شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"مستورة"... اسم مستعار يحمي يمنيات يعبّرن عن "عجزهن ومعاناتهن"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"'مستورة' ليست اسماً فقط. مستورة ستر أمان وحماية لنا جميعاً"؛ بهذه الكلمات تختصر شيماء (30 عاماً)، من محافظة تعز، المسألة الحقيقية والأسباب الرئيسية التي جعلتها تقوم بنشر مشكلاتها العائلية ومناقشتها على مواقع التواصل باسم مستعار. تخشى شيماء أن يعرف أهلها وأقاربها بأنها قامت بنشر مشكلاتها العائلية كافة على منصات التواصل الاجتماعي، وتحديداً ما نشرته الأسبوع الماضي في غروب عام باسم "مستورة"، وتناولت فيه الأسباب التي دفعتها لخلع زوجها، وذلك لكون تلك الإشكالية التي تحدثت عنها تندرج ضمن المشكلات العائلية التي يُمنع نشرها أو الإفصاح عنها من قبل المجتمع، مهما كان تأثيرها، كونها من الخصوصيات بالنسبة إلى المجتمع الذي تعيش فيه حسب قولها.

في الواقع يُعدّ الفضاء الافتراضي وسيلةً للتعبير عن الرأي والتفاعل مع الآخرين بسهولة ويُسر، في الوقت الحالي، وربما ذلك ما ساعد شيماء والكثير من النساء في اليمن على التعبير عن مشكلاتهن العائلية بطريقة تبدو أكثر سرّيةً وأماناً في الوقت نفسه من خلال استخدام اسم "مستورة"، لا سيما في ظل التقاليد القديمة. وبرغم ذلك لا تزال هناك مخاوف من الكشف عن هذه المشكلات، وتأثيرها على الحياة الشخصية والاجتماعية للنساء.

يُعدّ الفضاء الافتراضي وسيلةً للتعبير عن الرأي والتفاعل مع الآخرين بسهولة ويُسر، في الوقت الحالي

للحماية وتجاوز القيود 

"مستورة"، اسم مستعار تستخدمه النساء اليمنيات على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن مشكلاتهنّ، وما لا يمكنهنّ التعبير عنه على منصات التواصل وبأسمائهن الحقيقية، حيث تُستخدم هذه الطريقة بأشكال متعددة، فمنهن من تكتب الاسم في رأس المنشور، وينشره مسؤول الغروب، وذلك ما أكده نسيم الصالح من عدن وهو أدمن المجلس اليمني النسائي الذى بلغ عدد أعضائه 44,954 عضو.

من جانب آخر، يقول الصالح، إنه لا يوجد منشور لم يذيَّل باسم "مستورة"، إلا الذي مضمونه خارج إطار المشكلات العائلية، أو يهدف إلى التسلية أو الفكاهة أو الاستفسار. وفي نهاية حديثه إلى رصيف22، يشير إلى أنه برغم تواجد النساء في غروبات خاصة، إلا أنهن يحافظن على عدم النشر بأسمائهن الحقيقية، وتكتفي سارة سايف بالقول إنه اسم لتجاوز القيود المجتمعية ولتجنب النساء المخاطر التي قد تتجاوز الانتقاد إلى الانتقام.

في الواقع، لا يقتصر تعبير النساء على غروب محدّد، ولكنهن يعبّرن في معظم الغروبات وفي مختلف الصفحات والمدوّنات، ولكنهنّ يفضّلن الغروبات الخاصة لأسباب كثيرة. سلوى جميل (26 عاماً)، من سكان العاصمة اليمنية، تقول لرصيف22، إن اسم "مستورة" في الغالب يتم استخدامه في "الغروبات" المختلطة بشكل كبير على تطبيق فيسبوك تحديداً، كون الحديث عن تلك القضايا يحتاج إلى شيء من السرّية، وتشير إلى أن المنتديات العامة والغروبات أكثر أماناً لليمنيات اللواتي يعبّرن عن مشكلاتهنّ العائلية من الحسابات الخاصة.

تحديات مجتمع "مستورة"

في المقابل، تعاني النساء في اليمن من مشكلات عائلية كثيرة ومتعددة، تتراوح بين العنف الجنسي والحرية الدينية والطلاق والتمييز، والتي يصعب على النساء التعبير عنها في مجتمع محافظ كاليمن، أو تناولها دون اللجوء إلى الحيل أو استخدام الأسماء المستعارة. "م. ن" فتاة يمنية من محافظة إب وسط اليمن، تبلغ من العمر 30 عاماً، وجدت نفسها مؤخراً قادرةً على التعبير عن مشكلاتها العائلية بعد أن ظلّت حابسةً معاناتها طوال أعوام، تقول لرصيف22: "جلست عاجزةً عن الحراك أمام شاشة الجوال، تسيل الدموع من عينيّ دون انقطاع. كنت أشعر باليأس والوحدة والضغط النفسي نتيجةً للمعاملة غير العادلة من زوجي وأهلي، لكن إلى من سأتحدث؟ ما من حيلة للبوح والتعبير عن واقعي الكئيب". وتضيف: "مستورة اسم مكّنني من التعبير، لكن ما زلت أشعر بأني مقيّدة كثيراً، وأخشى أن ينكشف أمري فإذا انكشف سأتعرض لمشكلات كبيرة من زوجي وأهله وأهلي".

استخدام اسم مستورة أتاح للنساء الوصول إلى الدعم والمشورة، حيث يمكنهن التواصل مع نساء أخريات تعرّضن لموقف مماثل للحصول على تشجيع وحلول ولمساعدتهنّ، في مجتمع غير عادل إطلاقاً 

وبحسب استطلاع حديث لـ"الباروميتر العربي"، اليمن من أكثر الدول العربية التي تنتشر فيها ظاهرة العنف الأسري، والذي يشمل العنف من أحد الأقارب بنسبة 26%.

من جانب آخر، يقول رئيس الشبكة اليمنية للحقوق والحريات المحامي اليمني محمد العمدة، إن تعبير النساء بتلك الطريقة يُعدّ نقلةً نوعيةً ووسيلةً جيدةً من جميع النواحي تجنّب النساء مخاطر الوقوع في العنف الأسري خصوصاً في ظل عدم وجود قانون يحمي المرأة من العنف.

"مستورة" والتمكين

بعد معاناة كبيرة تمكّنت إيمان مالك (27 عاماً)، من محافظة حجة، من إقناع أسرتها بتقبّل فكرة العمل، لكن ذلك مشروط بالتزامات كثيرة يجب أن تلتزم بها بشكل مستمر في العمل، الأمر الذي دفعها إلى ترك فرصة العمل التي حصلت عليها في ظل الأوضاع الراهنة. جاء ذلك في منشور رصده رصيف22، مذيّل باسم "مستورة". تقول إيمان لرصيف22، إنّ المعاناة والمشكلات العائلية لا تقتصر على العنف والطلاق فقط، بل هناك مشكلات أخرى وكثيرة كالتمكين. فمن أبرز المشكلات لي ولغيري من النساء أننا حُرمنا من العمل ولم نتمكن من ممارسة العمل بسبب الأسرة، كما تشير إلى أن السبب الرئيسي في الفجوة التي في اليمن بخصوص تمكين المرأة تقف الأسرة خلفه. في المقابل فإن مشكلة تمكين المرأة من أبرز التحديات أمام المرأة اليمنية، فاليمن ضمن أقل دول العالم تمكنياَ للمرأة حسب تقرير للأمم المتحدة صادر في العام 2017 فهي تحتل المرتبة 138 عالميا.

في مجتمع تقليدي محافظ كالمجتمع اليمني، لا مجال أمام النساء لتجاوز المشكلات التي تواجههن سوى تلك الطريقة "التي من خلالها استطعن التعبير عن أبرز المشكلات التي يتعرضن لها في ظل القيود المجتمعية التي حالت دون تحقيقهن حريتهن في الكثير من المجالات، وجعلتهن غير قادرات على التعبير عن مشكلاتهن بشكل علني، وإن اختلفت تلك الطريقة عن الطرق الأخرى التي يتم استخدامها على منصات التواصل الاجتماعي إلا أنها تبدو مثمرةً وتشجع النساء على الاستمرار في التعبير ومكّنتهن من كسر حاجز الصمت المستمر، وذلك ما أكدته ملوك السعدي لرصيف22، حيث تقول: "في الحقيقة لقد بدأت أشعر بالحرية وصرت أعبّر عن همومي ومشكلاتي دون خوف من العقاب أو الانتقاد"، وتضيف: "لقد ساعدتني مستورة بشكل كبير لم أكن أتوقعه في النشر كما شجع الكثير من النساء في بلدي على تجاوز الكبت والبوح وإن بطريقة مبهمة".

استخدام اسم مستورة أتاح للنساء اللواتي لا يستطعن الحديث بأي شكل من الأشكال، الوصول إلى الدعم والمشورة

من جانب آخر، تشير نبيلة الثور، وهي حقوقية يمنية، في حديث إلى رصيف22، إلى أن "استخدام اسم مستورة أتاح للنساء اللواتي لا يستطعن الحديث بأي شكل من الأشكال، الوصول إلى الدعم والمشورة، حيث يمكنهن التواصل مع نساء أخريات تعرّضن لموقف مماثل للحصول على تشجيع وحلول ولمساعدتهنّ على بناء الثقة بالنفس، عندما يجدن أن تجاربهن مشتركة ويحصلن على تأييد أخريات، ويكتسبن الشجاعة للوقوف أمام عقباتهن".

وعلى الرغم من القيود المجتمعية التي تعيق المرأة وتقف ضد تطلعاتها، إلا أن مجتمع "مستورة" الإلكتروني يمثّل نموذجاً مبكراً لما تحققه وسائل التواصل الاجتماعية من تمكين للنساء بشكل كبير، ويتيح لهن التحدث بحرية عن التحديات التي يواجهنها داخل أسرهنّ والمجتمعات المحيطة بها بشكل لم يسبق له مثيل.

قد يبدو مجتمع "مستورة" بدايةً صغيرةً في الواقع، لكنه يمثل رمزاً للأمل في قدرة النساء على التغيير من خلال خلق مساحة آمنة للتعبير، تمكّن النساء من التغلب على العزلة النفسية وتبادل الحلول لمواجهة أوضاعهنّ. وبرغم بساطة الخطوة إلا أن قوة "مستورة" تكمن في تحقيقها أقصى درجات حرية التعبير المتاحة لهؤلاء النساء في مجتمعاتهن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نؤمن في رصيف22، بأن بلادنا لا يمكن أن تصبح بلاداً فيها عدالة ومساواة وكرامة، إن لم نفكر في كل فئة ومجموعة فيها، وأنها تستحق الحياة. لا تكونوا زوّاراً عاديين، وساهموا معنا في مهمتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image