شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
قطرة لا تروي العطش ... قصة المرأة في أفغانستان

قطرة لا تروي العطش ... قصة المرأة في أفغانستان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"ليس على الإنسان أن يرى موته"؛ جملة عميقة تقولها بطلة فيلم "الميلاد الأخير"، لصديقاتها، وذلك في أثناء مشاهدتهن سقوطَ أفغانستان على يد حركة طالبان، حيث لا حول ولا قوة لهن، وكل ما كان في وسعهن فعله هو رؤية بلدهن عبر شاشة التلفاز يتلاشى ويتفتت.

تزامناً مع العام الثاني لسقوط كابل وسيطرة الحركة على نظام الحكم في أفغانستان، يُعرض الفيلم الإيراني-الأفغاني "الميلاد الأخير" في دور السينما في جميع أنحاء إيران. الفيلم من إخراج وكتابة المخرج الأفغاني "نَويد محمودي" وبطولة الممثلة الإيرانية "إلناز شاكر دوسْت".

فيلم "الميلاد الأخير"

تدور أحداث هذا الفيلم الذي أُنتج داخل إيران، حول قصة مراسلة أفغانية تُسمى ثُريّا (الناز شاكر دوست)، عليها إخفاء هويتها والهروب من البلاد لتنجو بنفسها، ومن خلال هذه القصة يروي المخرج محمودي، عن الأوضاع في أفغانستان خلال تلك الأيام.

بداية التدهور والظلام

15 آب/أغسطس 2021، هو التاريخ الذي أرهب جميع الأفغانيين والعالم. فعند سقوط كابول فيه، استولت طالبان على سدة الحكم، وهرع الناس وبدأوا بالهروب خشيةً من مستقبل قاتم، فمنهم من هرب عن طريق البرّ ومنهم من تمسك بإطارات طائرات القوات الأمريكية، مفضّلين الموت على عدم العيش تحت حكم طالبان.

سعى محمودي عبر سرد قصة ثُريّا إلى أن يُظهر ولو جانباً واحداً من مشكلات النساء وكفاحهن للبقاء على قيد الحياة تحت وطأة حكم قاسٍ. فهل سيؤثر هذا الفيلم بتعريف الحياة الجديدة للمرأة الأفغانية؟

كل ما رأيناه في تلك الأيام، لم يكن سوى الخوف بمعناه الحقيقي في عيون الأفغانيين أنفسهم؛ مستقبل مجهول، ذلك إنْ بقي لهم مستقبل يعيشون من أجله، مستقبل لا يتسع إلى للذكور، دون أن يرسم حتى أفغانيةً واحدةً، فعالم المرأة فيه شبه معدوم، إذ تُحرم من الحياة العادية في شتى المجلات العملية والتعليمية وحتى أبسط الحقوق المدنية.

الأفغانيات بعيون طالبان

مجتمع ذكوري بحت يحرم النساء تماماً من التواجد فيه، حيث يمكن تصنيفه في أربعة مجالات هي: حرمان المرأة من المشاركة في المجال السياسي، الحدّ من وجودها في المجال الاجتماعي، والحد من مشاركتها في الأنشطة الاقتصادية، ومنعها من الدراسة والتعليم.

أعلنت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حكومة طالبان منع دخول النساء إلى المنتزهات والحدائق العامة، إذ قال المتحدث باسم هذه الوزارة محمد عاكف صادق مهاجر: "كان هناك اختلاط بين الرجال والنساء، ولم يتم احترام وضع الحجاب، ولهذا السبب اتُّخذ هذا القرار في الوقت الراهن".

الممثلة الإيرانية إلناز شاكردوست

تعيش المرأة الأفغانية في حرمان وحزن مستمرين، فقد حُرمت من كل شيء تقريباً ولا يقتصر الأمر على الحقوق المدنية فقط، فالأفغانية أُجبرت على الحجاب ولا تستطيع السفر والخروج من البيت، حتى أنها مُنعت من دخول الحدائق والأماكن الترفيهية المتبقية في هذا البلد. كما أنها لا يمكنها الدراسة أو متابعة تعليمها، وباتت المدارس والجامعات حلماً لأي فتاة أو سيدة تعيش تحت رحمة حكم طالبان، وكل ما عليها فعله هو إنجاب الأطفال، إذ يُنظر إليها على أنها آلة لتوليد الذكور، ليتزايد عدد رجال طالبان في أفغانستان.

وحُرمت السيدات في أفغانستان من التعليم بعد تصريح وزارة التعليم العالي لحكومة طالبان، في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2022، الذي جاء فيه أن وزير التعليم العالي لحكومة طالبان نداء محمد نديم علّق تعليم الإناث "حتى إشعار آخر".

فيلم "الميلاد الأخير" قطرة لا تروي العطش

هذا الفيلم الذي تغيّر عنوانه مرتين، من "كابُل رقم 10" ثم "سقوط كابُل"، وقرر المنتجون أخيراً أن يطلقوا عليه عنوان "الميلاد الأخير"، يسلّط الضوء على حياة النساء في ظل حكم طالبان، إذ سعى محمودي، عبر سرد قصة ثريا، إلى أن يُظهر ولو جانباً واحداً من مشكلات النساء وكفاحهن للبقاء على قيد الحياة تحت وطأة حكم قاسٍ. فهل سيؤثر هذا الفيلم بتعريف الحياة الجديدة للمرأة الأفغانية، وذلك بعد أن مُنع بثّه في سائر الدول لأسباب دبلوماسية؟

لقطة من فيلم "الميلاد الأخير"

للمخرج الأفغاني الناجح الذي أنتج جميع أفلامه في إيران، أفلام أخرى تتحدث جميعها عن بلاده ومعاناة شعبه، حيث يمكن الإشارة إلى أفلام "الرحيل" و"سبعة ونصف" و"الموت في الماء المقدس"، التي شارك في جميعها عدد من أبرز الممثلين/ات الإيرانيين/ات والأفغانيين/ات.

كما أنتج مؤخراً مسلسل "جلد الأسد" الإيراني، الذي لاقى إقبالاً واسعاً من قبل المشاهدين، وكانت تجربته في إنتاج هذا المسلسل الذي كان من إخراج أخيه جمشيد محمودي، ناجحةً على نطاق واسع.

الاعتراف بطالبان؟

برغم جميع هذه الأعمال الفنية التي يحاول منتجوها إظهار مأساة الشعب الأفغاني من خلالها، لم يصدر أي موقف من الدول، لا بل إن بعض تلك الدول توسّع علاقاتها في الكثير من المجالات مع حركة طالبان، ويتحرك المجتمع الدولي نحو الاعتراف بهم كحكومة، غاضّين الطرف عن انتهاك حقوق الإنسان الأفغاني.

أعضاء من حركة طالبان

أعمال فنية كثيرة خُلقت بهدف التعريف بالظروف الصعبة في أفغانستان، لكن لم نرَ أي تأثير عملي لهذه الأعمال، غير أنها تؤثر على الرأي العام فحسب، فالكثير من الإيرانيين بعد مشاهدة هذه الأعمال ومتابعة الأحداث في أفغانستان، باتوا يشفقون على جيرانهم الأفغان.

وذلك إلى جانب أن الحكومة الإيرانية سلمت السفارة الأفغانية في إيران لطالبان في 27 شباط/فبراير 2023، وعيّن الملا أمير خان متقي وزير الخارجية في حكومة طالبان، فبقي أحمد حقاني قائماً بأعمال السفير الأفغاني في طهران.

طالبان بين الماضي والحاضر

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعيش فيها الشعب الأفغاني تحت حكم طالبان، ففي عام 1996 استلمت حركة طالبان الحكم في أفغانستان، وباتت تحكم البلاد حتى عام 2001، إذ سقطت بعد خمس سنوات بتدخل عسكري غربي عبر تحالف دولي تحت قيادة الولايات المتحدة، وذلك بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، ورجع للشعب الأفغاني الحكم تحت مسمى الديمقراطية دون أي ثورة او انتفاضة، بعد 20 عاماً تحديداً في 15 آب/أغسطس 2021.

بين مطرقة طالبان وسندان صمت المجتمع الدولي، هل سيستمر انتهاك حقوق الإنسان وسلب حرية المرأة؟ وهل سيظل العالم يتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان في أفغانستان؟ 

في حقبة حكمها السابق، استقبلت طالبان المتشددين من جميع أنحاء العالم، وعملت على توسيع قدرتها، ومن الطبيعي أنها انتهكت أيضاً خلال تلك الفترة حقوق الأفغان، وهذا الأمر كان أحد الأسباب المهمة لاستياء الأفغان من هذه الجماعة.

ومع أن الشعب الأفغاني كان رافضاً لحكم طالبان، إلا أنه لم تكن له أي قدرة على مواجهة ما حلّ به، وكان سبيلهم الوحيد هو الفرار من بلدهم إلى أي مكان آخر بحثاً عن حياة كريمة؛ حياة كلفت الكثير منهم أرواحهم، إذ مات الكثير في رحلة الهجرة، ولم ينجُ إلا قلة منهم، أما من بقي فبقي تحت حكم طالبان.

صمت عالمي

لا شك في أن الأعمال الفنية المماثلة لفيلم "الميلاد الأخير" ستكون مفيدةً، بيد أنها ليست حلاً لمشكلة الأفغانيين خاصةً المرأة، إذ سيبقى الحال على هذا النحو ويسوء أكثر، كما يظهر الواقع.

وبين مطرقة طالبان وسندان صمت المجتمع الدولي، هل سيستمر انتهاك حقوق الإنسان وسلب حرية المرأة؟ وهل سيظل العالم يتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان في أفغانستان؟ متى ستُكشف حقيقة ما يحدث هناك؟ تلك هي الأسئلة التي لا تزال بلا إجابة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image