اعتاد زكري جاب الله بعد حصاد محصول القمح ودرسه، ترك مخلفاته في الأرض لمدة أسبوع حتى تجف تماماً، كخطوة مبدئية لتحويلها إلى أعلاف لماشيته.
ويعتمد أغلب مزارعي القمح في مصر هذه الطريقة لتوفير الأعلاف التي سجلت أسعارها ارتفاعات قياسية في الشهور الماضية، وفي نفس الوقت تقليل الضرر البيئي الناجم عن ترك هذه المخلفات الزراعية دون إعادة تدوير، والتي تبلغ كمياتها 40 مليون طن سنوياً في أنحاء البلاد، حسب تصريحات وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، تشكل مخلفات القمح النسبة الأكبر منها.
يقول زكري وهو مزارع من قرية سنبخت في محافظة الدقهلية شمال شرق دلتا مصر، لرصيف22: "بعد مرور أسبوع على ترك مخلفات القمح في الأرض، أنقلها إلى المنزل لتخزينها، وأقوم أسبوعياً بتأجير آلة لدرس قش القمح وتحويله إلى تبن يكفي الماشية علفاً لمدة أسبوع، وهكذا حتى أستخدم القش كله".
يعتمد أغلب مزارعي القمح في مصر تجميع مخلفات القمح وتجفيفها لتوفير الأعلاف.
ويوضح: "أحضّر شكارة من التبن، أي نحو 20 كيلوغراماً، وأشتري 4 كيلوغرامات ردة أو نخالة، وكيلوغرام من فول الصويا، وأخلطهم بها وتكفي هذه الكمية الماشية طوال اليوم".
ولا تتعدى تكلفة هذا الطعام اليومي وفق تقديرات المزارع 7 جنيهات كبدل إيجار الآلة التي تدرس بالة كاملة من القمح (50 كيلوغراماً)، وثمن الردة والصويا يراوح من 50 إلى 70 جنيهاً، أما في حالة الاعتماد على الأعلاف فقط دون تبن القمح فترتفع تكلفة العلف بنفس الكمية إلى 200 جنيه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها لا تشعر بالشبع الذي يوفره خلط العلف بالتبن.
وارتفعت أسعار الأعلاف في مصر ثلاثة أضعاف خلال عام واحد، بسبب عدم توافر العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد، فسجل سعر فول الصويا 37000 جنيه للمحلي والمستورد، مقارنة بـ 10500 جنيه عام 2021، كما ارتفع سعر الردة إلى 10700 جنيه، مقارنة بـ3500 جنيه.
وتعاني البلاد من نقص الأعلاف الحيوانية خاصة في فصل الصيف، ولسد هذا العجز لجأت الحكومة إلى المنتجات الثانوية للمحاصيل الزراعية لصناعة الأعلاف، وأطلقت وزارة البيئة بالتعاون مع وزارة الزراعة خلال السنوات الماضية برامج وحملات للتوعية بأهمية إنتاج الأعلاف غير التقليدية، المصنعة بشكل خاص من بقايا ومخلفات المحاصيل الزراعية على اختلافها.
المكملات الغذائية تعظّم الفائدة
يقول أحمد جلال وهو أستاذ تربية ووراثة الدواجن، وعميد كلية الزراعة في جامعة عين شمس: "يعتبر قش القمح بديلاً جيداً في أعلاف الأبقار والأغنام، إذا تم استكماله بشكل صحيح بأعلاف عالية الجودة، فلا ينبغي إطعام القش بدون مكملات لأنه نادراً ما يوفر ما يكفي من الطاقة والبروتين لتلبية متطلبات الحيوان".
وعن الفوائد الغذائية التي توفرها المخلفات الزراعية للحيوانات، يوضح لرصيف22: "توجد اختلافات في القيمة الغذائية التي تحصل عليها الماشية حسب نوع القش، فقش الشوفان هو الأكثر استساغة وتغذية، وكذلك قش الدخن الغني بالطاقة والبروتين، ثم يأتي قش الشعير في المرتبة الثانية، وقش القمح له أقل قيمة غذائية من بين الحبوب الرئيسية".
ويشير إلى أن القش لا يحتوي على الطاقة والبروتين الكافيين لتلبية كافة احتياجات الماشية وخاصة في فترة حملها، لذا يوصي بوضع مكملات الأعلاف عالية الطاقة مثل الحبوب وخلطها بقش القمح، لتحصل الماشية على وجبة غذائية متكاملة.
خطوات بسيطة
وضمن نفس السياق يقول محمد لاشين وهو مزارع من أبناء محافظة البحيرة: "التبن الناتج عن دراسة مخلفات القمح هو الوجبة الأساسية لماشيتي طوال فصل الصيف، حين لا يتوفر البرسيم الذي يعد الغذاء الرئيسي للماشية في مصر، ووجبة إضافية مع البرسيم طوال فصلي الشتاء والربيع".
يعتبر قش القمح بديلاً جيداً في أعلاف الأبقار والأغنام، إذا تم استكماله بشكل صحيح بأعلاف عالية الجودة، فلا ينبغي إطعام القش بدون مكملات لأنه نادراً ما يوفر ما يكفي من الطاقة والبروتين لتلبية متطلبات الحيوان
وخطوات الحفاظ على التبن طوال العام بسيطة حسب لاشين، إذ يستخدم بعد حصاد القمح نفس آلة الحصاد لدراسة المخلفات، ثم يخزنها باستخدام الأكياس بجوار المنزل محافظاً عليها من الرطوبة.
ويستعين لاشين ببعض الإضافات على القمح لزيادة قيمته الغذائية، فيوضح: "التبن به نسبة بروتين أقل من الردة أو النخالة وهي أحد أنواع الاعلاف التي تستخدم للماشية وتنتج من طحن القمح، لذا أضيف الردة في حالة رغبتي بزيادة إنتاج اللبن، وبروتين الصويا لزيادة قيمة العلف الغذائية".
ويستطرد: "لا نشعر في محافظتي بالارتفاع المتتالي لأسعار الأعلاف لأننا نعتمد في غذاء المواشي على المخلفات الزراعية ومنها التبن والفول والدريس وقش الرز وحطب الذرة، ونفرمها عن طريق الدرّاسة، وبذلك نوفر ثمن الأعلاف بشكل ملحوظ".
إلى جانب ذلك، فإن تدوير المخلفات الزراعية يساهم في زيادة دخل المزارعين، وفق ما توضحه دراسة صادرة عن المركز الإقليمي للأغذية والأعلاف التابع لمركز البحوث الزراعية في مصر.
ووفقاً للدراسة، لو استخدم المزارع مبلغ 1420 جنيهاً في عملية تدوير تبن القمح لإنتاج علف غير تقليدي، فإنه سيحصل على صافي ربح يقارب 700 جنيه لكل طن، وفق نوع العلف الناتج، وتساهم هذه الزيادة في قيمة تبن القمح بزيادة الدخل القومي الزراعي، مما يمكن أن ينعكس في المستقبل على تحقيق التنمية الزراعية والاقتصادية، ويوضح ذلك أهمية إعادة تدوير المخلفات الزراعية والاستفادة منها كمورد غير مستغل.
تفادي مخاطر تدوير المخلفات الزراعية
"يؤثر تراكم النفايات وعدم التخلص منها بشكل صحيح على البيئة والصحة العامة، ومن أجل تقليل الآثار السلبية لهذه المشاكل، يجب تبني استراتيجيات بيئية شاملة وتعزيز التعاون الدولي في مجال الحفاظ على البيئة، وتشجيع الحكومات والشركات والمجتمعات على تبني ممارسات مستدامة، والعمل على تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة للأجيال القادمة"، يتحدث وفيق نصير، عضو البرلمان العالمي للبيئة، موضحاً مخاطر المخلفات الزراعية على البيئة وأهمية إعادة تدويرها واستغلالها.
لا نشعر في محافظتي بالارتفاع المتتالي لأسعار الأعلاف لأننا نعتمد في غذاء المواشي على المخلفات الزراعية ومنها التبن والفول والدريس وقش الرز وحطب الذرة، ونفرمها عن طريق الدرّاسة، وبذلك نوفر ثمن الأعلاف بشكل ملحوظ
ويضيف في لقاء مع رصيف22: "رغم أهمية تدوير المخلفات الزراعية وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة إما لصناعة الأعلاف أو الأوراق والأسمدة، ما يعد حلاً مستداماً وفعالاً للتخلص الآمن منها، إلا أنها تنطوي على بعض المشكلات، ومنها تكلفة التخزين والنقل والتي قد تكون باهظة الثمن، مما يجعلها غير جاذبة اقتصادياً لبعض المزارعين، بالإضافة إلى ان استخدامها كأسمدة يمكن أن يتسبب في قلة الإنتاجية، لأنها لا توفر التغذية اللازمة للأرض الزراعية، أما استخدامها كعلف يمكن أن يتسبب في انتشار الآفات والأمراض لأنها لا توفر وحدها التغذية الكافية للحيوانات".
ويضع نصير روشتة تساعد في إعادة تدوير المخلفات الزراعية مع تجنب سلبياتها، ومنها تعاون الحكومات مع المزارعين لتحسين تقنيات التخزين والنقل والتعامل مع هذه المخلفات بطريقة صحيحة وآمنة بيئياً، بالإضافة إلى تعزيز الوعي بأهمية تدوير المخلفات الزراعية واستخدامها كمصدر للطاقة والمواد العضوية.
والجدير ذكره أن ما يعاد تدويره من المخلفات الزراعية في مصر لا يتجاوز 12% من حجم هذه المخلفات، ويتم التخلص من الباقي عن طريق الحرق، أو الرمي في الترع والمصارف، مما يؤثر سلباً على صحة الإنسان، ويتسبب في إهدار عنصر إنتاجي ثمين يمكن للمزارعين الاستفادة منه، وفي الوقت ذاته لا بد من تخفيف أضراره على البيئة المحيطة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 4 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 4 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت