خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من حملها، عانت فرح بزي، أم لبنانية شابة لطفل عمره ثلاث سنوات، من آلام قوية أسفل الظهر. كان المحيطون بها يوصونها بتناول المسكنات الآمنة في الحمل، أو الاستلقاء وتخفيف الجهد. لم يقدّم لها طبيبها المعالج حلولاً إضافية لـ"الآلام الشائعة" في تلك الفترة من الحمل.
صديقة واحدة نصحتها بجلسات المساج. لكن البقية خوّفوها منها حسبما تقول لرصيف22، مستطردةً "قالوا لي إن هذه الجلسات قد تتسبب في اختناق الجنين وموته في بطني بسبب الضغط عليه، أو على أقل تقدير الولادة المبكرة والحاجة لترك المولود فترة طويلة في وحدة عناية مركزة للأطفال حديثي الولادة". تتابع فرح بأنها تراجعت على الفور و"تحمّلت آلامها" و"تحاملت على نفسها" المدة الباقية لحملها، خوفاً على طفلها.
فرح ليست الوحيدة في ذلك بل إن مثل هذه الاعتقادات سائدة في غالبية الدول العربية وحول العالم إذ تمر المرأة خلال الحمل بتغيّرات تشريحية وفسيولوجية ونفسية عديدة، تُضطر لتجاهلها أو تحملها بسبب بعض الأفكار الشائعة التي تربط بين تناول المسكنات وبعض العلاجات الفيزيائية والإضرار بالجنين.
لماذا الخوف من المساج؟
"المتعارف عليه في دولنا أن الحمل أمر يحاط بكثير من الغموض والرعاية والحماية وشيء من القداسة إن صح التعبير وبالتالي تُمنع الحامل أحياناً من صعود الدرج أو حمل الأشياء أو السفر مسافات بعيدة بالسيارة. ترتبط كل هذه القيود بالمخاوف في مخيّلة الناس من فقدان الجنين وإجهاض الحمل لأن الحمل والخصوبة أمران مهمان جداً في الذاكرة المجتمعية وبالتالي يجب الحفاظ عليهما من أبسط الأشياء".
على الرغم من فوائده الجسديّة والنفسيّة العديدة، تتعدد التحذيرات والمخاوف بشأن خضوع المرأة الحامل لجلسات التدليك. كيف يمكن الاستفادة من تجربة مساج آمنة في الحمل؟
هذا ما يقوله لرصيف22 د. فيصل القاق، طبيب الأمراض النسائية والتوليد اللبناني البارز، متابعاً "يدخل الخوف من التدليك، وبوجه أعم العلاج الفيزيائي، في هذا الإطار خوفاً من حدوث ضغط على البطن أو الظهر ربما يتسبب في فقدان الجنين".
كما يلفت د. القاق إلى أننا "نحتاج لأن يتغير التفكير في الحمل من كونه تجربة محفوفة بالخطر والألم إلى التفكير فيه باعتباره حالة إيجابية وسعيدة للمرأة والأسرة، تُعاش بكل تفاصيلها وبكل أحاسيسها دون التعامل معها كحالة مرضية تستدعي وضع المرأة في قفص مدة تسعة أشهر".
ويشدد الطبيب اللبناني على أن "المساج يريح جسدياً ونفسياً، وهناك دروس حديثة تدرب المرأة وشريكها على تقنيات تسهل عملية الولادة"، مشيداً بزيادة الاعتقاد في أن ممارسة المرأة الحامل للرياضة بانتظام، بفضل تقوية عضلاتها وزيادة مرونتها، يساعدها على المرور بتجربة حمل وولادة أفضل.
ويوصي د. القاق أطباء وطبيبات الأمراض النسائية بأن ينصحوا/ ينصحن المرأة الحامل باللجوء للعلاج الفيزيائي عندما تعاني من ألم شديد في الظهر أو في الساقين نتيجة ضغط الرحم على الأعصاب، وغيرها من الأعراض المشابهة للتخفيف من آلامها.
ويختم: "المرأة الحامل - بعد التشاور مع طبيبها - يمكنها أن تخضع لجلسات المساج إن كانت ترغب في ذلك. ليس فقط لأغراض علاجية، وإنما أيضاً لأغراض وقائية وحتّى رفاهية لأن المرأة الحامل تستاهل رفاهية وتستاهل أن تعيش أيام فَرِحَة خلال الحمل وبعد الولادة وفي كل مراحل حياتها".
هل المساج آمن في الحمل؟
ويتفق الأطباء والخبراء حول العالم على أن المساج "آمن بشكل عام خلال الحمل". لكن البعض منهم يحذّر من أن بعض تقنيات التدليك ونقاط التحفيز في الجسم قد تسبب تقلصات و/ أو ولادة مبكرة. في غضون ذلك، يتمسك بعض الخبراء، بمن فيهم خبراء علاج بالتدليك، بأن المساج لا يناسب كل امرأة حامل.
ولهذا، هناك توصية عامة بأن تراجع المرأة طبيبها المعالج أولاً قبل الخضوع لجلسات المساج، علاوة على اللجوء لمعالج متخصص في تدليك الحوامل. علماً أن هناك شهادة متخصصة في هذا المجال يتلقى أصحابها تعليماً متقدماً في تقنيات التدليك الآمنة للنساء الحوامل.
"نحتاج لأن يتغير التفكير في الحمل من كونه تجربة محفوفة بالخطر والألم إلى التفكير فيه باعتباره حالة إيجابية وسعيدة للمرأة والأسرة، تُعاش بكل تفاصيلها وبكل أحاسيسها دون التعامل معها كحالة مرضية تستدعي وضع المرأة في قفص مدة تسعة أشهر"
هل يختلف مساج الحمل عن غيره؟
التدليك خلال الحمل ينبغي أن يكون بلطف شديد مع الضغط الخفيف جداً. ويكون أشبه بـ"المساج السويدي" مع تقنيات تمسيد خفيفة للغاية بحيث لا يتوقع أن يصل إلى الأنسجة العميقة كما يحدث في جلسات المساج العادية.
عادةً ما يراوح زمن جلسة تدليك الحامل بين 15 دقيقة وساعة. وفي حين أن غالبية المدلكين تكون لديهم طاولة مجهزة بفتحة في المنتصف بحيث تستطيع الحامل الاستلقاء على بطنها دون قلق، إلا أنه من الشائع أن تتم الجلسة والحامل مستلقية على أحد الجانبين بسبب المخاوف من حدوث انخفاض في ضغط الدم والضغط على الأعصاب في حالة الاستلقاء على الظهر أو البطن.
وغالباً ما يوفر المعالجون بالتدليك وسائد مبطنة ودعائم يحيطون بها جسم الحامل خلال جلسة المساج للتأكد من أنها مرتاحة بشكل تام خلال زمن الجلسة. توضع الوسائد عادةً أسفل البطن وبين الساقين وتحت الرأس، ويتوفر المزيد منها لتحتضنها الحامل حسب رغبتها.
ولا توجد أنواع مختلفة من مساج الحمل وإنما تقنيات متنوعة يلجأ المعالجون بالتدليك للمفاضلة بينها، ومن أبرزها المساج السويدي، والعلاج القحفي العجزي، والعلاج باسترخاء اللفافة العضلية.
كما يُنصح بأن تتناول الحامل المزيد من المياه والسوائل قبل وبعد جلسة التدليك، وأن تُبلغ المعالج على الفور إن شعرت بأي آلام أو إحساس غير مريح في أي جزء من الجسم خلال الجلسة، أو الاستعانة بطبيبها المعالج إن شعرت في أي وقت لاحق للجلسة بأية آلام غير متوقعة.
فوائد المساج للحامل
وتشمل الفوائد المثبتة حتى الآن للتدليك خلال فترة الحمل:
خفض القلق والتوتر.
تخفيف آلام الظهر والساقين.
تحسين المزاج وتقليل الاكتئاب.
تخفيف الأرق وتحسين النوم.
تنظيم مستويات هرمونات معينة مثل الأوكسيتوسين (الهرمون المسؤول عن الشعور بالحب والرضا والثقة والنشاط الجنسي ويُعرف أحياناً بـ"هرمون الحب") والسيروتونين (مادة كيميائية يفرزها الجسم بشكل طبيعي، وتلعب دوراً مهماً في أداء وظائف الخلايا العصبية والدماغ. ويُعتقد بأنها تلعب دوراً في الشعور بالسعادة والطمأنينة لذا تُعرف أحياناً بـ"هرمون السعادة").
تقليل آلام المخاض أثناء الولادة.
تقول جمعية الحمل الأمريكية إنه يمكن للمرأة أن تبدأ التدليك في أي وقت أثناء الحمل إلا أن بعض الأطباء يوصون بأن يبدأ المساج من الأسبوع الثاني عشر للحمل (أي بداية الثلث الثاني من الحمل)، بواقع جلسة كل أسبوعين
تقليل آلام ما بعد الجراحة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأبحاث بدأت في الاهتمام بجدوى المساج في فترة الحمل قبل نحو عقدين فقط من الزمن، ما يعني أنه يمكن مستقبلاً بمزيد من الأبحاث اكتشاف مزيد من الفوائد.
وكانت دراسة أُجريت عام 1999 قد لفتت إلى دور المساج في "خفض القلق، وتحسين الحالة المزاجية، والنوم بشكل أفضل، وتقليل آلام الظهر" لدى الأمهات الحوامل اللواتي تلقين تدليكاً مرتين أسبوعياً على مدار خمسة أسابيع.
وأظهرت دراسة صغيرة أُجريت عام 2006 أن التدليك شكّل علاجاً متكاملاً وناجعاً للغثيان والقيء المرتبطين بالحمل. دراسة لاحقة من عام 2009 - أُجريت على أكثر من 100 امرأة حامل تم تشخيصها بالاكتئاب - وجدت أن التدليك على مدى ستة أسابيع ساهم في خفض الاكتئاب بدرجة أكبر من مجموعة المقارنة التي تلقت العلاج النفسي.
هل من أضرار محتملة؟
من أهم الاشتراطات في مساج الحمل تجنب الضغط العميق، تحديداً في مناطق معينة أهمها البطن والساقين والمناطق المحيطة بالكاحلين. يحذر أطباء من أن الضغط العميق في حال كانت الحامل تعاني من جلطة دموية أو دوالي أو تجلط في الأوردة العميقة، قد يؤدي إلى مضاعفات بينها تحفيز المخاض أو تسمم الحمل. تفادي الضغط العميق على هذه المناطق يبدد أية مخاوف.
وتقول جمعية الحمل الأمريكية إنه يمكن للمرأة أن تبدأ التدليك في أي وقت أثناء الحمل إلا أن بعض الأطباء يوصون بأن يبدأ المساج من الأسبوع الثاني عشر للحمل (أي بداية الثلث الثاني من الحمل)، بواقع جلسة كل أسبوعين.
ومن الضروري جداً أن يكون المعالج على دراية بالزيوت أو المستحضرات التي يُمكن استخدامها خلال التدليك أثناء الحمل حيث أن العديد منها تكون له خصائص مسكنة ومهدئة. وليست جميعها آمنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...