شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"كان رغبة بترويضي"... من يستمع إلى صرخات الطفلات العمانيات ويوقف تشويه الأعضاء التناسلية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء نحن والطفولة

الجمعة 18 أغسطس 202312:23 م

ما بين فقدان الرغبة، وصعوبة الوصول للنشوة، ومشاهد مخيفة من الذاكرة، تقف نساء عمانيات تعرضن لـ"الختان" مثقلات بوجع التجربة التي قد لا يتذكرن تفاصيلها أحياناً لحدوثها في سنٍ مبكرة. عادة اجتماعية تُمارس منذ عقودٍ، لا لشيء إلا "السيطرة على حياة النساء الجنسية" في البلد الخليجي، فيما فشل التجريم القانوني الحديث نسبياً في القضاء عليها.

ونظراً للتركيز على دراسة ورصد واقع تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (FGM)، المعروف سلفاً بـ"ختان الإناث"، في الدول الأفريقية بما فيها دول عربية مثل مصر والسودان والصومال، ساد اعتقاد خاطئ بأن هذه الظاهرة المجرّمة دولياً لا توجد في دول الخليج الغنيّة.

لكن دراسة لمنظمة "Equality Now"، بالتعاون مع الشبكة الأوروبية والشبكة الأمريكية للقضاء على الختان، نُشرت نتائجها عام 2020، كشفت عن انتشار واسع لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في عدة دول خليجية بينها سلطنة عمان والبحرين والسعودية والكويت. وعادةً ما تتعرض الطفلات لهذه الممارسة بعمر أيام وحتى سن 15 عاماً.

تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بالأرقام

في غياب الأرقام الرسمية، وفي ظل "التكتم" على الموضوع المتصالح معه اجتماعياً، اضطر الباحثون/ات في الدراسات واستطلاعات الرأي القليلة المتاحة عن انتشار هذه الظاهرة في السلطنة إلى اعتماد عينات محدودة أو نطاقات جغرافية محددة.

ولا توجد دراسة موسّعة تأصّل لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في عُمان. لكن الشائع أنها جاءت بتسويغ ديني - انطلاقاً من الاعتقاد الخاطئ بأن الشريعة الإسلامية أمرت بها - وراجت بتسويغ مؤسساتي ذكوري. حتّى تجريم هذه العادة في آب/ أغسطس 2019، كانت تحدث في المستشفيات الحكومية والعيادات الخاصة.

بالنسبة إلى "Equality Now"، وجدت المنظمة أن "ختان الإناث يُمارس في جميع أنحاء السلطنة حيث خلصت دراسة استقصائية من محافظة الداخلية (إحدى المحافظات الزراعية الرئيسية وتقع وسط البلاد) أن 95.5% من نساء العينة خضعن للختان، بينما أظهرت دراسة سابقة على النساء اللواتي يعشن في العاصمة مسقط انتشار 78% بين النساء في تلك الدراسة. 

"كلنا كبنات مقموعات، ندري، بس بهالشكل؟ مرة كثير. إيش هذا الفعل المجنون أنك تجرّب آلة حادة على أعضاء حساسة لرضيعة لمجرد كونها أنثى!"... عن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المتصالح معه في عُمان رغم التجريم القانوني عام 2019

استُخلصت النتائج من "الداخلية" من الاستجابات لاستبيان ضمن دراسة قامت بها عالمة الاجتماع هدى ثابت والدكتورة منى الخروصي عام 2018. علماً أن العينة شملت 200 سيدة. أما استبيان الباحثة حبيبة الهنائي، في مسقط فقد أُجري عام 2013، وتضمّن عينة من 100 سيدة و100 رجل.

في سياق العمل على هذا التقرير، تواصل رصيف22 مع 30 سيدة/ فتاة عمانية، أبلغت الغالبية العظمى منهن عن تعرضها لتشويه الأعضاء التناسلية، وكذا غالبية النساء والفتيات في محيطهن الاجتماعي والجغرافي. علماً أن عدداً منهن لم تكن واثقة من ذلك لأنه أحياناً يحدث والفتاة بعمر أشهر فقط. معدة التقرير هي أيضاً واحدة من ضحايا FGM في السلطنة.

وتوجد أربعة أنواع من "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية"؛ النوع الأول حيث يستأصل البظر جزئياً أو كلياً، والثاني فيتم فيه استئصال البظر والشفرين الصغيرين جزئياً أو كلياً، والثالث (يُعرف بـ"الختان التخييطي") ويُقطع فيه الشفران الصغيران والكبيران ويخاطان مع ترك فتحة صغيرة، والرابع ويشمل جميع العمليات الضارة الأخرى مثل وخز وثقب وكشط وكيّ البظر أو منطقة الأعضاء التناسلية الأنثوية.

بحسب "Equality Now"، فإن النوعين الأول والثاني هما الأكثر انتشاراً في السلطنة.

ألم الملابس الداخلية

"بعمر ست سنوات تقريباً، حملتني أمي لمنزل سيدة معروفة بتختين فتيات المنطقة. كان الأمر مؤلماً لدرجة أني خرجت أركض وأنا أبكي بصوتٍ عالٍ، رافضةً ارتداء ملابسي الداخلية"، بهذه الكلمات تصف سناء (22 عاماً، عزباء، من محافظة الشرقية، ولاية جعلان) لرصيف22 تجربتها مع "الختان". 

تضيف سناء أن هذا الأمر "كان لازم وضروري" حين تعرّضت له وأن الأهالي كانوا يقومون بهذه العادة المجتمعية "لأن هذا ما وجدوا عليه آباءهم، ولأنهم هم أنفسهم تعرضوا لذلك". لا تعرف سناء إن كان لهذا الفعل أثر على حياتها الجنسية حيث لم تختبر ذلك بعد، لكنها تشعر بارتياح لأنه بعد تجريم تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية قانونياً "محد صار يختن عندنا".

تجربة مرام (18 عاماً، متزوجة)، لا تختلف كثيراً. تقول: "كان عمري أربع أو خمس سنوات حين أخذتني والدتي لمنزل فيه فتيات أخريات. أدخلونا جميعاً لغرفة شاهدت فيها إحدى الفتيات تنزف دماً. أرعبني ذلك جداً… بكيت وصرخت: ‘والله ما بسوي شيء خطأ‘". توضح أن والدتها أخبرتها أن هذا كان "عقاباً لسوء تصرفي مثل الذهاب للوادي".

رغم الاستغاثات الطفولية، تقول مرام إن "أربع نساء - أمي واحدة منهن - أمسكن بي، وتم تختيني. بقيت أسبوعين أو ثلاثة أتبول بصعوبة، وأول مرة تبولت دماً، ولم أستطع المشي لأيام". وعن أثر ذلك على حياتها الجنسية، تردف: "لا أشعر بالنشوة خلال العلاقة الحميمة".

خدعة وتهديد مستمر

أما آسيا (24 عاماً، عزباء، من ولاية قريات بالعاصمة)، فتقول إن أثر تجربتها كان مضاعفاً لأنها تعرضت لـ"الخداع والكذب" من قبل أهلها حيث طُلب منها أن تحضر شيئاً من الغرفة لتلاقي المصير المؤلم هناك "دون أية تهيئة مسبقة". تضيف أن هذا كان أمراً "صادماً وقاسياً جداً" على طفلة لم تتجاوز خمس أو ست سنوات.

وعن أثر التجربة، تقول إنها مرضت لأيام ولم تستطع مغادرة الفراش برغم أنها كانت طفلة نشيطة جداً. لعل هذا ما عرّضها إلى "تهديدات متكررة" بـ"إعادة تختينها" بحجة أنها "ما مختّنة زين". تتابع بنبرة حزينة: "كان عندي خيارين، يا إما أكون هادية عشان يطمّنوا أن خلاص تمت عملية الختان كما يريدون. أو أكون نشيطة وأسمع عبارات مثل ‘لازم نختنها مرة تانية‘"، ملمحةً إلى أن ذلك كان له أثر نفسي وعاطفي سيئ للغاية عليها خصوصاً أنها لا تنسى "كذب" أهلها عليها.

ذات مرة، تحدثت آسيا مع والدتها ولامتها على السماح بأن يحدث لها ذلك. كان رد الأم هو أن "جميع الناس يفعلون ذلك، وجميع الفتيات يتعرضن لذلك، لهذا فهو أمر أساسي، لا مفر منه، ولا مجال للنقاش فيه". تختصر آسيا ذلك في "البيئة" وتؤكد أن "كل اللي حوالينا وحتى الأمهات تعرضوا لنفس الشيء".

أمي فعلت ذلك بابنتي دون علمي 

أقدمت والدة منال (29 عاماً، متزوجة) على "تختينها" وهي بعمر 40 يوماً كما أخبرتها لاحقاً. لم تكتف بذلك، بل أقدمت على تعريض حفيدتها (ابنة منال) إلى نفس الممارسة ودون علم والدتها أو استشارتها. 

أخبرتنا منال أن والدتها اصطحبت طفلتها إلى مركز طبي في قشن، بولاية البريمي وهي منطقة حدودية بين عُمان والإمارات، وأجرت لها هذا البتر برغم التجريم القانوني. تقول منال إن هذا المركز الطبي مشهور بارتكاب هذه الممارسة المحظورة علناً وأن عشرات الطفلات يخضن لتشويه الأعضاء التناسلية فيه شهرياً. يثير هذا تساؤلات حول الدور الرقابي المنوط بالحكومة للإشراف على عمل المؤسسات الطبية والتأكد من الالتزام بالقوانين.

تبدو منال متخبّطة بشأن هذه الممارسة المجتمعية التي تعتقد بدرجة ما أنها "نابعة من السنة"، مع ذلك تقول إنها لم تكن راغبة في "تختين" ابنتها وأن والدتها لم تترك لها خياراً.

"ولدت موصومة بالعهر أو فقدان الشرف أو أني تهديد لعائلتي، للقبيلة، لمجتمعي… شعرت بأن هذا كان رغبةً بترويضي"... نساء وفتيات عمانيات يروين لرصيف22 تجاربهن مع تشويه الأعضاء التناسلية 

بخبّر السلطان قابوس

صفية (38 عاماً، مطلقة) ضحية أخرى لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في عُمان. لا تغيب ذكريات هذا اليوم عن بالها علماً أن ذلك حدث وهي في السادسة من العمر فقط. تروي لرصيف22: "حدث ذلك في عيادة. أتذكر جيداً أني كنت أصرخ فيهم: ‘بخبّر السلطان قابوس‘. المكان كان مرعباً ودمي ودم فتيات أخريات في الغرفة. رغم توسلاتي، قاموا بتختيني".

أثرت التجربة بشكل كبير على صفية وعلى زواجها السابق حيث تقول: "أخاف جداً من شكل الدم، ولليوم أخاف أن يقترب مني أي شخص، وخصوصاً من ‘المنطقة الحساسة‘ وعانيت كثيراً في زواجي بسبب هذا الخوف. لا أملك ثقة بنفسي، ولا أستطيع رؤية نفسي في انعكاس المرآة". وعن حياتها الجنسية تضيف: "أشعر بالرغبة ولكني لا أصل إلى النشوة بسهولة".

قرار الممرضات

"حتّى أهلي ما حد سألهم كأنما الموضوع شي مسلّم به"، تقول أميمة (20 عاماً، عزباء) لرصيف22 عن تجربتها مع تشويه الأعضاء التناسلية، مردفةً بأنها أُخبرت بأنها خضعت لعملية "تختين" من النوع الأول في الأسبوع الأول من ولادتها بـ"قرار من الممرضات" في مستشفى حكومي مركزي بمدينة صلالة.

تعبّر أميمة عن دهشتها من أن تعرضت لفعل بهذه الوحشية في "عملية احترازية" و"كإجراء روتيني أنه المولودة بنت فالممرضات تاخذها ويخرموا إذنها ويختنوها!"، قائلةً إن معرفتها بذلك عندما كبرت جعلها تشعر وكأنها "ولدت موصومة بالعهر أو فقدان الشرف أو أني تهديد لعائلتي، للقبيلة، لمجتمعي… شعرت بأن هذا كان رغبةً بترويضي". 

وتزيد أنها حين انتقلت للاستقرار في بلد آخر خارج عمان، زاد ألمها لأنها اكتشفت أن "الختان ما هو شيء أساسي. حسيت كأني شاذة، كأني أقل من البقية، أني تم تصنيفي بشكلٍ مخزٍ. كلنا كبنات مقموعات، ندري، بس بهالشكل؟ مرة كثير. إيش هذا الفعل المجنون أنك تجرّب آلة حادة على أعضاء حساسة لرضيعة لمجرد كونها أنثى!".

لم تختبر أميمة العلاقة الجنسية بعد، لكنها توضّح: "كنت أصنف نفسي بأنني لا جنسية. لكن أعتقد لولا الختان كنت سأكتشف جنسانيتي ورغباتي بشكل أفضل. مؤخراً اكتشفت أن لدي رغبات طبيعية وبسبب تشويه جسدي أخذ الأمر وقتاً لأفهم رغباتي وجسدي".

"حدث ذلك في عيادة. أتذكر جيداً أني كنت أصرخ فيهم: ‘بخبّر السلطان قابوس‘. المكان كان مرعباً ودمي ودم فتيات أخريات في الغرفة. رغم توسلاتي، قاموا بتختيني".

لا أمانع الختان

رغم التجارب المريرة مع تشويه الأعضاء الأنثوية، هناك نساء عمانيات يؤيدن هذه الممارسة، انطلاقاً من الأفكار الدينية والاجتماعية المغلوطة التي جرى ترسيخها في العقول لعقود. 

مريم (29 عاماً، متزوجة) واحدة منهن. تقول لرصيف22: "لا أذكر العمر الذي تعرضت فيه للختان. لكنني لا أرى مانعاً من الموضوع، فهو مجرد إزالة لجزء بسيط من البظر"، مشددةً على أنه "لم يؤثر علي بأي شكل من الأشكال على حياتي الجنسية مع زوجي". لدى مريم قناعة بأن هذه الممارسة نابعة من الشريعة الإسلامية، وتعتبر أن أية أضرار ناجمة عنها تكون بسبب "خطأ من يطبّقها لا الشريعة. فالقصد إزالة الجزء الزائد لا البظر كاملاً".

منى (27 عاماً، منخرطة في علاقة عاطفية وجنسية) هي الأخرى تعرّضت لتشويه الأعضاء التناسلية في الصغر، لكنها تراه غير مؤثر على حياتها الجنسية وبالتالي لا ترى فيه "انتهاكاً لجسدها". بعكس جميع النساء الأخريات اللواتي تحدثن إليهن، تقول مريم ومنى إنهما ستقدمان على "تختين" بناتهما لكن "في عمر شهور".

"السيطرة على حياة المرأة الجنسية"

يمكن للمجتمع تقديم أسبابه للتمسك بهذه الممارسة الخطيرة، وشرحها، وربطها بالدين والثقافة والعادة والطب إن أراد، لكن الختان ليس عادة مجتمعية فقط، أو "سُنّة" دينية مزعومة، بل أيضاً إحدى وسائله المفترضة لمحاولة تقليل "الرغبة الجنسية" لدى النساء.

في ندوة عبر الإنترنت لـ"منتدى عمانيات" قبل عامين تقريباً، أوضح الباحث والمفكّر العماني أحمد النوفلي أن "المجتمع يرى ختان الإناث ضرورة لذا ربطه بالدين. فاختلفت المدارس الفقهية حول الموضوع بين وجوب، واستحباب وإكرام (يقصد إكراماً للزوج)، وهذه إشكالية. انطلقوا بها (هذه الممارسة) من إطار ديني، والمجتمع بدأ يتوجس، فلا يوجد مسلم يرغب بمخالفة الدين، ولكنها في الحقيقة لا علاقة لها بالدين. ليس فقط ختان الإناث بل ختان الذكور أيضاً. لا نص قرآني يدعو له".

وأما عن "مكرمة الزوج"، أضاف النوفلي: "يقصدون من حيث الشهوة، فيربط ابن القيم شهوة المرأة لكي لا تجمح بالختان، فهي ذات شهوة أكثر من الرجل إن لم تختن، فتختن ليكون الرجل هو المسيطر على هذه الشهوة"، ويستطرد النوفلي"أما الفقيه الذي يفتي بختان الإناث لكرامة البعل، فهو خاضع للمجتمع، وثقافته".

ولفت النوفلي إلى أن استمرار هذه الممارسة يمكن أن يُعزى إلى "توارث الجهل من جيل لجيل، بدون محاولة للفهم والتحليل" حيث يعتمد الناس على "الرؤية الفقهية" في كل أمور حياتهم، تخضع النساء لـ"الضغط المجتمعي" المستمر من أجل "الطهارة" كمرادف لـ"الختان" حمايةً للأسرة من "العار".

بدورها، رجّحت الباحثة والناشطة حبيبة الهنائي، خلال الندوة، أن الهدف الرئيسي من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في السلطنة هو "السيطرة على حياة المرأة الجنسية" لأجل "ضمان عذريتها ومدى صلاحيتها للزواج" الأمر النابع من "اعتبار المرأة مصدراً للفضيحة والعار" فيما يفترض أن "يعد الختان صائناً للعفة".

اعتبار المرأة أكثر أعضاء الأسرة "حساسية" في المجتمعات الذكورية، يمنح "الشرف" المتصوّر" القيمة العليا في حين يصبح لا مشكلة في أن تموت الفتاة أو تمرض بسبب تشويه أعضائها التناسلية، إن كان هذا حماية لهذا الشرف الرمزي… هذا "الشرف" الذي هو أهم ما يدفع العمانيين لختان بناتهم.

يمارس منذ عقود بمعدلات تناهز الـ95% في بعض المناطق، انطلاقاً من ذرائع دينية وأخلاقية واجتماعية، والنوعان الأول والثاني هما الأكثر انتشاراً…  لماذا لا يتم الحديث عن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في سلطنة عمان؟ وهل هناك إرادة حكومية حقيقي للقضاء عليه؟

في الندوة عينها، أشارت سماح العريمي، الممرضة والناشطة المجتمعية في مجال التثقيف الصحي، إلى أنه "لم نسمع أو نوثق حالات تُثبت أن اللواتي تعرّضن لهذا الفعل تأثّرت رغبتهن. حتّى إذا افترضنا صحة هذا الأمر، أليس الأولى أن نترك القرار للمرأة عندما تصل للسن القانونية لتحدد إن كانت ترغب بهذا أو لا؟ ولنفرض أن المرأة تملك شهوة أكثر من الرجل، فإن هذا شيء إيجابي ويزيد المتعة لا العكس".

وتساءلت العريمي: لماذا يجب أن يملك الرجل شهوة أكبر؟ ولماذا نفترض أن النساء سينحرفن بسبب هذه الشهوة؟ وبعد ذلك يأتي زوج ويقول إن زوجته باردة! هل فكر أحد أن برودها هذا قد يكون بسبب شيء لم يكن لها قرار فيه؟".

واصلت العريمي انتقادها لهذه الممارسة، شارحةً "هذا تعدٍ على الجسد بغير وجه حق خصوصاً أن الفتاة تكون صغيرة ولا يمكن استشارتها، فلا أحد يسأل المعرضة للختان عن رأيها. فهل لأن الله رزقك بفتاة يصبح من حقك أن تتحكم بها وبجسدها؟".

تجريم قانوني وتصالح مجتمعي

منذ آب/ أغسطس 2019، وفي إطار تحديث قانون الطفل في السلطنة، أصبح تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مجرماً، بموجب القرار الوزاري رقم 125/2019 الذي  أصدرته وزارة التنمية الاجتماعية العمانية حيث نصّت المادة (4) منه على أنه "يعد ضاراً بصحة الطفل الممارسات التقليدية الآتية: 1- تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى بأي طريقة كانت". وحدّدت المادة 67 منه، والتي جاءت بمرسوم سلطاني، عقوبة هذا الفعل - سواء للعاملين في القطاع الطبي أو الأهالي أو المروجين للفعل - على أنها تراوح بين السجن ستة أشهر وثلاث سنوات، على أن تتضاعف في حالة تكرار الجرم.

على الرغم من أن القانون صدر متأخراً جداً، إلّا أن أثره في تقليل هذه الممارسة كان ملحوظاً وإن لم يكن كافياً للقضاء عليها. يرجع هذا جزئياً إلى أن هذا التجريم لم يأت نتيجة الوعي المؤسساتي بخطر هذا الجريمة، بل تحت ظل ضغط حقوقي محلي ودولي.

وهناك أيضاً شكل من أشكال التواطؤ الاجتماعي للتغطية على هذه الجريمة، في ظل هالة "القداسة" التي تُصبغ بها العادات الاجتماعية في المجتمع العماني عادةً. وبخاصة إذا ما أضفنا إليها الصبغة الدينية والتحريض الذي يمارسه شيوخ بارزين للأهل لأجل "تختين" فتياتهن "صوناً لشرفهن".

لعل المفتي العام للسلطنة أحمد الخليلي أحد أبرز الشيوخ الذين كانوا يرغّبون في تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في عُمان باسم الدين. خلال استضافته قبل سنوات في برنامج "سؤال أهل الذكر" الذي يعرض على القناة الرسمية، قال الخليلي إن "ختان الأنثى ليس انتهاكاً لحرمتها، وإنما هو لحفظ العلاقة بينها وبين زوجها"، وكأن النشوة الجنسية التي تصل لها المرأة عبر البظر قد تؤذي العلاقة الجنسية بين الزوجين.

أما الشيخ كهلان الخروصي، فذكر في البرنامج نفسه - قبل التجريم القانوني للممارسة - بأن هذه "مسألة طبية"، وأن ما ذكر في التراث الإسلامي في هذه المسألة "ضعيف" وأن القيام به لا يتجاوز "الإباحة والاستحباب". بعد سنوات وبعد تجريمها، عاد في نفس البرنامج ليقول إن ما يُعرف بـ"خفض البنات أو ختان الإناث" قد تترتب عليه أضرار على صحة النساء "وبالتالي فإن تركه أولى".  

كيف يحدث التغيير؟

نظراً لما تقدّم، يمكن القول إن التغيير المنشود - الحد من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في عُمان تمهيداً للقضاء عليها - يكمن في محاولة نشر الوعي لا حول "الختان" فقط، وإنما أيضاً حول العديد من المفاهيم المغلوطة حول المرأة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أن المرأة ليست شرف أحد، وأن الرغبة الجنسية توجد عند الجنسين، ولا يمكن قمعها ببتر و/ أو تشويه الأعضاء الجنسية.

 يتطلب تحقيق ذلك عملاً مؤسساتياً لتوعية الناس بما في ذلك عبر المنشورات والمحاضرات الطبيّة التي توضح خطورة هذه الممارسة. وهذا ما شددت عليه نهلة حيدر، عضوة الفريق الأممي المعني بالتمييز ضد النساء والفتيات (سيداو) لأعضاء الوفد العماني خلال مشاورات حول الاتفاقية خلال اجتماع  في جنيف 2017.

أشارت حيدر إلى أن 80% من النساء في دراسة حبيبة الهنائي عام 2013 أظهرن تأييداً لـ"ختان الإناث" مطالبةً بـ"أن يكون هناك عمل مكثف على العقليات وتغييرها". 

يبدو أن حيدر كانت محقة في تأكيدها على ضرورة تغيير العقليات، لأنه حتّى الآن وبالرغم من مرور أكثر نحو أربع سنوات على التجريم الصريح لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في السلطنة، لم تختفِ هذه الممارسة الإجرامية وما تزال تحدث في مختلف مناطق السلطنة بنسب متفاوتة وفي الخفاء في منازل قابلات أو عيادات سيئة السمعة. فالقانون وحده ليس كافياً للتقليل من الجريمة، ما دام العقل متحجراً وبليداً.

ملاحظة: جميع من تحدثّن إلى رصيف22 عن تجاربهن مع "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية"، في هذا التقرير، اشترطن استخدام أسماء مستعارة نظراً لحساسية الموضوع بالنسبة إليهن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نفكر بالأطفال من أجل اليوم والغد

"هيك متعودين. هيك كانوا يعاملونا أهلنا"، وغيرها من الإجابات الجاهزة، تؤدي إلى تفادي التغيير.

المستقبل المشرق، هو أن يعيشوا في أيامنا هذه حياةً سليمةً.

كيف؟

عبر تسليط الضوء على قصصهم، وما يؤثر في حيواتهم، والمطالبة بحقوقهم وحسن تربيتهم.

من خلال التقارير والمقالات والحوارات، يمكن للإعلام أن يدفع نحو تغييرات في السياسات التربوية، وأن يعزز الحوار الاجتماعي حول قضايا الأطفال.

معاً نطرح القضايا الحساسة المتعلقة بسلامتهم النفسية والجسدية والبيئية والمجتمعية.

حين نرفع أطفالنا على أكتافنا، نرى الغد بعيونهم كما لو يكون الآن.

Website by WhiteBeard
Popup Image