الأمر بسيط؛ مسلسل من عدة حلقات، يُعرض على منصّة عربية، متقن بشكل متماسك، بأداء تمثيلي لا مثيل له وإدارة جديدة تفضح الحقائق بلا خوف، وينتقل بين المشاهد بخفّة ويترك الذهول في عقل المشاهد. تلك الخفّة هي سمة مسلسل أَسْمَيته "مناسك العنوسة"، للمخرجة عمتي وربما أمي، والمرتبط عاطفياً بمسلسل "المرأة ضلع قاصر"، من إنتاج خالتي، على الرغم من إصرار فريق العمل من العائلة على أن هذه الحلقات ستنتهي في بيت تزوجت بناته، فتغلق أْبوابه بأحكام خشية رجوعها مطلّقة، لا سمح الله، ثم تنتقل ذات المشاهد باختلاف طفيف لبيت جديد بلغت به الإناث وتزيّنت بالدورة الشهرية التي تعتبر دليل اكتمال الأنوثة، مع أن كتابة هذه الأعمال على عاتق النساء إلا أن للرجال مشاهد مؤرّخة في سيناريو تعود إلى "البنت مالها إلا بيت زوجها"، مع مشاركة الصديقات للمساعدة في الإقناع.
عريس الغفلة طلّ
هرباً من قصة حبّ فاشلة ومن أيام مريرة، من الإحزان وبرك الدموع والأشواق والانتظار الذي تختار بعده بعض الإناث الرضوخ أمام الواقع المرير، والقبول بمهزلة زواج الصالونات، أو ما يُسمّى بالزواج التقليدي، في الوقت الذي يقبله بعضنا رغماً عن التناقض الذي يلغي ما وصلت له هذه المرأة من الحداثة الفكرية والمعلوماتية، لاغية به رغباتها وقناعاتها، بعيداً عما سيؤول اليه هذا السلوك نتيجة الصدمة العاطفية التي قلبت موازين أفكارها.
ماذا علينا أن نفعل بعد أن نخوض تجربة التعارف التقليدي، من افتعال التجارب والاختبارات على الشركاء الذين سنتعرّف عليهم بعد أن فقدنا الثقة في العلاقات التي آلت بنا إلى هنا، حتى في خياراتنا الفاشلة في الحب؟
كان يوماً مكرّراً من أيام شتاء 2021، في أحد صباحات الدوام الذي كنت أخوض به معركة ضد الصدمة العاطفية التي تعرّضت لها آنذاك، موجة العدائية التي حاربت بها نفسي لكي أستعيد قدرتي على الاندماج في حياة بلا حب. من نهاية عام 2020، أي شتاء كامل لامرأة حسّاسة، مجروحة من الحب.
"فايتين البيت من بابه": قالت أمي التي شهدت أحزاني الطويلة ورافقتني في صدمتي العاطفية التي ألمّت بي، وتفجّرت في قعر غرفتي "عالمي الخاص" الذي شهد هزيمتي كعاشقة
في يوم عادي أستقبل به المراجعين في مكتب أتشارك به مع عدة زملاء وزميلات، استقبلت شاباً، أنهيت معاملته. لم تمر عشر دقائق حتى جاءت امرأة ستينية تستجوبني، ابتدأت بسؤال: "متزوجة؟ كم عمرك؟".
كان ردي جافّاً حينها إلى أن بدأت زميلتي بالمكتب (التي على علم مسبق بفاجعة الفراق التي أذبلت اخضرار شبابي) بالردّ على أسئلة تلك المرأة، وللأسف أجبرتاني خجلاً على إعطاء رقم تلفون أمي.
لم أتوقع غرابة الموقف ولا الصعوبة التي حدثت، في حين حاولت زميلات العمل إقناعي بتقبّل فكرة العرض والطلب التي وضعت بها نفسي آنذاك. عندما تلقت أمي الاتصال من امرأة، طلبت منها موعداً ليلة السبت لزيارتنا من أجل مصلحة بيع وشراء تحت مسمى الزواج التقليدي.
