فائرٌ، مشعٌّ، مبتهجٌ، تري العالم كأنه خُلق لك وحدك، أنت تحديداً قادر على كلّ شيء. جسدك كبركان لا يهدأ، شهوتك لا تنطفئ، تمارس الجنس مع زوجتك ثم تنسحب من جوارها، بعد أن يهدّها التعب تماماً، غير أنك لا تنهدّ، تفتح حاسوبك وتشاهد الأفلام الإباحيّة، تمارس العادة لعلّك تتخلص من انتصابك الموجع، ولكن يبدو أن جسدك المشتعل يرغب في المزيد، فتعود إليها مرّة أخرى، تداعبها، تمارس الجنس مجدّداً.. كم مرة عليك ممارسته؟ لا داعي للعدّ.. إنها فترات الهوس يا عزيزي، أو كما أخبرك طبيبك النفسي، بأنها نوبات اهتياج، أيام العواصف المدمّرة، شهيتك أيضاً مفتوحة على مصراعيها، تفتح ثلاجتك وتلتقط منها كل ما يصلح للمضغ، تأكل بنهمٍ حقيقي... حتى أفكارك متضاربة، تتصارع بجمجمتك، أرض المعركة الفعليّة، تصارعها يكاد يفتك بك، ولا ملجأ لك سوى السرير والنوم، ولكن النوم يجافيك، يهجرك تماماً، يتركك فريسة الأرق، ليوم، اثنين، وربما ثلاثة.. تترقّب انهيارك، أنت موقن أن هذا الجسد حتماً سينهار، تنتظر هذه اللحظة بصدق فـفيها خلاصك، ولكن تجتاحك حالات أخرى، فتجد نفسك هادئاً، ساكناً كنهر ميت، تفقد إحساسك بعضوك، ينكمش كمذعور، تموت الرغبة بداخلك، تموت الرغبات جميعاً، تنغلق معدتك كأبوابٍ موصدةٍ بإحكام، تنعدم القدرة على التواصل، المحادثة، حتى الشكوى لا تبثّها، ثم تعود للهوس مرة أخرى فتشتعل.
بداخلك نارٌ وجنّةٌ، سعيدٌ بلا أسباب واضحة، بائسٌ بلا سبب محدّد، هذا هو أنت، هذا هو أنا، فما الذي يحدث لك؟ ما الذي يجري لي؟
تعتقد أنك حالة متفرّدة، فأنت يهوذا أحياناً، محمّل بذنوب البشرية دون ذنب اقترفته، وأحياناً أخرى تصبح المسيح، تحمل عن البشر خطاياهم بنفس راضية، تتساءل: من سيشي بالآخر؟ ومن سينجو من الهلاك؟
من يراك في فترات هوسك يظنّ أنك الإنسان الأقوى على الأطلاق، ومن يتطلّع إليك في نوبات اكتئابك/ عزلتك/ سكونك يُشفق لحالتك!
هم في حيرة من أمرك، ربما تكون الحيرة ذاتها التي أصابت لـيوناردو دافنشي أثناء بحثه عن نموذجه الأمثل لرسم المسيح، يُقال إن بعدها – في أقل من عام بعد رسمه للمسيح- ظلّ يبحث عن يهوذا ليرسم لوحة العشاء الأخير.. يا للغرابة، لقد وقع اختياره على نفس الشخص، من كان المسيح ذات يوم صار يهوذا الآن، ما الذي دفع هذا الشاب إلى التبدّل على هذا النحو؟ كيف تحوّلت معالم الطيبة والسماحة إلى كلّ هذا البؤس؟ لعله كان مُصاباً بما أصابك "الاضطراب ثنائي القطب".
كيف اكتشفت مرضك؟ الصدفة/ القدر جعلك تقرأ بوست على فيسبوك نشره صديق، عرض فيه أعراض المرض، كلّ شيء ونقيضه في فترات الاكتئاب، قلّة النوم، عدم الرغبة الجنسيّة، فقدان الشهية، الانعزال، والميل للصمت، وفي نوبات الهوس حيث الإفراط في كلّ شيء، بالإضافة إلى الميل للتصرفات غير الحكيمة بالمرّة.
قلت لنفسك حينها: هذا أنا، ولا بدّ أن أستشير طبيب نفسي.
وقال لك الطبيب: حالتك خطرة، ومرضك قاتل، فكثيراً ما يدفع المريض إلى الانتحار.
ثم أضاف: السعادة قرينة التعاسة، لذلك فهذا المرض يطلق عليه: اضطراب ذو الوجهين، إما أن تكون سعيداً جدّاً أو كئيباً جدّاً، ولا وسط بينهما.
ليس من الغريب إذن أن ترتبط البسمة الظاهريّة بالوجع الداخلي.
تعتقد أنك حالة متفرّدة، فأنت يهوذا أحياناً، محمّل بذنوب البشرية دون ذنب اقترفته، وأحياناً أخرى تصبح المسيح، تحمل عن البشر خطاياهم بنفس راضية، تتساءل: من سيشي بالآخر؟ ومن سينجو من الهلاك؟
كيف اكتشفت مرضك؟ الصدفة/ القدر جعلك تقرأ بوست على فيسبوك نشره صديق، عرض فيه أعراض المرض، كلّ شيء ونقيضه في فترات الاكتئاب، قلّة النوم، عدم الرغبة الجنسيّة، فقدان الشهية، الانعزال، والميل للصمت.
الآن يحضرك صلاح جاهين ببسمته وأشعاره التي أغرقتنا في السعادة، لماذا كتب "أميرة حبّي أنا" في عام النكسة؟ هل كانت الحياة في عينيه لونها "بمبي" فعلاً أم كان يداري بها حزناً عميقاً وقاتلاً دفعه للانتحار؟ لماذا عاش صُنّاع الكوميديا حياة تعيسة، بينما عمّروا قلوبنا بالضحكات الصافية؟
هيمنجواي أيضاً يخرج من ذاكرتك، يجالسك الآن بعدما فاز بنوبل وحقّق ما لم يحققه كاتب غيره، ورغم ذلك، وبعد جلسة كهرباء، جلس إلى مكتبه وراح يكتب رائعته "وليمة متنقّلة" ثم بهدوء، التقط البندقية التي اشتراها له والده يوماً، وفجّر رأسه، والده أيضاً انتحر بنفس الطريقة، وربما بنفس السلاح.
يحضرك صلاح جاهين ببسمته وأشعاره التي أغرقتنا في السعادة، لماذا كتب "أميرة حبّي أنا" في عام النكسة؟
هذا أيضاً ما فعله الممثل الكوميدي الأشهر روبن وليامز، الذي شنق نفسه بحزامه بعد سنوات من البهجة وهبها لهذا العالم المسكين.
هكذا تخلّصوا من نارهم وجنّتهم، حرّروا أجسادهم التي عانت من السعادة المفرطة والحزن المميت.
أما أنت فلا تزال مُدركاً أن الحياة هِبَةٌ ولعبةٌ ممتعة، وأن خروجك منها لن يكون بهذه البساطة والاستسلام، وأن الموت هو أغمض ما في الوجود، وليس من الحكمة أن تترك الواقع بمعطياته، بسعادته وتعاسته، بجنونه وحكمته، ببساطته وتعقيداته لتمضي نحو المجهول.
قال لك طبيبك: تصالح مع مرضك.
وقلت لنفسك: تصالحي مع مرضي هو تصالح مع العالم الخارجي، وعليك أن تستغلّ نوبات الاهتياج، كما عليك أن تتعامل مع اكتئابك، فهذا هو أنت، المسيح/ يهوذا، أنت البسمة والوجع، ولا يوجد في حياتك بين بين، هذا هو قدرك فاستمتع به مهما كان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع