"انظروا الى أرضي وشعبي، هل يبدو أنهم في حاجة إلى حمايتكم؟"؛ بهذه الكلمات ردّ زعيم عشيرة طلبهنتي، علي جامع، على البريطانيين عندما أرادوا فرض الحماية على مدينة لاسعانود، لتصبح المدينة حجر عثرة أمام سيطرة البريطانيين على شمال الساحل الصومالي، بعد أن وقّعت لندن مع جميع القبائل الصومالية وساحل جيبوتي، اتفاقية دفاع مشترك تنص على التزام بريطانيا بأمن المنطقة، باستثناء قبيلة طلبهنتي التي كانت تسكن منطقة لاسعانود، وهو ما قاد إلى حرب ضروس بين قوات الدراويش (التابعة لقبيلة طلبهنتي)، استمرت من عام 1888 وحتى 1921، وانتهت بسيطرة قوات الدراويش على جميع أراضي القبيلة وإلحاق هزائم فادحة بالبريطانيين، كما قتلت عدداً كبيراً من القادة البريطانيين من بينهم الضابط الشهير ريتشارد كورفيلد.
أول قصف جوي لأفريقيا
كان الحل الوحيد أمام لندن، هو قصف لاسعانود بالطائرات، ليصبح أهلها أول شعب إفريقي يتم قصفه جوّاً، فهُزم الدراويش وباتت قبيلة طلبهنتي ذليلةً في أيدي أعدائها، كما قُتل جميع قادة القبيلة وهم يهتفون بوحدة الجمهورية الصومالية، ولم يقبلوا بانفصال صوماليلاند، بحسب السياسية الصوماليلاندية المستقلة مريم روبلية.
تقول روبلية لرصيف22، إن خمس معاهدات للسلام موجودة بين صوماليلاند وقبيلة طلبهنتي، لم تلتزم القبيلة ببنودها، وبدأت بمعاهدة العقد الاجتماعي لقبائل صوماليلاند الموقعة عام 1993، ولكن بعدها انضمت القبيلة إلى اجتماع القبائل ببونت لاند، وكانت أشهر المعاهدات بين الجانبين عام 2007، في أثناء حكم الرئيس السابق طاهر ريالي، حيث استطاعت حكومة صوماليلاند أن تستميل ولاء "فخيذة الجامع" من قبيلة طلبهنتي، وتم بناء جيش خاص من القبيلة نفسها وتطوير مدينتها، وإشراكها في السلطة.
حرب أهلية
كان هناك دائماً رفض وعداء، وأحياناً حروب من جانب بونتلاند التي تستغل القبيلة نفسها ضد صوماليلاند، وعام 2012 اجتمعت قبيلة طلبهنتي في مدينة تليح التاريخية (عاصمة الدراويش سابقاً)، وأسست إدارةً خُتمت برئاسة رئيس الوزراء الصومالي الأسبق علي خليف جليط، في آذار/ مارس 2012، اعترفت بها الحكومة الفيدرالية، ولكن رفضت حكومة بونتلاند الإدارة الجديدة لأنها تعدّ أراضي الإدارة تابعةً لها، وبحلول عام 2015 توقفت الدولة عن العمل، ما جعل خليف يفتح حواراً مع صوماليلاند، لتوقيع اتفاقية جديدة في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 في عينابا، مع رئيس أرض الصومال سيلانيو، اشتملت على 7 بنود، 6 منها عن التنمية والسابع عن تعديل دستور صوماليلاند وإعادة دمج الإقليم في أراضيها.
لكن الطمع في نفط لاسعانود، أدى إلى نشوب الحرب، خاصةً بعد اكتشاف حقول جديدة مؤخراً، وهو ما تعارضه حكومة مقديشو، بحسب الإعلامي والناشط الصوماليلاندي، ناصر جوليد، الذي يضيف في حديثه إلى رصيف22، سبباً آخر لنشوب الحرب، وهو سياسة الاغتيالات في لاسعانود، والتي بدأت عام 2007 بسلسلة اغتيالات للنخب، وأيقونات الجامع سياد، وكل من يخدم صوماليلاند، وكان آخرهم سياسي يلقَّب بهدراوي يمثّل الحزب المعارض "وطني"، والذي بقتله اشتعلت شرارة الحرب.
تاريخ الدم
"الأحداث لم تبدأ للتو، بل كانت بركاناً خامداً ينتظر"؛ هكذا وصف الإعلامي والناشط السياسي من لاسعانود، عبد الله أحمد غالب، الأزمة مبيّناً أن حادثتين تسببتا في انفجار البركان؛ الأولى الاغتيالات التي استهدفت أعيان المدينة والمعارضين، وقُتل خلالها أكثر من 120 شخصاً، والثانية أن رئيس مجلس الشيوخ الصومالي عبدي حاشي عبدي، بمساعدة رئيس صوماليلاند موسى بيحي، فرض حصةً على تجارة القات من كينيا، بهدف احتكارها في لاسعانود لصالحه.
حقيقة الوضع العسكري
"نحن ندافع عن أرضنا وكرامتنا"؛ بتلك الكلمات استهل المتحدث باسم القادة التقليديين لقبيلة طلبهنتي، عبد الرزاق فلالج، حديثه عن الحرب الأخيرة، مبيّناً أنهم يسيطرون على مدينة لاسعانود، وقوات صوماليلاند فشلت في محاولاتها اليائسة للاستيلاء على المدينة. الأخبار من جانبهم تثبت أن هناك نزاعات بين قادة الجيش.
وأكد فلالج لرصيف22، أنه خلال المدة التي كانت فيها مدينة لاسعانود تحت حكم صوماليلاند، استخدمت الحكومة نظرية "فرّق تسد"، ووزعت الأسلحة والذخائر على الشعب حتى يقاتل بعضه بعضاً، مما جعل الشعب كله مسلّحاً، والآن الشعب يستخدم هذه الأسلحة وهناك أسلحة أخرى كثيرة أخذوها خلال الحرب، من قوات صوماليلاند.
من جانبه، لم ينكر المتحدث باسم القبيلة التواصل مع الحكومة الصومالية، لنقل بعض الجرحى الأكثر تضرراً إلى مقديشو، كما أدانت الحكومة الصومالية قيام صوماليلاند بقصف المدنيين، وقال السفير الصومالي في الأمم المتحدة أبو بكر عثمان بالي، إن الحكومة ارتكبت جرائم حرب لا تُغتفر، نافياً وجود أي مساعدات، سواء أسلحة أو غيرها، تأتي من مقديشو غير نقل الجرحى والدعم المعنوي.
الخطر الحقيقي
ترى حكومة صوماليلاند، أن الخطر الحقيقي هو اندساس قوات وقادة من حركة الشباب الارهابية بين صفوف مقاتلي المدينة، وهم من يسيطرون على المدينة الآن، وكل ما يقوم به جيش صوماليلاند هو الدفاع عن نفسه، فهم يريدون مواجهة الإرهابيين داخل المدينة حفاظاً على المدنيين، بحسب الباحث والسياسي الصوماليلاندي عبد الرزاق سليمان، الذي أكد لرصيف22، أن حكومة صوماليلاند قادرة على إخراج الارهابيين خلال ساعات، ولكنهم يستخدمون المدنيين دروعاً بشريةً، مشيراً إلى أن هناك دعماً أمريكياً للقوات الصوماليلاندية في حربها ضد الميليشيات، باستخدام الطائرات من دون طيار.
حاولت الحكومة إجراء مفاوضات بين الجانبين، واقترحت أن يلتقي ممثلون عن الجانبين في أرض محايدة وبالفعل ستكون الجولة القادمة بين الجانبين في إثيوبيا وبوساطة من أديس أبابا بضغط دولي وغربي.
لكن حتى الآن، لا يبدو أن هناك أفقاً للحل القريب، لتبقى لاسنعود محاطةً بالدم والنار، منذ عقود.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...