شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"بدرية الدغيشي" أحدث ضحايا العنف الأسري في عُمان… لكن اللوم على النسويّة!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الثلاثاء 25 يوليو 202303:16 م

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في سلطنة عمان هذا الأسبوع بخبر وفاة مواطنة عمانية جرّاء العنف الأسري الذي مارسه عليها زوجها. الضحية تُدعى بدرية الدغيشي، وهي زوجة وأم تعرضت لتعنيف جسدي متكرر على أيدي زوجها الذي تسبب ضربه الوحشي لها وإسقاطها على رأسها إلى دخولها العناية المركزة ومن ثم إعلان وفاتها قبل أيام.

قبل وفاتها، كانت المغدورة قد اشتكت زوجها في مركز الشرطة، وفق رواية عائلتها. لكن سُمح بخروجه بـ"كفالة" بعد يوم واحد من توقيفه. أُطلق سراح المعتدي ليعود ويقضي على الضحية. 

حتّى بعدما أُدخِلت بدرية إلى العناية المركزة، وتوفيت، بقي الزوج القاتل حراً طليقاً حسب شهادة ابن عمها، أمير الدغيشي، في مداخلة هاتفية مع إذاعة الوصال المحلية. هذا التعامل اللا إنساني الذي تعتمده المؤسسات الحكومية في حلها للمشكلات المرتبطة بالمرأة والعنف دليل على ذكورية هذه المؤسسات، فهي لا تقوم بأخذ حق الضحية إن دُفعت الكفالة، ولا تقوم بحمايتها بعد إطلاق سراح المتهم. 

بدرية الدغيشي ليست الوحيدة التي ذهبت ضحية العنف الذكوري في عُمان. لكن قضيتها وجدت الزخم الإعلامي الذي يحتاجه هذا النوع من القضايا في زمن التضليل الإعلامي، سيّما أن الكثيرات من النساء ذهبن ضحية هذا العنف دون أن يجدن من يقف في صفّهن سواء من عوائلهن أو من المجتمع. 

وفق دراسة حديثة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) حول مكافحة العنف ضد المرأة في سلطنة عمان، أكد 41% من المستجيبات وجود عنف ضد المرأة في المجتمع العماني، بمعدل انتشار إجمال للعنف ضد المرأة بلغ 29%. وتبيّن أن العنف النفسي هو أكثر أنواع العنف القائم على أساس الجنس تفشّياً في السلطنة، وأن الأزواج هم أكثر من يمارس العنف ضد المرأة يليهم الأخوة. وأوضحت 74% من النساء والفتيات اللواتي تعرضن للعنف أنهن لم يبلغن عنه أو يلتمسن مساعدة السلطات.

في السلطنة، الضحية تصبر طويلاً على العنف الجسدي والجنسي من أجل الأطفال لا لمجرد أنهن لا يرغبن بأن يعيش أولادهن في تشتت، بل أيضاً لأن المجرمين يهددون بحرمانهن من أطفالهن، فتتراجع المرأة المهددة عن الطلاق وحتّى عن طلب المساعدة لوضع حد لمعاناتها.

في #عُمان، الضحية تصبر طويلاً على العنف الجسدي والجنسي من أجل الأطفال لا لمجرد أنهن لا يرغبن بأن يعيش أولادهن في تشتت، بل أيضاً لأن المجرمين يهددون بحرمانهن من أطفالهن، فتتراجع المرأة المهددة عن الطلاق وحتّى عن طلب المساعدة لوضع حد لمعاناتها #بدريةالدغيشي

وتتعرض نسب كبيرة من النساء العمانيات للعنف الأسري سواء كان ذلك العنف لفظياً أو جسدياً أو جنسياً، لكن بمعدلات متفاوتة. مع ذلك، لا يوجد حتى اليوم قانون ثابت وصريح وإجراءات محددة لحسم مسألة العنف الأسري وإنما هي قوانين فضفاضة لا تضمن حماية المعنَّفَات ولا أبنهائهن برغم مطالبات عديدة ومتكررة بإنشاء خط ساخن في أقل تقدير، للحماية السريعة للمعنفات، لكن المؤسسات تفضل ألّا تتعامل مع الموضوع. 

وتجدر الإشارة إلى أنه كانت هناك محاولة لتمرير هذا الملف في وزارة التنمية الإجتماعية، التي ترأسها ليلى النجار، إلا أن هذه المحاولات فشلت ولم يتم التوصل إلى مشروع أو خطة أوّليّة لإطلاق هذا الخط الساخن.  علماً أن البعض يوصي النساء المعنَّفَات أحياناً باللجوء إلى الخط الساخن لحماية الطفل (رقم 1100). لكن طريقة التعامل مع العنف ضد النساء عبره عادةً ما تكون غير مجدية، وأحياناً قد تتسبب في زيادته.

لماذا تُهاجَم النسويّات؟ 

في مجتمع يصنّف العنف الجسدي ضمن "المشاكل الأسرية"، ويعتبر العنف الجنسي "حقاً من حقوق الرجل على زوجته"، تظهر نماذج غاية في الجهل والسطحية، تتعامل مع جرائم قتل النساء في إطار الأسرة على أساس أنها "مسألة عائلية" تم حلها بقتل الضحية، أو بتعنيفها، أو باغتصابها.

لا نتحدث هنا عن الفئات غير المتعلمة في المجتمع - والتي تتعامل مع هذه المواضيع بوعي متفاوت - بل تُفرز مثل هذه الحوادث أشخاصاً متعلمين وأكاديميين في مؤسسات جامعية يهاجمون النساء جميعاً عن تحيّزٍ و"جهل"، فقط لرغبتهم في التقليل من الحراك النسوي العماني الذي حاول وما يزال يحاول إيجاد حلول لهذا النوع من المشاكل التي تواجه النساء.  

يمكن إيهام الضحية بأن عليها الصبر على الأذى الذي يتم ممارسته عليها حتى تحافظ على أبنائها، ولكن ما يجهله هؤلاء الأشخاص أن الأبناء هم أكثر من يعاني من هذا العنف بعد الضحية، فهم غير قادرين على تشكيل علاقات واعية مع أنفسهم ومع عائلاتهم، ويبقون خائفين أن يكونوا هم الضحية القادمة للعنف الممارس على والدتهم.

مصير بدرية الدغيشي قد يكون دليلاً على أن الانفصال غالباً ليس الحل الأنسب للمرأة المعنّفَة لأنه لا يحفظ حياتها فقط بل أيضاً يضمن الاستقرار النفسي للأطفال. فيجب أن لا يقف الأبناء بين المرأة وحمايتها من العنف، ويجب أن يكون هناك قانون يجرم تهديد الأم وابتزازها بحضانة أبنائها لكي تستمر في زواج عنيف، ولكي يستمر الزوج في خلق بيئة عصية على الحياة لهؤلاء الضحايا، فهم جميعاً، سواء تعرضوا للعنف أو لم يتعرضوا ضحايا لهذا العنف.

مقتل #بدرية_الدغيشي ليس شأناً أسرياً، وتعنيفها لم يكن مشكلة يتم حلها بتشجيعها على الصبر واحتساب الأجر. مقتل بدرية الدغيشي تحت العنف هو تذكير بأن العنف ليس مجرد صفعة تخرج في لحظة غضب، بل جريمة، تجب إدانتها ومعاقبة مرتكبها، وتوفير الحماية للضحايا وأطفالهن

بدرية الدغيشي اسم من عدد كبير من الأسماء التي تسقط لا سهواً بل عمداً في ظل مؤسسات ترفض التعامل المباشر مع العنف الأسري بادعاء أنه "مشكلة أسرية" يمكن التعامل معها داخل العائلة. ورغم وجود بعض القوانين التي تجرم هذه الأفعال، إلا أن ما يحصل في الواقع عكس القوانين. وكأن هذه القوانين تُصبح معطّلة إذا كانت الضحية "امرأة"، وكان المعتدي أحد أفراد عائلتها.

وفي ظل لومه الضحية، إن سكتت وإن تحدثت، فالمجتمع العماني متهم هنا أيضاً بأنه يمارس عنفاً رمزياً على الضحايا من النساء بدعوته المرأة إلى الصبر لأن الطلاق في فكر غالبية أفراده جريمة منكرة تقترفها المطلقة والوقوف في المحاكم بسبب التعرض للعنف هو أيضاً فعل مرفوض يرقى أحياناً لاعتباره جريمة. وعادةً ما تكون "النصيحة": لماذا لا تصبرين؟ ربما يتحسن الرجل، و"ما عليه عتب"... لأنه في النهاية "رجل". 

هذا التعامل هو ما يكرّس العنف بكل أنواعه، وهو ما يشجع مزيداً من الأشخاص على ممارسة العنف ضد النساء. فهنالك خطاب ذكوري يتم توجيهه باستمرار - بدلاً من التعامل مع معاناة المرأة ومحاولة إيجاد حلول لها، يقوم المجتمع بلوم الحراك النسوي بذريعة أنه "يحرض النساء على عوائلهن"، هذه العوائل التي تمارس العنف ضد النساء.

أتساءل: لماذا ولو لمرة واحدة لا يحاول هذا المجتمع أن يقدّم هو البديل للحراك النسوي، ويخبرنا ماذا فعل لحماية النساء بعد مقتل ثلاث نساء ظهرت قصصهن على مواقع التواصل الاجتماعي فقط منذ بداية العام الجاري، ونساء أخريات لا نعلمهن مع التستر على الجرائم كـ"مشاكل أسرية"؟

مقتل بدرية الدغيشي ليس شأناً أسرياً، وتعنيف المرأة لم يكن ولن يكون مشكلة يتم حلها بتشجيع الضحية على الصبر واحتساب الأجر. مقتل بدرية الدغيشي تحت العنف والتعذيب الجسدي والنفسي هو تذكير لنا وللمجتمع وللمؤسسات القائمة بأن العنف ليس مجرد صفعة تخرج في لحظة غضب، بل هو حالة من الإذلال والتعذيب قد يؤدي إلى الموت. لذلك وجب قبل أن تموت الضحية أن يتم التعامل مع هذا العنف على أنه جريمة، تجب إدانتها ومعاقبة مرتكبها، وتوفير الحماية للضحايا وأطفالهن إن وجدوا.

تجدر الإشارة إلى أن أقصى عقوبة للزوج المجرم في حادثة بدرية الدغيشي لن تتجاوز الحبس بضع سنوات، وذلك وفق المادة المادة (238) من القانون الجزائي العماني التي تنص على أن "يعاقب بالسجن خمس سنوات على الأقل من تسبب بموت إنسان بغير قصد القتل، بالضرب أو العنف أو الشدة أو بأي عمل آخر مقصود".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard