففي الجزائر مثلاً يُنكّه الكسكس بزهر البرتقال، أما في جنوب تونس فيتم تناوله مع العصبان، وفي المغرب يُضاف إليه البصل المقلي، والقرفة، والزبيب والعسل لإعطائه نكهة "عصرية".فضيحة كسكس فرانكي
في ظل المعركة المحتدمة بين تونس والجزائر والمغرب ومحاولة كل منها "نسب" الكسكس إليها، أشعل طباخ أمريكي الرأي العام بعدما أعد طبقاً من ابتكاره سمّاه "كسكس". وفي التفاصيل التي نشرتها صحيفة الهافيغتون بوست، أن "فرانكي سيلينزا"، قام باعداد طبق مكوّن من السميد والكاجو والطماطم غير المقطعة ونشر الصورة على تويتر مرفقاً إياها بوسم# "كسكس". وكون "كسكس سيلينزا" لا يشبه على الإطلاق الكسكس التقليدي، انتفض عشاق هذا الطبق وشنّوا حملة فكاهية عليه. ففي حين عمد البعض إلى نشر مجموعة من الصور التي تعود لأطباق معيّنة كالسوشي والسلطة وكتبوا تحتها "كسكس" في إشارة إلى أن ما أعدّه "فرانكي" لا يمت إلى الكسكس بصلة، فإن البعض الآخر حوّل منشور الطاهي إلى "لعبة البحث عن الفروق" بين صورة كسكس "فرانكي" وصورة الكسكس الأصلي. لكن "فرانكي سيلينزا" لم يقف مكتوف اليدين فردّ على الحملة مدافعاً عن طبقه بالتغريدة الآتية: "حسناً... شعب الـ#كسكس ما الخطأ الذي اقترفته؟ رغبت فعلاً في إعداده بشكل صحيح".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...