جاء السبت، وأخبرتني أمي أن امرأة أجرت معها اتصالاً لتطلب زيارتنا. "فايتين البيت من بابه": قالت أمي التي شهدت أحزاني الطويلة ورافقتني في صدمتي العاطفية التي ألمّت بي وتفجّرت في قعر غرفتي "عالمي الخاص" الذي شهد هزيمتي كعاشقة.
سوق الخضرة
نزلت عبر درجات منزلنا نحو غرفة الجلوس بعد ساعة وأكثر من حضور تلك الخالة التي لا أعرفها، ومعها شاب في أوائل الثلاثينيات أيضاً لا أعرفه، لتطرق وإياه أبواب منازل المدينة وتتفحّص بضاعة كل عائلة بتمعّن، لتعثر على طلبها: "فتاة بكر، جميلة، متعلمة، وموظفة، وربّة بيت بعد ساعات العمل الطويلة، ومطيعة، لها لسان يأكل ولا يتكلم، وآخر اليوم جاهزة لتعطي زوجها حقه الشرعي من جسدها الشاب".
كل هذا وهي أم لشاب لا يمتلك مواصفات خارقة، بل هو مجرّد رجل تقليدي يعمل في إحدى الوظائف الحكومية، لا يملك شهادة جامعية وكل ثقافته تتكوّن من أوامر الأعلى منه ومن "حاضر" يقولها كل الأوقات، ثم يطلب امرأة وزوجة تخدم أوامر الرجولة التي يطمح بأن ينعم بها.
شرد ذهني حينها (في النظرة الشرعية التي جلست فيها معه) في المرّات التي حثثت بها النساء على أن تستفسر عن الأفكار والمعتقدات والآراء في أكثر المواقف حدة في فترات التعارف بدلاً من طرح أسئلة سطحية مثل "بتحب الملوخية ولا المقلوبة؟"، وألا تقبل بزوج يطرح عليها سؤالاً في صالون أهلها: "كم مرة بدك تزوري أهلك بالشهر؟".
الأولى أن نطرح أسئلة حول التحرّش وزواج القاصرات وقيمة المرأة، وألا نخجل من السؤال حول الحالة النفسية للشريك المحتمل. عن رأيه بتعدّد الأديان وتعدّد الزوجات، عن الأدوار الجندرية، عن معنى الزواج، عن تحديد النسل واللاإنجابية، عن الذكورية والنسوية وعن عمل المرأة، عن الجماعات الإرهابية والزواج المدني والمساكنة والانتماءات الدينية والمعتقدات التي يؤمن بها ومدى تقبله للآخر مهما اختلف رأيه وتوجهاته ومعتقداته ودينه عنه، وعن مسبّبات العنف الأسري، عن مواقفه إزاء المثلية الجنسية والجنس الثالث.
هذه الأسئلة التي يجدر بنا طرحها، فكل النساء اللواتي ركضن خلف طموحهن وفاتهن قطار الزواج، أنجبن ذواتهن بكامل عذريتهن.
تبادل الأدوار
ما يحكم الزواج عندنا هو عادات القبيلة وقوانينها المؤبدة، فما كان علينا أنا وهو (شريكي) سوى أن نتصفّح كتاب قوانين الزواج ومساراته، فوجدت نفسي وإياه نواجه ما لم نتفق فيه عليه من هذه القوانين السخيفة التي ستلعب دوراً في مجرى حياتنا، حتى وإن اخترنا بعضنا عن حب، سنجد نفسنا أمام أسئلة من نمط: من يجب أن يصرف على البيت؟ وعلى من تقع تكاليف الزواج؟ وهل يؤمن كلانا بالمهر كتسعير للمرأة؟ من المسؤول عن العمل خارج المنزل وعن الأعمال المنزلية؟ هذا ما كاد يضعنا أمام أدوار محدّدة مسبقاً قد لا يرغب أحدنا بتأدية شيء منها.
يجب أن ينتهي زواج الصالونات أو الزواج التقليدي، فلا أرى به إلا "جيناً هجيناً" لتناقل العادات والتقاليد التي تجعل مني، أنا العروس، خاضعة لأوامر الرجل الذي "لا أعرفه ولا يعرفني" وقد اختارني كسلعة تفقّدها جيداً ثم قَبِل بها "ظاهرياً"، فدفع لها القليل من المال على هيئة مهر مقدم لزوجة مطيعة طيلة السنين الباقية.
الأولى أن نطرح أسئلة حول التحرّش وزواج القاصرات وقيمة المرأة، عن رأيه بتعدّد الأديان وتعدّد الزوجات، عن الأدوار الجندرية، عن معنى الزواج، عن تحديد النسل واللاإنجابية، عن الذكورية والنسوية وعن عمل المرأة
حينها وقفت أمام نفسي في المرأة، وقلت إن فشل علاقتي بالحب لا يعني أن أقذف نفسي في بيت زوجية لا يشبهني، فلا دليل بأن سعادة المرأة ترتبط بوجود رجل في حياتها، أي رجل، قبل أن تتيقن أن الرجل الذي سيشاركها حياتها ليس مجرّد رجل، بل لا بد من أن تنطبق عليه عدّة شروط يجب ألا تتخلى عن أي منها، فأنا لا أتشارك أوعلا عبدالمجيد في أية أفكار تجعلني، وأنا أقترب من فوهة الثلاثين، أي عمر العنوسة وفقاً لإحصائيات الوطن العربي، أقف لأقول: "عايزة اتجوز" والسلام.
وصمة الاختلاف عن أفكار القبيلة
طُرح موضوع المهر على طاولة النقاش في إحدى اللقاءات مع الأصدقاء الذين يختبئون تحت لواء الأفكار الليبرالية الحديثة، أدليت برأيي الرافض لفكرة المهر كتسليع للمرأة وكفعل خاطئ متوارث يورّث المرأة الرضوخ للواقع تبعاً لجداتنا، فعاندتني الكثير من الصديقات، منهن من تقول عن نفسها نسوية. كن يرين بأن المرأة سترفض المهر عندما تنال كافة حقوقها أولاً، كحضانة الطفل والمساواة في الأجور في العمل، لكنني رفضت كلياً فكرة المهر الذي يدفع به الرجل سعر شراء ويوقّع عليه ولي أمر المرأة بقبول بيعها بسعر قد لا يتعدّى الدولار في اليوم. فإننا إن استمرينا في قبول هذه الظاهرة، لن نتمكن من الحصول على مطالبنا، أصلاً لا يجوز لنا المطالبة بها. علينا أن نرفض تسليعنا أولاً، ثم نستقر مادياً، ثم نطالب بالحقوق. أؤمن أن المرأة ستنال حقوقها عندما تستغني عن المهر أولاً.
في ذات الجلسة، سألت عدة أصدقاء من الرجال، هل يقبل أن تدفع له المرأة المال كمهر الزواج وتبادل الأدوار بين الرجل والمرأة بحيث تكون المرأة ربة البيت وولي الأمر، والمسؤول الأول عن المنزل، لينال بعدها الترقية وكل تلك المناصب وفوقها جائزة المهر الذي ستدفعه المرأة للرجل؟ فكانت إجابة كل الرجال بـ"لا" كبيرة، لأنهم على علم مسبق بأن المموّل هو من سينال السلطة، وسيشتري امرأة وأماً لأطفاله وخادمة تلبي طلباته وطلبات الأسرة للأبد.
أؤمن بأن استقلالي المادي، وإيماني الراسخ بأني كاملة بلا زواج، وعدم قبولي لأي من أفعال المجتمع الذي يساهم في تسليع المرأة، كل هذا يتيح لدي القدرة لمواجهة مجتمع يحاول منذ الأزل وبكل الطرق، فرض نمط معين من الحياة على الجميع، فيعطي الرجل السلطة والنفوذ والقوّة، ويسلب ذلك مني، أنا المرأة، فأشيخ وأهرم وأموت وأنا ضلع قاصر تحت إبط الذكور، حتى وإن وُصم اسمي بعد أن اخترت وشريكي الخروج عن هذا النمط، بأني امرأة "ناشز".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع