"أشعر أن الحوثيين سيحرموننا من الجامعة كما حرمت طالبان النساء الأفغانيات من التعليم". جملة مكرّرة، تداولتها الفتيات اليمنيات خلال هذه الفترة، على وقع القرارات الجديدة التي أصدرها الحوثيون في منتصف الشهر الجاري، باجتماع نائب وزير الداخلية في حكومة الحوثي وعدّة مسؤولين مع ملّاك محلات العباءات، لمناقشة المعايير التي يجب أن تكون عليها عباءة المرأة اليمنية في مناطق سيطرتهم.
جاءت هذه القرارات التي تمنع النساء من ارتداء عباءات مناسبة لهن، ضمن سلسلة من القرارات التي تضيق عليهن ممارسة أنشطة الحياة الطبيعية والبسيطة في شمال اليمن، فقد سبق ذلك منع سفر النساء إلا بمحرّم أو بتصريح ولي أمر المرأة "المحرّم"، وتوقيعه بالسماح لها في التنقل من مدينة إلى أخرى أو للسفر خارج البلاد، حتى وإن كان ذلك المحرّم هو ابنها.
هذه العقبات التي وضعت أمام النساء شكلت صعوبة بالغة، خاصة لدى العاملات واللواتي يتطلب عملهن السفر والانتقال من مكان إلى آخر.
"أشعر أن الحوثيين سيحرموننا من الجامعة كما حرمت طالبان النساء الأفغانيات من التعليم". جملة مكرّرة، تداولتها الفتيات اليمنيات خلال هذه الفترة
القرارات الأخيرة أظهرت حالة هلع بين الشابات والنساء اللواتي عبّرن عن استنكارهن لما يتم من قرارات تتخذها جماعة الحوثيين بحقهن، خاصة أن القانون اليمني لا يفرض الحجاب ولا أي شكل من أشكاله، رغم استناده على الشريعة الإسلامية كمشرّع أول له.
ومع ذلك فاليمن له تاريخ طويل في مسألة حقوق المرأة وحرياتها، ويمارس تجاهها أسوأ السلوكيات التي يشرّع لها العرف ويعدها ميزة من ميزاته، لا سيما أنه باعتقاد الكثيرين أن المرأة اليمنية هي شرف الجميع وتخص أهلها وقبيلتها، وربما في أحايين كثيرة هذا السبب يجعل الكثير من الذكور يحاصرون النساء، حتى الشهيرات منهن، بجمل مثل "لا تمثلين اليمن" باعتبارها عاراً. ليس كذلك فحسب بل القائمة تطول فيما يخص الانتهاكات التي تتعرّض لها النساء اليمنيات، حتى تم تصنيفه أسوأ البلدان في العالم لعيش النساء.
لا يختلف كثيراً وجه الحوثيين عن وجه طالبان، فهما وجهان لعملة واحدة إن صح القول.
أثارت قرارات الحوثيين، بتحديد ملابس النساء بالعباءات السوداء الفضفاضة وتغطية كامل الجسد حتى العينين، الكثير من السخط بين اليمنيات، ما أنتج عن ذلك حملة إلكترونية تحت هاشتاغ #الهوية_اليمنية، نشرت من خلاله عشرات الصور لناشطات ونساء يرتدين الملابس الشعبية الملونة لمناطقهن، في رسالة واضحة لسلطة الحوثيين، يعبّرن فيها أن السواد لم يكن الرداء الذي تتوشح به اليمنية.
ولكن هذه الحملة فقدت خاصيتها النسوية بعدما بدأ الرجال أيضاً بنشر صورهم بالزي الشعبي للمناطق التي ينتمون إليها. جاءت مشاركة الأغلبية من الجنسين لهذه الحملة لدواع قومية تحت ظلال "الأقيال"، وهي حركة يمنية حديثة تتبنى الدفاع عن الهوية اليمنية أمام الهاشمية السياسية الاجتماعية التي أصبحت تنتهك حياة اليمنيين وتقلّل منهم، فقط لأنها ممتدة من ثقافة آل البيت التي يرون الأحقية لأنفسهم في الحكم والمال والنفوذ والتفوق العرقي.
دخول الرجال في هذه الحملة جاء أشبه بالراديكالية الأصولية التي يسعى الحوثي للتمسّك بها، وهي الهوية الإيمانية (الشكل الذي يجب على المجتمع أن يكونه ويتمسّك به، بما جاء في الإسلام) لمناهضة أي صور للحداثة داخل البلاد، والرجوع بها إلى العهد الإمامي التي طعم فيه اليمن الشمالي الاذلال والتحقير، لكن بصورة قومية، باعتبار أن اليمني لا يرتدي إلا ما ورثه من أجداده، في تحديد لما يجب أن يكون عليه مظهره، وكأنها حالة من البقاء في الخلف دون الانتباه للزي المدني الذي يفضله غالبية الشباب والشابات. ومع أن غالبية من شاركوا من الرجال لا يعلمون لماذا ظهرت هذه الحملة، إلا أن الكثير منهم، ممن هم على اطلاع بقرارات الحوثيين، كان مؤيداً لها، حتى إن كانوا معارضين لسياسة الحوثي، ويعتقدون أنها قرارات مناسبة لكبح النساء اللواتي، كما يعتقدون، تسبب عباءاتهن الملونة والمزينة أغلب البلاء الذي أصاب اليمن، والتي لقت ترحيباً واسع بالقرارات الأخيرة من قبل الكثير منهم.
اليمن تحت المتدينين والعرف
التأثير الذي تركه العثمانيون في شمال اليمن وانتشار التيارات الدينية القادمة من البلاد المجاورة، كالتيار الوهابي في الثمانينيات وحكم الملكية للشمال (هي الفترة التي أقيم فيها نظام ملكي تحت أسرة المتوكل وتعرف أيضا بالمملكة المتوكلية) الذي كان يمارس فيه أشد أنواع القمع بحق النساء وإجبارهن على ارتداء السواد قبل ثورة 1962، أسباب واضحة للبس معظم اليمنيات العباءة والبرقع والخمار الذي يغطي كامل الجسد حتى العينين، لأسباب دينية أو مجتمعية متعلقة بالعرف والطقس، خاصة في المناطق ذات الطبيعة الصحراوية، فالنساء هناك يلبسن غطاء للوجه بشكل مستمر لشدة حرارة الجو، أو يفرض عليهن العرف ذلك حتى في منازلهن أمام آبائهن وأبنائهن، مثل بعض مناطق محافظتي مأرب وشبوة، وسط اليمن، فالمجتمع اليمني أصبح يفرض وصايته على النساء بصورة كلية بطريقة أو بأخرى، وقد تظهر هذه الرقابة من عمر مبكر في حياة الفتاة، خاصة داخل المجتمعات التي أثّر عليها الإسلام السياسي، وبتأثير من قيادات الأحزاب والجماعات الدينية التي عملت بوضوح وفعالية داخل المجتمع في هذا الشأن على وجه الخصوص.
أصبح المجتمع اليمني يفرض وصايته على النساء بصورة كلية بطريقة أو بأخرى، وقد تظهر هذه الرقابة من عمر مبكر في حياة الفتاة، خاصة داخل المجتمعات التي أثّر عليها الإسلام السياسي
لباس المرأة في اليمن
دلّت القطع الأثرية لليمن القديم قبل انتشار الإسلام في جزيرة العرب، أن المرأة اليمنية تبدو بالحلي والشعر والثياب التي تشبه الثياب الحاضرة لبعض المناطق، وهو ما يؤكد، إضافة للتاريخ السياسي، أن المرأة اليمنية القديمة امتلكت دورها السياسي والاجتماعي الحضاري آنذاك.
ويحظى الزي الشعبي للنساء في اليمن بالتعدد والاختلاف وكثرة الألوان، لم تحصر الأزياء الشعبية بلون أو شكل موحد، بل ترمز الملابس المتنوعة إلى التراث اللامادي المتعدّد الذي يمتاز به المجتمع اليمني، والميزة هذه قد لا تكون حسنة دائماً، فهي إلى جانب تحديدها الهوية الجغرافية والطقس والدين، أيضاً تدلّ على التمايز الطبقي في بعض المناطق، حيث هناك من يرتدي ملابس معينة لا يحق لأبناء بقية الطبقات ارتداءها.
اشتهرت كثير من الأزياء الشعبية في اليمن جنوباً وشمالاً، وعانت من الممارسات القمعية للمتدينين على حد سواء، ففي محافظة شبوة جنوب شرق اليمن ترتدي المرأة غالباً "الثوب"، وهو ذو تفصيل معين وبسيط، وتلبس على خصرها حزاماً من الفضة يسمى "منجد"، وتضع غطاء خفيفاً يسمى "شبكة" على رأسها يبدو شعرها من خلاله، لكن هذا كان قبل تأثر المحافظة ذات الطابع القبلي بالمدّ الوهابي في الثمانينيات وبداية التسعينيات، بالتزامن مع توسع نشاط جماعة الإخوان المسلمين، الجناح الديني آنذاك للنظام اليمني بعد وحدة شطري البلاد عام 1990. ولعل أكثر ما يميز هذه المحافظة هو أنها قبل الوحدة اليمنية وفي ظل دولة جنوب اليمن الشعبية الديموقراطية، قد عاشت حالة من الانفتاح والتحضر، وهي نفسها التي شهدت قبل الميلاد قيام ثلاث حواضر وممالك على أراضيها (مملكة قتبان، عاصمة مملكة حضرموت، العاصمة الثانية لمملكة حضرموت) عرفت بحضارتها.
يحظى الزي الشعبي للنساء في اليمن بالتعدد والاختلاف وكثرة الألوان، لم تحصر الأزياء الشعبية بلون أو شكل موحد، بل ترمز الملابس المتنوعة إلى التراث اللامادي المتعدّد الذي يمتاز به المجتمع اليمني
لا يختلف كثيراً حال النساء في بقية المحافظات، فمحافظة تعز تشتهر بالعديد من الأزياء، أشهرها القميص الصبري المطرّز والنباتات العطرية التي تزين الرأس، وذلك هو حال جميع النساء في المحافظات اليمنية قبل سنوات قليلة قبل استحضار اللون الأسود وغطاء الوجه.
لا يختلف كثيراً وجه الحوثيين عن وجه طالبان، فهما وجهان لعملة واحدة إن صح القول، تجلى الشبه الكبير بين الجماعتين من خلال الممارسات السياسية القمعية للمواطنين، فصنعاء والمحافظات المجاورة لها أصبحت أفغانستان أخرى، يهان فيها المواطن وتسلب حقوقه بقوة السلاح، وتودع فيه النساء في السجون ويضيقون على الأخريات، في صمت مخز من قبل المجتمع الدولي، وتفاعل ضئيل من المنظمات الحقوقية في البلاد.
ربما تتحقق مخاوف الفتيات من اللعنة التي أصابت الأفغانيات، أن تصيبهن وقد لا يكون ذلك بعيداً، مع التوجه التام للجماعة في أماكن سيطرتها لتضييق الحياة على الناس بكل الطرق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...