كنت في الرابعة عشر من عمري عندما حملت بين يدي أولى روايات أحمد خالد توفيق، وعلى الرغم من أنني في ذلك الوقت كنت مغرمة بإحسان عبدالقدوس وأنيس منصور ونبيل فاروق، إلا أنني وجدت شيئاً مختلفاً في سلسلة "ما وراء الطبيعة"، فأنا أؤمن بالعوالم الخفية، ويرجع الفضل لكاتبي الأول والأخير أنيس منصور، منذ قرأت "القوى الخفية" و"أرواح وأشباح" صرت مؤمنة تماماً بوجود تلك العوالم بل واتصالي بها، كذلك كنت أجد الأسلوب الساخر لبطل السلسلة، الدكتور رفعت إسماعيل، محبباً لنفسي.
فقط أمر واحد كان يؤرّقني كثيراً، هو مفهوم البطل عن المرأة، فالجمال من وجهة نظر أحمد خالد توفيق، أو بطل روايته رفعت إسماعيل، هو أنثى بعيون زرقاء وشعر ذهبي ولغة إنجليزية ذات نبرة مميزة، فهل يعني هذا أنني لست جميلة، بملامحي الشرقية الصارخة و بشرتي التي تقف علي الحياد بين الأسمر والأشقر؟
بصرف النظر عني، إذا كان الجمال فقط فتاة شقراء بعينين زرقاوين، فبماذا أصف شادية إذن؟ بماذا أصف هند رستم و سعاد حسني، ناهد شريف ومديحة كامل وهالة فؤاد ومعالي زايد و غادة عبدالرازق وحتى أنجلينا جولي وبريانكا تشوبرا، هؤلاء النجمات اللاتي ما زلت أراهن كأيقونات للجمال دون ملامح أوروبية؟
إذا كان الجمال فقط فتاة شقراء بعينين زرقاوين، فبماذا أصف شادية إذن؟ بماذا أصف هند رستم و سعاد حسني، ناهد شريف ومديحة كامل وهالة فؤاد ومعالي زايد و غادة عبدالرازق وحتى أنجلينا جولي وبريانكا تشوبرا، هؤلاء النجمات اللاتي ما زلت أراهن كأيقونات للجمال دون ملامح أوروبية؟
لا يهم إذن، فالجمال ليس فقط في الملامح و إنما الشخصية والروح لديهما نفس النسبة بالتساوي، ولكن حتى في تلك الجوانب يرى رفعت إسماعيل أن نموذج المرأة المصرية تتمثل في خطيبته السابقة هويدا، الفارغة من الداخل والتي تسعى فقط للزواج وكأنه غاية وليس وسيلة، تتحدث طوال الوقت في أمور تافهة مملة، عكس ماجي الإنجليزية التي عشقها الدكتور المصري، والتي كانت مثالاً للتفهّم والرقي والعملية، ولا يهم أنها رفضت حبه بشكل غير مباشر، أو كانت تستمتع برغبته فيها دون رغبة منها أن يكلل هذا الحب بالزواج، نظراً لأنه مصري ويرغب العيش في بلاده، وهي إنجليزية أرستقراطية، تود ممارسة عملها في الفيزياء والحياة التي تقدمها لها بلادها فقط.
تقابل رفعت كل خمس سنوات إذا ما كانت تعاني من أعراض انسحاب خطبة فاشلة أو تواجه مشكلة ما، فتسأله سؤالها المعتاد: "للأبد؟"، فيردّ قائلاً: "حتى تحترق النجوم وتفنى العوالم"، فتطمئن أن عشقها مازال يسري في دمه، ثم ترحل وتتركه محطماً، لكنها تظل في نظره المرأة الأفضل، ولا هناك وجه المقارنة بينها وبين هويدا أو أختها سهام أو صديقاته أو أي أنثي شرقية، فقط كان يجد أن إيجابيات الأنثى تتمثل في كونها مثل أخته أو أمه، يقمن في كفر بدر و يهتممن بالأطفال والبيت، ويتزوجن من رجل عادي، أما هو فلابد و أن تكون المرأة أجنبية حتى تكون جديرة به.
كان من الممكن أن أعتقد أن تلك الآراء لا تعبّر عن أحمد خالد توفيق، وأنها فقط الحبكة الدرامية لو اقتصر الأمر على سلسلة "ما وراء الطبيعة"، ولكن عندما وصلت لسن النضوج، و كعادتي حين أحب أن أضع فاصلاً بين كتاب وآخر إذا ما كان الكتاب دسماً، كنت أبحث عن رواية خفيفة لتكون هذا الفاصل، وهنا كان لقائي مع الدكتور علاء عبدالعظيم بطل سلسلة "سافاري"، ووجدته نسخة مختلفة التفاصيل فقط من رفعت إسماعيل، فالدكتور علاء يتمثّل الجمال لديه في برناديت، الطبيبة الكندية التي قابلها في سافاري، ذات العيون الزرقاء والشعر الذهبي، والتي تعامله كصديق وهو يكتفي بذلك طمعاً في قربها وخوفاً من خسارتها، كما أن جميع أطباء الوحدة يرغبون في حبها وقربها.
وعلى الرغم من إدراكها تماما لمشاعر الدكتور المصري، إلا أنها كانت تستغل تلك المشاعر، كما كنت تفعل ماجي، رغم دعمه الكامل لها، إلا أن هذا لم يمنعها من الدخول في علاقة عاطفية مع غريب أطوار عرفت بعدها أنه قاتل متسلسل، وعادت إلى علاء تطلب مساعدته، وحتى بعدما تزوجا، لم تكن برناديت بالكامل له، بل كانت تخذله في الكثير من الأحيان، ولكنه ظل يراها الأنثى الكاملة رمز الحب و الجمال، أما الأنثى المصرية، فهي تافهة، مادية كخطيبته السابقة نسرين، والذي قتلها في أحد أجزاء السلسلة وهو خاضع لطاقة شر نقلها له طبيب كان يقوم بتجارب شيطانية على البشر، لكن تظل جوانب الأنثى الشرقية الإيجابية تتمثل في أمه التي تفوح منها رائحة القهوة و الحبهان، وكذلك شقيقته التي لا تخرج من الدار إلا نادراً.
كيف يمكن أن تكون غير منصف هكذا يا دكتور توفيق؟ المرأة المصرية التي توصف بالذكاء والتفاني والجمال وخفّة الظل، تنعتها بالتقليدية فارغة الرأس من أجل انبهارك بالفتاة الغربية؟
أتفهم تماماً أن لكل منا ذوقه الخاص، على سبيل المثال، أنا أفضّل الرجل المائل للسمرة، ذا الملامح الذكورية الحادة، لكنني في المقابل لا أستطيع أن أنعت الرجل ذا البشرة البيضاء بالقبح، ولا أقول أبداً إن الجمال يتمثل فقط في الرجل الأسمر، وكوني تنقلت بين القارات الأربع الكبرى، وقابلت العديد من الجنسيات، فأنا أزعم أن لدي ثقافة لا بأس بها في قراءة الشخصيات، لذلك كنت دوماً أشعر أن لا فرق بين مصري وأمريكي وإيطالي وأرجنتيني وهندي، فالرجال في المجمل لديهم صفات مشتركة مهما كانت جنسيتهم أو ديانتهم أو نشأتهم، وحتى لو كنت أرى بعض الطباع الصعبة في الرجل الشرقي، فأنا دوماً كنت ضد مبدأ التعميم، لأن تلك الطباع قد تجدها أيضا في رجل روسي عاش وسط الثلوج.
كل تلك الأفكار التي أحملها جعلتني لا أقوى علي الغفران، فأجد أن أحمد خالد توفيق متحامل دون حجّة واضحة، وكأنه، بشكل ما، يريد أن يتبع سياسة أنيس منصور في تحدّي المرأة، كما اتبع منهجه في الحديث عن العوالم الخفية، ولكن مهلاً دكتور توفيق، أنيس منصور لم يهاجم المرأة من أجل الهجوم، ولم يفضل يوماً إحداهن على المرأة المصرية.
كيف يمكن أن تكون غير منصف هكذا يا دكتور توفيق؟ المرأة المصرية التي توصف بالذكاء والتفاني والجمال وخفّة الظل، تنعتها بالتقليدية فارغة الرأس من أجل انبهارك بالفتاة الغربية؟
أعرف أن خسارتي كقارئة لن تؤثر على شعبية أحمد خالد توفيق، فأنا على كل حال نضجت منذ زمن بعيد ولم أعد أصلح لكتاباته، حيث إنه يصنّف كاتباً لليافعين، ولكن هذا لن يمنعني من قول إنه خسر شغفي و تقديري كامرأة وقارئة، ليس فقط من أجل رأيه الظالم في المرأة رغم أنه السبب الرئيسي، لكنني لابد أن أذكر كذلك أنه كلما ذهبت إليه محمّلة بطاقات حالمة و إيجابية، كان يمتصها في ثوان معدودة و يلقي بي في دوامة الاكتئاب بأسئلة وجودية، لكنها ليست لفهم النفس بل لتجعلني أعتقد أن لا شيء سيجدي، فأنا والمجتمع والعمل والحياة وكل شيء فان، و رغم كونها حقيقة لكنني لا أرغب في سماعها، بل أود أن أجد أهدافاً ودوافع تجعلني أكمل حياتي ببهجة طالما لن أموت اليوم أو غداً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يومينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...