شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"فيسبوك حرّرَنا من قيد الصحافيين"… الشاعر فتحي عبد السميع يفتح لنا مائدة قلبه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن وحرية التعبير

السبت 12 أغسطس 202302:57 م

في قنا، عام 1963، وُلد فتحي عبد السميع في قرية نجع عزوز في مركز دشنا. نشأ في بيئة عرفت الثأر منذ سنوات طويلة، فقرر بشكل لا إرادي التجديف ضد التيار، محاولاً إصلاح ما أفسده الجمود. لم يكن صاحب كتاب "الشاعر والطفل والحجر" (سيرة ذاتية)، يعلم أن بعضاً من نصوصه الأدبية سوف يُترجم إلى اللغة الإنكليزية والألمانية. أحبّ الشعر والأدب فتخلى عن مصدر إضافي للرزق يتمثل في محل تجاري يملكه، واكتفى بعمله موظفاً في محكمة قنا يؤمّن من خلاله أساسيات المعيشة لينطلق محلقاً في عالم الشعر والأدب.

كانت انتفاضة الحجارة في فلسطين سبباً في الكشف عن موهبته المتدفقة، فبرغم ضيقه من بعض النصوص الشعرية التي فُرضت عليه في سنوات الدراسة، لم يجد بديلاً منها للتعبير عن مشاعره تجاه أطفال الحجارة. بدأ حينها مسيرةً أدبيةً امتدت نحو 30 عاماً، كتب خلالها عدداً من الدواوين الشعرية والأبحاث، من بينها "الخيط في يدي"، "تقطيبة المحارب"، "خازنة الماء"، و"تمثال رملي" وغيرها، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية عام 2015، وجائزة الدولة للتفوق في مجال الآداب 2023.

- هلا حدّثتنا عن مشروعك الذي يعنى بالتراث والإنسان؟

هو مشروع خاص بثقافة الثأر في الصعيد، ويعتمد على محاضرات وندوات عن الثأر تقام في القرى والنجوع، ودراسة معمّقة لظاهرة الثأر من أربعة أقسام، أنجزت قسمها الأول وخرج للنور في كتاب بعنوان "القربان البديل: طقوس المصالحات الثأرية في صعيد مصر"، وأعكف حالياً على وضع اللمسات النهائية للقسم الثاني وسوف يكون بعنوان "ميزان الدم: طقوس القتل الثأري في صعيد مصر"، وهذا بخلاف مشروعي في الكتابة الشعرية والنقدية.

"الشاعر إنسان جاد وملتزم وملتصق بحياة الناس، يتأملها باستمرار وينحاز دائماً إلى الضعفاء والمهمشين والمتعَبين، ويحاول دائماً الوصول إلى جوهر الحياة وعظمة الإنسان"

- كيف أثّر مشروعك في مجتمع الصعيد؟

كان تأثيره فوق المتوقع، وكان رئيس لجنة المصالحات الثأرية في محافظة قنا يطلب من أي شخص يريد دخول مجال المصالحات الثأرية قراءة الكتاب، بل كان يقدّمه أحياناً لأطراف الخصومات الثأرية كي يساعدهم في تحقيق المصالحة، لأن الكتاب يقدّم حكمة الأجداد التي لم تعد موجودةً الآن بسبب انفصال الشباب عن ثقافة الصعيد ككل، لكن هذا التأثر ظل محدوداً، لأن ما طُبع من الكتاب كان محدوداً جداً، وتم توزيعه في القاهرة فقط عبر منفذ وحيد وبسعر مرتفع ليس في متناول القارئ العادي في الصعيد، وما زلت أحلم بطبعه طبعةً شعبيةً بحيث يصل إلى كل من يرغب في اقتنائه في الصعيد.

- لماذا لم تسعَ إلى إعادة طباعته بالشكل الذي ترغب فيه؟

لأن الناشر يحتفظ بحق الطبع، برغم أنه لم يرسل إليّ أي مبالغ مالية منذ الطبع سنة 2015، لكنني سوف أحاول طبعه قريباً جداً بأي شكل ولو في نسخة إلكترونية.

- هل تقدّمت بمقترح لأي جهة رسمية لإعادة نشره؟

عام 2009، تقدمت بطلب إلى وزارة الثقافة لعمل برنامج ثقافي لمقاومة ظاهرة القتل الثأري في الصعيد، وسلّمته بنفسي إلى وزير الثقافة فاروق حسني، وتحدثت عنه بوضوح في كلمتي في أثناء افتتاح مؤتمر أدباء مصر وكنت وقتها أميناً عاماً للمؤتمر، وتحدثت عنه في مناسبات عدة لكنني لم أجد أي اهتمام من أي جهة.

قلت قبل ذلك إن الجائزة أمل لأدباء الأقاليم وتحديداً الصعيد للحصول على التقدير اللائق، في نظرك لماذا لا يحصل أدباء الأقاليم على التقدير اللائق؟

كل أديب يستحق الجائزة يجب أن يحصل عليها بغض النظر عن مكان تواجده، أما أدباء الأقاليم بشكل عام فهم يعيشون بعيداً عن شبكة المصالح وشلل القاهرة التي تتحكم في أمور كثيرة. هم لا يملكون شيئاً غير إبداعهم في ظل مناخ فاسد لا يجعل من قيمة الإبداع معياراً وحيداً لتقييم المبدعين.

- لماذا حددت الصعيد وميّزته عن غيره؟

بحكم تواجدي الدائم في الصعيد وشعوري القوي بمشكلاته، لكن القاعدة هي الإبداع نفسه، يجب أن يكون جيداً وجديراً بالكلمة، ولا يجب أن يحصل المبدع على منحة أو عقوبة بسبب مكان إقامته.

- كيف يتغير ذلك؟

لا أعرف، لكن المناخ الثقافي لا ينفصل عن المناخ العام، وهو لن يتغير قبل حرية الرأي والديموقراطية الحقيقية، بل سوف يزداد الوضع سوءاً.

- ما الإيجابيات والسلبيات التي يقابلها المبدع حين يقرر العيش في الأقاليم؟

سوف يكون بعيداً عن مناخ الشلل وشبكة المصالح الفاسدة ويحافظ على نقائه بشكل أكثر من نديده المقيم في القاهرة، بينما يتعرض لظلم كبير وعليه أن يبذل جهداً إضافياً حتى يتم الاعتراف به.

- ذكرت في حوار سابق أن الكتابة والثقافة مرتبطتان بالخسائر المادية. كيف حدث ذلك معك؟

هناك خسائر مادية غير مباشرة بسبب التفرغ للكتابة، لأنها عمل شاق وتحتاج إلى وقت طويل وعلى الكاتب أن يستغني عن مصادر دخل كثيرة حتى لا تأخذ من وقته، وبالنسبة لي كان لدي محل تجاري وظل مغلقاً لأكثر من ثلاثين عاماً، ولو تاجرت طوال هذه المدة في أبسط الأشياء لحققت ربحاً خيالياً بالنسبة لي الآن، لكنني تركته واكتفيت بوظيفتي في المحكمة من أجل مشروعي الثقافي، ولو انشغلت بالمحل لما استطعت قراءة كتاب.

 "المناخ الثقافي لا ينفصل عن المناخ العام، وهو لن يتغير قبل حرية الرأي والديموقراطية الحقيقية، بل سوف يزداد الوضع سوءاً".

هذا فضلاً عن مصاريف الكتابة، خاصةً أعمالي البحثية التي تتطلب الانتقال إلى أماكن مختلفة وتقديم هدايا لمن أذهب إليهم، كي أجمع مادةً ثقافيةً، وبخلاف ثمن الكتب التي ارتفع ثمنها جداً، وهناك مئات المشاوير التي سافرت خلالها من قنا إلى القاهرة لأسباب ثقافية، مثل حضور معرض الكتاب، أو أي فعالية ثقافية كبيرة، أو زيارة مجلة أو جريدة أو تقديم كتاب للطبع، والسؤال عن مصيره مرات كثيرةً، ثم كتابة العقد، ثم مراجعة البروفات، والمشوار من قنا إلى القاهرة طويل يستغرق عشر ساعات وأكثر في القطار، وكل ذلك يتطلب ميزانيةً ساعد الإنترنت على حل جزء من الأزمة، لكنها زادت بسبب ظروفي الصحية وقيامي بإجراء ثلاث عمليات جراحية في القاهرة في القلب وفقرات الرقبة والمخ، وعمل المتابعات الشهرية مع الأطباء.

- قلت أيضاً إن الجائزة تعطي للأديب الأمل مهما كان وحيداً أو أعزل. لماذا يشعر الأديب بالعزلة ومتى يحدث ذلك؟

يشعر الأديب بالعزلة عندما لا يكون مقروءاً، لأنه لا يكتب لنفسه، ولأن الكتابة تتحقق فعلاً بالقارئ. كتاب غير مقروء لا يعني شيئاً، والجوائز عادةً تسلّط الضوء على الكاتب وتجعله مقروءاً بشكل أوسع من السابق.

- كيف تخطيت الأفكار السلبية عن الجوائز مثل التربيط أو المحسوبية؟

على المبدع أن يفعل ما يجب عليه فعله بغض النظر عن النتائج. أحب تلك القاعدة، كما أنني أحترم المصادفات وأعي أننا نعيش في مناخ عشوائي وأن العشوائية تضرّك غالباً لكنها قد تخدمك أحياناً.

- ذكرت أنك ستعمل حتى آخر لحظة من حياتك، سواء حصلت على جائزة أم لا. فلماذا تقدمت للحصول عليها؟

أحتاج إلى الجائزة لأسباب كثيرة، فهي تسلّط الضوء على تجربتي وتجعلني مقروءاً بشكل أفضل، كما أنني أحتاج إلى قيمتها المادية لتدبير أموري المعيشية وتخفيف ضغوط المتطلبات الأسرية، وحصولي عليها أو عدم حصولي عليها لن يؤثرا على حبي للكتابة وتصميمي على قضاء حياتي في رحابها.

- كيف شعرت بعد فوزك بالجائزة؟

كنت أرغب في الحصول عليها لأسباب مادية في المقام الأول، بسبب خروجي على المعاش وانخفاض دخلي إلى الثلث مع ارتفاع متطلبات الحياة، وعدم صرف مكافأة نهاية الخدمة إلا بعد سنوات عدة، وكنت قلقاً من عدم الحصول عليها بعد وصولي إلى القائمة القصيرة، كما حدث معي في جائزة الشيخ زايد، لكن القلق ذهب عندما أعلنوا فوزي بها.

- ترى أن مشاعرك كانت تختلف في حال ترشيحك للفوز بها من غيرك؟

نعم، وقد كنت متردداً جداً في ترشيح نفسي، وهذه أول مرة أفعلها، وفعلتها بسبب الضغوط المادية فقط، وربما لهذا لا أشعر بفرحة كبيرة، وكنت أتمنى أن ترشحني جهة من الجهات التي تملك حق الترشيح مثل جامعة جنوب الوادي التي أعيش على بعد أمتار منها، ومن الواجب عليها الاهتمام بمحيطها الإنساني، لكنها لا تفعل للأسف، وتفضل البقاء مسجونةً داخل جدرانها.

- قلت إن بعض المحكّمين يتأثرون بالبريق الإعلامي. كيف أثّر ذلك معك؟

لا أتذكر سياق الكلام، لكنني لا أملك سوى كتاباتي فقط، ولا يوجد ما يبرر حصولي على الجائزة غيرها.

- ترى أن فيسبوك ساعدك في الظهور الإعلامي للحصول على الجائزة؟

بالتأكيد، قبل فيسبوك نشرت أربعة كتب لم يُكتب عنها خبر واحد، باستثناء حفاوة ثلاثة مبدعين إذ كتب أمجد ريان مقالاً عن "الخيط في يدي"، وكتب حسن عبد الموجود مقالاً عن "خازنة الماء"، وكتب الشاعر محمود خير الله مقالاً صغيراً عن "تقطيبة المحارب"، وسوى ذلك لم أظهر إعلامياً على مدار ربع قرن، لقد حررنا فيسبوك من قيد الصحافيين، وجعل لنا صوتاً.

- كيف تتهرب المؤسسات الثقافية في القاهرة من دعوة أدباء الصعيد؟

أدباء الصعيد لا يشكلون ضغطاً، وليسوا في حسبان أحد، باستثناء هيئة قصور الثقافة، كما أن دعوة أدباء الصعيد مكلفة، لأنها تتطلب بدل سفر وإقامةً، ولهذا تتجنبهم المؤسسات الثقافية، والبرامج التليفزيونية أيضاً.

"يشعر الأديب بالعزلة عندما لا يكون مقروءاً، لأنه لا يكتب لنفسه، ولأن الكتابة تتحقق فعلاً بالقارئ. كتاب غير مقروء لا يعني شيئاً، والجوائز عادةً تسلّط الضوء على الكاتب وتجعله مقروءاً بشكل أوسع من السابق"

- كيف يقدّم الفن صورةً مشوهةً عن الشاعر؟

صورة الشاعر في غالبية الأفلام والمسلسلات والمسرحيات صورة مشوّهة جداً، والأمثلة كثيرة وتحتاج إلى مساحة طويلة، مثل صورة شاعر الحلزونة في فيلم "مرجان"، أو مرهف الحس في فيلم "أمير البحار"، أو أحمد شاعر الإسكندرية في "مدرسة المشاغبين"، أو ظنانا أفندي في فيلم "الوزير جاي"، ولا يوجد عمل فني قدّم صورة الشاعر كما هي، بل كلها تقدّمه بشكل سطحي جداً وتافه.

- ما الصورة التي ترغب في تصديرها إلى العامة؟

الشاعر إنسان جاد وملتزم وملتصق بحياة الناس، يتأملها باستمرار وينحاز دائماً إلى الضعفاء والمهمشين والمتعَبين، ويحاول دائماً الوصول إلى جوهر الحياة وعظمة الإنسان، ويقاوم السطحية والتفاهة والتوحش المادي والاستهلاكي وكل قوى الشرّ، وهو عمل بكل معنى الكلمة، فالشاعر الجيد لا بد أن يقرأ كثيراً وأن يتابع الجديد باستمرار وأن يطور نفسه باستمرار، والشعر لا يأتيه مجاناً، بل لا بد من عمل شاقّ وطويل.

- ما الخطوات التي يجب على الدولة اتخاذها لدعم أدباء الأقاليم؟

دعم الأدب نفسه بغض النظر عن المكان، ونحن الآن لا نفكر في أشياء جديدة، بل نحلم في عودة مؤسسات الدولة لما كانت عليه منذ سنوات قليلة، وعلى سبيل المثال نحن في أزمة شديدة الآن في مجال طبع الكتب، لقد تدهور مشروع طبع الكتب في مؤسسات الدولة بشكل كبير، ما كانت تطبعه هيئة الكتاب أو هيئة قصور الثقافة في شهر لم تعد تطبعه الآن في سنة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard