شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
حتى لا يتكرر الانتحار وقتل الأبناء... أمهات

حتى لا يتكرر الانتحار وقتل الأبناء... أمهات "أطفال التوحد" يبحثن عن المساعدة النفسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 6 يونيو 202204:49 م

تواجه أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها اضطراب طيف التوحد، تحديات وضغوطاً في ظل مجتمع يرفض هؤلاء الأطفال ويفرض عليهم وعلى أسرهم العزلة، فضلاً عن التكاليف المرتفعة لعلاجهم وتأهيلهم، وما يواجهونه من تنمر وصعوبات دمجهم في المؤسسات التعليمية نتيجة غياب تأهيل المدرسين في المدارس المصرية على التعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. كل هذه العوامل مجتمعة تضغط على أسر الأطفال المصابين بأطياف التوحد، وخاصة الأمهات اللواتي يتلقين أسهم الاتهام بالمسؤولية عن حالة الأبناء بالتلميح أو التصريح.

يجتمع كل هذا مع ضغوط الحياة الأخرى، لتنتج أمهات يبحثن عن المساعدة ولا يجدنها، وقد يدفعهن الخوف على أطفالهن، إذا اجتمع مع الاكتئاب، لقتلهم، ظناً أن هذا هو السبيل الوحيد لحمايتهم من العالم، كما فعلت أم مصرية من محافظة الدقهلية، كانت مسؤولة عن رعاية ابنها الأكبر المصاب بالتوحد، وطفلين آخرين.

إخصائية نفسية: معاناة أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة تتضاعف في ظل وجود زوج غير داعم لا يشارك الأم في المسؤولية ورعاية الطفل، كما أن المجتمعات العربية لا تقبل الطفل المختلف، ولا تعرف كيفية تقديم الدعم للأم وطفلها

العلم يحذر

افتراضات عديدة دارت حول أسباب إقدام الأم على إنهاء حياة أبنائها ثم محاولة الانتحار، منها افتراض انها أصيبت بمتلازمة اكتئاب ما بعد الولادة، وهو نفسه ما تفيد تقارير صحافية أن الأم أدلت به في أقوالها.

لكن إذا توقفنا عند تفاصيل أسرة السيدة، نجد أن لديها طفلاً مصاباً بالتوحد، وهو ما صدرت بشأنه دراسات عديدة، حديثة في أغلبها، عن أثره على أمهات هؤلاء الأطفال.

دراسات علمية في أوروبا وأمريكا والعراق: أمهات الأطفال المصابين بالتوحد يعانين الاحتراق النفسي والاكتئاب، والشعور الدائم بالتقصير والوحدة، والخوف المستمر من المستقبل، ويصبن بالاكتئاب متفاوت الحدة ويكثرن التفكير في الموت 

ففي دراسة حديثة نشرتها الدورية الأوروبية للصحة العامة، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحت عنوان "الضغط والاحتراق النفسي لأمهات الأطفال المصابين بالتوحد"، وجد الباحثون الثلاثة العاملون على الدراسة، أن هناك "ارتباطاً قوياً" بين إصابة الأمهات بمعدلات مرتفعة من الضغط والاحتراق النفسي، ووجود طفل مصاب بالتوحد Autism. فيما وجدت دراسة مسحية (أوسع نطاقاً) أجريت في الولايات المتحدة، أن هناك أعراضاً قوية للاكتئاب ظاهرة لدى الآباء والأمهات المسؤولين عن رعاية الأطفال المصابين بأحد طيوف التوحد، وأن حدة الاكتئاب تتناسب طردياً مع شدة التوحد.

 النتائج نفسها توصلت إليها دراسة عربية أجراها الباحثان العراقيان رضوان صديق سعيد وجاجان جمعة محمد، ونشرتها جامعة دهوك في إقليم كردستان العراقي. تفيد الدراسة (متاح نصها عبر بنك المعرفة المصري) أن الرعاية والاهتمام بالطفل ذي الاحتياجات الخاصة من مسببات الضغوط النفسية؛ حيث تؤثر مسؤولية الرعاية بشكل سلبي على الصحة النفسية لمقدمي الرعاية، وبالخصوص أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. كما أظهرت نتائج الدراسة أن عينة البحث التي شملت 36 أماً لطفل توحدي يعانين من مستوى مرتفع من الاحتراق النفسي.

الواقع يؤكد العلم

داخل مجموعات الدعم التي شكّلها أسر الأطفال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تتشابه حكايات أمهات أطفال التوحد في مأسويتها، ولكن بدرجات متفاوتة وفقاً لمدى شدة توحد الطفل، وكذلك وجود أب متعاون وأسرة تشارك الأم مسؤولية الابن أو الابنة المصابين بالتوحد.

 تراوح شدة الحالات بين التوحد الخفيف والمتوسط، والشديد، والتوحد العالي الأداء المعروف بمتلازمة أسبرغر، كما أن بعض الأمهات يرزقن بأكثر من طفل توحدي لأسباب وراثية.

أم لطفل توحدي: "الأمهات وحدهن يتحملن المسؤولية"، ونادراً ما يتعاون الآباء في تحمل مسؤولية الطفل المتوحد ومشقة رعايته

التقى رصيف22 بعدد من أمهات الأطفال التوحديين، لمعرفة أبرز أشكال الضغوط النفسية التي يتعرضن لها بسبب اضطراب أبنائهن، وتكررت شكاوى الأمهات من مشكلة الحرمان من الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم لأن لدى بعض أولئك الأطفال نشاطاً مفرطاً واضطرابات بالنوم، أمّا التنمر بأطفالهن ولوم الآخرين الأم واتهامها بالتقصير في التربية والعلاج، فكانت من أشد الضغوط وطأة على نفسية الأمهات، خاصة أن مخاوفهن بشأن مستقبل أبنائهن، واحتمالية تعرضهم للأذى والضياع في حال وفاة الأم، تُسيطر على تفكيرهن. بينما تعاني أخريات من العنف الشديد، ونوبات الغضب التي يمر بها أولادهن، لا سيما خلال فترة المراهقة، التي تنجم عنها أضرار جسدية وعصبية للأم وتحطيم محتويات المنزل.

مسجونة طوال العمر

حنان رجائي أم لطفل توحدي تقول إن "الأمهات وحدهن يتحملن المسؤولية"، ونادراً ما يتعاون الآباء في تحمل مسؤولية الطفل المتوحد ومشقة رعايته.

تواصل رجائي: "لأنه لا يوجد علاج محدد للتوحد، تصبح الأم مسجونة طوال العمر مع ابن لا يستطيع الكلام، ويحتاج لمرافق طوال الوقت وإلاّ تسبب في كارثة، وتعيش حالة من العزلة حيث يتجنبها معظم الأهل بسبب حالة ابنها"، مشيرة إلى الأعباء المادية الكبيرة المرتبطة بجلسات العلاج وأجور معلمي الظل Shadow teachers والدروس الخصوصية، ما يجعلها تتساءل "هل أسرق لتوفير تلك الأموال أم أنتحر لأتخلص من الأعباء؟".

حنان: أفكر كثيراً في الموت، أخشى أن أموت فأترك ابني ورائي في مجتمع لا يرحم معاناته، وأفكر في الموت كخلاص من دوامة لا تنتهي
يوجد في مصر 18 مركزاً حكومياً لتقديم الرعاية النفسية لنحو 104 ملايين مصري، في وقت تصل فيه تكلفة الجلسة الواحدة في إحدى العيادات الخاصة إلى 450 جنيهاً على الأقل، ما يجعل العلاج النفسي رفاهية بعيدة بالنسبة لأغلب المصريين 

كغيرها من أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، تفكر حنان كثيراً في الموت وتخشى ترك طفلها وراءها، كما تفكر فيه أحياناً كخلاص من "دوامة لا تنتهي".

ومثلها هبة هاشم، أم لطفل توحدي، حصلت على دبلوم تربوي ودبلوم في الصحة النفسية، لتتمكن من التعامل مع طفلها بالطريقة المُثلى، وبسبب الضغوط التي تواجه ذوي أطفال التوحد، قامت بتأسيس مجموعة دعم على فيسبوك تضم آلاف الأهالي وأخصائيين في التربية الخاصة والتخاطب وعدداً من الأطباء النفسيين. تؤكد هبة بحكم ما مرت به وما تتابعه عبر المجموعة كل يوم، أن الأمهات يواجهن ضغوطاً نفسية وعصبية وصحية واجتماعية ومادية، نظراً للتكلفة الهائلة للمعيشة والتأهيل والتدريب والرياضة التي يحتاجها الطفل التوحدي، بجانب تكاليف الكشف الطبي والمتابعة والأشعة والتحاليل، مؤكدة أنهن كثيراً ما يشعرن بالضعف والهشاشة والكآبة والرغبة في البوح. 

"فكرت أموّت نفسي وعيالي"

"أم أيسل" لجأت إلى طبيب نفسي بعد أن لاحظت أنها لا تتمكن من النوم حتى عندما تتاح لها الفرصة، وإذ ذاك جرى تشخيصها بمرض الاكتئاب. تقول: "الآن بت محرومة من النوم تماماً، بعد ميلاد طفلي الثالث الذي يحرمني النوم ليلاً، ورعاية طفلي التوحدي الذي يستحيل في وجوده النوم خلال فترات يقظته، بجانب الضغوط المادية وانشغال زوجي بالعمل، واضطراري أنا الأخرى للعمل لتوفير نفقات علاج ابني ودراسة ابنتي".

أم لطفل توحدي: "بقالي فترة تعبانة نفسيًا وجسدياً لدرجة أني فكرت أموّت نفسي وعيالي"

وتضيف: "بقالي فترة تعبانة نفسيًا وجسدياً لدرجة أني فكرت أموّت نفسي وعيالي"، مؤكدة أن حادث الأم التي ذبحت أطفالها الثلاثة بمحافظة الدقهلية ذكرتها بنفسها وتلك الأفكار التي راودتها، وجعلتها تسارع إلى الطبيب النفسي "مش عاوزة أوصل للمرحلة دي".

الخاطر نفسه راود فريدة عبدالعظيم، وهي أم لطفلة توحدية. تقول فريدة لرصيف22: "بعد رحلة دامت ثلاث سنوات من البحث عن علاج ابنتي، شعرت أنني مستنزفة نفسياً وجسدياً ومادياً، ودخلت في حالة اكتئاب شديد، كنت أبكي يومياً، أهملت أطفالي ومظهري وحتى نظافتي الشخصية، لم أعد أجد الطاقة لفعل أبسط الأمور، وصل بي الأمر لتمني الموت لي ولابنتي، وحين رأيت إعلاناً لطبيبة نفسية تتحدث عن الاكتئاب قصدت عيادتها، وكان بدل الجلسة 300 جنيه، بعد ذهابي لجلستين قررت أن جلسات علاج طفلتي أولى بتلك الأموال، لكن البوح للطبيبة أراحني كثيراً".

العلاج النفسي رفاهية

تقصر خدمات التأمين الصحي الخاصة والتي يعتمد عليها قطاع من المصريين غير العاملين في الحكومة عن إدراج خدمات طب الأسنان والعيون والرعاية النفسية من ضمن تغطيتها، هذا في وقت يحرم فيه أكثر من 40% من المصريين – وفقاً لأحدث إحصاء في 2022- من خدمات التأمين الصحي.

 وتشكل الخدمات الطبية الخاصة أكثر من 80% من حجم التغطية الصحية في مصر، إذ يعتمد أغلب المواطنين عليها لصعوبة النفاذ إلى الخدمات الصحية في المؤسسات التابعة للدولة وصعوبة شروطها وتواضع مستواها في بعض الأحيان. وتغيب خدمات الرعاية النفسية عن الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة على نطاق واسع، إذ تقدم في مستشفيات ومراكز الصحة النفسية القليلة في البلاد والتي لا تزيد على خمسة مستشفيات و13 مركزاً "عيادة" في عموم البلاد.

   ويكون النفاذ إلى خدمات الرعاية النفسية مرتبطاً بالقطاع الخاص الذي تبتعد أسعار خدماته عن متناول يد معظم الأسر. وهي معلومات تؤكدها جميعاً دراسة كاشفة نشرها منتدى حلول للسياسات البديلة تحت عنوان "الصحة العقلية في مصر: حاجة غير ملباة، الأولويات والحلول الممكنة".

مراكز وجمعيات مساعدة المصابين بالتوحد تكرس خدماتها المقدمة للأسرة والطفل لصالح الطفل فقط، ولا يوجد من ضمن برامجها توفير العلاج النفسي للأمهات، خاصة في ظل ضعف الإمكانيات

الأم ليست أولوية

تعتقد الأخصائية النفسية مآثر ياسين أن الضغوط النفسية التي تتعرض لها أمهات أطفال التوحد، ترجع لكون التوحد "اضطراباً يتميز بالانغلاق والنمطية، ويسبب إرباكاً للأم والأسرة"، مشيرة إلى أن البرامج العلاجية لأولئك الأطفال أغفلت الأم التي تتعرض للإرهاق والخوف على مستقبل طفلها، وفشلها في التواصل مع طفلها الرافض للتواصل الاجتماعي، بجانب غياب المساندة العائلية واتهام الأم بأنها السبب، وكثرة المشاجرات الزوجية؛ فمنذ تشخيص حالة الطفل تتغير حياة الأسرة جذرياً، وعادة ما تمر الأم بمرحلة الصدمة وخيبة الأمل والحزن ثم الإنكار كحيلة دفاعية، ثم الحداد وفقدان الأمل، ثم الشعور بالخوف والخجل وتجنب الناس، ثم الشعور بالذنب والغضب، ثم تقبّل الطفل وتفهم حالته.

وتقسّم مآثر الضغوط التي تتعرض لها الأمهات إلى داخلية وأخرى خارجية، وتشمل الضغوط الداخلية "نقد الذات، والتحليل المفرط للأمور، والأفكار السلبية، وشخصنة الأمور، والتسلط والتمسك بالرأي"، وهو ما يؤدي للاحتراق النفسي والإرهاق العقلي والجسدي، ويلازمه شعور بالعجز وانخفاض تقدير الذات وغياب المشاعر الإيجابية وتفهم الآخرين، والخوف والتوتر والقلق وسلوكيات كالتدخين واضطرابات النوم والأكل، والعزلة والفشل في أداء المهام اليومية، والنسيان وعدم التركيز، وقد يصاحبها تسارع ضربات القلب والتنفس وظهور مشكلات صحية منها تقرحات المعدة وارتفاع ضغط الدم واضطرابات الهضم وزيادة إفرازات الغدة الدرقية.

الباحث أحمد حسن، المختص في خدمات المجتمع والإرشاد يعد رسالة الدكتوراة حول الضغوط الاجتماعية التي تواجهها أمهات أطفال التوحد، يقول لرصيف22 إن هذه الفئة من الأمهات تواجه ضغوطاً ناتجة عن حالة الابن المعاق، وأخرى نفسية نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، ما يولد درجة عالية من الضغط النفسي. مشيراً إلى أن العلاج ينقسم لنوعين، الأول يتمثل في التكيف مع الضغوط، والثاني هدفه مواجهة تلك الضغوط والسيطرة عليها، مؤكداً أن الضغوط النفسية أو الاجتماعية لا تنتهي ولا يمكن القضاء عليها، لكن يمكن التخفيف من أثرها ومواجهتها عبر التوجيه والإرشاد والاجتماعي إلى جانب المساعدة النفسية.

فرص شحيحة

بحث رصيف22 عن مراكز وجمعيات تهتم بتقديم الرعاية النفسية لأمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة أمهات الأطفال المصابين بالتوحد، ووجد أن الجمعيات والمؤسسات المعنية برعاية المصابين بالتوحد، لا توفر خدمات الرعاية النفسية للأمهات، وإنما يقدم معظمها خدمات الإرشاد الأسري التي تستهدف تدريب الأسر ومساعدتها على التعامل الأمثل مع الطفل، وإدارة الغضب بالنسبة للآباء والأمهات، من دون توجه إلى تقديم خدمات العلاج والرعاية النفسية للأم.

تقول الدكتورة أماني مرسي، نائبة رئيس مجمع خدمات الإعاقة الشامل بعين شمس، (مؤسسة حكومية) إن مركز تأهيل التوحد بالمجمع يُقدّم استشارات أسرية عبر لجنة الإرشاد الأسري التي تدرس الحالات وتقدم الدعم للأمهات للتخفيف من غضبهن، كما تُعقد دورات تدريبية لأمهات وآباء أطفال التوحد لتعليمهم كيفية التعامل معهم ولا سيما في فترة المراهقة التي تعد الأصعب، وتُقام ورش تدريبية للأخصائيين والأهالي معاً لمعرفة فروق التوحد والاختبارات المختلفة، كما يتم عمل أنشطة ترفيهية للأطفال وذويهم تشمل الرحلات وحفلات أعياد الميلاد لتحسين الحالة النفسية لهم.

الجلسات نفسها تنظمها الجمعية المصرية للتوحد برئاسة الدكتورة داليا سليمان، التي تقول لرصيف22 إن "الحالة النفسية لمعظم الأمهات تتأثر بالسلب بمجرد تشخيص إصابة أبنائهن بالتوحد، وربما يصبن بالاكتئاب، وقد يتزلزل كيان الأسرة وينجم عن ذلك انفصال الأبوين أو هجر أحدهما للطفل وبيت الزوجية".

وتؤكد سليمان أن الأمهات يواجهن بعزلة اجتماعية شديدة تزيد من الضغوط النفسية وإحساسهن بالوحدة والضعف في مواجهة الضغوط نتيجة صعوبة تقبل المجتمع لطفل التوحد، ما يدفعهن للابتعاد والانعزال حفاظاً على أبنائهن من مواجهة الكراهية والتنمر.

تعترف سليمان أن الخدمات التي تقدمها الجمعية والجمعيات والمراكز الخاصة بخدمات أطفال التوحد تركز على الطفل، وأن جلسات الإرشاد الأسري المقدمة هدفها مساعدة الأسر، وبخاصة الأمهات على التعامل السليم مع الطفل المتوحد، وتوجه الجمعيات والمراكز إمكانياتها وجميع التبرعات التي تصلها لأجل هذا الغرض ما لا يدع مساحة لتقديم الرعاية النفسية المتخصصة التي تحتاجها الأمهات.

وتشدد مؤسسة الجمعية على أهمية دور الأم في حياة الطفل التوحدي، لأنها هي التي تقضي معظم الوقت مع الطفل مقارنة مع الأخصائيين والمراكز، مشيرة إلى أن المجتمع يحمّل الأم العبء الكبير وغالباً ما يترك لها الأب مسؤولية طفلهما.

وتلفت سليمان لأن مصر تخلو من بيوت إيواء ورعاية للتوحديين في حالة وفاة الوالدين، مطالبة الحكومة المصرية بإنشائها على غرار الدول المتقدمة، لأن أهالي أطفال التوحد يؤرقهم مصير أبنائهم بعد وفاة الوالدين، ولا سيما إذا كانت حالتهم شديدة ويحتاجون للرعاية. 

اكتئاب الأم خطر على حياة أبنائها

تُحذّر الطبيبة والمعالجة النفسية الدكتورة سارة النجار من مخاطر الضغوط النفسية التي تتعرض لها الأمهات وحالات الاكتئاب عليهن وعلى أبنائهن، إذ تعاني الأمهات عموماً من مشاعر الذنب وعدم الاستحقاق والحزن الدائم والتقصير وعدم الكفاية، ويظهر هذا مع اكتئاب الحمل وقد يتكرر في اكتئاب ما بعد الولادة، إذ تواجه الأم خلال هاتين الفترتين اضطراباً هرمونياً ومجهوداً نفسياً وبدنياً واستنزافاً للطاقة يسبب لبعضهن الاكتئاب، وتفاقم تلك المشاعر إذا كان الطفل مصاباً بإعاقة ما.

وتؤكد النجار على خطورة اكتئاب الأم على صحتها ودورها، مشيرة إلى أنه يدخل مرحلة الخطر حين  تداهمها الأفكار الانتحارية والرغبة في الموت والاختفاء، والشعور بأن أطفالها يستحقون أماً أفضل، وأنها تريد لألمها أن ينتهي على الفور، وهذا الشعور هو ما يدفع المكتئبين للانتحار، مؤكدة أن اكتئاب الأم يمثّل خطراً على حياة أبنائها أيضاً، مضيفة أنه على الأسرة والأصدقاء والمجتمع تقديم الدعم للمكتئبين والمكتئبات عبر محاولة تخفيف شعورهن بالتقصير والذنب ونصحهم بالعلاج النفسي المتخصص، وعدم وصم العلاج أو التقليل من شأنه لصالح الصلاة وقراءة القرآن، فالاكتئاب مثل أي مرض عضوي يحتاج إلى التشخيص السليم والعلاج. ويجب التواصل مع الطبيب لمعرفة كيفية التعامل مع الأم المكتئبة، ويُفضّل أخذ أطفالها ورعايتهم لنحو ساعتين يومياً للسماح للأم بالتمشية أو ممارسة الهوايات.

وتشير النجار إلى أن معاناة أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة تتضاعف في ظل وجود زوج غير داعم لا يشارك الأم في المسؤولية ورعاية الطفل، كما أن المجتمعات العربية لا تقبل اختلاف الطفل وليست كل المدارس والأندية توافق على التحاقه بها، ولا تعرف كيفية تقديم الدعم للأم وطفلها، ويقع على الأم عبء إقناع الدوائر الاجتماعية المحيطة بها باختلاف طفلها وطريقة التعامل به، بجانب العبء البدني الواقع عليها لرعايتها للطفل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image