شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ماذا لو أصبح مطبخ المغاربة مشتركاً بين الزوجين؟

ماذا لو أصبح مطبخ المغاربة مشتركاً بين الزوجين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 15 يونيو 202302:50 م

كثيرة هي المفاهيم التي شكلت ولا تزال الثقافة الذكورية في مجتمعاتنا، ولعل أبرزها "المطبخ للنساء"، و"الأعمال المنزلية مقتصرة على المرأة". يتعلل الرجل بحجة أنه يعمل في الخارج، وبذلك تظل المرأة حبيسة مطبخها، بل منذ صغرها تُمرَّر إليها ثقافة أن المطبخ للنساء، وأن العمل المنزلي واجبها، كما تربّى الرجل على أن اقتحام المطبخ عيبٌ مجتمعي ونقصٌ في خصائص الرجولة.

تغيرت البنية المجتمعية في المغرب، وتغيّرت معها ممارسات عديدة، فأصبحنا نرى الرجال يشمّرون عن سواعدهم، ويلجون إلى المطبخ طواعيةً، ويغسلون أركان البيت وينظفونها من دون إحساس بالنقص أو الإهانة. هؤلاء سلكوا منحى آخر، إيماناً منهم بأن المطبخ واجب ومسؤولية، وليس حكراً على النسوة. وعدّوا أن مساعدة الزوجة لا تقتصر فقط على الأعمال المنزلية الخارجية، بل تمتد إلى مساعدتها في أعمال البيت الداخلية، وليس في فترة معيّنة، وإنما على مدار السنة وعلى قدر إمكاناتهم ومهاراتهم.

المطبخ واجب مشترك

حين طُرحت على عبد العزيز (63 سنةً)، قضية مساعدته زوجته في المطبخ، قابل الطرح بابتسامة عريضة، أعادت الذكريات الجميلة برفقة زوجته، زمن الشباب والفتوة.

اليوم، يرى عبد العزيز في حديثه إلى رصيف22، أن الأمور تغيرت بعض الشيء، نظراً إلى التقدّم في السن، ووجود الأبناء. لكن حماسة الشباب، وإيمانه بالمسؤولية والواجب، يلزمانه أحياناً بأن يقتحم المطبخ.

ما يميّز عبد العزيز، أن أعماله تتغير بتغيّر الظرفيات. في شهر رمضان مثلاً، تتعدد مسؤولياته، نظراً إلى ما يشهده هذا الشهر من تراكم للصحون، وتعدّد للأعمال، لكنه يُجمل ممارساته قائلاً: "كنت مكلّفاً، مبدئياً وطواعيةً طبعاً، برفقة إكرام (ابنته الصغرى)، بوضع الطعام على المائدة، وجمع الطاولة وتوضيبها، خصوصاً بعد تناول الوجبات، والمساعدة أيضاً في تيسير عملية الإعداد".

بحكم أن الزوجة تسهر شخصياً على إعداد الوجبات، "لخبرتها في الطهي"، يضيف المتحدث، "أنه بعد معاناتها إثر المجهودات الجسدية والذهنية المبذولة في هذه العمليات، لا بد من منحها قسطاً من الراحة حتى تستردّ عافيتها نوعاً ما، وتحسّ بأن هناك رفيقاً يعطف عليها حق العطف، ويقاسمها معاناتها داخل البيت، لأن ذلك وغيره تربية للأبناء أيضاً. ناهيك عن أنه في الأوقات التي تحول دون حضور زوجتي في البيت، فإني أقوم بالمهام المنزلية من طهي وغسل وتنظيف من دون مركّب نقص".

يوم الأحد، وبرغم أنه يوم راحة بالنسبة لي، إلا أنني أصرُّ على القيام بجميع الأعمال المنزلية التي تحتاج إلى مجهود عضلي، ولا قدرة لزوجتي على التكفل بها

يرى عبد العزيز، أن كل هذا، راجع بالأساس إلى ما عاشه في طفولته، إذ كان هو وأخوه يقومان بكل شيء داخل المنزل وخارجه في ظل الغياب المستمر للأب؛ وكانا يقومان بمساعدة الأم في تربية الإخوة والأخوات، حراستهم وحملهم على ظهورنا. ويردف: "من دون أن أنسى كذلك التكوين الثقافي والسياسي والمدني الذي منحني نظرةً إيجابيةً عن المجتمع خصوصاً المرأة التي تُعدّ عموداً من أعمدة رقي المجتمع وتقدمه". بحماسة يختم عبد العزيز حديثه: "سأبقى مؤمناً بذلك ومطبّقاً له ما حييت".

بنبرة هادئة، يعدّد عاتق نحلي، في تصريح لرصيف22، مسؤولياته داخل المطبخ، فهو يُقسّم مهامه حسب أيام الأسبوع، إذ يتكفل تارةً بغسل الأواني، وإعداد بعض الوجبات مثل الحساء، أو "المسمَّن" (الرغيف)، وتارةً أخرى يُعدّ الشاي والعصائر، بالإضافة إلى إعداد المائدة وترتيبها إلى جانب أبنائه.

يردف عاتق: "يوم الأحد، وبرغم أنه يوم راحة بالنسبة لي، إلا أنني أصرُّ على القيام بجميع الأعمال المنزلية التي تحتاج إلى مجهود عضلي، ولا قدرة لزوجتي على التكفل بها".

يرى عاتق أن الأعمال المنزلية مرهقة جداً للمرأة، ولا يحسّ بها إلا من يقتحم المطبخ ويتحمل العناء والمشقة، أما إذا نظر من بعيد فقد يرى تلك المسؤوليات سهلةً، بل قد يتجاوز ذلك إلى القول بأن المرأة لا تفعل شيئاً.

لا يمكن أن نعدّ هذا التعامل مساعدةً أو تضحيةً أو حتى واجباً، بل هو عمل لا بد من اقتسامه بين الزوجين، كونهما داخل مؤسسة، لا يشتغل فيها كل طرف وحده

ينطلق زكرياء الكيس (28 سنةً)، من معتقداته الدينية، مؤكداً على أن القرآن أوجب على الرجل معاملة النساء بالمعروف والإحسان، من دون أن يحدّد المكان.

مساعدة المرأة بالنسبة لزكرياء، واجب ليس فقط في غسل الصحون، بل في سائر الأمور المنزلية وإعداد المأكولات أيضاً. يُركّز زكرياء في حديثه عن شهر رمضان.

بحكم أنني لا أغادر العمل إلّا عند الساعة الـ5.30 مساءً، يضيف زكرياء، أجد زوجتي قد أعدّت تقريباً كل ما يتعلق بالمأكولات، لذا أساعدها في ترتيب المائدة وتنظيمها. لكن، بعد الإفطار، أتكفل بغسل الصحون والأواني، لأن زوجتي ما زالت تدرس، لذلك من الصعب أن تهتم وتتكفل بكل شيء. عندما تُحس بعياء أو مرض، أقوم بكل الأشغال المنزلية، لأنني مؤمن بحقهن وبالمعاناة التي يتحملنها.

بالنسبة لأيوب مزوز (27 سنةً)، فإن المساعدة عنده لا تحدَّد في زمان ولا في برنامج معيّن، هي واجبٌ كلما توفرت الظروف المناسبة.

يضيف أيوب: "من بين الأعمال التي أقوم بها مثلاً، غسيل الملابس وطيّها، وكذا غسل الأواني المنزلية، خصوصاً في فترات الدورة الشهرية أو في عطلة نهاية الأسبوع، كذلك أقوم بتنظيف المنزل، وأمنع عنها كلياً أن تحمل الأشياء الثقيلة، بالإضافة إلى أنني أتكفل دائماً وبصدر رحب بنشر الغسيل.

المطبخ سبيل المساواة

"لا يمكن أن نعدّ هذا التعامل مساعدةً أو تضحيةً أو حتى واجباً، بل هو عمل لا بد من اقتسامه بين الزوجين، كونهما داخل مؤسسة، لا يشتغل فيها كل طرف وحده، إنما يحكمها العمل الجماعي، ومن ضمنه تربية الأبناء، والأعمال المنزلية وغير ذلك". هكذا ترى الباحثة في علم الاجتماع مرية شاطيبي، مسألة العمل المنزلي في تصريح لها لرصيف22.

تقسيم العمل بالنسبة إليها، يمنح بنيةً متماسكةً ومتوازنةً. كل طرف يخدم الآخر في إطار ما يسمى بالعمل المشترك بينهما.

وتضيف: "لا يقتصر الأمر على البناء الأسري فقط، بل يتجاوز ذلك إلى التربية، إذ يسهم هذا العمل المشترك في تربية أبناء فاعلين داخل المجتمع، لأن الطفل في مراحل عمرية معينة يكتفي فقط بالتقليد وبناء التصورات، وانطلاقاً من هذه التصورات تتشكل ممارسته بحيث تمنحه مؤثرات بنيويةً أسريةً، يتعامل بها داخل المحيط الخارجي. تتشكل عنده منذ الطفولة مفاهيم 'مقاربة النوع' (الجندر)، في أفق أن يسهم مستقبلاً في بناء وعي جمعي سمته تجاوز الأيديولوجيا الرجعية، والمفارقات الأسرية".

لا تخفي مرية أن هذا التعديل في منظومة بعض الأسر يرجع أيضاً إلى التحولات التي عرفتها قضية المرأة، مع موجات تفوّق الإناث في قيادة الدراجة وولوج سوق العمل، لأنه في السابق، وفي غياب التمدرس أو الشغل، كانت العائلات تُهيّئ المرأة من أجل التربية والعمل المنزلي. "أصبح الميزان اليوم، ولو بشكل نسبي، عادلاً في هذا الأمر. وانتفت معه المفاهيم القيمية والبيولوجية والثقافية"، تقول.

من جانبه، يؤكد الباحث في علم الاجتماع أحمد صدّيقي، في تصريح لرصيف22، أن البنيات الأسرية وعلاقات السلطة في داخلها عرفت تحولات مهمةً، وهذه الأخيرة جعلت مؤسسة الأسرة إلى حد ما تدمج في داخلها قيمة المساواة وأهميتها.

خلال شهر رمضان، وكما هو الحال في غيره من الأشهر، أصبحنا نلاحظ صيغةً جديدةً لتقسيم العمل المنزلي بين الزوجين، ذلك أن المطبخ لم يعد حكراً على المرأة وحدها كما كان سابقاً، بل أصبح مشتركاً بين الزوجين.

فهْمُ هذا التحول، حسب صدّيقي، يتطلب منا أولاً وقبل كل شيء ضرورة ربط فهمنا له بفكرة المساواة بين الجنسين، وذلك لكونها جوهر عملية اندماج الأزواج في المطبخ مع زوجاتهم، ونفياً للصورة الكلاسيكية التي كان يحملها الرجل عن المرأة والتي تجعله يعتقد أن المكان الطبيعي للمرأة هو المطبخ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard