"أقضي اليوم كله أفكر في المهام التي عليّ إنجازها، إلا أني لا أمتلك القدرة على ترك مكاني والقيام بأي شيء"؛ تحكي مروة، وهي طالبة في كلية الطب، عن واحدة من الصعوبات اليومية التي تعاني منها بسبب إصابتها باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، أو ما يُعرف بـADHD اختصاراً لـADHD.
لم تكتشف مروة، التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها العائلي، إصابتها بهذا الاضطراب سوى في سن التاسعة عشر. تقول إنها لم تنتبه إلى الأعراض إلّا بعد أن تعرفت على هذا الاضطراب وقرأت عنه، حيث بدأت تقارن ما تعاني منه بشكل يومي مع أعراض الاضطراب: "كنت أعتقد أن ما كنت أعانيه منذ طفولتي أمر طبيعي يعيشه الجميع"؛ تضيف في حديثها إلى رصيف22.
قلة تركيز وصعوبة أداء مهام بسيطة
يرتبط اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بخلل في النمو العصبي، ويُعدّ من أكثر اضطرابات الطفولة شيوعاً. تبدأ أعراضه بالظهور في عمر مبكر، وتنقسم إلى نوعَين أساسيَين هما انعدام التركيز والحركة المفرطة والاندفاع، ومن المصابين بهذا الاضطراب من يظهر عليهم نوع واحد من هذه الأعراض، وهناك من يظهر عليه النوعان معاً. يقول الدكتور منتصر الحياري، وهو طبيب نفسي: "تشمل أعراض هذا الاضطراب صعوبة التركيز، عدم الانتباه في المهام، وسهولة الانشغال والتشتت ونسيان الأشياء بسرعة وعدم تنظيم الوقت والمهام وصعوبة الانتهاء من المهام المطلوبة، كما تشمل أيضاً فرط الحركة، الانزعاج المستمر وصعوبة السيطرة على الانفعالات".
لم تكتشف مروة، إصابتها باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه سوى في سن التاسعة عشر. تقول: "كنت أعتقد أن ما كنت أعانيه منذ طفولتي أمر طبيعي يعيشه الجميع"
أما عن أسباب الإصابة فيقول الحياري، إنه لا توجد أسباب واضحة، حيث يُعتقد أنّ العوامل الوراثية والبيئية تلعب دوراً في تطور الاضطراب، كالتدخين وتناول الكحول خلال فترة الحمل، أو التعرض لبعض المواد الكيميائية، إلا أنه ليس هناك ما يثبت ذلك بشكل واضح.
قررت مروة زيارة طبيب نفسي، للتأكد من كونها مصابةً فعلاً بهذا الاضطراب، بعد أن وجدت تطابقاً كبيراً بين أعراضه وبين ما عانت منه منذ طفولتها: "حينها بدأت أفهم طبيعة الأعراض التي أعاني منها، وبدأت أعي أن الناس لا يعانون جميعهم من الصعوبات التي أمر بها، ولا يتطلب إنجاز مهام بسيطة جهداً عظيماً وطاقةً كبيرةً من الجميع"، تحكي لرصيف22.
يؤثر على مختلف جوانب الحياة
يؤثر اضطراب الحركة وتشتت الانتباه على مختلف نواحي حياة المصابين به، حيث تواجههم صعوبات يومية تحول دون عيشهم حياةً طبيعية. إذ يمكن أن يواجهوا صعوبات في الدراسة أو العمل بسبب التأجيل. تقول مروة إنها تعاني من كثرة تأجيل مختلف المهام سواء أكانت بسيطةً أو معقدةً، ابتداءً من ترتيب غرفتها إلى التحضير للامتحانات.
لا أستطيع التركيز في الدراسة، فأجتاز الامتحانات دون أن أدرس كل ما في المحاضرات، أولاً بسبب تأجيل الدراسة، ثم بسبب عدم القدرة على التركيز لمدة طويلة
كما يعاني المصابون بهذا الاضطراب من عدم القدرة على التركيز. تقول طالبة الطب: "أواجه مشكلة قلة التركيز، إذ لا أستطيع التركيز لأكثر من عشر دقائق أو عشرين دقيقةً على أقصى تقدير، ما يعني أنني لا أستطيع التركيز في الدراسة، فأجتاز الامتحانات دون أن أدرس كل ما في المحاضرات، أولاً بسبب تأجيل الدراسة، ثم بسبب عدم القدرة على التركيز لمدة طويلة".
ويؤثر هذا الاضطراب أيضاً على الحياة الاجتماعية للمصابين به، ويقول منتصر الحياري إن ذلك يكون بسبب ما يبدو أنه إهمال أو عدم اهتمام بالآخرين من طرف المصاب، أو بسبب نسيان المواعيد والتأخر عنها. فيما تقول الشابة إن النسيان يُعدّ من أبرز المشكلات اليومية التي تعاني منها: "أنسى مختلف مواعيدي، وأنسى إن طلب منّي شخص ما شيئاً، وكثيراً ما أشتري غرضاً معيّناً وأنساه في الثلاجة إلى أن تنتهي صلاحيته، كما أنني أنسى سداد الفواتير قبل الآجال المحددة، وقد حدث مرّةً أن قُطع الماء والكهرباء عن منزلي لهذا السبب".
الأعراض عند الأطفال
منذ طفولتها عاشت مروة أعراض الاضطراب دون أن تمنح اسماً لما كانت تعيشه. تختلف أعراض اضطراب الحركة وتشتت الانتباه بين البالغين والأطفال. يقول الطبيب منتصر الحياري إن الأعراض الرئيسية عند البالغين تتمثل في صعوبة تنظيم الوقت والتركيز وتنفيذ المهام، بينما تظهر على الأطفال أعراض عدم الانتباه وفرط الحركة.
اليوم عائلات كثيرة صارت تنتبه إلى أعراض اختلاف أبنائها عن بقية الأطفال. فاطمة (اسم مستعار)، أم لطفل يبلغ ثلاث عشرة سنةً مصاب باضطراب الحركة وتشتت الانتباه، تقول إنها شعرت بفرط الحركة لدى ابنها منذ مرحلة الرضاعة، إذ كانت مرحلةً صعبةً بالنسبة لها، إلا أن حالته تطورت بشكل كبير في سن الثلاث سنوات: "هو دائم الحركة حتى حين يكون جالساً، ولا يستطيع النوم بسهولة" تحكي فاطمة، وتضيف: "أكثر ما يعاني منه هي قلة التركيز، إذ يتشتت انتباهه بأبسط الأشياء، إلى درجة أنني أحرص على أن تكون الأشياء المحيطة به قليلةً ما أمكن لكيلا يتشتت انتباهه، مثلاً الأثاث في غرفته يجب أن يكون قليلاً جداً".
قررت فاطمة اللجوء إلى طبيب نفسي حين بلغ ابنها الثانية عشرة من العمر، بعد أن لاحظت تدني مستواه الدراسي ومعاناة أساتذته وزملائه معه بسبب فرط حركته. تقول: "مستواه الدراسي في تراجع دائماً، برغم تميزه بالذكاء وحب الاستطلاع، بالإضافة إلى الذكاء الاجتماعي".
قلة وعي وأفكار مغلوطة حول الاضطراب
لكن "الحظ" الذي حصل عليه ابن فاطمة اليوم، لم يكن من نصيب مروة. إذ يُعدّ اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه من الاضطرابات غير المعروفة كثيراً في المجتمع المغربي. تقول مروة إنها كانت أول من تعرّف عليه في محيطها، وتضيف أن عائلتها وأصدقاءها واجهوا صعوبةً كبيرةً في فهم هذا الاضطراب وأخذه بعين الاعتبار كمسبّب لكلّ ما تعانيه يومياً، وتُرجع مروة ذلك إلى غياب التوعية بهذا الاضطراب وغيره من الاضطرابات الأخرى.
من الناس من يظنّ أن المصابين بهذا الاضطراب أغبياء وفاشلون لا يستطيعون النجاح في حياتهم، والحال أنهم فقط يجدون صعوبات في إنجاز مهام تتطلب الترتيب والتنظيم
تدور في عقل من يعرف هذا الاضطراب أفكار مغلوطة كثيرة حوله، من قبيل أنه يصيب الأطفال فقط ويختفي مع تقدمهم في العمر، والحال كما يفسر الدكتور منتصر حياري، هو أن الأعراض تبدأ بالظهور في عمر مبكر، أي قبل الثانية عشرة سنةً، وقد تستمر مع الشخص حتى البلوغ ومرحلة الشباب وما بعدها، وترى مروة أن السبب في هذا الاعتقاد الخطأ، هو أن المصاب به حين يكبر يتعلم كيف يتعامل مع الأعراض وكيف يخفيها، ويظهر للناس كأنه لم يعد يعاني من الاضطراب، وتضيف: "من الناس من يظنّ أن المصابين بهذا الاضطراب أغبياء وفاشلون لا يستطيعون النجاح في حياتهم، والحال أنهم فقط يجدون صعوبات في إنجاز مهام تتطلب الترتيب والتنظيم، كالدراسة والعمل في المكاتب، في حين يرتاحون في المهام الإبداعية، حيث لا توجد الكثير من القواعد الصارمة التي يجب اتّباعها".
لا يأخذ البعض المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بجديّة، بدعوى أن الجميع يعاني بدرجة معينة من التأجيل وقلة التركيز وعدم القدرة على إنجاز بعض المهام بسهولة، وذلك لتشابه أعراض هذا الاضطراب مع الأعراض التي تظهر لدى الأشخاص المصابين باضطرابات القلق المختلفة، ويقول الدكتور منتصر الحياري إن أعراض اضطراب فرط الحركة لها معايير تشخيصية واضحة، يجب أن تبدأ في عمر مبكر وتستمر في جميع الظروف والمواقف والأوقات، ويضيف: "الطبيب النفسي هو المسؤول عن تشخيص هذا الاضطراب ولا يُنصح بالتشخيص الذاتي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين