منذ العام 2009، يشهد إقليما سول وسناج في شرق الولاية المنفصلة عن الصومال من طرف واحد، صوماليلاند، احتجاجات شعبيةً تطالب بالانفصال عن الأخيرة، وتكوين ولاية مستقلة تنضم إلى دولة الصومال الفيدرالية.
ويرفض سكان الإقليمَين، خصوصاً في مدينة لاسعانود حاضرة إقليم سول، سلطة صوماليلاند، وقد ازداد ذلك الرفض بعد تصدي رئاسة الإقليم بالقوة المسلحة للاحتجاجات الشعبية، ما أدى إلى اندلاع موجة من القتال بين الطرفين، بعد تشكيل مقاومة مسلحة في الإقليمين، كان للنساء حضور كبير فيها.
الثورة الزرقاء
منذ العام 2022، ازدادت حدة المواجهات، وقامت سلطات صوماليلاند بترحيل الآلاف من سكان لاسعانود، بذريعة أنّهم لاجئون من الصومال الفيدرالي. كما أدت الاشتباكات التي شهدتها المدينة إلى فرار 185،000 شخص، حسب الأمم المتحدة، 89% منهم من النساء والأطفال جرّاء الاشتباكات مطلع العام 2023 الجاري. وفي حزيران/ يونيو الماضي، دعا مجلس الأمن الدولي إلى سحب قوات صوماليلاند من لاسعانود، لتجنّب كارثة إنسانية بعد مقتل العشرات وتشريد الآلاف في بلد يعاني من أزمة جفاف ممتدة.
ولم يكن في حسبان صوماليلاند، أن النساء سيكنّ الأكثر مواجهةً لسلطتها في لاسعانود. وتحت اسم الفوج الأول كما بات يُعرف فوجهنّ، لعبت النساء الدور الأبرز في الاحتجاجات الشعبية ضد سلطات صوماليلاند، عبر تنظيم الفعاليات السلمية بشكل دائم، من خلال التنسيق بينهنّ عبر مجموعات الواتساب.
وأدت حوادث الاغتيال التي تعرّض لها وجهاء لاسعانود ونخبها، إلى تجدد الاحتجاجات. ففي 26 كانون الأول/ ديسمبر 2022، اغتال مجهولون الناشط السياسي عبد الفتاح هدراوي، فخرجت النساء في تظاهرات ضخمة للاحتجاج. عُرفت تلك الاحتجاجات باسم "الثورة الزرقاء"، لرفع النساء أعلام دولة الصومال الفيدرالية الزرقاء فيها تمسكاً بالوحدة ورفضاً لفكرة الانفصال.
لا تقتصر مشاركة المرأة الصومالية في العمل المسلح على النضال الشعبي، إذ لها حضور في المؤسسات الأمنية والعسكرية، كما تشارك في القوات الخاصة التي تتصدر صفوف المواجهة مع الإرهاب، وفي قوات "دنب" التي تدربها الولايات المتحدة
وإلى جانب التهميش السياسي والاقتصادي الذي يعاني منه إقليما سول وسناغ، هناك العامل القبلي؛ حيث تحكم صوماليلاند عشيرة الإسحاق، بينما سكان سول وسناغ من عشيرة الدارود، فضلاً عن وجود الدارود الكبير في بونتلاند ومناطق أخرى.
ومع اشتداد الاحتجاجات في لاسعانود، تبادلت صوماليلاند الاتهامات مع ولاية بونتلاند في دولة الصومال حول المسؤولية عن أحداث العنف. وأدى استخدام صوماليلاند القوة المفرطة ضد لاسعانود، وقطع الخدمات خصوصاً الاتصالات عن المدينة، إلى عسكرة الحراك الشعبي.
وجنباً إلى جنب الرجال، حملت النساء في لاسعانود السلاح ضد القوات الأمنية والعسكرية لصوماليلاند، وتبادل الطرفان هجمات واسعة النطاق، لم تتوقف حتى مع انسحاب قوات صوماليلاند إلى خارج المدينة. روضة عبد الكريم، مواطنة من لاسعانود أُصيبت في الاحتجاجات بطلق ناري، وفقدت بسببه ساقها، نشرت على صفحتها في فيسبوك التالي: "لو عاد ذلك اليوم لعدت إلى موقعي ونضالي ضد الانفصاليين، ولقدّمت روحي فداءً."
ومن بين اللواتي حملن السلاح في لاسعانود، النائبة السابقة في برلمان صوماليلاند، فهيمة يوسف قوجي التي تدربت على يد الجنرال أسد عثمان ديانا المرشح الرئاسي لولاية بونتلاند. امرأة أخرى حملت السلاح، هي رحمة عمر عرب، التي طاردها نظام صوماليلاند، فانضمت إلى جبهة "خاتمو" المسلحة، وتلقت التدريب العسكري، وبرزت كواحدة من أهم القادة العسكريين في الثورة، وكرمها رئيس ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني، بمنحها وسام الشجاعة. أيضاً قدّمت الطبيبة أدنة آدم عوض، روحها فداءً لقضية آمنت بها، وقُتلت خلال صدامات مسلحة في شباط/ فبراير الماضي.
نساء يتحدثن عن نضالهن
وفي لقاء صحافي، قالت فهيمة يوسف قُوجِي: "عندما اختارني شعب محافظة سول ممثلةً له في البرلمان كان هدفي حلّ مشكلاته، لكن النظام الذي صرت جزءاً منه لم يُقدّر مطالب الشعب ولم يستجب للشكاوى، خاصةً الشكاوى الأمنية والاغتيالات المتكررة في المدينة، ثم تأكدت أن النظام بدلاً من أن يساعد في إيقاف نزيف الشعب يتواطأ في الاغتيالات". وأضافت قوجي: "وقتها أخذت قرار الاستقالة، وعزمت على دعم ما يريده الشعب وهو الاستقلال عن النظام الانفصالي.".
الطبيبة زينب يوسف هيبة، مديرة مستشفى الحياة في مدينة لاسعانود، تقول لرصيف22، إنّها منذ مطلع العام 2023، بالكاد كانت ترى أطفالها لانشغالها في العمل في المشفى في معالجة مصابي عدوان قوات صوماليلاند على مواطني لاسعانود. تضيف: "كنت خائفةً، لكن لم يكن أمامي ترف الخيار، في وقت يدفع فيه سكان مدينتي دماءهم ثمناً لقضيتنا العادلة. كنت أستمد القوة من دوري في معالجة المصابين."
ولمدة 15 عاماً، كانت الطبيبة هيبة، فاعلةً في حراك لاسعانود، أي منذ دراستها في كلية الطب في جامعة سول ثم عملها طبيبةً ثم مديرة مشفى المدينة.
مريم آدم عيديد، تعمل في إعداد وتجهيز المؤن والذخائر لأحد الفصائل التي تقاتل ضد قوات صوماليلاند، ويضم ذلك الفصيل مقاتلين من الجنسين. في حديثها إلى رصيف22، تقول الطالبة التي تدرس الطب في جامعة سول التي قصفتها قوات صوماليلاند، إنّها تفضّل المعاناة الحالية والمخاطر على الحياة الوادعة سابقاً؛ لأنّها كانت مغلّفةً بطعم الذل والرضوخ لإرادة سياسية ومصير لم نختره.
ترفض مريم الدعاوى التي تُوجّه إلى النساء للخروج من المدينة بعد إجلاء السكان منها لحفظ حياتهن وتجنّب القتال، وتؤكد على أنّ المرأة مثل الرجل، لا بد أنّ تشارك في صنع مصيرها وتدفع الثمن في سبيل ذلك، وتكون شريكةً في مجتمع متكامل، بدلاً من أن تكون عبئاً.
تاريخ من النضال
للمرأة الصومالية تاريخ مشرف من النضال في سبيل الحرية. وتُعدّ حواء تاكو، رمزاً لذلك النضال، وهي التي سقطت شهيدةً في عام 1948، حين كانت تتصدر مظاهرةً وطنيةً ضد الاستعمار الإيطالي. تخليداً لنضالها، أقامت السلطة تمثالاً لها قرب المسرح الوطني عام 1970، وجدد الرئيس محمد عبد الله فرماجو التمثال إبان رئاسته (2017-2022) ضمن حملته الواسعة لتجديد تماثيل أعلام الكفاح الصومالي.
مريم آدم ترفض الدعاوى التي تُوجّه إلى النساء للخروج من المدينة "لحفظ حياتهن وتجنّب القتال"، وتؤكد على أنّ المرأة لا بد أنّ تشارك في صنع مصيرها وتدفع في سبيل ذلك الثمن، وتكون شريكةً في مجتمع متكامل، بدلاً من أن تكون عبئاً.
مثال آخر على النضال الشعبي للمرأة الصومالية، هي المغنية سادة علي ورسمي. في العام 1988، شهد الصومال بداية الصدامات المسلحة بين القبائل والحكومة المركزية التي ردت بقصف عدد من المدن وارتكاب جرائم واسعة النطاق بحق السكان، وقتها لم يجرؤ الكثيرون على معارضة الحكم العسكري، لكن ورسمي صدحت بأغانيها تدعو للحرية وتهاجم الاستبداد.
نضال ورسمي لم يتوقف، ففي عام 2012 وجهت انتقادات إلى من كانت تدافع عنهم بالأمس، حين حلّوا محلّ المستبد. هاجمت ورسمي سلطات صوماليلاند لتمويلها مشروع فصل شمال الصومال عن جنوبه، وبثها الكراهية بين الصوماليين، ولهذا منعت السلطات دخولها إلى الإقليم، وحكمت عليها بالمنفى، ثم دفعت حياتها ثمناً لنضالها ضد الإرهاب في 2014، بتفجير تبنّته حركة الشباب الإرهابية.
امرأة أخرى دفعت حياتها ثمناً من أجل بلدها، هي ابنة لاسعانود الصحافية هدن نالاية، التي قتلها الإرهاب في عام 2019 في مدينة كسمايو. عادت نالاية من مهجرها في كندا لتقدّم الصومال إلى العالم، وتغيّر الصور الذهنية السلبية التي رسخت عن بلادها على مدار عقود، وحصد برنامجها "Integration TV" في قناتها على يوتيوب 10 ملايين مشاهدة، لكن يد الإرهاب لم تقبل بدور للمرأة أو بالتغيير الذي كانت تبشر به في البلاد، فاغتالتها بتفجير سيارة مفخخة، وتخليداً لدورها تنظّم وزارة الخارجية الصومالية جائزةً سنويةً باسمها تُمنح للمهاجرين الناشطين من أجل مصالح أمتهم الصومالية.
في أثناء قيام المرأة بدورها النضالي جنباً إلى جنب الرجل، تكسر العديد من القيود التي يُراد منها تحجيمها. مثال على ذلك الزي؛ فبينما يُعدّ ارتداء البنطال من المحرّمات على النساء في الحياة المدنية، يرتدين البنطال في أثناء مشاركتهن في العمل المسلح بكل حرية، وهو أمر يكسر التنميط الجنسي، بنظرهن. فضلاً عن ذلك، لا تقتصر مشاركة المرأة الصومالية في العمل المسلح على النضال الشعبي، إذ لها حضور في المؤسسات الأمنية والعسكرية، كما تشارك في القوات الخاصة التي تواجه الإرهاب، وفي قوات "دنب" التي تدرّبها الولايات المتحدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع