شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
متى وكيف سيُرفع عن النساء حصار الطلاق؟

متى وكيف سيُرفع عن النساء حصار الطلاق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الاثنين 1 أغسطس 202211:28 ص
في الأسبوع الأخير من حزيران/يونيو، قدمت "الإنفلونسر" أو المؤثرة إيمان صبحي فيديو جديد بعنوان "ماذا لو أطلقت؟" تحكي فيه تجربتها مع الطلاق. وذكرت أنها لم تعد سعيدة في زواجها رغم أن علاقتها بزوجها السابق ما زالت طيبة، فانهالت عليها التعليقات السلبية تعبيراً عن الغضب والاستياء من الفيديو، مثل "انتوا اطلقتوا عشان تتصاحبوا؟!"، "يعني الناس تخرب بيوتها عشان مش مبسوطين؟"، "الريتش وقع فاطلقت عشان تعمل فيديو"، "فيديو مُلغم بأفكار تفكيكية".

لماذا يرفض المجتمع الطلاق؟!

في مجتمعنا، لا بد أن تعيش المرأة "في ظل رجل" كما يقولون، وليس مقبولاً أن تكون مسؤولة عن نفسها في أي فترة من فترات حياتها، على اعتبار أنها إنسان فاقد للأهلية لا يمكنه أن يعيش وحده، ويتخذ قراراته. فيجب أن يكون لكل امرأة رجل يسأل عنها، فنحن لا نتحدث مع النساء في أي أمر يخصهن، بل مع رجل. لذا، عندما تُقرر امرأة أن تخلع الحجاب، مثلاً، يُلام على هذا زوجها أو أبوها. وإذا رفعت سيدة صوتها في حضور زوجها يُقال: "جوزها مش راجل".

في مجتمعنا، لا بد أن تعيش المرأة "في ظل رجل" كما يقولون

لدي صديقة مطلقة كان أهلها يعارضون طلاقها. وعندما سألتها لمَ كانوا رافضين - رغم أن لديها أسباباً وجيهة لطلب الطلاق - كانت إجابتها لثلاثة أسباب: "عيب الناس هتقول إيه، وعشان العيال لازم أكمل، وعشان مين هيصرف عليَّ بعد الطلاق". وصديقة أخرى ترغب في الطلاق وتخشى حتى أن تعرض على أسرتها الأمر قائلة لي: "الطلاق ما زال مرفوضاً تماماً في الصعيد، كما أنهم يرون زوجي رجلاً مثالياً، وأني هكذا سأدمر حياتي وأحرم أولادي من أبيهم. وأخيراً، سأصبح عبئاً ثقيلاً عليهم إذا أصبحت مطلقة لأن هذا يعني لهم وللمجتمع أني صرت امرأة دون رجل يحكمها".
وفقاً لبيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر في اليوم العالمي للأسرة في 2020، هناك 13.4% من الأسر المصرية تعيلها امرأة. و70.3% من هؤلاء السيدات يعيلن أسرهن بعد موت الزوج، و16.6% من المتزوجات، و7.1% من المطلقات وفقاً لدراسة أعدها المرصد المصري التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية. وهو ما يعني أن الأسرة لا تنهار مادياً لعدم وجود رجل فيها، وإنما قد تنهار لوجود رجل لا يعرف كيف يحافظ على بناء أسرة سليمة، ولا يهتم للصحة النفسية الخاصة بأولاده. فأعتقد أن أبناء يعيشون بين أبوين منفصلين أفضل من العيش في بيت به زوج وزوجة ليست بينهما علاقة زوجية مستقرة. كما أن العيش دون رجل أفضل كثيراً من العيش في كنف رجل لا تستطيع المرأة احترامه.

الأسرة لا تنهار مادياً لعدم وجود رجل فيها، وإنما قد تنهار لوجود رجل لا يعرف كيف يحافظ على بناء أسرة سليمة، ولا يهتم للصحة النفسية الخاصة بأولاده

كل هذه الأسباب قد تمنع المرأة من الطلاق. فجميعنا يعرف نماذج من سيدات يتعرضن للعنف الجسدي من أزواجهن، ونقول لهن: "تحملن من أجل أولادكن"، وأخريات لا يساعدن أزواجهن حتى مادياً، ويُقال لهن أيضاً: "تحملي ظل رجل ولا ظل حيطة". فظل الرجل بالنسبة إليهم أفضل من وصمة الطلاق. وسيدة أخرى يخونها زوجها فيقُال لها: "طالما في النهاية يعود إليكِ استمري معه" أو "فكري ما الذي جعله يخونك؟" أو "الرجل لا يعيبه إلا جيبه". وسلسلة من المبررات تُفتح في وجه المرأة بمعنى أن بيتها أفضل من الطلاق.
فأعتقد أن أبناء يعيشون بين أبوين منفصلين أفضل من العيش في بيت به زوج وزوجة ليست بينهما علاقة زوجية مستقرة.
لذا، كان من الصعب أن يتقبل المجتمع أن تقول المؤثرة صبحي إنها ترغب في الطلاق لأنها لم تعد سعيدة في زواجها رغم أن هذه الكلمة تعني الكثير. فانعدام السعادة قد يعني أن التفاهم قل بين الطرفين، ويعني أيضاً تغير أحد طرفي العلاقة بحيث أصبح غير مُريح للطرف الآخر. وربما أيضاً هناك أسباب أخرى للطلاق لم تذكرها إيمان في الفيديو. وبالفعل، هي غير مطالبة بذكرها. لكن، الناس اعتبرت التعبير عن تجربة شخصية على الملأ هو عدم احترام لخصوصيتها، ويهدف لرفع نسبة المشاهدة على الصفحة، رغم أنه من حق الجميع أن يختاروا ما يرغبون في مشاركته مع الناس وما يودون الاحتفاظ به لأنفسهم.

الظفر بالطلاق لا يعني الانتصار

وإذا استطاعت المرأة الحصول على حقها في الطلاق، وخرجت من الثقب الأسود الصغير الذي يضعها فيه المجتمع منذ ولادتها، فلربما سيحدث أمر من اثنين. إما أنها ستعود لتعيش تحت سيطرة رجل آخر مثل أبيها، أو أخيها، أو عمها، أو أي رجل ينتمي لعائلتها، وسيتم غلق كل الأبواب الممكنة عليها أكثر من ذي قبل. وذلك خوفاً من أن تصبح "مطمعاً للآخرين" بعد أن أصبحت مطلقة، أو خوفاً من انحراف سلوكها فهي الآن ليس لديها ما تخسره، كما يقولون.
وإما أن تعيش بمفردها تماماً إذا لم يكن لديها رجل آخر تعيش طوعاً له. وهنا، سيستغل البعض الفرصة لفرض سيطرته عليها، مثل مديرها الرجل الذي سيعتبر نفسه في مقام والدها. ويبدأ في إسداء النصائح إليها وخاصة نصيحة البحث عن زوج آخر، أو حتى زميلاتها اللواتي سيوجهن لها اللوم إذا رأينها تتسامر مع أحد الرجال في العمل قائلات: "يجب أن تخافي على سمعتك، فأنتِ الآن مطلقة". والطريقة الأخرى للسيطرة ستتمثل في اعتبارها سيدة متاحة الآن لأي تصرف وقح يصدر من أحدهم أو أي رجل يتقدم للزواج منها مرة أخرى. فليس من حقها أن تضع شروطها مثل أي فتاة أخرى لم تتزوج من قبل، فهي الآن "خرج بيت"، وعليها أن تحمد الله أن رجلاً آخر تقدم للزواج منها.
جميعنا يعرف نماذج من سيدات يتعرضن للعنف الجسدي من أزواجهن، ونقول لهن: "تحملن من أجل أولادكن"، وأخريات لا يساعدن أزواجهن حتى مادياً، ويُقال لهن أيضاً: "تحملي ظل رجل ولا ظل حيطة"

عواقب الطلاق أم عواقب "العنوسة"؟

جاء في تصريح رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، اللواء خيرت بركات في مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى ببرنامج "على مسؤوليتي" أن مؤشرات الطلاق والزواج في 2020 توضح أن عدد عقود الزواج بلغت 876 ألفاً، و880 ألفاً في 2021. في حين بلغت حالات الطلاق 222 ألفاً في 2020، ثم ارتفعت بنسبة 13% لتبلغ 245 ألفاً في 2021. ومن المتوقع ارتفاع نسب الطلاق خلال بيانات 2022. وأشار إلى أن 28% من حالات الطلاق كانت خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج.
هذه الإحصائية تعني أن الكثيرين يقعون في فخ الزواج من أشخاص غير مناسبين تماماً لهم بسبب الضغط المجتمعي على الجنسين. لكن، بالنسبة للمرأة، الأمر أقسى. فإذا ظلت دون زواج فستحظى بأسوأ لقب على الإطلاق "عانس"، مما يضطر بعضهن للخضوع والزواج من أي رجل مناسب بمقاييس المجتمع. 

وبعد أن تتزوج بعض الفتيات من أي رجل وتدرك ما أوقعت نفسها فيه، وأنه ليس الرجل المناسب، ستجاهد حتى تحصل على حريتها. فرجال كثيرون "تُجرح" كرامتهم بسبب طلب زوجاتهم الطلاق منهم

وليست العنوسة وتوابعها فقط ما تخشاه بعض النساء إذا لم تتزوج، بل بعض الأهل ينظرون للزواج على أنه قضية حياة أو موت، ويشكون بها إذا رفضت ابنتهم عريساً تلو آخر لأنها لا تراه مناسباً. فيعتقد البعض أنها على علاقة برجل آخر، أو أنها لم تعد "عذراء" لذا تخشى الزواج، وغير ذلك من الأقاويل التي تجعل بعض الفتيات تخضع في النهاية للزواج.
وبعد أن تتزوج بعض الفتيات من أي رجل وتدرك ما أوقعت نفسها فيه، وأنه ليس الرجل المناسب، ستجاهد حتى تحصل على حريتها. فرجال كثيرون "تُجرح" كرامتهم بسبب طلب زوجاتهم الطلاق منهم. وقد يرفض الرجل طلاق زوجته. ولا أفهم كيف يجعل رجل امرأة تعيش معه بغير رغبتها دون أن يشعر بالإهانة؟ كما أن أهل الزوجة على الأغلب سيرفضون دعمها حين تطلب الطلاق لما ذكرناه من أسباب. وتشهد محاكم الأسرة على عدد قضايا الطلاق والخلع التي تملأها. وهنا، ستواجه الزوجة مصير "فاتن"، الشخصية التي قدمتها الممثلة نيللي كريم في المسلسل الدرامي "فاتن أمل حربي" الذي عُرض في موسم رمضان الماضي.
أما إذا أنهيت الزيجة بالمعروف، كما جاء في القرآن الكريم في الآية 229 من سورة البقرة، "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، فستواجه ما واجهته إيمان صبحي من أقاويل. ونظل عالقين في هذه الدائرة المغلقة، لا نعلم متى وكيف يُرفع عنا الحصار.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image