شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
متى ستتمكن النساء من التغزّل بالرجال علناً؟

متى ستتمكن النساء من التغزّل بالرجال علناً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الأحد 13 أغسطس 202311:37 ص

مع تلعثمنا بالتعبير عن الحب للرجل المحبوب، ومع تيه الكلمات وافتقار القاموس للمفردات التي تتعمّق بالشغف بالرجل ووصف محاسنه، يبدو البحث في الغزل كممارسة مقتصرة على الرجال، أمراً مشروعاً.

كم من الأبيات ترصد غزلاً نسائياً بالرجال؟ وكيف نجد مفرداتنا محكومة بخطاب يجعل من مجرد شروع النساء بالغزل ممارسة غير مطروقة؟

هل نحتاج لاستحضار كلمات أغنية نجوى كرم "تغزّل في وبعيني، كلماتك كلهن حنية، كرمالك بهتم بحالي وبداري أكتر جمالي"، لندرك أن المتوقع هو انتظار النساء للغزل وأنه يتوجّب عليهن أن يرهنّ أنفسهن ليستحققن هذا الوسام.

تختلف قدرتنا على التعبير عن حبنا من شخص لآخر وبحسب بيئتنا التي عشنا ضمنها، لكن يبقى تأثير الثقافة العامة حاضراً. لطالما اقترن الغزل بالرجال وبأحقيتهم بالتعبير عن مشاعرهم تجاه النساء، فيما يتوارين هن حياءً وخجلاً. فالغزل يرتبط بثقافتنا بالقدرة على التعبير وامتلاك سلطة النطق وبمعنى آخر امتلاك صوت.

فإن تأملنا بمفردة الغزل نجدها بحسب قاموس المعاني ترتبط مباشرة بالنساء وبقيام الرجل بفعل الغزل الذي يعرفه:

كم من الأبيات ترصد غزلاً نسائياً بالرجال؟ وكيف نجد مفرداتنا محكومة بخطاب يجعل من مجرد شروع النساء بالغزل ممارسة غير مطروقة؟

غزِلَ بالمرأة: شغِف بمحادثتها والتودُّد إليها، أو وصفها

غَزِلَ: (فعل)

غَزِلَ، يَغْزَلُ، مصدر غَزَلٌ

غَزِلَ بِالنِّسَاءِ: حَادَثَهُنَّ بِلُطْفٍ وَرِقَّةٍ وَكَلاَمٍ عَذْبٍ وَتَوَدَّدَ إِلَيْهِنَّ

غَزَل: (اسم)

مصدر غَزِلَ

شِعْرُ الغَزَلِ: الشِّعْرُ الَّذِي يُقَالُ فِي النِّسَاءِ وَوَصْفِهِنَّ وَالتَّشَبُّبِ بِهِنَّ

يحملنا التعريف مباشرة لفعل يقوم به الرجل ليصف المرأة أو ليتودّد لها، فهو أمر يكون الفاعل فيه رجلاً، بينما المتلقي هو المرأة.

بالتأمّل بفكرة الغزل، نجد انشغاله بالمحسوس والجسدي، والذي يتمّ ربطه بالنساء اللواتي يجسّدن الجمال بحسب الفكر الذكوري. ورغم أن الجسد وجماله أمران لا يقتصران على جنس محدّد، إلا أن الفكر الأبوي يؤطر النساء كتجسيد للجمال ومقاييسه، وفي المقابل يعطي الرجال امتياز تجسيد الفضائل كالكرم والعزة والشهامة.

ما لا شك فيه أن الجسد والمتعة والرغبة لا تقل قيمة عن العزة والكرم والنبل، والإنسان هو مزيج من كل ذلك، لكن فصل الأمرين ليصبحا على طرفي نقيض، وحصر النساء بمعايير الجمال، هو انتقاص لهن ولكرامتهن.

لماذا يصبح المديح كفنّ يقتصر على بطولات الرجال ويقترن بفضائلهم؟

لطالما جاء المديح كفن منفصل عن الغزل. ليصبح الغزل مساحة للتشييء ومساحة للخيال الذكوري الباحث عن المتع الحسية التي يفترض بالنساء إشباعها، كما يرتبط التعبير عن الحب والمشاعر بجنسانيتنا التي يتم كبحها خاصة لدى النساء، وتصبح الجنسانية كغريزة تقتصر على الرجال بينما تتحوّل النساء لموضوعة لها.

أثبتت الدراسات سلبية تشييء أجساد النساء ودفعهن للتفكير المتواصل بمظهرهن، وبيّنت الضرر الناتج عن تمثيل النساء كرمز للجسد عليهن وعلى إمكانياتهن.

وضمن دراسة بحثت في تأثير صورة الذات على 350 شاب وشابة، وجدت انشغال النساء بنسبة أعلى من الرجال. وهذا التركيز المستمر على صورة الذات يولّد شعوراً قوياً بالخزي والقلق، ويرتبط باضطرابات الأكل، خاصة عند النساء. كما يأتي الانشغال بالمظهر وصورة الذات أمام الآخر على حساب انشغالهن بالمهارات العقلية والفكرية الأخرى، ويؤثر على تطورهن وتحصيلهن العلمي والأكاديمي.

وعلى نقيض النطق والإفصاح، يأتي الصمت كرمز لغياب الذات وانمحاء الصوت الذي هو حق للتعبير عنها. وأمام هذا الغياب، يمتلك الرجال المساحة والأحقية للتعبير عما يجول في دواخلهم دون تردّد.

بسبب القيود تعجز معظمهن عن التواصل والتعبير عن احتياجهن، ويعانين من الشعور بالدونية ونقص الثقة بالذات، ويتم تربيتهن بطريقة يشعرن أنهن مسؤولات عن إمتاع الرجل، بالتالي يستثمرن في ذاتهن ليرضينه دون الحصول على المقابل المطلوب من المتعة

ثقافة الحياء الصامت التي يتم تشجيع النساء عليها، هي جزء أصيل من تعاليم لا تتردّد معظم الأعمال الدرامية المعاصرة وحتى أغاني البوب بتكريسها كميزة وفضيلة، ومع ازدياد الحراك النسوي في منطقتنا، تمعن بعض الأعمال الدرامية بتمثيل النساء كعاجزات يتوقع منهن انتظار الحب والغزل من الطرف الآخر بينما يلتزمن الصمت، ويتم تقديمهن كموضوع للذة والمتعة، وهنّ اللواتي ينتظرن الغزل وليس العكس. ليس الحياء كفضيلة هو الإشكالي، إنما إشعاره كفرض من علامات "الأنوثة" ووضعه كحاجز يمنع التعبير عن الذات هو المرفوض.

تمتد جذور هذه الثقافة في موروثنا الذي يجعل التعبير عن مشاعرنا الجنسانية والعاطفية كخطيئة، ولا يتردد البعض بالخلط بين الصفات الاجتماعية التي يتم تربية النساء لاكتسابها وبين افتراض أنها جزء من طبيعة النساء.

فافتراض الحياء كطبيعة أصيلة في النساء هو تهميش لرغباتهن ولتنوعهن ولاحتياجاتهن. منذ الطفولة، يتم تحفيز الطفلات لتجنّب تقديم الإجابات المباشرة والالتزام بالحياء كممارسة، بينما يتم تربية الصبية بطريقة يملكون فيها حق التعبير عن الذات بشكل أكثر تلقائية.

وبينما تعتبر جنسانية الرجال، حتى التي تأتي دون ضوابط، والتي قد يمارس فيها علاقات متعدّدة، كصفة حميدة. يتم في المقابل، ذم النساء وخاصة بقدح جنسانيتهن التي يتم تصويرها كممارسة فاضحة والتعاطي معها كجريمة، فوصفهن بـ "العاهرات" أو القدح باستخدام أعضائهن التناسلية هو جزء من هذه الرؤية.

وليس البوح بالحب والتغزل بالشريك سوى جزء من الجنسانية، والحاجة للتعبير عنها هي جزء من المتعة ومن تعزيز التواصل مع الآخر.

وبحسب دراسة يرتبط التعبير عن الاحتياجات الجنسية بمدى تحقيق المتعة والوصول لها. وتبين من عيّنة شاركت بها مجموعة من النساء الإيرانيات، عدم قدرتهن للوصول للمتعة بالشكل الكافي لعدم قدرتهن التعبير عن احتياجاتهن، فالـ Sexual assertiveness، أي القدرة على التعبير عن الرغبات والتواصل، هي شرط أساسي لتحقيق المتعة، وبسبب القيود الموضوعة على النساء تعجز معظمهن عن التواصل والتعبير عن احتياجهن، ويعانين من الشعور بالدونية ونقص الثقة بالذات، ويتم تربيتهن بطريقة يشعرن أنهن مسؤولات عن إمتاع الرجل، بالتالي يستثمرن في ذاتهن ليرضينه دون الحصول على المقابل المطلوب من المتعة. أي أن النساء يضعن متعة الرجل كأولوية، بحسب الأدوار الاجتماعية المنوطة بهن وبحسب التوقعات الاجتماعية المفروضة عليهن، لذا، تصبح متعتهن أمراً ثانوياً، حيث الافتراض بسلبية النساء الجنسية بينما يقترن الرجال بالفاعلية الجنسية.

وعلى مستوى الشعر، رغم وجود شاعرات مارسن الغزل، إلا أنهن القلة التي تشكل ندرتها مجال البحث والدراسات، وهذا لا يلغي من أهمية وضرورة حفظ مكانة القلة من الشاعرات اللواتي أنجزن في هذا المجال. وقد تطوّر هذا الفن بينهن خاصة في فترة الأندلس، بحسب الدكتورة إيمان الجنابي، حيث أعطى نمط الحياة الجديدة في بلاد بعيدة، مساحة للنساء ليعبّرن عن ما يجول في قلوبهن من هيام، أقل ما يقال عنه إنه عاطفة إنسانية لا تقتصر على جنس محدّد، فلماذا يصبح التعبير عن هذه العاطفة حكراً على جنس دون آخر؟

ليس البحث بمفهوم الغزل هو تقليل من مكانة شعر الغزل العربي، بل هو دعوة لفتح الباب لمساحة أكبر من الحرية والعدالة، تعطي المجال للحب والرغبة والمتعة والتعبير عنها دون محدودية ودون قوالب نمطية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard