شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"إنهم قادمون لقتلنا"... الجحيم التي تخشاها نساء أفغانستان بعودة طالبان إلى السلطة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 16 أغسطس 202101:53 م

"طالبان دخلت المدينة والنساء يركضن للنجاة بحياتهن. الجميع خائفون"، هذا ما قالته المخرجة الأفغانية البارزة صحرا كريمي في بث مباشر صوّرته خلال فرارها من أحد البنوك المحلية لدى علمها أن طالبان دخلت العاصمة كابول. 

الذعر الذي بدا على كريمي لم يكن من فراغ وإنما هو ميراث العنف والقتل والتعذيب والإذلال للنساء انتهجته الحركة الإسلامية المتطرفة، طالبان، على مدار سنوات حكمها قبل الغزو الأمريكي للبلاد منذ 20 عاماً.  مشاهد تدفق وزحام المواطنين الأفغان في مطار كابول تمهيداً لمغادرة البلاد تعطي لمحة أكثر دقة عن هذا.


في مقطع صورته لاحقاً لدى وصولها إلى منزلها، قالت كريمي: "ما زلت لا أصدق أن هذا حدث. أرجوكم صلوا من أجلنا. أيها المجتمع الدولي، أرجوك لا تصمت. إنهم قادمون لقتلنا".


وكانت طالبان قد سيطرت على المدن الأفغانية الكبرى الواحدة تلو الأخرى بسرعة غير معقولة خلال الأسابيع الماضية. وبشكل صادم، تمكنت في غضون ساعات من السيطرة على العاصمة يوم الأحد 15 آب/ أغسطس.

المجندات والإعلاميات والناشطات النسويات أكثر عرضة للتنكيل والقتل… نساء أفغانستان تُركن وحدهن يواجهن إرهاب طالبان وخطر العودة 20 عاماً للوراء إذ لا يسمح لهن بالتعليم أو العمل أو مغادرة منازلهن "دون محرم" وغطاء وجه

رعب واستغاثات 

عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شرحت عشرات الناشطات والنساء في العالم خطورة ما ينتظر الفتيات والنساء الأفغانيات تحت حكم طالبان. ووجهن استغاثات للمجتمع الدولي لئلا ينتظر قتلهن في صمت.

على نحو خاص، عبّرت مجندات في الجيش الوطني الأفغاني عن مخاوفهن من التعرض لـ"الخطف، والاغتصاب، وقطع الرؤوس" ومن تعرضهن وأسرهن للتنكيل. وكانت الحكومة الأفغانية قد بدأت تجنيد النساء عام 2010.

وأعرب العديد من العاملين في الصحافة والإعلام عن خشيتهم من البقاء ليس على أنفسهم وإنما على زوجاتهم وطفلاتهم.

ونقل بعض المراسلين والصحافيين الأجانب رسائل الاستغاثة والتعبير عن الخوف من أفغانيات. قالت مذيعة تلفزيونية في إحداها: "في الساعة 7:35 غادرت المنزل وكان كل شيء هادئاً وآمناً. لا أحد يصدق أن طالبان ستدخل كابول بعد بضع ساعات. فجأة في العاشرة صباحاً جاء أحد الزملاء وقال لي: ‘خذي كل أغراضك واذهبي. الوضع مخيف‘".

وأضافت: "ذهبنا إلى رئيسنا لنسأل عما يجب أن نفعله. قال: ‘لأنك تعملين في وسائل الإعلام يجب ألا يروكِ وإلا فستُقتلين‘. جمعت كل أغراضي من مكتبي وارتديت حجابي حتى لا يتعرف عليّ أحد في الطريق. غادرت مع زميلة وهي أيضاً مقدمة برامج وكنا نأمل فقط ألا نصطدم بطالبان".

وأوضحت أن "الجميع كانوا يركضون إلى منازلهم" وأن "أي سائق سيارة أجرة لم يقبل أن يقلنا لأننا كنا إناثاً وكانوا خائفين من رؤيتهم مع فتاة بدون محرم"، وتابعت متحسرةً: "نظرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورأيت مشاهد لمقاتلي طالبان وهم يأمرون الفتيات بالعودة إلى المنزل بسرعة… فقدت روحي وعقلي وقلت لنفسي إن الجهود التي بذلت في كل هذه السنوات قد ضاعت".

خلال مفاوضات تسوية السلطة، قدمت طالبان تأكيدات للغرب بأن حقوق النساء -وفق الشريعة الإسلامية- لن تمس. عقب سطوتها على البلاد، أمرت النساء بعدم الخروج من المنزل وإرسال أقارب ذكور للعمل مكانهن وضربت فتيات بالسوط لارتدائهن "الصنادل الكاشفة"

جحيم الماضي

خلال فترة حكمها بين عامي 1996 و2001، منعت طالبان النساء من العمل، والفتيات من الذهاب إلى المدرسة، وأجبرت النساء على تغطية وجوههن، ومرافقة أحد الأقارب الذكور إذا أردن الخروج من منازلهن ومنعت النساء حتى من عزف الموسيقى وإطلاق الطائرات الورقية.

نفذت طالبان عمليات إعدام وجلد علنية لنساء في ملاعب كرة القدم أمام الآلاف، ورجمت نساء متهمات بالزنا، وحرمت النساء من إطالة الأظافر وطلائها ومن ارتداء المجوهرات والحلي، والضحك في الأماكن العامة.

النساء اللواتي خالفن قواعد الجماعة تعرضن للإذلال والجلد على أيدي الشرطة الدينية التابعة لطالبان وأحياناً القتل.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015، نشرت منظمة العفو الدولية العديد من الشهادات المروعة التي وجدتها ذات صدقية عن حوادث قتل واغتصاب جماعي نفذها مقاتلو طالبان في قندوز (شمال البلاد) عقب الاستيلاء عليها آنذاك، وأدلى بها بعض المدنيين الفارين من المدينة وأغلبهم نساء.

وكشفت المنظمة الحقوقية عن وجود "قائمة اغتيالات" للجماعة تضم أسماء المدافعات عن حقوق المرأة في المدينة، مبرزةً تعرض بعضهن لأعمال انتقامية بينها حرق المنازل والملاحقة.

في أفغانستان ما بعد طالبان، على مدار العشرين عاماً الماضية، تجرأت النساء على الحلم بالتعليم والحصول على وظائف يرغبن بها وضغطن من أجل تمكين النساء والمساواة بين الجنسين بينما نفذت بعض السيدات إلى الحكومة والبرلمان ومناصب هامة. وعملن على نطاق واسع في التلفزيون والراديو ووسائل الإعلام المختلفة.

"ما زلت لا أصدق أن هذا حدث. أرجوكم صلوا من أجلنا. أيها المجتمع الدولي، رجاءً  لا تصمت. إنهم قادمون لقتلنا"... صرخة استغاثة أطلقتها المخرجة الأفغانية صحرا كريمي. هل تلقى صدىً؟

هل المخاوف حقيقية؟

وخلال المحادثات حول تسوية سياسية، قدم قادة طالبان تأكيدات للغرب بأن المرأة ستتمتع بحقوق وفق الشريعة الإسلامية، بينها العمل والتعليم. لكن الواقع لم يبدُ كذلك فور تمكنهم من حكم البلاد.

وتبين أيضاً أن نهج طالبان المتشدد تجاه النساء لم يتغير. مطلع تموز/ يوليو الماضي، ومع استيلائهم على بعض المناطق في ولاية قندهار الجنوبية، اقتحم مقاتلو الجماعة المتشددة بنك عزيزي وأمروا تسع نساء يعملن به بالمغادرة وعدم العودة ثانيةً مع إبلاغهن بأن أقاربهن الذكور يمكن أن يتولوا مناصبهن. هذا ما أكدته لرويترز ثلاث من الموظفات ومدير البنك.

تكرر الأمر نفسه في بنك ميلي في مدينة هرات (غرب البلاد)، ثالثة كبرى مدن أفغانستان، عقب يومين إذ اقتحم ثلاثة من مقاتلي طالبان المسلحين البنك وهاجموا الموظفات لإظهارهن وجوههن في الأماكن العامة. غادرت النساء في النهاية وأرسلن أقارب ذكوراً للحلول مكانهن.

ورداً على إمكانية السماح للمرأة بالعمل في البنوك في مناطق سيطرة الجماعة، قال ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرسمي باسم طالبان لرويترز: "بعد قيام النظام الإسلامي سيقرر وفق القانون وإن شاء الله لن تكون هناك مشاكل".

وذكرت عائلات لأسوشيتد برس أن فتيات أوقفن في مقاطعة تخار (شمال شرقي البلاد) وضُربن بالسوط لارتدائهن "الصنادل الكاشفة". وفي تخار أيضاً، قال رجل أفغاني لمراسل صحيفة التلغراف كامبل ماكديرميد إنه تلقى أوامر بتزويج طفلته البالغة 15 عاماً فقط لأحد مقاتلي الجماعة، وهو ما يزيد المخاوف من عودة الزواج القسري وزواج الطفلات.

ووردت أنباء عن اقتحام طالبان منازل صحافيتين أفغانيتين على الأقل خلال الساعات الماضية، مع تنويه بأنهما تمكنتا من الفرار.

لكن المصير المظلم للنساء بدأ حتى قبل تمكن طالبان من بلوغ السلطة مجدداً إذ قُتلت أفغانيات يعملن في مجالات مثل الصحافة والرعاية الصحية وإنفاذ القانون في موجة من الهجمات منذ بدء محادثات السلام العام الماضي بين طالبان والحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة. واتهمت الحكومة طالبان بالوقوف وراء اغتيالات النساء.

وفي الدقائق القليلة التي سبقت اكتمال دخول مقاتلي طالبان كابول، التقطت الكاميرات مشاهد طمس صور النساء على الإعلانات وواجهات المنشآت التجارية في الشوارع بما في ذلك مراكز التجميل. 

وتداول مغردون هذه الصور وعلقوا عليها: "من جديد، ستعود النساء غير مرئيات، صامتات، ولن يصبحن قادرات على التنفس بعد الآن".

رغم كل شيء، تصر أفغانيات على أن الوضع الذي فرضته طالبان في سنوات حكمها السابقة لن يُسمح بتكراره، على الأقل لأن النساء أصبحن متعلمات وسيكافحن لتعليم فتياتهن في البيوت إن لم يسمح لهن بالخروج إلى المدارس على أمل أن تزول الجماعة المتشددة مرة أخرى، كما قالت إحداهن لأسوشيتد برس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image